الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

عائلة القنافذ

الوسطية في كل شيء مطلوبة فإذا تعدت صفة ما حدود المعقول أصبحت مكروهة حتى و إن كانت محمودة في موقف آخر, و العلاقات بين الأصدقاء و الأخوات تختلف من وقت لآخر و بين مجموعة و أخرى، بين قرب شديد يقيد حرياتهم و يشعرهم بالحجر على عقولهم و حياتهم، و تباعد مضني يشعرهم ببرودة الوحدة و الفراغ و إحساس اللامبالاة، و كلا الأمرين سيئ.

قصة "آباء و أبناء" يختار فيها زكى نجيب محمود "القنافذ" مثالا لمجموعة، و قد اختارها من بين غيرها من الحيوانات لأن تتميز بشوكها الذي يمنع أحد من الاقتراب إليها حتى لو كان من نفس فصيلتها لكيلا يجرح و يسيل دمه، فهي مثال واضح لعيوب التقارب الشديد، و قد أظهر الكاتب الحكمة في سطور مستقلة بشكل صريح لاهتمامه الشديد أن تصل تلك الحكمة الهامة للكل...

آباء وأبناء

يحكى أن جماعة من القنافذ كانت تعيش معا فى سفح الجبل ، فلما جاءها الشتاء ببرده المثلوج ، وأخذتها فى الليل رعشة تناولت منها المفاصل والعظام ، اقترح عليها واحد منها ان يجتمع شتيتها فى كومة متلاصقه حتى يدفئ بعضها بعضا بحرارة أجسادها ، لكن جماعة القنافذ لم يكد يلتصق بعضها ببعض طلبا للدفء ،
حتى احس كل منها وخز الابر الحادة المسنونه التى تغطى أجساد زملائه ، فما هو الا أن افصحت كلها عن كظيم آلامها وطلبت ان تعود الى مواضعها المتفرقة ، فلذعة البرد أهون من هذا الوخز الاليم ، وعادت القنافذ فتفرقت كما كانت اول امرها ، لكنها كذلك عادت فأحست زمهرير الشتاء يهز كيانها هزا عنيفا ، وكأنما نسيت ازاء هذا البلاء ما كان من الم الوخز منذ قريب ، فصاح بعضها ببعض ينشد كلها التلاصق مرة اخرى حتى يعود لها الدفء ،
وعاد وخز الابر وانساها الالم الحاضر الم الماضى ،
فضجرت وتفرقت مرة اخرى وهكذا دواليك : اقتراب وابتعاد واتصال وانفصال ، الى ان قال منهم
قائل حكيم : خطؤنا فى المبالغة والاسراف ، فاذا ابتعدنا أوغلنا فى البعد حتى فقد كل منا دفء اخيه وتعرض للبرد الشديد ، واذا اقتربنا أوغلنا فى القرب حتى وخز كل منا جلد اخيه فأدماه ، والحكمة هى فى اختيار الموضع الصواب بين الطرفين بحيث ننجو من الوخز دون ان نفقد دفء التقارب ما استطعنا اليه سبيلا .
وحكاية القنافذ هذه تقفز الى ذهنى كلما سمعت بخلاف يدب بين افراد الاسرة الواحدة ، او بين جماعة من الاصدقاء .
فكأنما اراد الله لنا الا نقع ابدا على هذا الموضع الصواب فى علاقتنا بعضنا ببعض ، بحيث يبعد كل منا عن شئون الآخرين بعدا يتيح لهؤلاء الاخرين ان يشعروا بشخصياتهم مستقلة قائمة بذاتها .
وبحيث لايكون ذلك البعد سببا فى حرماننا من دفء العاطفة التى يستمدها بعضنا من بعض .

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

أشد حبا لله

فى الحديث القدسي

"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب"

إذا كنت لا محالة ظالماً فاحذر كل الحذر أن تظلم أحد أولياء الله العابدين الطائعين.. فقبل أن يقول "حسبي الله و نعم الوكيل" فإن الله تعالى سوف ينتقم له و يدافع عنه .. إقرأ معى قول الله "إن الله يدافع عن الذين آمنوا"، و قوله "أليس الله بكاف عبده"

بداية... كيف يرقى المؤمن إلى منزلة "ولى الله" ؟

أصل الموالاة القرب و بالتالي يعرف ولى الله بأنه العالم بالله ، المواظب على طاعته ، المخلص في عبادته

كيف ينالها الإنسان؟

السبيل إلى ذلك بزيادة الطاعات بالنوافل و التماس رضاه في كل موقف، مفضلا طاعة الله و إتباع كتابه و سنة نبيه على طاعة نفسه ؛لينال محبة الله و هي غاية المنى و أهم مطلب في الحياة "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"

و تلك المنزلة ليست بعيدة المنال كما يتصور عامة الناس أو مقصورة على الأولين أو الأنبياء بل قد ينالها عابد مخلص بحسن ظنه بالله و كثرة ذكره له و مداومته على العمل الصالح و إن قل؛ المهم أن يتقبل الله و إنما يتقبل الله من المتقين البعيدين عن المحارم و الشبهات.

هل لتلك الولاية من علامات؟

علامات محبة الله للعبد أن تتبع جوارحه أوامر الله فلا يجد مشقة في الطاعة ولا تتمزق نفسه في مقاومتها و منازعتها بين الخير و الشر، تجد سمعه يجتنب سماع اللغو من القول أو اللهو و القول الجاهل أو التصنت عن الآخرين أو حضور مجالس سوء ، و بصره لا يتجه إلا لما أمر الله به و يبتعد تلقائيا عما هو محرم، و يده لا تتحرك إلا في طاعة الله و لا تمتد لإيذاء أحد إلا بالحق ، و رجله لا تمشى إلا في سبيل الكفاح المشروع في الحياة و العمل الشريف ليعول نفسه و من يعول أو للمسجد أو مساعدة الغير و السعي في حاجات الآخرين أو صلة الأرحام و غير ذلك من المساعي الحميدة؛ لا إلى معصية أو أماكن اللهو و الفجور، فكأن كل جوارحه و أعضاء جسمه- التي ستشهد عليه و تنطق يوم القيامة- تعاونه في طاعة الله و بلوغ مرضاته.

ما هي جوائز أولياء الله؟

  1. يكون مستجاب الدعوة

    إذا كان لديك مصباح علاء الدين السحري ستكون في منتهى السعادة لأنك تضمن أن كل ما تريده و تتمناه سيتحقق، فإذا ضمن لك أن كل ما ستدعو به سوف يتحقق مع شيء زيادة أفضل: هو أن يتحقق فقط ما فيه الخير و الصالح لك؛ أليست تلك هبة و نعمة كبرى من الله؟ تلك خاصية يختص بها الله أولياءه المخلصين.

  2. يعيذه الله و يحفظه من كل سوء:

    الشرور تحيط بالإنسان من كل جانب؛ منها شرور طبيعية من مصائب قدرية كالحرق و الهدم و المرض و كل ما يستعاذ منه، و منها شرور البشر و مكرهم، و يكرم الله سبحانه أولياءه بحفظهم من كل تلك الشرور بحفظه و عنايته.

  3. لا خوف عليهم و لا يحزنون:

    ألا ما أعظمها من جائزة؛ تزول أسباب الخوف و القلق الذي يعصف بحياة الإنسان فيجعل حياته تفكيرا مضنياً مرهقاً يحول بين التمتع بقيمة و جمال الحياة، و لشدة إيمانهم و تسليمهم بأمر و قضاء الله فإنهم لا يحزنون أبدا لأن الله اختار لهم الأفضل حتى و إن اختلف ظاهر الأمر و لكنه اليقين الذي يملأ نفوسهم.


     

    و لتكن البداية أن يتغلب حب الله في نفوسنا على حب من سواه، فقد قضى الله أنه من انشغل عن الله بشيء عذب به و لابد.


     

    و صدق الله تعالى "و الذين آمنوا أشد حبا لله"

اللهم إنا نسألك حبك و حب من ينفعنا حبه عندك.


 

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

أبداً.. لم يكن وهماً


هل الحقيقة هي ما نراها بأعيننا، و الوهم ما خفي عنا فنتحدث إليه أو عليه فقط دون مشاهدته أو سماعه؟


الحقيقة هي ما نصدقها و نطمئن إلى حدوث نتائجها و تحقق أشراطها و علاماتها.


أما الوهم فهو السراب، كلمة مائعة مصيرها التسويف أو الإهمال، و أماني آخرها التحويل و أشباح الخيال


و لله المثل الأعلى وصف نفسه بأنه الملك الحق: "فتعالى الله الملك الحق"


و رؤية الجنة حق و رؤية النار حق


و عين اليقين هي العين التي سيرى بها الإنسان يوم القيامة الجحيم التي ذكرت في القرآن و سوف يسأله الله عندئذ عن النعيم الذي تمتع به في حياته و كيف أنفق ماله و عمره و صحته.


و تخاصم أهل النار حق، حيث يلقى المجرمون على بعضهم الملامة و المسئولية عن المصير البائس الذي وصلوا إليه.


و الحق فوق الباطل دائما يغلبه و ينتصر عليه مهما طال الصراع


"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق * و لكم الويل مما تصفون"


و من ثقة الإنسان في وعود ربه أن يثق فيما عند الله أكثر مما يثق فيما بين يديه و أن رزقه الذي فى السماء - و الذي أقسم الله أنه حق مثلما ننطق - سيأتيه و لابد فى الوقت الذي قدره الله.


و لذا لا يشترط أن نرى الشيء حتى نصدقه، تكفى علامات وجوده، و ثقة وعوده، و اكتمال الصورة الذهنية للصفات و النتائج، فليس كل حقيقة ترى.


و سؤال متعلق بهذه الفكرة : هل الحب ينشأ من القلب أم العين؟ أي هل من الضرورة رؤية المحبوب قبل أن يتعلق القلب؟


و الإجابة ببساطة في مثال و كلمة


المثال: حب الأم لطفلها جنيناً لم يخرج للحياة بعد، تظل تحبه و ترجو رؤيته و تهيئ له ملابسه و فراشه و تتخيل ملامحه و قسمات وجهه الصغير، و تتحمل آلام الحمل وعذاب الوضع المرير، صابرة مستسلمة حتى تتلقفه بين يديها لتراه عيناها لأول مرة بعد طول اشتياق.


الكلمة: الحب مكانه في القلب و يسكن فيه، و بالتالي ينبع من القلب إلى جميع خطرات و جوارح الإنسان و من ضمنها العين فهي تحت سيطرة القلب و تابعة له.


و كم من مجهول أضاف إليه الغموض جمالا و بهاء، و لما ظهر و أصبح معلوماً زالت تلك الهالة من حوله و عاد شيئا معتاداً.



الأحد، 13 سبتمبر 2009

عبس و تولى

إن الله تعالى ينصر الضعيف و يسمع من يناجيه مهما كان شكله أو مكانته بين الناس طالما قلبه عامر بالإيمان؛ فرب أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء فيستجاب له و يتقبل الله منه و لا يتقبل من غنى شريف بين الناس.

و الفقراء يدخلون الجنة قبل غيرهم من الأغنياء فيرحمهم الله من سوء الحساب و طول الانتظار في أيام الآخرة التي هي كألف سنة من سنوات الدنيا ، فهم خفيفون بقلة ما امتلكوا في الدنيا، أما الأغنياء فسوف يحاسبون على أموالهم الكثيرة و كيف أنفقوها؟ حسابا يحصى كل كبيرة و صغيرة..

و الضعفاء الذين لا حول لهم و لا قوة يسمع الله استغاثتهم و شكواهم إليه، كما في سورة المجادلة:

"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله"

امرأة مستضعفة كادت تتعرض للتشريد هي و أولادها إلا أن ينقذها الله و يحكم الرسول لها بما أراه الله، جاءت الرسول و هي تأمل الخير بعدما اشتكت إلى الله فسمعها سبحانه و أنزل قرآنا في أمرها - و كم من الناس أعلى الله شأنهم فأنزل فيهم قرآنا يتلى على مر الأزمان- و استجاب لها و رحم ضعفها و حيرتها.

لقد علمنا الله الآداب القرآنية، قال تعالي: "عبس و تولى أن جاءه الأعمى" فقد عاتب الله نبيه الحبيب على عبوسه في وجه الأعمى، و كان سبب العبوس انشغال الرسول بدعوة أقوام شرفاء أراد دعوتهم للإسلام... بالرغم من كونه أعمى و لا يرى وجه من يتحدث إليه و لا يشعر بعبوسه إلا أن له حق الاهتمام به مثل المبصر تماما.

أفلا نتعلم من هذه الآية ألا نعبس في وجوه من حولنا خاصة إذا كانوا يقصدوننا في خدمة أو عمل؟ و الكلام موجه خصيصا للقائمين بإدارة مصالح الناس العامة، فكلهم في الهم سواء الموظف و المواطن طالب الخدمة كلاهما محمل بهموم المعيشة، فلماذا لا يرحم بعضنا بعضا؟ فمن مشى و سعى في حاجة أخيه يسر الله له أموره و كفى بذلك جزاء و خيرا كثيراَ.

ليس العبوس مكروهاً في وجه الغريب فقط؛ بل الأشد منه العبوس في وجه القريب الذي يلجأ إليك أو حتى بين أفراد الأسرة الواحدة اعتمادا على أن كل واحد منهم سيتحمل الآخر و أنه يمكن الاستغناء عن التجمل و كلمات الشكر الرقيقة في المنزل تخففا من روتين العمل و المجاملات المفروضة في تعاملات الناس الخارجية، و لكن هذا خطأ بالطبع فالعبوس و العنف لا يأتي بخير بل يزيد من الجفاء و يثير الغضب، كما أن الابتسام و الكلمة الطيبة لن تكلف الإنسان شيئاً بل سيريح نفسه و غيره.


 

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

دقات العمر

من منا لم تؤرقه دقات الساعة في أوقات القلق و الانتظار المرير؟ من لم يخرج الساعة المدوية من مكان نومه حتى لا يصاب بالجنون و قد استعصى عليه النوم في ليل طويل؟

دقات الساعة الرتيبة ليست فقط حركة عقارب و ثوان و تروس متتابعة بل هي حركة عداد العمر...العمر الذي ينتقص كلما مرت الساعات فيمضى العمر الثمين و ترحل ليالي كنا نظنها كثيرة و هي في الحقيقة معدودة قليلة.

"أليس الصبح بقريب؟"

مهما طال الليل فلابد له من نهار.. فلماذا يتعجل الإنسان حدوث الأشياء؟ حقاً لقد خلق الله الإنسان من عجل، لماذا لا يستمتع باللحظة الحالية بكل ما فيها؟ فليس الغد بأفضل من اليوم و ليس اليوم بأفضل من الأمس...

لماذا نفسد الحاضر بانتظار و ترقب المستقبل البعيد إذا كان مشرقا نأمل فيه الخير، أو القلق الشديد بشأنه إذا كان معتما نخشى منه الغدر.

ما أعجب الإنسان..

الطفل غير راض عن كونه صغيرا و الكل يتحكم فيه و مراقب من الوالدين في أفعاله و أقواله متلقيا التوجيه و اللوم و في كل وقت ...فهو يتمنى أن يكبر سريعاً.

الشاب غير راض عن كونه لم يعمل بعد فهو يتمنى أن يستقل بذاته و يكون حياته الخاصة.

الرجل غير راض عن كونه أصبح مقيدا بسلاسل من المسئولية لينفق على أسرته و متطلباتها الكثيرة فهو يدور في دوامة الحياة لا يكاد يلتقط أنفاسه.

الموظف غير راض عن كونه ملزماً بالحضور و الانصراف في مواعيد ثابتة فهو يتمنى لو استقل بعمله ليكون متبوعا لا تابعا و لا تحكمه اللوائح.

المحال على المعاش غير راض عن كونه لديه وقت فراغ طويل و لا أحد يهتم بخبرته فى الحياة.

الفتاة تتمنى أن تتزوج لتكون ملكة في بيتها فتترك أكثر الناس حباً لها و أرأفهم بها: والديها.

السيدة تتمنى أن تنجب أطفالا يملئون حياتها بهجة و صخبا.

الأم تتمنى أن يكبر أبناؤها لتتخفف من مسئولية التربية التي أثقلت كاهلها.

الجدة تتمنى و تستجدى زيارة الأبناء و الأحفاد بعد أن تشعر بوحشة المكان بعد أن غادره الأبناء بالزواج أو السفر واحداً تلو الآخر.

لماذا هذا الإنسان غير راض عن وضعه في كل مرحلة عمرية من حياته و لما يصل إلى ما يتمناه يعرض عنه و يتمنى شيء آخر؟ أليس الأفضل أن يرضى كلٌ بما هو متاح لديه؟

لقد أمرنا الله بالرضا و نهانا عن تمنى ما بيد الآخرين، قال تعالى: "و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"

كما أمرنا بألا نتعجل الأحداث فهي آتيه في وقتها التي قدرها الله سبحانه: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"

و علاج الأرق سهل و أكيد بذكر الله و صلاة ركعتين فى غسق الليل تذهب القلق ليحل مكانها الطمأنينة و هدوء النفس.

أما وقت الفراغ الطويل فذلك يستدعى خطة محكمة فقتل الوقت (و هو تعبير دارج مرفوض) هو قتل للعمر فهل يرضى إنسان لنفسه أن تتسرب أيامه من بين يديه؟ إن وقت الفراغ ليس مفتوحا أو مباح إهداره في أشياء تافهة مثل التسكع في الطرقات أو لعب النرد (الزهر) أو مشاهدة مباريات الكرة بشكل مبالغ فيه ، و بالنسبة للفتيات و السيدات لا يصح تضييع الوقت في التسوق الغير هادف و كثرة الحديث في الهاتف ، وعلى الجميع عدم إضاعة الوقت في الجدال العقيم فكثرة الكلام بغير ذكر الله تميت القلب.

و لكي تتحقق البركة في الوقت لمن لديه أعمال كثيرة أو للطلاب وقت الامتحانات يجب تنظيم الوقت بحيث يتم تنفيذ الأهم فالمهم و محاولة العمل المتوازي (أي في نفس الوقت) للأعمال التي تسمح بهذا و التخطيط الأمثل للوقت.

كل الأوقات تمضي بخيرها و شرها.. ما يهم هو العاقبة و النتيجة؛ إن كان العمل فيها خيرا فخير و إن كان شرا فشر.


 

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

كيف تشملك نعمة غيرك؟

إن أصحاب القلوب الصافية و الفطرة السليمة يعتبرون فضل الله على غيرهم بشرى لهم و فضل و كرم من الله، فيسعدون لسعادتهم و يتمنون مثلها من الله، أما ذوي الأحقاد و القلوب المريضة فيستاءون ويقارنون ما لديهم بما لدى غيرهم و ربما يستكثرون النعمة على غيرهم و تنهشهم الغيرة فيدمرهم الحسد و يفسد عليهم حياتهم، و لا يقنعون بفضل الله عليهم فتكون عقوبتهم أن يأكل الحسد أعمالهم يوم القيامة كما يأكل النار الهشيم.

فالذى يفرح لنعمة أصابته فقط يسعد في أوقات معدودة محدودة ؛ أما الذي يفرح لفرح غيره فيفرح مرات و مرات و يعايش مشاعر جميلة عاشها من قبل أو تمنى أن يعيشها فتضئ له حياته و تغمرها بالرضا و الأمل ، و العكس صحيح فإذا رأى المسلم ضراً أصاب أحداً تأثر له وساعده، وواساه فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ؛ و إن كان أغلب الناس يتأثرون بمصائب الغير و لكن ذلك وقتياً و بمرور الوقت ينسى الناس ما كان فلا يتذكرون المصاب و لا يتعهدونه بالرعاية و العون بل يتركونه في خضم الحياه يناضل و يكافح بلا سند ممن حوله فلا يتذكرونه إلا إذا أصابهم مثلما أصابه و دارت عليهم الدوائر.

و الغبطة أن تتمنى مثل النعمة الحاصلة لغيرك فيكون ذلك حافزاً للوصول إلى الأحسن و يؤدي إلى التنافس محمود، أما الحسد فهو أن تتمنى زوال نعمة غيرك و هو بالطبع خلق مذموم و فعل محرم ؛ قال تعالى "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".

و في القرآن الكريم قال الله تعالى في سورة مريم "هنالك دعا زكريا ربه"؛ لقد كان سيدنا زكريا يجد عند مريم رزقاً كثيراً كلما دخل عليها المحراب و لما سألها من أين لك هذا ؟ أجابته "إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" هنالك انطلقت من أعماق القلب دعاء خالص أن يهبه ذرية طيبة و هي الأمنية التي طالما تمناها زكريا عليه السلام حتى اشتعل الرأس منه شيباً فاستجاب له الله ووهبه يحي عليه السلام حناناً من لدنه و الذي كان براً بوالديه و كان صالحاً تقياً.
و مطلوب من المؤمن أن يشكر الله أيضا على نعمة الغير كما في دعاء الرسول عليه الصلاة و السلام "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد و لك الشكر"و أن يطلبه لنفسه أيضاً كما فى الدعاء "اللهم ما قصر عنه رأيي ولم تبلغه نيتي، ولم تبلغه مسألتي، من خير وعدته أحدا من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك، فإني أرغب اليك فيه"

فياليتنا نترابط و نتكافل معاً و نلتزم بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا تحاسدوا و لا تباغضوا و كونوا عباد الله إخوانا" كى نحيا فى سعادة و نجنى ثمرة الطاعة بفضل الله و برحمته.

الأحد، 23 أغسطس 2009

مطاردة الظلم

بطل القصة فتى ليس وسيما و لا ذكيا، أحول و يرى الدنيا بمنظار أعوج مما أكسبه بلاهة تبدو واضحة لمن يراه، و مع ذلك فقد فاجأ أباه يوماً بسؤال يبدو تافها : سأله عن معنى كلمة سمعها في الطريق في مشهد أمامه، و هذه الكلمة هى محور القصة بل محور الحياة .. إنها "الظلم"

كان تفسير الأب لهذه الكلمة ظالما أيضا فقد أراد ضرب مثل للظلم ليقرب الصورة لابنه فذكر له "أن الخادمة عندما تجلس على مقاعد أسيادها الحريرية فهي ظالمة" أي أنه جعل مساواة الناس الأغنياء منهم و الفقراء نوعا من أنواع الظلم و هذا بالطبع تعريف ظالم و خاطئ!!

و لكن هل استوعب الفتى كلام أبيه؟ عندما يعجز العقل تقوى الفطرة، فقد أحس الفتى بفطرته أن تلك الكلمة لها شأن كبير و دور عظيم في لعبة الحياة و تعاملات البشر، فحفظها عن ظهر قلب و ظل يرددها، و من شدة التأثر راح يكتب تلك الكلمة في كل مكان تقع عينه عليه بدءا من منزله.. فما كان من الوالدين إلا التهديد و الوعيد، و ظنت الأم أن علاج الأزمة في مسح الكلمة من مواضعها في المنزل فمسحتها بقطعة قديمة من القماش.. و لكن هل يمسح الظلم بسهولة؟!

بعد أن استخدم الفتى الطباشير "الأبيض" في الكتابة داخل منزله لجأ إلى الفحم "الأسود" في الكتابة على مدى أوسع في الطرقات و على الجدران، و لم يكتف بهذا فاستخدم الأشد من ذلك "طلاء أسود" صعب إزالته ليدهن به تلك الكلمة على أبواب المحلات التجارية و يا لها من مصيبة لهذا التاجر الذي كتب على باب محله "ظلم" فذلك ينفر و يبعد الزبائن بالتأكيد..

الموضوع يزداد معه و لا يستطيع الفتى مقاومة يده التي تكتب الكلمة في أي مكان بالرغم من وعده لأبيه بعدم فعل ذلك.. و لكن ما باليد حيلة تلك الرغبة الجارفة دفعته- بعد هدوء نسبى- إلى "حفر" كلمة ظلم على باب دار "الحكومة" بقدرة غريبة و دون أن يشعر به أحد، و كاد أن يدخل السجن لولا شفقة رجال الشرطة!

و كانت النصيحة و الحل الأخير لهذه الحالة المتردية التي وصل إليها الفتى أن تهدأ أعصابه بالبعد عن مركز الأحداث التي تذكره بتلك الكلمة الرنانة فليذهب إلى الريف إذن، و اصطحبه والداه في رحلتهم بالقطار .. و لكن الأبوين – و يا للعجب - طاردتهم كلمة "ظلم" ليس بخط ابنهم هذه المرة؛ بل سمعاها في صوت احتكاك عجلات القطار مع القضبان في طريق طويل ممتد ...سمعاها بشكل مخيف و متكرر ..إنها تدوي "ظلم ظلم ظلم ".

و في النهاية.. من الظالم ؟ ذلك الفتى ظلم أصحاب المحلات الذين أفسد عليهم أبواب محلاتهم؟

أم الظلم نفسه الذي انتشر و توغل في كل مكان؟

أم أن الظالم و المظلوم وجهان لعملة واحدة فالمظلوم ظالم لنفسه بقبول الظلم و عدم الدفاع عن حقه ، و الظالم مظلوم باستسلام الناس له و عدم منعه من الاستمرار في الظلم؟

أم أن المظلوم في موقف ما هو نفسه ظالم لشخص آخر فى موقف ثان و هكذا.. يظلم القوى الأضعف منه فيظلم الضعيف بدوره من هو أشد ضعفا منه .. و بهذا تكتمل حلقة بغيضة من الظلم...

هل علمت الآن ما سر مطاردة الظلم للفتى و أسرته أينما ذهبوا؟ لأن وجود الظلم حقيقة لابد أن تظهر يوماً مهما حاول الناس إخفاءها و إنكارها.


 

ظلم – زكى نجيب محمود

كان الفتى فى عامه الثانى عشر أو الثالث عشر ، طويلا نحيلا ، فى عينيه اليمنى حول ظاهر ، ولايفارق عينيه منظار التوت ذراعاه فمال على أنفه ، وكانت تبدو على الفتى علامات البلاهة التى لايخطئها النظر .
سأل أباه ذات يوم اذ هما على مائدة الغداء ، فقال :
- كلمة ظلم ما معناها ؟؟
- وأين سمعتها ؟؟
- سمعتها رجلا يصيح بها فى الطريق ، يصيح بها وهو يدفع عربة صغيرة عليها بطيخ وشمام ، وكان الشرطى من ورائه يصفعه ويركله .
- الظلم هو ان يوضع الانسان فى غير موضعه اللائق به ، فاذا جلست الخادمة على مقاعدنا الحريرية فذلك ظلم ، واذا اسندت الرياسة الى من لايستحقها فذلك ظلم ، واذا اخذ العامل اجرا على غير عمل فذلك ظلم ، واذا ظفر بالراحة من لم يعمل فذلك ظلم ، كذلك من الظلم ان يفلت من العقاب من هو حقيق به ، وهكذا . كل هذه امثلة لناس وضعوا فى غير اماكنهم الصحيحة .
سمع الفتى هذه الاجابة من ابيه فى انصات ظاهر ، وكأنما أعجبه رنين الكلمة فراح يرددها وهو بعد على مائدة الغداء ، وبلغاعجابه بالكلمة ان كان ينطق بها فى نغمات مختلفة ، ثم يضحك ضحكاته البلهاء .
ولما أصبح صباح اليوم التالى ، ارتاعت أم الفتى لما رأته فى كل ركن من أركان الدار......اذ راح الغلام منذ الصباح الباكر يكتب بقطعة من الطباشير كلمة " ظلم " يكتبها على المقاعد والموائد والجدران ، يكتبها أينما وجد فراغا يصلح للطباشير أن يخط عليه ، فهى على أوانى المطبخ ، وهى على البلاط ، وهى على جوانب الاثاث ، وهى على السجاد القاتم ......
ونودى الغلام وسئل عما فعل ، فلم يزد على أن ضحك ضحكة بلهاء ، وماذا يصنع الابوان فى ابن يعلمان فيه البلاهة ؟؟
انهرته أمه ونهره أبوه وتهدداه بالعقاب الصارم إذا عاد الى مثل هذا العبث ، ثم طفقت الام تمسح " الظلم " من أجزاء بيتها بخرقة بالية ! .
ومضى يوم واحد ، جاء بعده الجيران يشكون الغلام لأبويه ، فقد ظفر بقطعة من الفحم ، وراح يتسلل الى حيث استطاع سبيل من دورهم ، وأخذ يخط كلمة " ظلم على الاشياء فيفسدها ، حتى أتلف للجيران أبوابهم ونوافذهم وجدرانهم وأثاثهم .
فضربه أبوه ، وسأله فى غيظ قائلا :
ما الذى يغريك بهذه الكلمة تكتبها فى كل مكان ، تكتبها لنا بالطباشير ، وللجيران بالفحم ؟
فاجاب الغلام بعينين دامعتين : لست ادرى يا أبت ! اعف عنى هذه المرة ولن أعود . لكن لم يكد يمضى يوم آخر ، حتى جاء أصحاب الدكاكين المجاورة يشكون الغلام لوالديه ، فقد ظفر هذه المرة بما ليست تمحى آثاره فى يسر ، كما محيت آثار الفحم والطباشير ، ظفر بوعاء فيه طلاء اسود وفرجون ، جاء به من عمارة قريبة يقام بناؤها ، وراح يغافل أصحاب الدكاكين ويكتب أمام متاجرهم ، على الطوار : " ظلم " ، " ظلم " فشوه بخطه الردئ من ناحية ، واساء الى المتاجر واصحابها من ناحية اخرى ، لأن هؤلاء يريدون اغراء الزبائن بما يكتب أمام متاجرهم ، لاتنفيرهم بالمعنى السيئ والشكل الردئ .
وهاهنا بلغ الغيظ من الوالد ابلغ مداه ، وجاء بغلامه امام الشاكين يضربه ضربا مبرحا هذه المرة ، حتى مست الرحمة قلوبهم وهم الغرباء قبل ان تمس قلبه وهو الوالد .
وساله ابوه من جديد : ما الذى يغريك بهذه الكلمة تكتبها لنا بالطباشير ، وللجيران بالفحم ، ولهؤلاء الناس بالطلاء ؟
فاجابه الغلام بصوت مخنوق بالبكاء : لست ادرى يا أبت ! اتركنى هذه المرة ، ولن اعود الى مثل ذلك ابدا .
لكن الغلام لم يكن عند وعده هذه المرة أيضا فمضت ثلاثة أيام لم يعكر صفوها " ظلم " يصيب احدا من الناس ، وفى اليوم الرابع تأخر الغلام عن موعد عودته من المدرسة ،وشغل الابوان وبحثا عنه فى مظانه كلها فلم يعثرا له على أثر حتى اذا ما كانت الساعة العاشرة أو نحوها فى الليل ، دق الجرس وأسرع الابوان فى لهفة الى الباب ، فاذا ابنهما فى صحبة رجل من رجال الشرطة .
قال الشرطى : هذا ابنكم وجدناه ينقر بابا لدار من دور الحكومة بمبراة : فأخذناه الى قسم الشرطة وكتبنا عن الامر " محضرا" لكننا نريد مواصلة سؤاله وعقابه غدا ، ورأينا ان تسوقه الى داره ليقضى ليله مع والديه حتى لايشغلا عليه بالا ونظر الغلام الى ابيه نظرة يطلب بها العفو والعطف ، فلم يسأله أبوه عن شئ ، وبات محزونا .
حتى اذا ما جاء الصبح ، وذهب الى الدار الحكومية التى أتلف الغلام بابها بمبراته ، وجد ابنه قد حفر على الباب كلمة " ظلم " – حفرها كلمة كبيرة عميقة ، حتى ليدهش الرائى كيف استطاع ان يصنع ذلك كله فى ظلمة الليل ، وأين كان الحارس طول الساعات التى استغرقها الفتى فى حفر هذا كله على باب من الخشب الصلب المتين .
واتفق رجال الشرطة مع الوالد الحيران ان يخلوا له سبيل الغلام ، وكان ذلك بمشورة طبيب استشارة الوالد فى أمر ولده ، فأشار الطبيب بأن يصحب ابوان ابنهما الى مكان من الريف لتهدأ اعصابه لأنه مريض .
وكم عجب الوالدان وهما فى القطار أن سمعا عجلاته تقرقع على القضبان فى صوت واضح لاسبيل الى إنكاره : ظلم . ظلم . ظلم .


 

السبت، 15 أغسطس 2009

هكذا يكون الطبيب

نجيب محفوظ اسم اشتهر في عالم الأدب ..و لعل سر تسميته بهذا الاسم هو أن الدكتور نجيب محفوظ قام بالإشراف على ولادته و من هنا جاءت تسميته فكأن اسم نجيب محفوظ رمزاً للنبوغ و الشهرة و العالمية.

و حديثنا اليوم عن الطبيب و ليس الأديب نجيب محفوظ الذي كانت مروءته و إحساسه العميق بمسئولية ورسالة الطبيب سبباً في أن في مجال النساء و التوليد بدلا من الجراحة و أن يكون ذلك فاتحة خير بالنسبة له ليحقق نجاحا باهرا و يساهم في نهضة علمية كبيرة في مصر و العالم.


 

وليد ذي رأس مقطوع يحول مسار الدكتور نجيب محفوظ:

رافق الدكتور نجيب أحد الأطباء الأجانب ليشرف على وضع البنج لإحدى السيدات المتعسرات في الولادة و شاهد كيف استعمل الطبيب الجفت لشد الطفل و لما لم يفلح أداره قليلا و حاول إخراج قدميه ثم باقي جسمه و سأل الدكتور الأجنبي نجيب أن يساعده في جذب الطفل و لكنه اعتذر حيث لم تكن له خبرة سابقة في التوليد فقد كانت كل معلوماته من خلال قراءته في بعض الكتب التي أهداها له أحد أصدقائه ، و لم يفلح الطبيب في إخراج الرأس فقطعت بداخل رحم الأم و ماتت الأم و بداخلها رأس الجنين في نهاية مأساوية و لم يستطع نجيب أن ينسى منظر الطفل وهو بدون رأس فقد آلمه أنه لم يستطع أن يساهم في إنقاذ هذه السيدة و منذ هذه اللحظة عاهد نفسه على أن يهب حياته لطب النساء و الولادة لإنقاذ المتعسرات في الولادة ، و كم هو هدف نبيل أن يجتاز المصاعب ليخفف من آلام المرضى مهما بذل من جهد و سهر في سبيل ذلك0


 

مروءة الطبيب

و له مواقف نادرة فقد كان جهز نفسه لرحلة علمية في أوروبا و رتب كل شيء و حجز تذاكر السفر ثم حدث أن جاءته إحدى السيدات مصابة أثر الولادة و كانت تسكن في أقصى الصعيد و نصحوها بالذهاب إلى نجيب محفوظ لأنه الوحيد المتخصص في مرضها ، و لأنها كانت فقيرة و لابد لها من العلاج فقد قطعت الطريق كله من بلدتها إلى القصر العيني سيرا على الأقدام مستجدية من الناس ما يسد رمقها و عندما وصلت المستشفى وقعت على الأرض بين الحياة و الموت و عندما علم بذلك الدكتور نجيب أدخلها المستشفى أعدها للعملية و أجل سفره حتى لا تنتظره المريضة و هي في هذه الحالة، فهل سمعتم عن طبيب يؤجل سفره بسبب مريض كأن هذا المريض من أهله أو عشيرته؟!


 

صدف عجيبة

كانت دعوات المريضات اللاتي دعون الله له عرفانا بعلاجه لهن و شفائهن على يديه مجابة فقد حالفه التوفيق في مراحل حياته المختلفة و نجى من مخاطر مميتة كان من الممكن أن تودي بحياته عدة مرات ؛ فقد زار في رحلة سياحية بركان فيزوف و تسلقه و عندما غادر المدينة التي تحتويه انفجر البركان و تسببت الحمم البركانية المنصهرة في موت الآلاف من سكانها و السياح الذين تصادف وجودهم في لحظة الانفجار، و مرة أخرى تأخر عن القطار الذي سيركبه في أوروبا فإذا به يسمع في اليوم التالي أنه اصطدم بآخر لنقل البضائع ، و كذلك سقوط طائرة كان من المفترض أنه بداخلها لولا أنه أجل سفره ؛ و غير ذلك من الصدف العجيبة ، بل لقد لحق الحظ السعيد أحد أصدقائه القدامى في دمياط عندما قام لتوه من مكانه بالقهوة التي كان يجلس بها ليسلم على نجيب محفوظ فإذا بالشرفة التي كان يجلس تحتها صديقه تنهار و يموت من كان يجالسه في القهوة!.


 


 

الاثنين، 3 أغسطس 2009

طب النفس

هذه المقالة للكاتب أحمد أمين كتبت فى عام 1940 تقريبا أى منذ ما يقرب من 70 عاما و لكنها لا تزال تنبض بالحياة و تشع بالفائدة فهى تعكس خاصية للإنسان و هى إهمال الجانب الروحى والتعلق الشديد بالجانب الحسي من حياته و يتعرض لأسباب ذلك و نتائجه ، و إن كان الزمان اختلف و الاهتمام بالطب النفسي في تقدم و تطور اليوم عن الأمس، أما عن نظرته للمثقف فنظرة يشوبها نوع من المبالغة ، فليس على الإنسان أن يقف عند حدود إمكانياته بل يتطلع و يطمح إلى التغيير و اكتساب مهارات جديدة؛ فإن أخفق فيكفيه شرف المحاولة ، و إنما المطلوب منه الصدق مع نفسه و مراجعتها بين الحين و الآخر لمعرفة الطريق السليم و إعادة تكوين - و ليس تطبيع- نفسه بما يلائمها و يتناسب مع قدراتها بلا شطحات و لا خيالات غير قابلة للتحقيق حتى لا يضيع عمره و يصاب بالصدمات النفسية عند تكرار الفشل.

و لا شك أن الكاتب في تطرقه لها الموضوع أثار قضيه هامة تخص المجتمع و خاصة شريحة هامة منه هى شريحة المثقفين ، و أهمية السلامة النفسية للإنسان و تقديمها على السلامة الجسمية.

و نستعرض الآن أجزاءً من المقال:


 

من المشاهد أن الناس يؤمنون أشد الإيمان بمرض أجسامهم و لا يؤمنون بمرض نفوسهم، فإذا شعر أحدهم بمرض جسمي أسرع إلى الطبيب باذلاً الأموال مهما جلت ثم هو يمرض نفسياً فلا يهتم بذلك كأن نفسه أهون عليه من جسمه، و روحه أتفه من بدنه.

آلام الناس من نفوسهم أكثر من آلام جسومهم، و أضرار المجتمعات من مرضى النفوس تفوق أضرارها من مرضى الجسوم، و للنفس أمراض لا حصر لها ؛ فهناك حميات نفسية متعددة كحميات الأجسام و هناك ميكروبات نفسية كالميكروبات المادية ، و هناك عدوى تصيب النفوس كعدوى الأجسام و كذلك انفعالات تحرق النفس و تضني البدن، و لكل من هذه الأمراض علاجات تختلف باختلاف المرض و الشخص.


 

و السبب في أن الناس تنصرف عن علاج نفوسهم أنهم لا يزالون يسبحون في دائرة الحس وحده و لم يرتقوا إلى ملاحظة النفوس و شئونها، أو لأنهم لا يؤمنون بأطباء النفوس إيمانهم بأطباء الأجسام فلا يعتقدون في صلاحيتهم و يتشككون في قدرتهم على العلاج فيستسلمون للمرض النفسي كما يستسلمون لمرض جسمي استحال شفاؤه، و قد يكون السبب ن الناس يؤمنون بسهولة أمراض النفوس و قدرتهم على الشفاء منها بدون طبيب و هذا خطأ فادح؛ فأمراض النفوس كأمراض الجسم فيها ما يداوي و فيها ما يستعصي على الطبيب الماهر.


 

لأمراض النفس سباب عدة من حالة صحية و بيئة اجتماعية و بذور ميكروبات تسربت إليها من كتب قرتها و أحاديث سمعتها و مناظر رأتها، و لعل أهم مرض نفسي يصيب طائفة المثقفين

و سببه أنهم لا يريدون أن يكونوا أنفسهم و يريدون أن يكونوا غيرهم.

لقد خلقت النفوس البشرية متشابهة في بعض جهاتها و مختلفة في جهات أخري ، فكل وجه به عينان و أنف و غم و لكن لكل إنسان وجهه الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره.

كذلك النفوس ؛ لكل إنسان نفسه الخاصة و مما ألاحظه أن نفس كل إنسان إن سارت على فطرتها و عرفت أن تتغذى بما يناسبها و طلبت لها مثلاً أعلى يتفق و طبيعتها عاشت في الأغلب راضية مطمئنة، و إن خالفت فطرتها و حاولت أن تكون غيرها أظلمت و أصابها الحزن و القلق و الاضطراب ، و فقدت سعادتها و اطمئنانها، و محال أن تنال ما يخالف فطرتها.


 

يسعد الإنسان إذا عرف طبيعته و حدوده التي لا يستطيع أن يصل إليها و نوع الرقي الذي يمكن أن يبلغه ، فإن حاول أن يكون غير ذلك كان في الحياة ممثلاً لا يعيش الطبيعة و محال أن يوائم بين نفسه الحقيقية و الدور الذي يمثله إلا بمقدار ما يظهر علي المسرح فإن هو حاول أن يطيل ذلك فجزاؤه السخرية منه و قلق نفسه و اضطراب شأنه.

فأكثر أسباب اضطراب المثقف ناشئ من أنه غبي يريد أن يكون ذكياً، أو ميال بطبعه إلى العزلة و الانكماش يريد أن يكون وجيهاً شهيراً، أو عالم يريد أن يكون أديباً أو العكس أو خجل يريد أن يكون وقحاً... ثم يخفق و يخفق، لأنه يكلف نفسه ضد طباعها و هذا الإخفاق يهز نفسه هزة عنيفة تسبب له القلق الروحي و الاضطراب النفسي، هو بذلك يريد أن يكون إنسانا صناعيا و هو مخلوق إنسانا طبيعياً؛ فالتوفيق محال فخير نصيحة لهذا و لأمثاله أن نقول له:

"كن نفسك و لا تنشد إلا مثلك"


 

الجمعة، 31 يوليو 2009

عظات و عبر من سورة يوسف

سورة يوسف اشتملت على كثير من الفوائد و العبر، و صدق الله العظيم إذ ختمت السورة بقوله تعالى "إن في قصصهم لعبرة لأولى الأبصار" و من تلك الفوائد:

  • جواز استعمال الحيل و المكايد التي يتوصل بها الإنسان إلى الحقوق كما فعل يوسف حيث ألقى الصواع (إناء الملك) في متاع أخيه ثم استخرجها منه ليوهم بأنه سارق و يبقى أخاه عنده ، إنما الممنوع هو التحايل بالمكر لإسقاط واجب.
  • أنه ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة و سوء حال أن يعترف بنعمة الله عليه و يتذكر حالته الأولى كما قال يوسف "و قد أحسن بى إذ أخرجني من السجن و جاء بكم من البدو".
  • جواز إخبار الإنسان بما يجد من مرض أو فقر بدون تسخط على قدر الله كما قال إخوة يوسف "يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر" و لم ينكر عليهم أخوهم يوسف قولهم.
  • الحذر من شؤم الذنب و أن الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة فأخوة يوسف لما أرادوا التفريق بين يوسف و أبيه احتالوا لذلك بأنواع من الحيل و كذبوا عدة مرات و زوروا القميص و الدم الذي به و اتهموا الذئب بأكله.
  • الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة فإن امرأة يوسف قد كان منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف و حبها الشديد له.
  • ينبغي للمرء إذا رأى محلاً فيه فتنة و أسباب معصية أن يفر منها و يهرب ليتمكن من التخلص من المعصية كما فر يوسف هاربا يطلب الباب ليتخلص من شر امرأة العزيز
  • أن المؤمن إذا خير بين أمرين إما فعل معصية و إما عقوبة دنيوية أن يختار العقوبة الدنيوية على اقتراف الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا و الآخرة.
  • أن من دخل الإيمان قلبه و كان مخلصاً لله في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه و صدق إخلاصه الكثير من أنواع السوء و الفحشاء "و هم بها لولا أن رءا برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصين".
  • لابد للمؤمن البعد عن أسباب الشر و كتمان ما تخشى ضرره و هذا من الأخذ بالأسباب ، كما فى قول يعقوب "يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً".
  • لا بأس للإنسان أن يخبر عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل إذا كان في ذلك مصلحة و لم يقصد به الرياء أو الكذب لقول يوسف "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
  • أن من وقع في مكروه أو شدة لا بأس بأن يستعين بمن له القدرة على تخليصه و هذا لا يناقض التوكل على الله بل هو من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس ببعضهم كما قال يوسف للذي ظن انه ناج من الفتيين الذين طلبا منه تعبير الرؤيا "اذكرني عند ربك" أي اذكرني عند سيدك ، و لكن كل شيء يقدره الله بحكمة فقد أنسى الشيطان ذلك الفتى طلب يوسف و لم يتذكر إلا عندما طلب الملك تأويل و تفسير رؤيته ".
  • أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسراً فلما طال الحزن على يعقوب و اشتد به و فقد يوسف و أخاه و مسه الضر و الاضطرار؛ أذن الله بالفرج و تم بذلك الأجر و حصل السرور و عاد إلى يعقوب بصره فإنما يبتلى الله أوليائه ليمتحن صبرهم و شكرهم ثم يوفيهم أجرهم بغير حساب.

إن القصص القرآني زاخر بالعظات و العبر و ما هذه الفوائد إلا نقطة صغيرة في بحر التدبر في قصة يوسف عليه السلام ؛ نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علماً.


الجمعة، 24 يوليو 2009

واأسفي على يوسف

الأبناء هم قرة العين و مهما زاد عددهم و تباينت أعمارهم فلكل منهم محبة و ذكريات خاصة، و بالرغم من تحقيق العدل بينهم إلا أن للقلب شأن آخر؛ فقد يميل و يهفو لأحد الأبناء لصغر سنه أو لجماله الشديد و براءة نفسه، فيبدو الحب و ينكشف مكنون الصدر رغم عدم التصريح، ظاهرا لباقي الأبناء مثيرا لدواعي الغيرة فيستجيب الأخوة لنزغ الشيطان و همزاته بمحاولة إيذاء ذلك الأخ المميز المصطفى ذي الحظوة و المكانة عند أبيه، أو التخلص منه نهائيا ليخلو لهم الجو و تصفو لهم مشاعر أبيهم و ينصرف إليهم بعطفه و اهتمامه، و هم يرون أن تصرفهم هذا له مبرر؛ فأبوهم في ضلال مبين بحبه الشديد لهذا الأخ، و لابد لهم أن يعالجوا الأمر بطريقتهم، ثم يتوبون من الذنب - و الله غفور رحيم - فيفوزوا بحب أبيهم وعفو ربهم و يكونوا من الصالحين.

و ما أشد فجيعة الأب عندما يصدم بفقد ولده الحبيب و الحرمان من رؤيته خاصة إذا كان يتوقع ذلك بإلهام من الله؛ و على يد من؟ إخوته...الذين هم أيضاَ أبناؤه و سنده في شيخوخته الطاعنة، الذين ادخرهم لحماية أخيهم العزيز و رعايته صغيرا حتى يبلغ أشده و يصبح في قوتهم و بأسهم...

قصة يوسف عليه السلام من أجمل القصص القرآني و هي آية في التصوير الفني لحياة نبي كريم ، و قد ذكر الله القصة كاملة في سورة يوسف بينما ذكرت قصص أخرى منفصلة في سور مختلفة و لذلك حكمة ، فقصة يوسف وجدانية تتعلق بمشاعر غيرة و إيذاء و حب و خيانة و ظلم و سرقة و حيلة و مفاجآت كثيرة؛ التقاء بعد طول شتات و رؤية بعد عمى و تحقيق رؤيا بعد سنين طويلة .. و كل هذه المشاعر يكتمل الإحساس بها إذا جمعت في سياق سورة واحدة حتى لا تنسى بعض أحداثها من الذهن بل تكون جميعها في خيط واحد متصل.

لقد ثبته الله في أصعب اللحظات و هو لا يزال صغيرا ملقى في ظلمات بئر بعد أن انتزعه إخوته من حنان أبيه فقد أوحى إليه في تلك اللحظة أن ستأتي لحظة أخرى في حياته يخبر إخوته عما فعلوا به في طفولته و هم لا يعرفونه: "و أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا و هم لا يشعرون" فما أرحمه سبحانه و لطفه بعباده.

سميت السورة باسم النبي يوسف الذي تعرض لكثير من الفتن و الابتلاءات و حفظه الله بحسن خلقه و صرف عنه شرورا كثيرة و رفعه مكانا عاليا بتأويله رؤيا الملك و انقاد مصر و ما حولها من سنين جدباء و أصبح على خزائن مصر يدير أمورها بحكمة و أمانة؛ كما كان تفسير يوسف لتلك الرؤيا سببا في خروجه من السجن و إبرائه من تهمة امرأة العزيز له و أن يصبح مقربا خالصا للملك، و كان لتلك السنين العجاف حكمة في أن يأتي إخوته إلى مصر للحصول على طعام و يتم لقاؤه بهم و تتحقق الرؤيا.

و ما أكثر المفاجآت التي احتوتها قصة يوسف مثل:

  • خروج يوسف من البئر على يد من ألقى بالوعاء في البئر ليخرج الماء "قال يا بشرى هذا غلام"
  • حضور فرعون ليجد امرأته ممسكة بجزء من ثوب يوسف المقطوع "و ألفيا سيدها لدى الباب"
  • انبهار النسوة بجمال يوسف و جرح أيديهن عند رؤيته "فلما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن "
  • اكتشاف وجود إناء الملك في أمتعة الأخ الأصغر ليوسف و اتهامهم بالسرقة لإبقاء ذلك الأخ مع يوسف "ثم استخرجها من وعاء أخيه"
  • مقابلة يوسف لإخوته و هم يجهلونه و دهشتهم الشديدة لذلك "قالوا أئنك لأنت يوسف"
  • ارتداد البصر ليعقوب بعدما القوا قميص يوسف على وجهه "فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا"

و كل هذه المفاجآت تزيد من حيوية القصة الكريمة و كمال تأثيرها و سبحان الله العظيم

و أشد الآيات تأثيرا عندما علم يعقوب بفقد الأخ الأصغر ليوسف

"قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم * و تولى عنهم و قال يا أسفى على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون * يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"

لقد اعتزلهم و اختلى بربه القريب؛ لتفيض نفسه و عينه بالدموع بعيدا عن لومهم له، و كانت النتيجة هي فقدان البصر

و ما كان لوم أبنائه له إلا من خشيتهم عليه أن يهلك و يموت من شدة الحزن على يوسف بعد كل هذه السنوات، و لكنه يشتكي إلى الله، و إلى من يشتكى الإنسان؟ إلى بشر مثله ضعيف أم إلى قريب مجيب؟ فمن التجأ إلى الله فقد احتمى بركن شديد...

حتى في أقسى اللحظات، لم يفقد يعقوب الأمل بل أمر أبنائه بالرجوع إلى مصر و عدم اليأس من روح الله ...و تم اللقاء و اجتمع الشمل و طابت النفوس.

و تتجلى قوة الإيمان عندما يستحضر يوسف عليه السلام فضل الله عليه في لحظة تحقيق رؤيته؛ راجيا منه أن يتولاه و يرعاه ، آملا في حسن الخاتمة.

"رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات و الأرض أنت ولى في الدنيا و الآخرة توفني مسلما و ألحقني بالصالحين"


 

و للحديث بقية....


 

الجمعة، 10 يوليو 2009

احذر الذنوب

تشعر بضيق في صدرك تتلون معه الحياة باللون الأسود؟

تشعر بوحشة بالرغم من وجود الناس حولك؟

تحيط بك الهموم من كل جانب؟

تتعلق نفسك بأمل بعيد المنال كلما اقتربت منه ازداد عنك بعداً؟

تشعر بحاجز بينك و بين الله عندما تصلى أو تدعو؟

تتوالى عليك المحن و لا تدري ما السبب؟

إنها الذنوب و هذه علامات و دلائل هامة لتكاثرها، و علاجها الأكيد في الاستغفار...


 

الاستغفار هو طريق النجاة من هذه المهالك، فمغفرة الله تضاعف الرزق بجميع أنواعه في المال و الزرع و الأولاد ؛فما أكرمه عز و جل، اقرأ معي قول الله تعالى "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرار و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم أنهارا"

و لابد أن يقترن الاستغفار بالتوبة من الذنوب و العزم القوى على هجرها و اجتنابها.

ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه و إن تاب منها و أقلع عنها، فمن الناس من يسكن و يطمئن إلى قبول التوبة بلا خوف أو ندم، و قد يسهل عليه العودة إلى الذنوب بلا مقاومة للشيطان و كيده و تحايله بكل السبل ليرجع الإنسان إلى ظلمة المعصية مرة أخرى.

و لنا في الأنبياء أسوة حسنة؛ ورد في الصحاح أن الناس يأتون إلى آدم عليه السلام فيقولون اشفع لنا فيقول: ذنبي؛ و إلى نوح عليه السلام فيقول: ذنبي؛ و إلى إبراهيم و موسى و إلى عيسى صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين فيقولون مثل قولهم ، فهل كان لهؤلاء الأنبياء ذنوباً؟ لم تكن ذنوباً حقيقية ثم إنهم تابوا إلى الله و مع ذلك هم على خوف من الله.


 

و للمعاصى من الآثار القبيحة المضرة بالقلب و البدن ما لا يعلمه إلا الله ، منها تعسير الأمور على العاصي؛ فكما أنه من اتقى اللهً جعل له من أمره يسراً؛ فمن ترك التقوى جعل له من أمره عسراً، فهو يجد ظلمة في قلبه حتى أنه يقع في البدع و الضلالات و الأمور المهلكة و هو لا يشعر– قال تعالى "و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون" .


 

و المعاصي تقصر العمر و تمحق البركة ، كما أنها تتكاثر بمعنى أن تكون سبباً في توالد معاصي أخرى حتى ليصعب على العبد الإقلاع عنها؛ و يكون عقاب الله له أن يرسل على الذي يعتاد ارتكاب المعاصي الشياطين لتغريه بالشر وتدفعه إليها دفعاً– قال تعالى "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً" .

و تجد العاصي هيناً على ربه - وما أشد ذلك - فإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد ، قال تعالى "و من يهن الله فما له من مكرم" و بالتالى تورثه ذلاً لا يفارقه إلا أن يتوب.

كما أن تكرار الذنوب يطبع على قلب صاحبها فيكتب من الغافلين و يكون على قلبه غطاء كثيف لا يتخلله نور الإيمان- قال تعالى "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"

و تكون المعاصي سببا لزوال النعم و مجيء النقم - قال تعالى "و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير".

فجدير بالمؤمن ألا ينظر إلى كبر الذنب أو صغره فى نفسه بل ينظر إلى قدر من عصاه و انتهك محارمه – قال تعالى "ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"


 

و ما أصدق قول أحد العارفين:


و ترك الذنوب حياة القلوب *** و خير لنفسك عصيانها


 


 


 

الجمعة، 3 يوليو 2009

خلود الجدود

الأهرامات .. كلمة تثير في النفس المصرية الشموخ و الفخر و الحزن و الحسرة على المجد الغابر فما أعظم الفرق بين المصري القديم و المصري الحديث

نظرة إلى أعلى إلى قمة الهرم التي تناطح السحاب ثم ينحسر البصر خاسئا مرتداً إلى أرض الواقع و ما وصلت إليه الأحوال الحالية من سلبيات و إهمال و نفوس محبطة....

كلما نظرت إلى الأهرامات تقف مشدوداً منبهراً حتى لو كانت المرة المليون التي تشاهدها فيها..و لعل السبب في ذلك أنك تشعر بتضاؤل الكائنات الأخرى بجانب حجم الهرم بل حجر واحد من حجارته و تخيل عملية نقل الحجارة الكبيرة واحدة فوق الأخرى و تصميم مداخل و دهاليز بداخله و أسرار حيرت العالم و جعلتها معجزة من معجزات الدنيا..

و صمودها عبر الزمن لتشهد بحضارة و مجد المصري القديم جيلا بعد جيل غير عابئة بما يدور حولها من كوارث مثل الزلازل وعوامل التعرية و الحرائق و الحروب و غيرها من الحوادث التي مرت عليها فلم تزدها إلا رسوخا في الأرض وعلوا في السماء و شهرة و انجذاب لها من جميع الأنحاء.

أهمية الأهرامات في العقيدة المصرية القديمة

كان أول ما يفكر فيه ملوك مصر عقب توليهم الحكم و الانتهاء من مراسم دفن الملك السابق هو الإعداد لمكان يليق بدفنهم حيث كانوا يؤمنون بالبعث و الخلود و من هنا كان حرصهم الشديد على دفن ممتلكاتهم الثمينة معهم .و أن تكون أماكن دفنهم على درجة عالية من الفخامة و الإبداع و أعلى مستوى من الحماية من اللصوص.

إبداع لن يتكرر:

خضع موقع الهرم لدراسات جيولوجية و فلكية حيث كان هناك عاملان هامان في تحديده؛ أولهما أن يكون الهرم في الناحية الغربية حيث توجد مملكة الموتى ، و الثاني أن تكون الهضبة التي سيبنى فوقها صالحة للبناء و أن يكون المكان متصلاً بنهر النيل لتسهيل نقل الأحجار من المحاجر إلى موقع الهرم.

ارتبط اختيار مدخل الهرم بمكان النجوم التي تقع في الشمال حيث كان المصري القديم يعبد الإله رع إله السماء الذي يشرق و يغرب في السماء ؛و لهذا اعتبروا الهرم سلماً يدفن داخله الملك ليصعد عن طريقه إلى السماء فالشكل الهرمي يمثل رمزا من رموز الشمس.

أما طريقة تثبيت حجارة الأهرامات الضخمة فهي بدون استخدام الملاط مطلقا لكن باستخدام فكرة كاسات الهواء: يملئون الحفر الني فوق الحجر بنوع من النفط ثم يشعلونها و يضعون الحجر الآخر فوقها فتحدث خلخلة في الهواء تثبت الحجرين معاً.

لماذا الشكل الهرمي؟

من خصائص الشكل الهرمي أنه يعيد تلميع العملات المتأكسدة و يساعد علي التئام الجروح و الحروق في فترة قصيرة - و حتى الحالة النفسية يفيدها فالجلوس تحت حيز هرمي الشكل يبعث على الشعور بالراحة و تخفيف التوتر و القلق كما يسبب حالة من التأمل و الهدوء.

و يقال أن درجة الحرارة داخل غرفة دفن الملك بالهرم الأكبر علي مدار العام لا تتعدي 22 درجة وهى درجة حرارة وسط بين البرودة و الحرارة و سبب ذلك و جود ثقبين يخترقان الصخور.

قمة الهرم:

أظهرت الدراسات العلمية أن قوة الهرم تتركز في نقطة التقاء المثلثات الأربعة التي تمثل أوجه الهرم ، و من تجارب الذين استطاعوا الصعود إلى قمة الهرم و الوقوف عليها :تحدث أحدهم عن شعوره بشحنة كهربية جارفة ، و آخر تحدث عن إحساسه بمجال طاقة رهيب يدفعه للهبوط قبل أن يفقد إحساسه و غير ذلك من الأقاويل العجيبة.

براعة المصري في إخفاء الكنوز:

حرص الملك خوفو على إخفاء حجرة الدفن الخاصة به عن طريق أجزاء ضخمة من أحجار الجرانيت لإغلاقها ووضع نصوص تحذيرية أمام مدخل المقابر تتوعدهم بلعنة تصيبهم إن هتكوا حرمتها و قدسيتها.

تكريم و تشريف:

كان العمال القائمين بأعمال البناء و نقل الحجارة يعملون برضاهم و يأخذون أجرا على عملهم و ليس بتسخيرهم لأن السخرة يمكن أن تنتج مباني ضخمة و لكن ليس فيها إبداع أو إعجاز فني مثل الأهرامات، و تكريماً لهم فقد تم تخصيص مقابر لدفنهم بجوار الهرم مثل مقابر النبلاء و الموظفين و ذلك يعكس الذكاء و حسن الإدارة.


 

كيف تصل للميت كنوزه (وجهة نظر حديثة جداً):

إذا كان المصري القديم قد حرص كل الحرص على أن يدفن معه كنوزه و مجوهراته و أجهد عقله في التخطيط لهذا و تضليل اللصوص لكيلا يصلوا إليها؛ فإن التفكير في هذا الأمر من الناحية الإسلامية سهل و بسيط جدا: يتصدق بها ابتغاء وجه الله؛ فيصله الثواب موفورا مضاعفا، كاملاً غير منقوص، و ينعم في الجنة بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، و شتان بين حلى الجنة من ذهب و لؤلؤ و فضة و حلى الدنيا، و ما عند الله خير و أبقى.


 

الخميس، 18 يونيو 2009

و ما بكم من نعمة فمن الله

المؤمنون حقاً يستشعرون نعمة الله عليهم من حولهم فى كل صغيرة و كبيرة و فى كل نعمة خاصة أو عامة ؛ قديمة أو حديثة ، فإن عامة الناس يغفلون النعم العامة التي تشملهم و تشمل غيرهم ؛ و يبتغون النعم الخاصة التي تخصهم هم ، و ينظرون إلى زيادة المال و البنين و الجاه و السلطان كأنها كل ما في الكون من نعم ، فيدفعهم ذلك إلى عدم الرضا بما قسمه الله فيخسرون أيما خسران، و تذكر نعم الله و أفضاله من علامات الفلاح – قال تعالى "فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون".

سورة النحل تتضمن ذكر الكثير من نعم الله و لذا سميت بسورة النعم حيث تستعرض السورة خلق السموات و الأرض و الإنسان و النبات و خلق الأنعام بما فيها من دفء و منافع و غذاء والزينة و حمل الأثقال ، و تتابع الليل و النهار فكيف يتحمل الإنسان ليلاً سرمدياً أبدياً بلا نهار يبصر به أو نهاراً سرمدياً بلا ليل يسكن فيه ، و ذكر تعالى نعمة البحر و ما نستخرج منه من أسماك و لآلئ و درر ، و الجبال الرواسي التي تثبت الأرض و تحميها و نجوم السماء التي يهتدي بها الناس في تحديد مواقعهم عندما يضلون الطريق في بحر أو بر.

فكل هذه الآيات لا ينكرها إلا جاحد مستكبر ذو نفس مريضة و فطرة غير سوية و لكن إذا مسه الضر يسرع و يلجأ إلى الله حيث لا ملجأ و لا منجى سواه فلما يذهب الله عنه الشدة يشرك بالله و ينسى رجائه و دعائه بين يدي الله فبئس العبد هو.

و يدعونا الله لتأمل عجائب صنعه و كيف أوحى إلى النحل أن يتخذ بيوتاً من الجبال و من الأشجار فيخرج منها العسل الذى فيه شفاء للناس ، كذلك خلق الأجنة فى الأرحام و إخراجها ضعيفة صغيرة لا تعلم شيئاً و إعطائها ما يكسبها المعرفة فجعل للإنسان السمع والأبصار و الأفئدة و التي لولاها لبقى عاجزاً معزولاً عمن حوله.

و سكن البيوت حيث الظل و الهدوء سواء البيوت المبنية أو المقامة في السفر و الترحال ، و الظل نعمة كبرى فلولا أن الله جعل مسار الشمس بحيث تتحرك لبقيت عمودية فتؤذى الناس بلهيبها و شدته ، و هداه لصنع الملابس التى تحميه من متغيرات الطقس و الدروع التي تحميه من بأس الحرب و ذلك من تمام فضله و نعمته.

و نعمة أخرى جليلة أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون فالشيطان يخنس (أى يختفي) بمجرد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، و ضرب الله لنا مثلاً لكفران النعمة قرية كانت آمنه مطمئنة بها خيرات فلما كفرت بالنعم أبدلها الله بالخوف و الجوع جزاءاً وفاقاً ، و مثلاً لمن أدى حق الشكر فكافأه الله بالهداية و الاصطفاء – سيدنا إبراهيم خليل الله – قال تعالى :"إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً و ما كان من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه و هداه إلى صراط مستقيم"

و نعم الله متتابعة لا تنتهي فكيف نعدها أو نحصيها؟ قال تعالى: "و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"

و قد افتتحت كثير من السور بحمد الله مثل سور فاطر "الحمد لله فاطر السموات و الأرض"و غافر"الحمد لله غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب ذي الطول" و أمرنا الله في آيات كثيرة بالحمد مثل سورة الكهف"و قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولى من الذل و كبره تكبيراً"

و من الأدعية المأثورة : اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك فلك الحمد و لك الشكر ، الحمد لله عدد ما في السموات و الأرض , الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ....

"سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين"


الاثنين، 8 يونيو 2009

خيوط العنكبوت

الانترنت الآن في كل بيت؛ و في وجوده المتعمق داخل البيوت نعمة و نقمة ، فهو نعمة من حيث الإطلاع على العالم الواسع و سهولة الحصول على المعلومات ، و على الجانب الآخر يعتبر نقمة من حيث استهلاك عدد كبير من الساعات يومياً و ضياع الوقت الطويل الذي قد يستثمر بشكل أفضل؛ و استبدال تواصل الناس الطبيعي بالتواصل الصناعي أي عن طريق الشات و غرف الدردشة و غيرها؛ و بالتالي يقل التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب انشغالهم به و خاصة الشباب، فبدلاً من حديث أخوى أو أبوي يجلس كل منهم أمام شاشة الكمبيوتر و هو صامت اللسان مشغول الفكر كأنهم غرباء، و أيضا لا نغفل خطورة الاستخدام السيئ لهذه التكنولوجيا الحديثة.


 

و تركيزاً على أحد تطبيقات الانترنت الشهيرة و هى الشات:

المحادثة عبر الشات مغامرة غير مأمونة العواقب طالما لم تعرف الطرف الآخر شخصياً؛ فقلما يعطى المتحدث بياناته صحيحة أو يكون جاداً في كلامه لأنه لن يحاسبه عليه أحد فهو مستخفٍ وراء عنوانه الإلكتروني الذي يمكن أن يتخلص منه بلا عناء.

ثم ما هي نوع الصداقة التي قد تنشأ بين الطرفين عن طريق لوحة المفاتيح و خيال شخص غير معلوم؟ فقط من كلامه تعرف صفاته، و ربما ينتحل ولد شخصية بنت و العكس؛ بكل استهتار و لامبالاة.. ليقتحم أحد المنتديات مثلاً و على سبيل التسلية و الفراغ الأجوف.

و العجب كل العجب عندما تري فى الفيس بوك مثلا لشخص ما 100 أو حتى 1000 صديق فما أعجب ذلك! و هل يتذكر أصلاً أسماءهم أم هي دعوة للشهرة؟

و قد تلجأ بعض البنات الجريئات إلى عرض ألبوم صورها مع أنها محجبة لتسمع عامدة بلا حياء عبارات الغزل و الإعجاب و تمنى الصداقات فأي أدب و أي حجاب هذا؟

عجيب فعلا عالم النت هذا و لماذا يضيع الشخص وقته و يشغل فكره بكل هذه الصداقات الوهمية التى بها الصالح و بها الطالح و إلى أي طريق تؤدي؟

و النصيحة هنا أن يتم فحص طلبات الصداقة التي تأتي من أشخاص مجهولين قبل قبولها؛ فإذا كان لهذا الشخص الذي يطلب الصداقة أحد الأصدقاء الذين تكون صورة التعريف الخاصة بهم "دون المستوى" فليرفض هذا الصديق فورا ... لأنه لا خير فى صداقته، فالصديق مرآة صديقه.

ليس هذا في كل الأحوال.. فقد تكون تلك الصداقات بداية معرفة حقيقية لأشخاص ممتازين و لم يسعد الحظ بالتعرف المباشر عليهم فيصبح الشات معهم فائدة كبرى لتبادل الفكر المستنير و التعاون المثمر، و قد يستخدم الشات أيضا فى تنسيق الأعمال التي لا تحتاج للحضور و الاجتماع الفعلي بالمجموعة فيسهل تبادل الآراء و الخبرات عبر الانترنت.


 

و لكن ما مصير هذه الصداقات؟ هل الخيوط التي تربط بين الناس في شبكة الانترنت العنكبوتية حقا واهية مثل خيوط بيت العنكبوت؟


 

سؤال يحتاج إلى ألف جواب.


 

الأربعاء، 20 مايو 2009

نملتان في الفلفل


قصة فلسفية للكاتب زكى نجيب محمود و التي يتوارى فيها خلف الرموز و الإيحاءات ليعبر عن وجهة نظره في أحوال البشر و ما صاروا إليه الآن، فلنستعرض أولاً ملخص القصة :

جلس الشيخ يفكر في جيوش النمل التي تهجم علي السكر كل ليلة فلا تضل طريقها إلى مكانه مهما غيره الشيخ كل ليلة فوق - تحت – معلق في الهواء... يصل إليه النمل أيضاً، و فجأة تنبه الشيخ إلى السبب الحقيقي لمعرفة النمل مكان السكر – و هو واضح جدا- كيف لم ينتبه له؟ لقد كتب على صندوق السكر بطاقة تدل على محتواه و حيث أن النمل نظره ثاقب فإنه يرى هذه البطاقة في الظلام و يصل إلي السكر!

و هداه تفكيره إلى فكرة رائعة فقرر أن يتحايل على النمل و بدل بطاقتي السكر و الفلفل لينخدع النمل، و لما جاء النمل انصرف لما شم رائحة الفلفل ما عدا نملتين متعلمتين (المتعلمتان فقط هما اللتان خدعتا!) استطاعتا قراءة محتوى البطاقة و تسللتا إلى السكر المزعوم فوجدتا اختلافاً في اللون و الملمس و الطعم فبدلاً من بياض السكر و انعكاس الضوء عليه وجدتا عتمة سواد الفلفل ؛ و بدلاً من السير على سطح السكر الناعم وجدتا نفسيهما تدوران حول موضع قدميهما (لاحظ الشكل الكروي لحبة الفلفل) ؛ و كذلك الطعم فقد وجدتا بدلاً من حلاوة السكر لسعاً يحرق اللسان.

و عبثاً حاولت إحدى النملتين إقناع الأخرى بأنه سكر لأنها قرأت عنوان البطاقة بعينيها (كذًبت نفسها و صدقت الإنسان المخادع) , و لما خرجتا للتأكد من بطاقة العنوان احتارتا أتصدقان ما تريان و تحسان أم تصدقان كلام البطاقة التي كتبها الشيخ (الذي لا يخطئ!) ثم استقرتا على أن تصدقا المكتوب على البطاقة و استمرتا في الأكل حني الشبع.

و لما أصبح الصبح كانت كلتاهما تتلوي من الألم؛ فقالت إحداهما "لقد ذهبت عني غشاوة عيني و غفلة الليل و عاد إلي رشدي و صوابي مع ضوء النهار ..لقد خدعنا هؤلاء الناس..." و لكي تثبت لأختها أن الخداع طبع متأصل في البشر اتفقت معها على أن تقدم لها الدليل في المساء.

و في المساء خرجت النملتان إلى خزانة الكتب و فتحت الأولى كتاباً بعنوان "الفلسفة الإسلامية" فإذا به يحتوي على "فقه" و لكن مؤلفه جعل له هذا الاسم ليقرأه طلاب الفلسفة بينما مضمونه في الفقه ، ثم أرتها كتاباً آخر اسمه "خواطر الأدب" فإذا به خليط من معرفة لا يرقي إلى العلم في دقته و لا إلى الأدب في جماله ... و لكنه الخداع ، ثم خرجتا إلى الطريق لتريا مظاهر الجهل و الطغيان و التي أسماها الإنسان واهماً مخادعاّ نفسه "مدنية شرقية" ، و لما جادلت النملة الحمقاء أختها قائلة إنها سمعت أن المدنية إنما هي علم يعلمه الإنسان حيثما كان و لا يوجد منها شرقية أو غربية لامتها أختها قائلة "أتنصتين لما يقولون بعد كل هذا ..ألا يكفينا ليلة واحدة قضيناها في علبة الفلفل؟!"

في هذه القصة الرمزية تبدو فيها فلسفة زكي نجيب محمود من خلال حوار نملتين حيث جعل النمل رمزاً للمتعلم المثقف الذي يحكم على الأشياء بمنطق البرئ المصدق لكل ما حوله ، و لكنه في النهاية و بعد تجربة مريرة يكتشف عيوب الإنسان المخادع الذي يعطي الأشياء مسميات غير حقيقية ظناً منه أنه أذكي ممن حوله ؛ و معللاً ذلك بأغراض مختلفة واهية تجعله في النهاية راضياً عن نفسه؛ مثل الشيخ الذي بدل عنواني علبتي السكر و الفلفل ليخدع النمل ؛ والمؤلفين الذين يضعون عناوين على الكتب بخلاف مضمونها ليقرأها طالبو العلم حتى لو لم تلائم احتياجاتهم و أذواقهم ، و الناس الذين يغرقون في الجهل و لا يأخذون من المدنية سوى القشور الخارجية ثم يسمونها "مدنية شرقية" ... و في هذا كله نقد للمجتمع بأسلوب قصصي جذاب و أسلوب يجمع بين الطرافة و الموعظة.


 

الأربعاء، 13 مايو 2009

الفؤاد الفارغ

هل تدرون ما هو الفؤاد الفارغ؟ ما هو هذا الإحساس؟ إنه إحساس لا يمكن أن تشعر به سوى أم ابتليت بفقد ابنها و قرة عينها بعد ما ضمه القلب و احتواه الفؤاد ، فالطفل الوليد هو الشغل الشاغل لأمه في جميع سكناته و حركاته :إطعامه ، رعايته، حمايته ، ترقب احتياجاته لينعم بالراحة و الهدوء، و يكفيها ابتسامة أو مداعبة من طفلها لتنسى كل آلامها و ترتاح نفسها ، يكفيها أن تتأمل قسمات وجهه الرقيقة و أن تمسك بكفه الصغير و تقبل قدمه الناعمة و تضمه في حضنها الدافئ فيكون قريبا من قلبها و يستمع لإيقاع دقات قلبها الرخيمة ليسعد بأحلى الأحلام.

فإذا جاء من ينزعه منها وسط كل هذه المشاعر فإنها حينئذ تكون فارغة الفؤاد.

و عندما يصبح الفؤاد فارغاً تتحول الأم إلى عين تخترق كل الأسوار و تكشف كل الحجب بحثاً عن وليدها تتحرك بفطرتها لا بعقلها الذي يتوقف من هول الصدمة ، ذهول شامل فلا تشعر بأي شيء حولها و لا تفكر إلا في هذا المفقود ، و تكون في أسوأ حال إلا أن يثبتها الله على الصبر و الإيمان.

و تثبيت الله للأم يتجلى واضحاً في قصة أم موسى عليه السلام و إيحاء الله لها بحيلة لينجو بها ابنها من القتل المحقق على يد جنود فرعون.

تعرض القرآن الكريم لقصه سيدنا موسى منذ ولادته، كان فرعون مصر يقتل صبيان بنى إسرائيل في عام و يتركهم في العام الذي يليه وولد سيدنا هارون في العام الذي لا يقتل فيه الصبيان بينما ولد سيدنا موسى في العام الذي يقتل فيه الصبيان فخافت أمه عليه وفكرت أن تخفيه بعيدا عن جنود فرعون فماذا تفعل و هي مستضعفة لا تملك من أمرها شيئاً؟ فأوحى الله إلى أم موسى أن تهيئ تابوتاً فإذا جاء جنود فرعون ترضع رضيعها ثم تضعه في التابوت ثم تقذفه في النهر وتتركه يسير فيوجهه الله حيث يشاء بحكمته و علمه ، و لأن الله عليم بقلب الأم فقد أمرها ألا تخاف و لا تحزن و ثبتها بعد أن كادت تظهر جزعها و لهفتها على ابنها.

فقد أمر الله ، و في طاعة أمر الله النجاة الأكيدة حتى لو تعارض مع المفاهيم البشرية المحدودة ، وحيث أن الله وعد فإن وعده متحقق و لا شك.

و يقترب الخطر شيئا فشيئا حتى إذا أوشك الجنود أن يصلوا إليها نفذت أمر الله و ألقت بولدها الصغير الذي لا حول له و لا قوة في صندوق في نهر... و نفذت ما أمرها الله به.

يا الله.. رضيع يوضع في صندوق ويترك ليسير في عرض النهر وحيدا معرضاً لكل أنواع الهلاك من تيارات وأمواج ورياح وغرق وجوع و عطش و في أحسن الأحوال سيقع في أيدي الصيادين و يتعرض لخطر القتل مرة أخرى.

ولكن إرادة الله فوق كل ذلك وتدبيره و حفظه له يضمن له السلامة من كل هذا ؛ بل وعودته سالماً لأمه المكلومة و تربيته منعماً في قصر فرعون محاطاً بالعطف و الرعاية ، و صدق الله العظيم :"و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون" فياله من فضل و يالها من نعمة أن يحيط الله المؤمنين برعايته و أن يمكر لهم لا عليهم.

كيف هيأ الله الأسباب ؟ ألقى الله علي موسى محبه من عنده جعلت زوجة فرعون تناشد زوجها أن يستبقيه و لا يقتله " وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً" ثم حرم عليه المراضع لترشدهم أخته إلى امرأة تكفله و تقوم بإرضاعه و هى أمه فيعود إليها سالماً ، و الحمد لله رب العالمين.

و تتحقق بشارة الله لأم موسي فيعود إليها ولدها و يكون من المرسلين.

أبعد كل هذا يمكن للإنسان أن ييأس و معه الله ؟ هل يمكن أن ينظر إلى الدنيا بنظرته القاصرة فيحمل هم كل شيء ؟ مع أن الله هو المدبر للأمور كلها , و كل شيء على الله يسير، إنما أمره إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.

"و من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيئٍ قدراً"



السبت، 9 مايو 2009

عندما تعجز النفس

العجز..ليس فقط العجز البدني عن القيام بمهام الحياة الضرورية

و لكن هناك أيضاً العجز النفسي...

من أصعب أنواع العجز النفسي أن تعجز عن تغيير الواقع من حولك بحروبه و صراعاته خاصة عندما ترى جرحى الحروب من الأطفال الأبرياء فلا تستطيع إبعاد الألم عنهم أو منع شبح الخوف و الرعب من السيطرة عليهم..

و بعضها له علاج :

مثل العجز عن تقويم النفس وإصلاحها و إلزامها بالطريق المستقيم؛ فعلاج ذلك الاستزادة من الإيمان و ملازمة الأصدقاء الأخيار و تذكر الآخرة و ما بها من أهوال.

و عند العجز عن التحكم في مشاعر الغضب وعدم كبت الانفعالات التي تنطلق فتصيب عباد الله في الصميم ، فعلاج ذلك أن نتذكر قول الرسول الكريم "ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" ، و الغضب جنون ،وكما أن الغضب من الشيطان ؛ والشيطان من النار فالوضوء يطفئ الغضب.


و كذلك العجز عن هداية شخص عزيز تراه ينجرف في تيار بعيد بعد ما نصحته مراراً و تكراراً فلم يستجب ففي هذه الحالة لا تحزن و لا تبتئس فليس هذا فى مقدورك، قال تعالى "إنك لن تهدي من أحببت و لكن الله يهدى من يشاء".


و عند العجز عن نسيان ذكرى أليمة لا تلبث أن تنضم إلى أخواتها من الذكريات عند تداعى الأحزان، فاعلم أنما أصابك من أحداث أليمة حدث بعلم الله ؛ و الله أرحم بك لأنه خلقك و إنما لكل شيء حكمة علمها عند الله ، قال تعالى:"و من يؤمن بالله يهد قلبه" ، كما أن كل شيء مكتوب في كتاب قبل حدوثه "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها *إن ذلك على الله يسير".


أما إذا عجزت عن التعبير عن مشاعرك لأشخاص تحبهم لأنهم غادروا الحياة ؛ فيمكن الدعاء لهم و تقديم الصدقات بنية أن يصلهم ثوابها و البر بأهلهم و أصدقائهم.

و في جميع الحالات..عندما تشعر أنك مكتوف اليدين لا حول لك و لا قوة؛ فأنت لا تملك حينئذٍ سوى الدعاء و التضرع إلى الله ، و اسأله باسمه "البر الرحيم" كما قال تعالى:" وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم".

فالله هو وحده القادر على كشف الضر و التحويل.


السبت، 2 مايو 2009

الشعر و الفلسفة

سيد قطب مشهور كداعية و كاتب إسلامي قدير قدم لنا تفسيره للقرآن الكريم "في ظلال القرآن" و عدة كتب إسلامية ، و لكنه في مرحلة سابقة من حياته كان أديباً ناقداً يكتب المقالة النقدية و الشعر و القصة و له إنتاج كبير من الشعر و كذلك آراء هامة في مفهوم الشعر و الشعراء ، سوف نتعرض لها هنا:

الشعر
هو فرع في شجرة الفنون الجميلة هدفه نقل العاطفة لترتقي بالنفس الإنسانية إلى ما هو أسمى من المعهود و المألوف فهو مثل الرسام يخلع على الصورة ظلاً من نفسه و خياله و تظهر فيه صورة شخصيته بوضوح.

الشاعر
شخصية ممتازة حساسة شديدة الحساسية عميقة الشعور و هو إنسان متفوق على غيره من البشر تجتمع له خصائص ترفع قدره فوق قدر غيره من الناس.

و الشاعر الحقيقى من يدرك من خفي العلاقات ما لا يدركه العامة و يتفرد بالشعور بالكون و الحياة و هذا هو التميز.

و يفرق بين شعر الشخصية و شعر الصنعة بأن الأول ينقل الطبيعة كما تحسها الشخصية أما شعر الصنعة فيكتفي بتسجيل الحوادث أو العناية بالأوصاف و المشاهد بدون أن يحمل سمات شخصية الشاعر مثل التصوير الفوتوغرافي و بالتالي يكون شعر الشخصية أفضل من شعر الصنعة.

كيف يتولد الشعر؟ يبدأ بالتأثر بما يقع في النفس ليحدث الانفعال الذي يتحدد بمدى حساسية الشاعر ثم يتبلور الانفعال إلى كلمات ذات إيقاع خاص ، و لحظات الإلهام هي لحظات ممتازة على جوانب راقية من الكون و النفس الإنسانية لأن للحياة نبعاً و الأديب الممتاز هو رسول متصل بهذا النبع.

الشاعر و الفيلسوف
الفيلسوف يعتزل الحياة و يسجل حركاتها من بعد بينما الشاعر يعيش الحياة متفاعلاً معها ليتحدث عن إحساسها و شعورها و الذي يشعر أفضل من الذي يشاهد ، فالعاطفة أكثر صدقاً في التعبير عن الحياة من العقل، و العاطفة ألصق بالشعر كما أن العقل روح الفلسفة و أداتها ، و مع ذلك فالفلسفة و الشعر ضروريان لا يغني أحدهما عن الآخر و لكن الشعر أفضل لأنه ينفذ إلى بواطن الأشياء و يعبر عنها تعبيراً موحياَ غير مباشر.

الاثنين، 27 أبريل 2009

أنواع النجاح

هل النجاح نسبي أم مطلق؟

يتعرف الطفل إلى النجاح عند دخوله المدرسة لأول مرة و يتمنى له الوالدان النجاح ثم يغدقان عليه بالهدايا كل عام يوم نجاحه، فالنجاح هنا محدد و هو الحصول على درجات النجاح في الامتحان.

و يتعرف الطفل لأول مرة على الإبداع من خلال أنشطته التي يمارسها إذا كانت له هوايات أخرى و ينشأ تعريف آخر للنجاح في المسابقات و هي الحصول على الكأس أو ميدالية أو حتى شهادة تقدير.

و بعبور الطالب عقبة الثانوية العامة تختلف السبل التي تعود عليها للحصول على النجاح ، فليس الأمر بهذه السهولة السابقة مذاكرة و حفظ و تدريب ثم تفريغ كل هذا في الامتحان ، فالجامعة كل شيء فيها أصعب: حضور المحاضرات و الحصول على المنهج من الكتب أو تصوير المراجع و عالم جديد من الاختلاط و التخبط...

و بعد العام الجامعي الأول يتعود الطالب و يتعرف المجتهد على مفاتيح النجاح لتتوالى السنون و يحصل على شهادته و تتم الفرحة الكبرى لأهله و هذا هو نهاية النجاح المطلق.

ليبدأ بعد ذلك النجاح النسبي و الذي يعتمد كثيراً على الحظ، الواسطة، الذكاء الاجتماعي...

و للنجاح أنواع: النجاح في العمل – النجاح في الزواج– نجاح علاقته بالآخرين – و الأهم: نجاحه في اختبار الحياة

ربما يكون آخر إحساس للطالب بالنجاح هو يوم التخرج من الجامعة ، و بالرغم من القلق الشديد على النتيجة و الذي يفسد أياماً توصف - صدقاً - بأنها أجمل أيام العمر فقد يوفقه الله و يحصل على تقديرات و مراتب الشرف و كل ما يتمنى...

النجاح في العمل:

ثم يلتحق بوظائف مرموقة و ينتظر أن يتجدد هذا الإحساس بالنجاح مع الإخلاص في العمل و لكن...

قد ينشأ إحساس جديد بديل و هو الظلم الذي يحتار في سببه .. ربما هي سياسة العمل التي تهدف إلى قمع الأمل في نفوس الموظفين حتى لا يشعروا بأهميتهم في العمل؛ وتعيين رؤساء عليهم ليس لهم هدف سوى تصيد الأخطاء أو قل: اختلاق المشاكل مع جهلهم الشديد بتقنيات العمل و تفاصيله التنفيذية فهم لا يعلمون مرؤوسيهم شيئاً فقط يأمرون و ينهون.

و كل هذا حتى لا يكون هناك مراكز قوى في شركة القطاع الخاص - و ما أدراك ما القطاع الخاص- إنها الطريقة المثلى لامتصاص جهود و صحة و أعصاب الموظفين و إقناعهم بعد ذلك أنهم كلهم متساوون حتى لو كانت أعمارهم متفاوتة أو كفاءاتهم مختلفة و كل هذا ليريح المدير رأسه فليس من ثواب و لا عقاب حتى لا يقال "لماذا ؟".

مع كل عام تزيد الخبرة و يزيد الأسى ثم ينعدم الأمل في الترقي إلى مناصب أعلى لان المناصب محجوزة مسبقاً :الملك و الوزير فقط لا غير و باقي الرعية من الموظفين لا صلاحية لهم في إبداء الرأي أو المشاركة فيه ، فقط ينفذون الأوامر حسب ما يتراءى للمدير – منتهى الاستبداد...

و بالطبع لن يتوفر الوقت في دوامة العمل لاستكمال الدراسات العليا و استئناف مسيرة النجاح المطلق.

النجاح في الزواج:

الزواج رحلة طويلة في بحر الحياة زادها الصبر و التحمل و التجمل.. ، و شراعها التضحية في سبيل إسعاد أفراد الأسرة فيتوجه كل منهم إلى وجهته الصحيحة و يسعد بالنجاح؛ لتسعد به الأم – البطل الخفي – التي مهدت لهم السبل و يسرت لهم الأسباب فيكون نجاح الزوج و الأبناء بمثابة نجاح شخصي لها.

النجاح في التعامل مع الآخرين:

هذا النجاح ليس له وجود واضح لأن الآخرين : إما دونك في المنزلة فهم ينافقونك فيظهرون الاحترام و الحب أمامك ثم يذمونك في غيابك ، و إما في نفس منزلتك فأنت منافس لهم و موضع حسدهم ـ إلا من رحم الله - فلتحاذر منهم و لا تتوقع منهم الخير، و إما أعلى منك في المنزلة فهم يتكبرون عليك و لا يزالون يلومونك و ينتقدون كل ما تفعل ... إذن فلا سبيل للإحساس بالنجاح في التعاملات مع الآخرين.

نجاح الحياة:

إذا أحسنت العمل و أخلصت النية لله فى كل أمورك و علمت أن الله رقيب لا ينام و اتقيت فكنت ممن قال فيهم الشاعر:

يتقى الله في الأمور كلها ***** و قد أفلح من كان همه الاتقاء

فقد أفلحت حتى و لم تر النجاح جلياَ واضحاً بعينيك لأنك حينئذٍ نجحت في امتحان الحياة ، قال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" ، و أبشر فعند الله حسن الجزاء.

السبت، 25 أبريل 2009

حكم عطائية

عندما كنا صغاراً كنا نحب أن نقرأ ورقة النتيجة لنرى حكمة اليوم، و مع تكرار الأيام تكررت الحكم و حفظت حتى لقد أصبحت تلك الأقوال المأثورة في الأذهان راسخة، فهي قليلة الكلمات سهلة الحفظ أي ما قل و دل.

كان لعطاء الله السكندري حكم سميت بالحكم العطائية هي من عيون النثر الأدبي الصوفي تهدف إلى تهذيب النفس و التربية الروحية بنظرة فلسفية إسلامية ، فلنتأمل بعمق بعضاً من حكمه المختارة:



سوابق الهمم لا تخرق أسوار القدر

مهما احترست و حاذرت فإن الحذر لا يمنع القدر الذي يحيط بالإنسان كالسور العالي الذي لا يمكن اختراقه أو عبوره.


إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقاً

النفس دائماً أمارة بالسوء و تميل إلى الهوى ، فإذا خيرت يبن أمرين فخالف ما تميل إليه نفسك يكن ذلك خيراً لك، قال تعالى:" وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ".


ربما أعطاك فمنعك و ربما منعك فأعطاك

ربما أعطاك الله من مباهج الدنيا و زينتها من مال و قوة و شهرة ما يلهيك عن العبادة و التفكر و قد يدفعك للظلم و التكبر؛ فيمنعك ثواب الآخرة ، و ربما منعك من ملذات الدنيا الزائلة و أعطاك التوفيق و القبول في الآخرة جزاء صبرك و إيمانك و لذا فمن الجهل أن يسخط الإنسان و لا يرضي بقسمة الله و عطائه لأن في ذلك حكمة لا يعلمها إلا الله ، قال الله تعالى :"
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى

أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ

".


من تمام نعمته عليك أن يرزقك ما يكفيك و يمنعك ما يطغيك

يرزق الله الخلق بحكمه فإن للناس طبائع مختلفة فمنهم يشكر النعمة و يقدر فضل الله عليه و يتخذها قربة إلى الله بالتصدق و التزود من أعمال الخير، و منهم من تلهيه النعمة فيكون في فقره أشد قرباً من الله؛ فإذا زاده الله أعرض و ابتعد فيكون في ذلك ضرر له لما يتعرض له من غضب الله ، و بذلك تتحول النعمة إلى نقمة إذا ألهت الإنسان و دفعته إلى الغفلة و الظلم.



اجتهادك فيما ضمن لك و تقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك

الإنسان لا ينبغي له أن ينشغل بطلب الدنيا و قد ضمن الله الرزق له و يترك العبادة و هي المطلوبة منه، قال تعالى: "و ما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون"

ما قل عمل برز من قلب زاهد و لا كثر عمل برز من قلب راغب

قبول الأعمال ليس بكثرتها و لكن بالإخلاص فيها. فربما أنفق الغنى الكثير و لكن بداخله رياء و رغبة في أن يراه الناس فيضيع ثوابه فإنما يتقبل الله من المتقين، و في الحديث الشريف:"لا تحقرن من المعروف شيئاً و لو أن تلقى أخاك بوجه طلق".


 

من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات و ترك الندم على ما فعلته من الزلات

إذا لم يتأثر الإنسان بضياع فرصة عمل صالح لم يغتنمها و أبطأه الشيطان عن المسارعة في الخيرات فهذه علامة خطر لأن قلبه يكون ميتا لا حياة فيه و لا أمل يرجى منه ، و يزيد على ذلك عدم الندم على المعاصي كأن ليس هناك حساب و لا جزاء فهؤلاء نسوا الله فأنساهم أنفسهم و كم من الناس لهم قلوب لا يفقهون بها و أعين لا يبصرون بها ؛ فأنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور.


لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك و افرح بها لأنها برزت من الله إليك

لا ينبغي للإنسان أن يتفاخر بما أدى من الطاعات فالله غنى عن هذه الطاعة ،بل يشكر الله أن وفقه إليها و أعانه على أدائها فهي هدية من الله إليه و من مظاهر كرمه و فضله فليفرح بذلك إذن ، قال تعالى "قُلْ بِفَضْلِ
اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".


ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع

الطمع من أعظم عيوب النفس البشرية ، و النتيجة الحتمية للطمع هي المذلة و المهانة ؛ و تلك صفات لا تليق بالمؤمن فالعزة التي وصف الله المؤمنين بها إنما بترفعهم عن مطامع الدنيا ، قال تعالى:"
لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ".


من لا يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان

في الحديث القدسي عن رب العزة "خيري إلى العباد نازل و شرهم إلى صاعد ، أتودد إليهم بالنعم و يتبغضون إلى بالمعاصي و هم أفقر ما يكونون إلي.." أفلا يستحي الإنسان من ربه ؟ هل ترضى أن يتودد إليك الله فلا تقبل عليه و تخلص له العبادة و هو الغنى عن العالمين ؟ إذا فعلت ذلك جاءك الابتلاء من الله ليمتحن صبرك فتعود إليه و تتذكر نعمته و إحسانه إليك ، قال تعالى:" وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ".


من لا يشكر النعم فقد تعرض لزوالها و من شكرها فقد قيدها بعقالها

شكر النعم أساس لاستمرارها و زيادتها كـأنما قيدت و ربطت بالإنسان ؛ أما كفرانها و جحودها فيؤدي إلى زوالها ، فالشكر يضمن ثلاثة أشياء حفظ النعمة و زيادتها و تقريب العبد من ربه ، قال تعالى :" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ".


الناس يمدحونك لما يظنون فيك فكن أنت ذاماً لنفسك لما تعلمه منها

الإنسان بطبيعته يطرب لسماع كلمات المدح و الثناء ؛ لكن هل يعلم أن هذه الكلمات قالها الناس الذين لا يعلمون عنه إلا ظاهره فقط و لا يدرون ما في داخله من العيوب و النقائص فإن الله من فضله يظهر الجميل و يستر ما دون ذلك ؛ فليتذكر الإنسان هذا فلا يغتر بما يسمع بل يذم نفسه و يقومها، و في الدعاء النبوي:"اللهم اجعلني في نفسي صغيرا و في أعين الناس كبيرا".


خير العلم ما كانت الخشية معه

العلم فريضة على المسلم و العلماء مكرمون عند الله ، و لكن إذا صاحب العلم غرور فبئس العالم هو مثل قارون الذي قال "إنما أوتيته على علم عندي" فخسف الله به وبداره الأرض ، قال الله تعالى : "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء".


إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده

العدو الأول للإنسان هو الشيطان و هو عدو أزلي لا يزال يوسوس له و يزين له سبل الشر حتي يصرفه عن ذكر الله ، قال تعالى:" اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" فكيف تغفل عن ذكر الله و هو مالك لجميع أمرك و هو القادر على أن يحميك من مكائد الشيطان.

الاثنين، 13 أبريل 2009

القلب الماسي

بداخل كل أم توجد ماسة
هي قلبها الواسع العطاء
الذي لا يشمل أبناءها فقط بل يغمر بالحنان كل من حولها
فهو فيض دافق و معين لا ينضب أبدا
هذا القلب الماسي
الذى يحمل الحب و الشفقة و الرحمة
و القلق الذي لا ينتهي مهما كبر الأبناء أو بعدوا
أو جحدوا
سيظل قلب الأم لا ينبض إلا بالحب
يسامح قبل أن تعتذر
يتحمل منك السأم و الضجر
يؤثرك على من حولك
يهفو شوقاً إلى رؤيتك
لذا ...قبل فوات الأوان
أغدق عليها من عطفك
التمس منها الاطمئنان
انظر إلى عينيها الرحيمتين
قبِل يديها المعروقتين
أنصت لصوتها الحنون
فلن تجد أصدق منه دعاءً و أخلص نصحاً

السبت، 11 أبريل 2009

صيد الخاطر

الخواطر ....لماذا نصطادها
لأن الخواطر تأتى سريعا و إذا لم نسجلها ذهبت سريعا أيضاً و حلت محلها خواطر أخرى
و الخاطرة فكرة تومض في العقل فجأة
فتتوارد بعدها الأفكار واحدة تلو الأخرى
و لكن كيف لنا أن نسجلها إذا جاءت قبل النوم أو أثناء السير في الطريق؟
سنحاول قدر ما نستطيع أن نحكم حولها الشبكة حتى لا تهرب
و نسجلها هنا
فربما توافق رأياً أو تطرح فكراً للمناقشة

صديق فيلسوف

كان لى صديق فيلسوف بأقوال الحكماء شغوف
الفلسفة ...هل هي علم ما وراء الأشياء؟
أم الجدل للوصول إلى الحقيقة؟
أم التأمل في الحكمة من وراء الأحداث؟
لا يهم التعريف المهم أن استخلاص الحكمة هو المطلوب
لكي تقود صاحبها إلى الطريق الصحيح لا إلى التيه المظلم
و من أوتى الحكمة فقد أوتى خيراً كثيراً
بالرغم من أن الحقيقة دائماً مؤلمة .. لكنها أفضل بكثير من الجهل و الغفلة
و لهذا تستحق أن يجاهد الإنسان ليعرفها.

لماذا إشراقات الحياة؟

بسم الله الرحمن الرحيم
إشراقات الحياة... لماذا هذا الاسم؟
لأن الحياة مشرقة وهبها الله لنا لكي نكافح فيها و نحصد النجاح الأكيد
إذا التمسناه من الله و سعينا إليه بإخلاص
فقد يسر الله لنا الأسباب و فطرنا على الإيمان و الالتجاء إليه
وعندما يسير الإنسان على بصيرة من ربه
سيشمله نور من الله فيحميه من ظلمة اليأس
و أمراض النفوس التي هي أشد وطأة من أمراض الجسد