الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

عائلة القنافذ

الوسطية في كل شيء مطلوبة فإذا تعدت صفة ما حدود المعقول أصبحت مكروهة حتى و إن كانت محمودة في موقف آخر, و العلاقات بين الأصدقاء و الأخوات تختلف من وقت لآخر و بين مجموعة و أخرى، بين قرب شديد يقيد حرياتهم و يشعرهم بالحجر على عقولهم و حياتهم، و تباعد مضني يشعرهم ببرودة الوحدة و الفراغ و إحساس اللامبالاة، و كلا الأمرين سيئ.

قصة "آباء و أبناء" يختار فيها زكى نجيب محمود "القنافذ" مثالا لمجموعة، و قد اختارها من بين غيرها من الحيوانات لأن تتميز بشوكها الذي يمنع أحد من الاقتراب إليها حتى لو كان من نفس فصيلتها لكيلا يجرح و يسيل دمه، فهي مثال واضح لعيوب التقارب الشديد، و قد أظهر الكاتب الحكمة في سطور مستقلة بشكل صريح لاهتمامه الشديد أن تصل تلك الحكمة الهامة للكل...

آباء وأبناء

يحكى أن جماعة من القنافذ كانت تعيش معا فى سفح الجبل ، فلما جاءها الشتاء ببرده المثلوج ، وأخذتها فى الليل رعشة تناولت منها المفاصل والعظام ، اقترح عليها واحد منها ان يجتمع شتيتها فى كومة متلاصقه حتى يدفئ بعضها بعضا بحرارة أجسادها ، لكن جماعة القنافذ لم يكد يلتصق بعضها ببعض طلبا للدفء ،
حتى احس كل منها وخز الابر الحادة المسنونه التى تغطى أجساد زملائه ، فما هو الا أن افصحت كلها عن كظيم آلامها وطلبت ان تعود الى مواضعها المتفرقة ، فلذعة البرد أهون من هذا الوخز الاليم ، وعادت القنافذ فتفرقت كما كانت اول امرها ، لكنها كذلك عادت فأحست زمهرير الشتاء يهز كيانها هزا عنيفا ، وكأنما نسيت ازاء هذا البلاء ما كان من الم الوخز منذ قريب ، فصاح بعضها ببعض ينشد كلها التلاصق مرة اخرى حتى يعود لها الدفء ،
وعاد وخز الابر وانساها الالم الحاضر الم الماضى ،
فضجرت وتفرقت مرة اخرى وهكذا دواليك : اقتراب وابتعاد واتصال وانفصال ، الى ان قال منهم
قائل حكيم : خطؤنا فى المبالغة والاسراف ، فاذا ابتعدنا أوغلنا فى البعد حتى فقد كل منا دفء اخيه وتعرض للبرد الشديد ، واذا اقتربنا أوغلنا فى القرب حتى وخز كل منا جلد اخيه فأدماه ، والحكمة هى فى اختيار الموضع الصواب بين الطرفين بحيث ننجو من الوخز دون ان نفقد دفء التقارب ما استطعنا اليه سبيلا .
وحكاية القنافذ هذه تقفز الى ذهنى كلما سمعت بخلاف يدب بين افراد الاسرة الواحدة ، او بين جماعة من الاصدقاء .
فكأنما اراد الله لنا الا نقع ابدا على هذا الموضع الصواب فى علاقتنا بعضنا ببعض ، بحيث يبعد كل منا عن شئون الآخرين بعدا يتيح لهؤلاء الاخرين ان يشعروا بشخصياتهم مستقلة قائمة بذاتها .
وبحيث لايكون ذلك البعد سببا فى حرماننا من دفء العاطفة التى يستمدها بعضنا من بعض .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق