الأربعاء، 13 مايو 2009

الفؤاد الفارغ

هل تدرون ما هو الفؤاد الفارغ؟ ما هو هذا الإحساس؟ إنه إحساس لا يمكن أن تشعر به سوى أم ابتليت بفقد ابنها و قرة عينها بعد ما ضمه القلب و احتواه الفؤاد ، فالطفل الوليد هو الشغل الشاغل لأمه في جميع سكناته و حركاته :إطعامه ، رعايته، حمايته ، ترقب احتياجاته لينعم بالراحة و الهدوء، و يكفيها ابتسامة أو مداعبة من طفلها لتنسى كل آلامها و ترتاح نفسها ، يكفيها أن تتأمل قسمات وجهه الرقيقة و أن تمسك بكفه الصغير و تقبل قدمه الناعمة و تضمه في حضنها الدافئ فيكون قريبا من قلبها و يستمع لإيقاع دقات قلبها الرخيمة ليسعد بأحلى الأحلام.

فإذا جاء من ينزعه منها وسط كل هذه المشاعر فإنها حينئذ تكون فارغة الفؤاد.

و عندما يصبح الفؤاد فارغاً تتحول الأم إلى عين تخترق كل الأسوار و تكشف كل الحجب بحثاً عن وليدها تتحرك بفطرتها لا بعقلها الذي يتوقف من هول الصدمة ، ذهول شامل فلا تشعر بأي شيء حولها و لا تفكر إلا في هذا المفقود ، و تكون في أسوأ حال إلا أن يثبتها الله على الصبر و الإيمان.

و تثبيت الله للأم يتجلى واضحاً في قصة أم موسى عليه السلام و إيحاء الله لها بحيلة لينجو بها ابنها من القتل المحقق على يد جنود فرعون.

تعرض القرآن الكريم لقصه سيدنا موسى منذ ولادته، كان فرعون مصر يقتل صبيان بنى إسرائيل في عام و يتركهم في العام الذي يليه وولد سيدنا هارون في العام الذي لا يقتل فيه الصبيان بينما ولد سيدنا موسى في العام الذي يقتل فيه الصبيان فخافت أمه عليه وفكرت أن تخفيه بعيدا عن جنود فرعون فماذا تفعل و هي مستضعفة لا تملك من أمرها شيئاً؟ فأوحى الله إلى أم موسى أن تهيئ تابوتاً فإذا جاء جنود فرعون ترضع رضيعها ثم تضعه في التابوت ثم تقذفه في النهر وتتركه يسير فيوجهه الله حيث يشاء بحكمته و علمه ، و لأن الله عليم بقلب الأم فقد أمرها ألا تخاف و لا تحزن و ثبتها بعد أن كادت تظهر جزعها و لهفتها على ابنها.

فقد أمر الله ، و في طاعة أمر الله النجاة الأكيدة حتى لو تعارض مع المفاهيم البشرية المحدودة ، وحيث أن الله وعد فإن وعده متحقق و لا شك.

و يقترب الخطر شيئا فشيئا حتى إذا أوشك الجنود أن يصلوا إليها نفذت أمر الله و ألقت بولدها الصغير الذي لا حول له و لا قوة في صندوق في نهر... و نفذت ما أمرها الله به.

يا الله.. رضيع يوضع في صندوق ويترك ليسير في عرض النهر وحيدا معرضاً لكل أنواع الهلاك من تيارات وأمواج ورياح وغرق وجوع و عطش و في أحسن الأحوال سيقع في أيدي الصيادين و يتعرض لخطر القتل مرة أخرى.

ولكن إرادة الله فوق كل ذلك وتدبيره و حفظه له يضمن له السلامة من كل هذا ؛ بل وعودته سالماً لأمه المكلومة و تربيته منعماً في قصر فرعون محاطاً بالعطف و الرعاية ، و صدق الله العظيم :"و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون" فياله من فضل و يالها من نعمة أن يحيط الله المؤمنين برعايته و أن يمكر لهم لا عليهم.

كيف هيأ الله الأسباب ؟ ألقى الله علي موسى محبه من عنده جعلت زوجة فرعون تناشد زوجها أن يستبقيه و لا يقتله " وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً" ثم حرم عليه المراضع لترشدهم أخته إلى امرأة تكفله و تقوم بإرضاعه و هى أمه فيعود إليها سالماً ، و الحمد لله رب العالمين.

و تتحقق بشارة الله لأم موسي فيعود إليها ولدها و يكون من المرسلين.

أبعد كل هذا يمكن للإنسان أن ييأس و معه الله ؟ هل يمكن أن ينظر إلى الدنيا بنظرته القاصرة فيحمل هم كل شيء ؟ مع أن الله هو المدبر للأمور كلها , و كل شيء على الله يسير، إنما أمره إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.

"و من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيئٍ قدراً"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق