الخميس، 2 ديسمبر 2010

ملامح على الطريق

كعادتي كل يوم؛ انزل قبل عملي بوقت كاف لكيلا أحتاج لاستقلال سيارة، فأمارس رياضة المشي - الوحيدة المنتظمة عندي - لكن أسوأ وقت يمكن أن تسير فيه هو صباح اليوم الدراسى لأنه وقت انطلاق جميع الطلبة و الموظفين و عربات جمع القمامة...

إنها فرصة لتأمل وجوه البشر بمختلف فئاته و أعماره، فرصة طيبة لقراءة وجوه مئات ممن ألفت وجوههم أو أراهم لأول مرة في الطريق..أتأمل كل شيء: المتحرك (البشر)، و الثابت(الأشجار و المباني)، و الثابت المتحرك (السيارات في طريق مزدحم)، و لكل منهم رؤية جديدة لكنها جميعا تصب في كأس الشقاء.

الطلبة صغارا و كبارا يسرعون في مشيهم و يحملون حقائب تثقل ظهرهم تكاد أن توقعهم أرضا.

كثير من الرجال و بعض النساء تعلو وجوههم هموم الدنيا، و قد بدا من ملبسهم أنهم ارتدوا ملابسهم على عجلة من أمرهم و بدون تناسق أو تجمل.

العربات التي ينزل منها الأطفال أمام مدارسهم متزاحمة و صوت عربات أخرى خلفها غاضبة.

و الأرصفة التي لا مكان فيها للمارة بسبب مربعات كان من المفترض أن تضم شجرة فاحتلت مساحة الرصيف الكلية فنزل المارة للسير بجانب نهر الطريق.

و بداخل الحافلات موظفون يقاومون النوم بشدة أو أطفال يستسلمون له، فالمكان جد ممل لان سير الحافلة أبطأ من السلحفاة في الزحام المروري الصباحي.

أمام بائعي الجرائد أناس بسطاء يتغلبون على سخرية الواقع بقراءة الجريدة القريبة إليهم و يعتبرونه الحدث الوحيد الجديد في حياتهم الرتيبة المتكررة.

أما اختيار الجرائد فله فلسفة أخرى، فالموظفون لهم ما يروقهم و كذلك النساء المتقدمات في السن، و الشباب له ذوقه الخاص في الاختيار، النساء يفضلن الأخبار, الرجال يقرءون المصري اليوم و قليل من الموظفين يشترى الأهرام، الآنسات لا يشترين جرائد و لا المراهقين.

عربات القمامة ذلك الشيء الضخم الذي يسير في الشوارع بجرأة متخطية حدود اللياقة مع المارة فمازالت تهب عليهم الروائح و تسد عليهم الطرقات بين الرصيف المشغول و العربات السائرة.

و من وسط هؤلاء تأملت حركة من يكنس الشارع، و يجمع المخلفات بحركات أفقية و طولية بطول الطريق تاركة خطوطا سوداء طولية و عرضية و جانبية، ثم يرفعها بحرص للصندوق.

وقتها شعرت أن قيمة الدنيا لا تتعدى قيمة تلك المخلفات التي يجمعها الرجل!


 

السبت، 13 نوفمبر 2010

نفحات من سورة الحج

تسعدني قراءة سورة الحج، خاصة في العشر الأوائل من ذي الحجة، أيام التقرب من الله و خير ما يتقرب به العبد إلى الله هو أداء النوافل و قراءة القرآن بتدبر، وهذه السورة مرتبطة بأحد أركان الإسلام الوحيدة التي لا يفرض عليه تكرارها مثل باقي الفرائض.

بداية سورة الحج نداء للتقوى و تخويف و ترهيب و تذكير بزلزلة الساعة، و ربط بين مشهد تجمع الناس في الحج فرادى لا حول لهم و لا قوة، و مشهدهم و ذهولهم يوم قيام الساعة حيث يكون الناس كالسكارى فاقدين للعقول و جميع معايير و قوانين الدنيا.


 

ثم تأتى حقيقة قدرها الله و كتبها منذ قديم الزمان، كتب على إبليس أن من أطاعه و اتخذه وليا فان مصيره الضلال و لا شك و يقوده إلى عذاب السعير، و من بلاغة القرآن أن الله كتب هذه الحقيقة على الشيطان.. و هذا يكفى، و ليس على أتباعه؛ فالشيطان هو مصدر شر أبدي للإنسان و جاهر بعدائه منذ خلق آدم.

و إذا تـأملنا الآيات التي تحدثت عن الشيطان نجدها كثيرة:

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

"يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير"

ألا يستحق الرجم؟ ..يبدو هنا الربط بين الآيات و بين شعائر الحج و التي من أساسها رجم الشيطان أو من ينيب عن الحاج إذا تعذر عليه رمى الجمرات بنفسه.


 

كما أنها تشمل تحذيراً لمن لا يحسن الظن بالله

"من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا و الآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ"

و هل للإنسان ملجأ إلا الله ؟ هل يستطيع أن ينفذ من أقطار السماوات و الأرض؟ إن حياته بأمر الله و بأمره يموت


 

و هذه صورة أخرى مخيفة لمن يشرك بالله:

"و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق"

فقد انحرف المشرك عن فطرته السليمة فسقط من مكانة الإنسان العاقل ليصبح شتاتاً تنقض عليه طيور الشر أو تدفعه الرياح إلى أسفل سافلين.

و تناظرها صورة أخرى مشابهة لها في آية في سورة طه:

"و من يحلل عليه غضبى فقد هوى"


 

كما تتعرض السورة إلى الجدل بالباطل و نظرة مستقبلية إلى الغيب، إذ يكون عاقبة فريق المتخاصمين الذين جادلوا بالباطل أن قطعت لهم قطع من النار و صب فوق رؤوسهم الحميم فهو عذاب من خارج و داخل أجسامهم تنصهر بطونهم و جلودهم.


 

و تحمل بشرى للمهاجرين إلى الله و الشهداء ووعد من الله بأعظم أجر؛ أن يضمن لهم أن يدخلهم مدخلا يرضونه و كفى به رزقا حسنا.

و تلك بشرى أكيدة للمؤمنين أن الله كفل لهم الهداية:

"و إن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم".. لاحظ استخدام صيغة "فاعل" في "هاد" دليل على الاستمرارية و التأكيد

و أهداهم خاصية لهم تطمئنهم أنه تعالى لهم سند و حماية

"إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور"

و أنظر إلى لطف الله و هدايته لمن أحب:

"و هدوا إلى الطيب من القول و هدوا إلى صراط الحميد"


 

و هذه هي السورة الوحيدة التي تحتوى آيتى سجدة


 

و فيها الآية العظيمة التي يؤذن فيها بالحج و تشمل شعائر الحج بتفاصيلها و الحكمة من ذبح الأضحية و كفارة الحالات الخاصة و تقديم أو تأخير بعض الشعائر و الرخص التي شرعها الله للتخفيف على الحجاج.

و يمتدح الله من يعظم شعائره و حرماته فى آيتين

"ذلك و ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"

"ذلك و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"

فتعظيم الأوامر و النواهي إنما مصدرها الخشية من الله و تعظيمه


 

و تختتم السورة بنداء من الله للمؤمنين بالصلاة، و أمر لهم بإتباع مبدأ هام جدا: من أراد الفلاح فليفعل الخير.. هكذا دون أن ينتظر مقابل أو جزاء سوى رضا الله.

"يأيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و افعلوا الخير لعلكم تفلحون"

و الآية الأخيرة:

"و جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم"

ألا يتطلب مننا الجهاد في الله حق جهاده أن نصبر على ابتلاءات الدنيا الفانية و أن نتخذ من الكفاح و الإخلاص في العمل شعارا لنا؟ من أجل هذا استحق المسلمون المجاهدون الاصطفاء و الشرف بنعمة الإسلام.


 

"و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس"

فالدعوة إلى الإسلام و الحفاظ عليه واجب على المسلمين لأنهم شهداء على الآخرين و ناصحين لهم و قائدين إلى الخير و الهداية..فأي شرف وهبه الله للمسلمين؟ لعلهم يقدرون حجم المسئولية التي حمَلها لهم الله.

و لكي يستطيعوا تحقيق هذا عليهم إتباع الآتي:

"و اعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى و نعم النصير"


 

آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله لا قوة إلا بالله


 

الأحد، 31 أكتوبر 2010

وصفة كارنيجي ضد القلق

القلق.. ذلك العدو الصامت الذي يهزمنا من حيث لا ندري، يسكن نواحي نفوسنا و ضواحيها الساكنة ، و يطل برأسه كل يوم ليمنعنا من التمتع بيومنا الحالي و يوقعنا في فخ من صنع أيدينا ؛ وهم لا يكاد يفارقنا هو الخوف من المجهول و استبعاد الأماني السعيدة..

ديل كارنيجى كاتب أمريكي من أشهر مؤلفاته "دع القلق و ابدأ الحياة" حيث حاز هذا الكتاب إعجاب ملايين القراء و ترجم إلى لغات عديدة و أعيدت طباعته عدة مرات.

و هذه مقتطفات قيمة من الكتاب:

  • تحية إلى الفجر..انظر إلى هذا اليوم إنه الحياة.. جوهر الحياة، في ساعاته القليلة تكمن حقيقة وجودك : معجزة النمو و مجد العمل و روعة الإنتاج فالأمس ليس إلا حلما، و الغد ليس إلا خيالا. أما اليوم إذا عشناه كما ينبغي فإنه يجعل من الأمس حلماً سعيداً، و يجعل من الغد خيالا حافلا بالأمل.
  • أغلق الأبواب على الماضي و عش في حدود يومك.
  • إذا كان لديك مشكلة تبعث على القلق فطبق وصفة سحرية متخذا هذه الخطوات الثلاثة:
  1. اسأل نفسك : ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لي؟
  2. هيْ نفسك لقبول أسوا الاحتمالات.
  3. اشرع في إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ذكر نفسك دوما بالثمن الفادح الذي يتقاضاه القلق من صحتك، و اعلم أن رجال الأعمال الذين لا يعرفون كيف يكافحون القلق يموتون مبكرا.


 

الطرق الأساسية لتحليل القلق:

القاعدة رقم 1: استخلص الحقائق "نصف القلق في العالم منشؤه محاولة الوصول إلى قرارات حاسمة قبل أن تكتمل لدينا المعلومات الكافية لاتخاذ القرار.

القاعدة رقم 2: بعد أن ترى الحقائق بعناية- اتخذ القرار.

القاعدة رقم 3: متى اتخذت قرارا حصيفا أقدم على تنفيذه و لا تتهيب العواقب.

القاعدة رقم 4: عندما يساورك القلق على عملك، أجب عن هذه الأسئلة الأربعة و دون إجابتك:

  • ما هي المشكلة؟
  • ما سبب المشكلة؟
  • ما هي الحلول الممكنة؟
  • ما هي أفضل الحلول؟


     

كيف تحطم عادة القلق؟

القاعدة رقم 1: استغرق في العمل..إذا ساورك القلق انشغل عنه بالعمل و إلا هلكت يأسا و أسى.

القاعدة رقم 2: لا تسمح لنفسك بالثورة من أجل التوافه – و تذكر أن الحياة أقصر من أن نقصرها.

القاعدة رقم 3: استعن على طرد القلق بالإحصائيات و الحقائق الثابتة. سائل نفسك هل هناك ما يبرر مخاوفي؟ و ما هو احتمال حدوث ما أخشاه؟

القاعدة رقم 4: ارض بما ليس منه بد.

القاعدة رقم 5: عندما يساورك القلق من أجل الحصول على شيء، اسأل نفسك هذه الأسئلة:

  1. ما مدى الفائدة التي سيعود بها علىَ هذا الأمر الذي يساورنى القلق من أجله؟
  2. كم من الوقت أجعله حدا أقصى لهذا القلق؟
  3. كم ينبغي أن أدفع لهذا الشيء الذي يساورنى القلق من أجله؟

القاعدة رقم 6: لا تحاول أن تنشر النشارة.

و تلخيصا:

  1. انشغل عن القلق بالاستغراق في العمل
  2. لا تهتم بالتوافه و لا تدع صغار المشكلات تهدم سعادتك.
  3. كلما ساورك القلق على شيء سائل نفسك ألا يحتمل ألا يحدث هذا الشيء الذي أقلق من أجله إطلاقا؟
  4. إذا أدركت أن الفرصة لتغيير شيء أو تبديله قد تجاوزتك إلى غير رجعة فقل لنفسك:

    "هكذا أريد للأمر أن يكون و لا يمكن إلا أن يكون هذا الأمر هكذا "

  5. ضع حجا أقصى للقلق و قدر قيمة الشيء ة لا تعط للقلق أكثر مما يستحق.
  6. دع التفكير في الماضي فليس هناك قوة يسعها أن تعيد الماضي .


     

    سبع طرق لخلق اتجاه ذهني يجلب لك السعادة و الطمأنينة:

    1. لنعم أذهاننا بخواطر الطمأنينة و الشجاعة و الصحة.
    2. لنتجنب القصاص من أعدائنا لأننا إذا فعلنا آذينا أنفسنا أكثر مما نؤذى أعداءنا.
    3. بدلا من أن نفكر في الجحود دعنا نسلم به، ليست السعادة في توقع الشكر على ما بذلناه، و إنما في البذل ذاته، الشكر غرس يروى و يتعهد بالسقي لكي ينمو و يترعرع.
    4. أحصى نعم الله عليك بدلا من أن تحصى متاعبك.
    5. الأجدر بنا ألا نتشبه بأحد فإن التشبه انتحار.
    6. اجتهد أن تصنع من الليمونة المالحة شرابا سائغا
    7. لننس أنفسنا و لنحاول أن نوفر السعادة لغيرنا.


       

      القاعدة الذهبية لنقهر القلق:

      حين تستنفذ الخطوب كل قوانا أو تسلبنا الكوارث كل إرادة؛ غالبا ما نتجه في غمرة اليأس إلى الله. فلماذا بالله ننتظر حتى يتولانا اليأس؟ لماذا لا نجدد قوانا كل يوم بالصلوات و الحمد و الدعاء.


       

      كيف تتجنب القلق الذي يجلبه النقد؟

      1. النقد الظالم ينطوي غالبا على إطراء متنكر.فمعناه أنك أثرت الغيرة و الحسد في نفوس منتقديك.
      2. ركز جهدك في عملك الذي تشعر من أعماقك أنه صواب و صم أذنك بعد ذلك عن كل ما يصيبك من لوم اللائمين.
      3. احتفظ بسجل دون فيه الحماقات و الأخطاء التي تنتقد بسببها، و لا تستنكف أن تسأل الناس النقد النزيه العف الأمين.


         

        6 طرق تقيك الإعياء و القلق و تحفظ لك نشاطك و حيويتك

        1. استرح قبل أن يدركك التعب.
        2. تعلم كيف تسترخي و أنت تزاول عملك.
        3. إذا كنت زوجة، فتعهدي صحتك و جمال مظهرك بالاسترخاء في منزلك.
        4. اخل مكتبك مما عليه من الأوراق باستثناء ما يخص المسألة التي بين يديك.
  • افعل الأهم فالمهم
  • حين تعترضك مشكلة احسمها فور ظهورها.
  • تعود النظام و الركون إلى الغير و الإشراف.
  1. لتتق الإعياء و القلق أضف إلى عملك ما تريد استمتاعك به.
  2. تذكر أن أحدا لم يمت رقاً. و إنما القلق الذي يلازم الأرق هو مبعث الخطر.

كيف تحصل على العمل الذي يلائمك؟

القرار الحاسم في حياتك

  1. امتنع عن الوظائف و الأعمال التي غصت بالعاملين حتى فاضت.
  2. تجنب الأعمال التي ترى أن فرص النجاح فيها ضئيلة و انفق الأسابيع و الأشهر في التحري و الاستعلام و دراسة ما يتعلق بإحدى الوظائف قبل أن تكرس حياتك لها.

أهم عوامل النجاح في العمل:

  1. أن يجد المرء لذة في عمله. فإذا استمتع بعمله فإنه يقضى الساعات المقررة فى العمل دون أن يحس بمرورها، و يكون إحساسه و هو يعمل كإحساس من يلهو.

لكي تتفادى القلق الناشئ عن الأرق:

  1. إذا استعصى عليك النوم قم إلى مكتبتك و اكتب او اقرأ حتى يتسلل إليك النعاس.
  2. جرب الصلاة قبل النوم فإنها خير أداة لبث الأمن في النفوس.
  3. أرح جسدك و حدث كل عضلة من جسمك بالاسترخاء حتى تسترخي
  4. زاول أحد أنواع الأنشطة البدنية فإذا شعرت بالتعب فثق أنك ستنام.


     

كيف تزيل متاعبك المالية؟

  1. دون أوجه الإنفاق جميعها.
  2. اجعل لنفسك ميزانية تتضمن جميع احتياجاتك.
  3. تحر الحكمة في الإنفاق.
  4. لا تصدع رأسك في التفكير في دخلك.
  5. أمن نفسك رصيدا ينفعك وقت الشدة.
  6. أمن نفسك ضد المرض و الحريق و الطوارئ.
  7. علم أبناءك كيف يكونون مسئولين عن المال.
  8. إذا لم نستطع أن نحل مشكلاتنا المالية فالأفضل ألا نقتل أنفسنا حسرة على ما ليس منه بد.


     

    و أخيرا.. تذكر أن 99% مما نشفق منه و يتولانا القلق بسببه لا يحدث إطلاقا


     

    اقرأ التاريخ و انظر إلى المشكلات التي كان يعانى منها العالم من عشرة آلاف سنة و قس مشكلاتك التافهة بمقياس الخلود .. ستعرف المقدار الحقيقي للمشكلة.


 


 


 


 

الجمعة، 22 أكتوبر 2010

الأستاذ رضا

  • دخل زميل لنا عاد لتوه من فرع الشركة بالخارج..عاد متذمرا رافضا لأحوال الشركة و ما آلت إليه الأساليب و الإدارة، و لاحظت تغير شخصيته تماما عما كانت عندما عمل مع فريق العمل الذي اشرف عليه فقد بات سريع الغضب شجاعاً جدا في التعبير عن رفض الواقع و دفع الظلم الذي حل به.
  • منذ عدة أيام استدعاني رئيسي في العمل و أبلغني أنه "يشعر" أن الأداء ليس على ما يرام و أن الناس لا يعملون بكل طاقتهم إذ أنهم لا يتجاوزون أوقات العمل الرسمية بالرغم من التزام الفريق بالحضور و ملازمتهم مكاتبهم و بذلهم أقصى استطاعتهم.
  • كثيرا ما طلبوا منى الحديث عن عيوب فريقي الذى أعمل معه بحرية و شجعوني على الكشف عن تقصيرهم بالرغم من أنهم جميعا من الصفوة المختارة في الشركة.
  • اكتشفت مؤخرا أن كل شخص في العمل يتعرض للنقد و اللوم - على المستوى الادارى خاصة – و تساءلت بيني و بين نفسي من هو الشخص الذي يستحق التقدير فى الشركة..ألا يخبرونا به ليكون قدوة لنا طالما نحن جميعا مقصرون؟
  • كلما سألت شخصا عن حاله فى عمله و جدته يخطط للانتقال لعمل آخر لعدم استطاعته الصبر على أحوال العمل و عدم تقديره ، و "استعباده" فى عمله...إلى أين يذهب هؤلاء أليس لأماكن عمل أخرى ينفر منها موظفوها و يتمنون تركها؟هل هي لعبة الكراسي الموسيقية؟


     

  • أين أنت يا أستاذ رضا؟ عهدناك نورا في قلب كل مؤمن، و مبدأ من مبادئ الإنسان العاقل..مهما كانت الأحوال فالرضا بالقضاء من شيم العقلاء

الرضا.. لأن كل ما يحدث هو قضاء الله؛ الذى قدر الأحداث بما يناسب كل شخص ، و يلائم طبيعته، و دبر كل هذا لخيره و صالحه فلا يتعجل الإنسان الأحداث و ليطلب الأمور بعزة و كرامة؛ فلا تدفعه الحاجة للعمل لقبول المهانة و الظلم؛ لان الرزق بيد الله و ليس مقصورا على مكان بعينه.


 

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

وصية مالكي زهرة الخشخاش

توفى المليونير محمد محمود خليل في عام 1955 فترك لزوجته القصر و حدائقه و محتوياته.

كانت السيدة حرم محمود خليل قد أوصت قبل وفاتها 1960 بإهداء المبنى و ما به من تحف مع جزء من الحديقة التي حوله إلى الدولة

و هذا جزء من وصيتها بخصوص القصر:

"أردت بهذه الوصية التعبير عما شعرت به من حب عميق لمصر التي صارت لي وطنا منذ زواجي بالمرحوم محمد محمود خليل و إنني اذكر ما أحاطني به من عطف و ما شملني به من عناية كزوج مخلص بادلني حبا بحب.

و لقد رأيت من حقه على أن أخلد ذكراه في نفوس مواطنيه كجندي من أبر جنود مصر الأوفياء و من أجل ذلك فإننى أقرن وصيتي بشرط أقتضيه من الحكومة و هو:

أن تجعل من القصر و التحف التي يضمها متحفا باسم السيد محمود خليل و حرمه"

على أن يفتح هذا القصر للجمهور

و إذا رؤى أن توضع تعريفة للدخول فلتكن زهيدة بحيث يكون الدخول ميسورا للجميع"

و إذا بحثنا عن تطبيق شروط تلك الوصية

الشرط الأول: تحقق

الثاني: تم فتحه لفترة ثم تم الاستيلاء عليه و استكمال القصر الجمهورى به في فترة من الفترات و نقل محتوياته الفنية الى قصر أحد الأمراء ثم عادت الأمور لمجراها

الثالث: تم تطبيقه حتى الآن

عاشت مصر فترة دون أن تشعر بأهمية تلك الثروة الفنية الضخمة حتى تناقلت المجلات الأجنبية من خلال مراسليها في مصر مدى إهمال مصر لتلك الثروة فنبهت بذلك ذوى النفوس الضعيفة و العصابات إلى ذلك الصيد السهل الثمين

لكن معاناة اللوحات من الإهمال ما زالت مستمرة فتمت سرقة لوحة واحدة مرتين

خلال خمسين سنة من عمر زوجين فنانين عاشا طيلة حياتهما و حبهما ممزوج بحب الفن بين مصر و فرنسا ، فكان الفن هو ابنهما الذي بذلا من أجله المال و العمر و الاهتمام.. عاما بعد عام يضيفان شيئا جديدا و تحفة فريدة إلى تلك المقتنيات النادرة

و تلك الفرحة الوليدة بضم عنصر جديد من الفن العالمي للمنزل المتحف

حياة حافلة سعيدة؛ لكن لكل شيء نهاية.. فكان ختام حياتهما السعيدة هو تحويل قصرهما إلى متحف مشترك؛ يخلد ذكرى أجمل حب و أجمل تعاون فني راقٍ، و ولاء للوطن الذي رفعه وزيرا و جعله شخصية لامعة في ذلك الوقت

لقد ظنا أن الوطن سوف يقدر تلك الهدية الغالية؛ و يصونها و يسلط عليها الأضواء؛ و يستخدمها لنشر الروح الفنية و الافتخار بحيازة ما ندر من الفن العالمي، و لكن ما جاء بسهولة يفقد بسهولة، فلم تبذل الدولة أي جهد أو تكلفة لإنشاء هذا المتحف، و هان عليها ما به ؛ أو استكثروا على الشعب أن يهنأ به طوال عصور الزمن ، وأصبح صيانته عملا روتينيا أو حبر على ورق ، و لم يخلص أبناء وزارة الثقافة و العاملين فيه و فرطوا في الأمانة فحق عليهم اليوم غضب الشعب كله...

إنني أكاد أرى وجه محمود خليل حزينا متألماً لما تأملت تمثاله في مدخل المتحف؛ و كأن لسان حاله يقول: لماذا بلادي لم تصونى العهد؟


الجمعة، 27 أغسطس 2010

هل هذا يعرف الحب؟

تعيش أسرة قتيل بولاق الدكرور هلال عثمان محمد ٥٠ سنة الذى لقى مصرعه حرقا على يد ابنه حالة من الحزن، الزوجة لا تصدق أنها فقدت زوجها على يد ابنهما وفقدت الأخير بعد القبض عليه وحبسه..

كان قسم شرطة بولاق الدكرور قد تلقى بلاغا من غرفة النجدة بنشوب حريق داخل شقة عامل يدعى هلال عثمان محمد ٥٠ سنة وأنه توفى أثناء محاولة إسعافه متأثرا بحالته الصحية وإصابته بحروق من الدرجة الأولى شملت جميع أنحاء جسده.

تبين من التحريات أن ابن الضحية ١٧ سنة، عامل، قرر التخلص من والده فتعدى عليه بالضرب محدثا إصابته فى حاجبه ثم سكب «جركن» به مادة البنزين بالشقة وأشعل بها النيران فلقى والده مصرعه ألقى القبض على المتهم الذى أحيل للنيابة واعترف أمام النيابة بارتكابه الواقعة انتقاما من والده الذى رفض مساعدته فى الارتباط بفتاة أحبها.


 

مشكلة رهيبة من مشكلات المجتمع هي عقوق الأبناء

بالأمس كان عقوق الأبناء لا يتعدى الصوت العالي أو تحكيم الرأي و رفض النصح، أو الانفصال عن الأسرة و عدم القيام بواجبات البر.

لم تصل إلى حد التعدي بالسباب..

لم تتجاوز الحد إلى التطاول باليد..أمل أن تصل الجريمة إلى حد القتل..فهذا مريع.

و أي قتل؟ بالحرق!

إن كل ذرة في هذا الوالد تألمت قبل أن يموت، النار التي التهمت جلده شبرا شبرا ، لقد اشتكت ربها من قسوة الإنسان الذي يستخدمها في تعذيب غيره، أكاد أرى حيرة الرجل للخروج من الشقة بعد أن حبسه الولد و محاولته اليائسة و دهشته و غضبه، و أخيرا تسليم الأمر لله حيث فاضت الروح لبارئها.

و لماذا؟ لأنه يحب! و يريد مالا لإتمام زواجه و هو لا يزال مراهقاَ فى السابعة عشر من عمره.

إنني أتوقف هنا عند كلمة "يحب"..

كيف لهذا الشيطان أن يحب؟ الحب رحمة، رقة مشاعر، تضحية و كفاح ، عطاء للجميع ، و حالة من الاندفاع لقهر المستحيل، المحب مرهف الإحساس، يستشعر جمال الكون و يحب جميع الكائنات بما فيها أهله و عشيرته...

أما أن يضحى بأهله من أجل من يحب فذلك فساد عقيدة و سوء تفكير و قسوة لا إنسانية.

و هذه الأم الثكلى المبتلاة بفقد زوجها محروقا و ابنها معدوما..بعد أن تفيق من هول الصدمة و تتقبل أن الأمر حقيقة و ليس كابوسا مخيفا، ماذا يكون تفكيرها؟؟

مزيج من الكره، الندم، الضياع..

الندم: على عدم تربية ذلك الفتى تربية إسلامية تحميه من سيطرة الشيطان و إتباع الهوى، أم عدم تعليم الفتى، و الحرص على استمراره في الدراسة، بدلا من الرضا بعمل لا يكفى متطلبات الحياة و لا يحقق الاستقرار.

ربما كانوا يبالغون في مجاراته و عدم معارضته منذ صغره..ربما لم يتبع الوالدان سياسة واحدة في التربية، أو كان الأب سعيدا بأن ولده ورث مهنته كعامل و استطاع الكسب مبكرا و مساعدة الأسرة..كيف يتوقع الآباء أن يقدم لهم الأبناء شيئا؛ و هم لم يوفوهم حقهم الطبيعي في بناء كينونة لهم تحميهم من غدر الأيام، و دفعوا بهم للعمل قبل أن يعلمونهم ما هي الحياة و كيف يتعاملون معها؟

الندم: على فرحتها بولادة ذكر، و رعايتها له حتى اشتد ساعده و فعل فعلته، كانت تتوقع أن يكون لها سندا في الحياة لا أن يقتل زوجها وعائلها و يحرق قلبها قبل أن يحرق أباه.

الكره: لهذا الابن القاتل و هل تكره الأم؟ نعم إنها تتنصل من أمومتها له فليس فخرا أن تكون أما لقاتل

و أخيرا الضياع: في بحور الحزن و سواد المستقبل، و انعدام السعادة في أي شيء، فقد انتهت قصة حياتها الزوجية بفقدان الأيام و السنين، صفر اليدين و بلا أي ثمن.

أما المحبوبة؛ فلا أظن أنها ذات أخلاق أو عقل، بل لابد إنها تشبه القاتل في تفكيره الأهوج و تهوره الممقوت، صغيرة السن، خالية من الأدب أو العقل.

ما شعور تلك المحبوبة؟ هل الحزن على ذلك الشاب، أم السعادة الخفية لكونها محبوبة هام بها حبيبها لدرجة قتل والده ليتزوجها، أم شكر الله إذ نجاها الله من الزواج بهذا المجنون؟

قاتل الله الابن العاق ..إنه لا يعلم كم يُشقىِ والديه

و كان الله في عون الأم التي يجحدها أبناؤها، إنها تتألم مرتين؛ مرة وقت عقوق الابن و قسوته عليه، و المرة الثانية تتألم كأم عندما ينتقم الله من ابنها؛ إذ أن عقوبة العقوق هي عقوبة معجلة في الدنيا، قبل أن يتوب أو يستوفى العقاب في الآخرة.


 

الخميس، 12 أغسطس 2010

مع الملك.. ما أسعدك

قال تعالى في خواتيم سورة الحشر: "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك"

الملك : الذي يمتلك الأرض و من عليها ، النفوس و ما بداخلها، يملك السمع و الأبصار و الأفئدة، بيده خزائن السموات و الأرض و بيده الخير كله.

الملك: تسبح له السموات السبع و الأرض و ما فيهن ، تحيط الملائكة عرشه سبحانه و يسبحون بحمده.

الملك الذي يملك زمام الأمور يسيرها كيف يشاء .. بكلمة كن فيكون

أنت مع الملك.. ما أسعدك ..أنت مع الملك ماذا تفتقد ..لماذا تحزن ..ما الذي يهمك؟

طالما يرضى عنك الله الملك.. عن أي شيء تبحث؟ و لأي شيء تطمح؟

أنت مع الملك: في صلاتك، في دعائك، في خشوعك.

أنت مع الملك: إذا ذكرته بين الناس ذكرك في ملأ خير منه من الملائكة الأطهار.

أنت مع الملك: عندما تعود مريضا فتجد عنده الله ليجزيك أجر برك و إحسانك.

الملك: اسم عظيم من أسماء الله الحسنى شامل لعظمته و هيمنته و سلطانه القوى.

لذلك تبعتها في آيات سورة الحشر "الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون"

ملك عادل فما أسعد المملوك..رحيم كريم ودود..يرعاه و يحميه و يرزقه لأنه خلقه..يحبب إليه الإيمان و يكره إليه الكفر و العصيان.

فللذنب وحشة، و للذنب قبح؛ ينفر ذوى الفطرة السليمة ليراجعوا أنفسهم مئات المرات حتى يتراجعوا أو ينتهوا.

و من الأسماء الحسنى اسم آخر ذو صلة باسم "الملك" هو "مالك الملك ذو الجلال و الإكرام"

"فلله الحمد رب السموات و رب الأرض رب العالمين * و له الكبرياء في السموات و الأرض و هو العزيز الحكيم"


 

الاثنين، 2 أغسطس 2010

الساموراى جاك و الآخر

عودة إلى الساموراى جاك..

ذلك البطل قوى الأخلاق قبل قوة البدن

فجأة.. و خلال مغامراته للوصول إلى آكو الشرير وجد الساموراى فجأة شبيها له

قال له من أنت؟ أجابه الشبيه: أنا أنت!!

لكن هناك اختلاف صغير فى الشكل ..لون العين أحمر و الملابس سوداء رمزا للشر

و الاختلاف الأكبر هو الباطن.. فما بداخل الشبيه هو طاقة هائلة للشر

و قمة الصراع أن الساموراى و الشبيه كليهما فى نفس القوة ..نفس السيف البتار الذي لا يخطئ، إصابة الهدف، نفس التدريبات و القوة الجسدية، نفس الذكاء، كل شيء متماثل ما عدا الهدف..

و استمرت عدة لقطات لمبارزة لهما تبدو أنها لن تنتهى أبدا

و لكن فجأة يتوقف السامورى؛ و يدخل سيفه فى جرابه و يمتنع عن الاستمرار فى المنازعة..

و يستاء الشبيه لذلك فهو يستمتع حقا بالقتال و يأمل الانتصار على الخير

اكتشف ساموراى أن هناك نقطة جوهرية لصالحه، و مصدر قوة رهيب يتغلب على قوة الشر مهما كانت: إنها ... التسامح

توقف الساموراى و أعلن لشبيهه أنه لا يحمل له أى كره أو ضغينة و أنه سامحه تماما

عند هذه اللحظة و فى خيال قصصي درامى يذوب الشبيه؛ لأن قوته و حياته كانت تنبع من نزعات الشر فى قلب الساموراى، و عندما تخلص منها ذهب الشبيه الشرير إلى غير رجعة.

كم هو جميل التسامح و ارتقاء النفس عن مبادلة الشر بمثله و العنف بالعنف و القسوة

التسامح يفيض خيرا على صاحبه قبل ان يكون خيرا للذى عفى له..

درس جميل و كارتون ناجح و موعظة للكبير قبل للصغير ..


 

السبت، 5 يونيو 2010

الرأي القيم في العشق

ملخص كتاب روضة المحبين و نزهة المشتاقين

لابن القيم الجوزية

------

اشتقاق الأسماء و معانيها

قيل المحبة أصلها الصفاء لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان حبب الأسنان

أو مأخوذ من الحباب و هو ما يعلو الماء عند المطر الشديد فالمحبة هي غليان القلب عند لقاء المحبوب

أو مأخوذ من أحب البعير إذا برك و لم يقم و يتحرك من لزوم المحب قلب المحبوب و عدم انتقاله منه.

و قيل من الحب جمع حبة لأنها أصل كل شيء


 

ما قيل في الحب و المحبة:

قيل هي الميل الدائم بالقلب الهائم، موافقة الحبيب في المشهد و المغيب، اتحاد مراد المحب و مراد المحبوب

و قيل أن يكون المحب أقرب للمحب من روحه

يا مقيما في خــــاطري و جناني و بعيدا عن ناظري و عياني

أنت روحي إن كنت لست أراها فهي أدنـــى لي من كل دانى


 

و قيل حضور المحبوب عند المحب دائما

خيالك في عيني و ذكرك في فمي و مثواك في قلبي فأين تغيب


 

من آثار المحبة أيضا:

الشجن: الحزن و الحاجة عندما تكون حاجة المحب أشد شيء إلى محبوبة

الاكتئاب: من حصول الحب و فوت المحبوب فتحدث بينهما حالة سيئة تسمى الكآبة

الخلة: توحد الحب للمحبوب لا يشاركه فيه أحد و لأنها تتخلل جميع أجزاء الروح فيصبح خليلا

الغرام: هو الحب اللازم لا يفارق صاحبه

الود: هو خالص الحب و ألطفه و أرقه و هو من الحب بمنزلة الرأفة من الرحمة.

أنواع المحبة:

المحبة أنواع أفضلها محبة المتحابين في الله إما لاجتهاد في العمل و محبة القرابة و محبة الألفة و الاشتراك فى المطالب و محبة التصاحب و المعرفة و محبة لبر يضعه المرء عند أخيه و محبة العشق بين النفوس و الأرواح المتآلفة.

العشق اختياري أم اضطراري؟

قالوا اضطراري هو بمنزلة محبة الظمآن للماء فالعشق يهاجم بدون اختيار .... و القول الأفضل أن مبادئ العشق و أسبابه اختيارية (النظر و التفكر) و النتائج غير اختيارية ،و من أتى بالأسباب فهو مسئول عن النتائج محاسب عليها.

و كان ابتداء الذي بى مجونا فلما تمكن أمسى جنونا

و كنت أظن الـــــــهوى هينا فلاقيت منه عذابا ألـــــيما


 

الحكم فى العشق

أعظم صلاح العبد أن يصرف قوى حبه لله تعالى وحده بحيث يحب الله بكل قلبه و روحه و جوارحه.

"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و من كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، و من كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار "


 

علامات المحبة

الأدب

كثرة ذكر المحبوب

الانقياد لأمر المحبوب

اضطرابه عند مواجهته و سماع اسمه

غيرته له و عليه

سروره لسروره

إيثار الوحدة و التفرد عن الناس

الاتفاق و المشاركة بينه و بين محبوبه

إفراد الحبيب بالحب و عدم التشريك بينه و بين غيره

موافقته للحبيب في كل شيء


 

ارتكاب الحرام و ما يفضى إليه من مفاسد و آلام

حقيق بكل عاقل أن لا يسلك سبيلا حتى يعلم سلامتها و آفاتها و ما توصل إليه هذه الطريق من سلامة أو عطب

"يا معشر المسلمين إياكم و الزنى فإن فيه ست خصال: ثلاث فى الدنيا و ثلاث فى الآخرة، فأما اللواتى فى الدنيا فذهاب البهاء، و دوام الفقر، و قصر العمر، و أما اللواتى فى الآخرة : فسخط الله، و سوء الحساب ، و دخول النار"


 

التحذير من إتباع الهوى

لابد أن تكون للعبد همة عالية للتقرب إلى الله رغبة فى الجنة و خشية من النار و لا يقدر على ذلك إلا بمخالفة هواه " و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى"

و قوله "و لمن خاف مقام ربه جنتان"

قيل: هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه فى الدنيا ومقامه بين يديه فى الآخرة فيتركها لله.

و إتباع الهوى يضل الإنسان بلا شك و مصيره أشد العذاب:

"و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله * إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب"


 

حديث:

"بئس العبد عبد تجبر و اعتدى، و نسى الجبار الأعلى

بئس العبد عبد تخيل و اختال، و نسى الكبير المتعال

بئس العبد عبد سها و لها، و نسى المقابر و البلى

بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات

بئس العبد عبد طمع يقوده، بئس العبد عبد هوى يضله "


 

إنما سمى "الهوى" لأنه يهوى بصاحبه إلى أسفل سافلين و الشيطان يطوف بالعبد من أين يدخل عليه فلا يجد عليه مدخلاً و لا إليه طريقاً إلا من هواه. و إنما يمكن مخالفة الهوى بالرغبة في الله و ثوابه و الخشية من حجابه و عذابه.


 

مقامات العشق:

العشق هو الإفراط في المحبة بحيث يستولى المعشوق على قلب العاشق حتى لا يخلو من تخيله و ذكره و الفكر فيه ، بحيث لا يغيب عن خاطره و ذهنه ، و العشق مبادئه سهلة حلوة و أوسطه هم و شغل قلب ، و آخره عطب إن لم تتداركه عناية الله 

العاشق له ثلاث مقامات: مقام ابتداء و مقام توسط و مقام انتهاء

دواء العشق: الإخلاص لله و إشغال قلبه عن الفكر في المحبوب بكثرة العبادات و التضرع إلى الله ليصرف عنه ذلك.

مساوئ العشق:

  1. الاشتغال بحب المخلوق و ذكره عن حب الله
  2. عذاب قلبه به، فإن من أحب شيئاً غير الله عذب به و لابد
  3. قلبه أسير في قبضة غيره يذيقه الهوان و هو لا يملك من أمر نفسه شيئاً
  4. قد يفسد الجسم و ينهك البدن ويفسد الذهن

 
 

الرغبة في الله و علامات العارف بالله

الرغبة في الله و الشوق إلى لقائه هي رأس مال العبد و ملاك أمره و قوام حياته و أصل سعادته و قرة عينه، و لذلك خلق و به أمر، فيكون وحده مرغوبه و مطلبه و مراده و قد أمر الله رسوله بهذا في قوله:"فإذا فرغت فانصب * و إلى ربك فارغب"

و المحبة هي ميلك للشيء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك و روحك و مالك و موافقتك له سرا و جهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه.


 

و أخيراً...من ترك محبوبه لله عوضه الله خيرا منه.


 

الاثنين، 17 مايو 2010

بوصلة طبيعية



البوصلة للملاح شيء أساسي لتوجيه السفينة إلى الهدف المقصود، و قديماً كانت الاستعانة بالنجوم و الاهتداء بها قبل اختراع البوصلة؛ حيث تحدد مجموعات النجوم المختلفة الاتجاه الحالى للسفينة أو للسائر فى الصحراء.



و كما أن تحديد الهدف مهم جدا للسائر في البحر أو الصحراء؛ فمن باب أولى لمن يسير فى الحياة؛ حيث يطول خط السير و تتعرج مساراته، و تتداخل فيما بينها، و تتكاثر مفارق الطرق التي تحتم على الانسان لحظات اختيار مصيرية فى حياته ، فكيف يتجنب الانسان التيه فى عالم الأحداث ، كيف يرى بشعاع الضوء الضعيف المتسرب من خلال الغيوم التى تغطى سماءه ؟


لابد أن يكون الهدف واضحا و ثابتا طالما لم يجد جديد، و ان يكون الهدف على قدر كبير من المرونة؛ بحيث يمكن تعديله مع تغير الأحداث بما يلائم إمكانيات الشخص و مصالحه الشخصية و مصالح من حوله.

مثال لذلك الأم التى وضعت هدفا لها استكمال دراستها العليا بعد أن وجدت أن هذا أنسب لها من خوض مجال العمل بشهادتها العادية، عند مرحلة معينة؛ و لصالح أطفالها الصغار قد تؤجل حلمها و بالتالى تغير الخطة الزمنية المقررة لتنفيذه، أو تلجأ للعمل تحت ضغوط الحياة المادية، أو تلغى حلمها نهائيا إذا ثبت عدم جدواه، و فى كل ذلك ترشدها البوصلة حيثما تتحرك، و البوصلة حساسة جدا لما يطرأ من تغيير إذا تم ضبطها و تحديد معاييرها بدقة مسبقا حسب الوضع الحالى و ظروف كل شخص.


المشكلة لو أصاب أحد تلك البوصلة بكسر، أو أحاطتها مؤثرات مغناطيسية؛ فاختلط على مؤشرها الأمر، و راح يتأرجح يمينا و يسارا بعيدا عن الصواب.
تلك المؤثرات هى إلحاح الآخرين، و محاولة الإجبار على شيئ معين و اتجاه مخالف لاتجاه البوصلة الصحيح؛ فعندئذ تكون عواقب السير فى الطريق غير معلومة، هل يؤدى للنجاح و الرضا ، أم للفشل و الحسرة؟
لاشك أن هذا العمل غير أخلاقى و لا إنسانى؛ فالانسان يحتاج لاقتناع كامل من داخله بالطريق الذى سيسلكه؛حتى يستطيع تحمل مشقته و التحرك فيه بكفاءة و حرية، لا أن يسير مدفوعا لا يحركه سوى زحزحة الآخرين و أوامرهم العسكرية. فالانسان ليس آلة متحركة، لكن الإحساس و الاقتناع هما القوة الدافعة الحقيقية لتحريك عجلة الحياة.


لا تسمح لأحد بالتأثير على بوصلة حياتك و احمها من الصدأ لكيلا تكون عديمة القديمة، وحافظ دائما على وضوحها و رونقها فهى الدليل في هذا الزمن.



الجمعة، 14 مايو 2010

" إنه كان بي حفياً"

الحفاوة هي المبالغة في الكرم و اللطف في التعامل و حسن اللقاء و الكلام.

و تكون فقط لمن يهمك أمرهم سواء تودهم من صميم قلبك، أو تريد مجاملتهم و كسب رضاهم، أو لمصالح توجب المبالغة في العطاء.

إذا عانيت من تجهم البشر، و بخلهم في عطائهم و مشاعرهم، أو حتى رسم بسمة مفتعلة على وجوههم؛ ففر إلى الله تجده بك حفياً..

إذا ألجأتك الذنوب إلى طريق مظلم و أسلمتك لمصير مؤلم؛ ففر إلى الله تجده ينتظرك بالصفح و المغفرة..

إذا أردت أن تفرح بالعودة إلى الله فهيا بسرعة للتوبة؛ فالله أشد فرحا بها.

 
 

إبراهيم الخليل الذي كان إيمانه يساوى إيمان أمة كاملة، عندما هدده أبوه الكافر بالرجم رد عليه بيقين المؤمن:

"سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا"

و قابل إبراهيم حفاوة ربه بالشكر و الدعاء..

"و أعتزلكم و ما تدعون من دون الله و أدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقياً"


بالرغم من فقرنا إليه و غناه عنا فهو سبحانه يحتفي بنا فما أشد كرمه.. هو الودود.. يتقرب إلى الإنسان بالنعم نعمة تلي الأخرى، و يحفظه بالليل و النهار، و يقدم له فرصا كثيرة للتوبة، و عندما يتوب يبدله سيئاته حسنات ويضاعف له فيها "للذين أحسنوا الحسنى و زيادة".  

يرضى لعباده الشكر و يعينهم عليه، و يبتليهم بالخير و الشر؛ لا ليعذبهم بل ليطهرهم و ينقيهم حتى يصلوا الجنة بسلام؛ فالجنة مقام عال لا تنال إلا بالصبر و التقوى.

و الحمد لله رب العالمين 


 

الاثنين، 10 مايو 2010

ليوناردو العجيب

عندما يجمع العالم بين شتى أنواع المعرفة يكون بالفعل عالما حكيما، فتأمل الطبيعة هي أفضل طريقة للوصول إلى المعرفة من أوسع أبوابها، هكذا عاش ليوناردو حياته في مدينة "فنشي" قريبة من مدينة فلورنسا بإيطاليا حيث تآلف ليوناردو مع جمال الريف و مخلوقاته العجيبة مدفوعا بحب استطلاع غير محدود في انطلاق و بغير خوف من الظلمة أو الحشرات السامة و الحيوانات المؤذية.. تأمل الهياكل المتحجرة للأسماك و حاول جاهدا أن يصل بنفسه لإجابات التساؤلات التى كانت تتزاحم برأسه الصغير فى زمن كان غارقا في الجهل ، و قد ساعدته على ذلك ذاكرته النادرة التى تحفظ صور الحيوانات و الحشرات بتفاصيلها ليرسمها فيما بعد.
تعلم ليوناردو الرسم على يد رسام شهير فى فلورنسا حيث كان يعيش مع تلاميذه و يوفر لهم المواد و الأدوات و الكتب و كان هذا الأستاذ يكلف ليوناردو برسم أجزاء كاملة من لوحاته حيث كانت تقارب إلى حد كبير رسم أستاذه، و فضل ليوناردو البقاء مع أستاذه عدة سنوات ليتعلم من مكتبته فروع العلم الأخرى الرياضيات و الطبيعة و الكيمياء و الفلك و الفلسفة.
مميزات و عيوب
لما كانت اهتمامات ليوناردو كثيرة و متنوعة ، و عقله فى حالة تفكير مستمر فقد عجز عن التركيز فى عمل واحد لحين الانتهاء منه، و بالتالى كانت طريقته فى العمل تسير حسب مزاجه المتقلب و الموزع فى أكثر من اتجاه؛ مما أدى إلى سوء أحواله المادية، فبالرغم من ثقة الأمراء و الحكام فى فنه و مهارته فى التصوير و لكنهم لا يستطيعوا أن يغامروا بطلب لوحة لهم لأنه لا ينجز عمله فى الوقت المحدد أبداَ، و عبثا حاول ليوناردو مقاومة ميله الشديد للعلم و الاختراع و تغيير الطريقة الفوضوية فى العمل و لكنها طبيعة متأصلة فيه.
شفرة دافنشي
كان ليوناردو حريصا على كتابة ملاحظاته العلمية فى اتجاه معكوس بحيث لا يمكن قراءتها إلا من خلال المرآة خوفا من تسرب تلك الأفكار و استخدامها بشكل سيء أو تعرضه لاضطهاد الحكام و رجال الدين حيث كانت الأفكار الجديدة موضع استنكار و رفض، و محاربة صاحبها حتى ينكرها و إلا يتعرض لإيذاء شديد.


كان أقصى ما يتمناه ليوناردو أن يعيش تحت رعاية أمير يتبنى مواهبه و يوفر له المواد و الأدوات اللازمة لعمله و أن يكفيه هم المعاش ليتوفر له الوقت للانصراف التام إلى أعماله الفنية و العلمية و اختراعاته المبهرة، و فى سبيل تحقيق هذه الأمنية طاف على الكثير من الأمراء عارضا عليهم مواهبه بما فيها مهارة العزف و الغناء و تصميم مشاهد و ديكورات حفلات زفاف الأمراء المبتكرة.
اختراعات و لكن
كادت تقوم الحرب عدة مرات خلال حياته و فى كل مرة كان يصمم الآلات الحربية الفتاكة التى تضمن الانتصار بجدارة لتميزها بكونها جديدة و مبتكرة و مبينة على أسس علمية سليمة ...و لكن على سبيل المصادفة المتكررة فى كل مرة: عندما يبدءون في تنفيذ تلك الآلات يقف قرار الحرب و يعم السلام؛ و بالتالي ظلت تصميماته الحربية على الورق دون تنفيذ!
تمثال و حصان عملاق
كلفه أحد الملوك بصنع تمثال لوالده بارتفاع ثمانية أمتار على ظهر حصان ضخم قدماه الخلفيتان على منصة عالية و الأماميتان على جثة أحد الأعداء كرمز للسطوة و القوة.
و لم يكن العمل سهلا فقد درس الخيول بأنواعها و تركيب هياكلها العظمية و بحث عن نموذج لحصان قوى جميل فى جميع أنحاء المدينة، و بعد عدة شهور من العمل الشاق أكمل التمثال و لكن لم يسمح الوقت بصنع القالب البرونزي له فظل على هيئته بالصلصال...
و للأسف كانت نهاية ذلك التمثال الرائع أن قذفه الجنود الفرنسيون خلال الحرب بالسهام حتى وقع الحصان و انهار التمثال العملاق في شكل مأساوي و سبب ذلك حزنا شديدا لليوناردو لم يمسحه اعتذار الأمير الفرنسي بنفسه عن هذه الوحشية.
سحر الموناليزا
طلب أحد أغنياء فلورنسا من ليوناردو أن يصور زوجته الشابة الجميلة موناليزا التى كان فى وجهها الكثير من الطيبة و المحبة و براءة الروح.
و خلال رسمه لها كان يحيطها بفرقة موسيقية تعزف لها الألحان الجميلة ليبقى وجهها الهادئ متألقاً بابتسامته الساحرة التي نقلها ليوناردو بإعجاز فني، و كان متعلقا بتلك اللوحة بشكل خاص فأخبر زوجها أن سيأخذ اللوحة معه ليرسم عن الطبيعة منظراً خلفياً للسيدة، و تباطأ فى تسليم اللوحة عدة شهور، و ساعدته الظروف على ذلك فقد انشغل بعمل فني ضخم كلفه به الحاكم.
و ظلت اللوحة ملازمة لليوناردو طيلة حياته في سفره و ترحاله...
أحزان جديدة
كلف الحاكم ليوناردو و مايكل أنجلو بتزيين سقف قاعة مجلسه حيث تم تقسيم رسم السقف بينهما ليتنافس الفنانان في الإبداع ، و اختار ليوناردو مشهد معركة شديدة بدت كأنها حية و أن الخيول تكاد تقفز من السقف إلى القاعة و ساعده على ذلك خبرته بفنون الحرب، و أجمع أهل فلورنسا على تفوقه على منافسه مايكل أنجلو تفوقا ظاهراً، و سعد ليوناردو بذلك كثيرا ........


و لكن وقع حادث مؤسف قتل تلك الفرحة؛ فقد أراد ليوناردو بعد إنهاء العمل تثبيت الصورة على الجدار بواسطة مادة صمغية يشعل لها النار لتدفئها و يسرع تبخرها ، فإذا بالنيران ترتفع للسقف و تختلط الألوان ببعضها و يفسد العمل العظيم الذي استغرق شهورا طويلة، و حزن أهل المدينة كلهم على تلك الروعة التى ذهبت فى لحظة و طالبه الحاكم بإعادة رسم اللوحة من جديد و لكنه فقد حماسه للعمل و ترك المدينة كلها.
أيام أخيرة
فى أواخر أيام ليوناردو أهداه ملك فرنسا فيلا على ربوة عالية تحيطها المناظر الريفية الساحرة من الجهات الأربعة و المياه الجارية و مجهزة بكل سبل الراحة، فكان هذا فوق ما يحلم به ليوناردو من الترف و العيش الرغد الوفير، و لكنه شعر باقتراب النهاية....
لوحة باليد اليسرى
عندما اشتد المرض على ليوناردو رفض أن يستسلم لليأس و لما أصاب الشلل يده اليمنى و أصبح القلب مهددا بالتوقف استخدم يده اليسرى فى رسم اللوحة الأخيرة له و التى لا تقل روعة عن مثيلاتها من اللوحات، و كتب وصيته بتحويل قصر اللوفر إلى متحف لروائع الفن.


ظلت تصميمات المخترعات العظيمة التى لم يستطع تحقيقها بضعة قرون حتى خرجت للوجود و التنفيذ ، و لاتزال مخطوطاته تدرس كمرجع فى التشريح و التصوير و التصميم فقد كان سابقا لعصره و كان بحق من أفضل العباقرة الناجحين.


الأحد، 2 مايو 2010

نقيق ضفدع

من ذكريات الطفولة السعيدة صوت نقيق الضفادع..

لا أدرى لماذا حتى الآن أسعد بصوت نقيق الضفادع بالرغم من أنه ليس جميلا على الإطلاق

لكنه الحنين..

كانت شرفة غرفتي تطل على حديقة فيلا مجاورة، و في حوض صغير للماء كان يسكن ضفدع عذب الصوت

يظل يغنى طوال الليل كأنه حارس أو أنيس، و لذلك اعتدناه أطفالا فلم ننفر منه يوما أو ننزعج.

كان ينشط في الصيف مع ظهور أوراق العنب، ذلك النبات الأخضر المتسلق الذي ينمو و يتشبث بالجدران خطوة بخطوة حتى يصل إلى نافذتي ..ليطل عليها فيداعب تلك الأوراق نسيم الصباح المنعش و نسيم الليل البارد اللطيف.

كنا نميز أصواتها فنجد اختلافاً بينها حسب السن و النوع ..يبدو أنها كانت عائلة سعيدة جدا، ترى فيم كانت تتحدث؟ هل كانت تسبح ربها أم تسلي ليلها أم تناقش أمور حياتها؟ العلم عند الله.


 

كما تتقافز الضفادع سعيدة فيما بينها؛ تتقافز الفرحة في عيوني عندما أنظر إلى حوض الزرع لأراه أثرا بعد عين..

لا تدرى ما سر هذه السعادة؟ أهو تآلف الطفولة مع الطبيعة أم حب اللون الأخضر و حب الحياة؟

 
 

هذا الضفدع يذكرني بحكاية من حكايات الأطفال هي الأمير الضفدع؛ ذلك الأمير المسحور الذي فك سحره و حل عقدته حب الأميرة و تقديرها له.

و تذكرتني تلك الحكاية بحكاية أخرى هي الجميلة و الوحش..

ربما كان الوحش مستأنسا، و الجميل مستقبحا مرهوب الجانب؛ فالجمال الحقيقى هو جمال الروح


 

أيتها الذكريات الجميلة ماذا نفعل لتبقى في ذاكرتنا مدى الحياة؟

أيتها الطفولة السعيدة ماذا نفعل لنستعيد لحظة – لحظة واحدة فقط – من هذه الأيام؟

أيها الأطفال الأشقياء؛ تمهلوا في أحلامكم و لا تتمنوا أن تصبحوا مثلنا..أنتم الآن تحت ظل شجرة فيحاء؛ في واحة رحيمة؛ في قلب صحراء الحياة بشمسها المحرقة و لهيبها اللافح..أنتم الآن تجدون من يوفر لكم الحماية و الأمن و المعيشة الطيبة .. فلا تتعجلوا الخروج من جنة الوالدين إلى وهم الاستقلال.


 

إلى كل حلم من أحلام الطفولة البريئة....


 

يا ساكنا قلبي منذ القدم

متى تطفو الحنايا فوق الألم

متى ترضى النفوس و يذهب الندم

من سيدفعني و يستنهض الهمم


 

الأربعاء، 28 أبريل 2010

"أتعجبين من أمر الله"

التفاؤل صفة حسنة و سلوك صحى يجب أن يتحلى به الإنسان وسط ذلك الكم الهائل من الأحداث السيئة و الأوضاع المحزنة..و التفاؤل ينبع من ثقة دفينة راسخة فى المؤمن بأن الله سيحقق له آماله و يراها تتحقق أمام عينيه.. و لو بعد حين.

الأنبياء و أهلوهم هم قدوة لنا بما يحملون من صفات عليا؛ أهلتهم ليكونوا رسل الله المبلغين لأوامره ونواهيه؛ و الشارحين لأصول الدين من خلال القول و الفعل... نلتمس اليوم نفحات من عدة آيات تمثل مشهدا قرآنيا من سورة هود:

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)

فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70)

أرسل الله ملائكة تبشر ابراهيم ببشرى عزيزة – جاءوا فى صورة بشرية فظنهم ضيوفا و أكرمهم، و من دلائل كرمه عليه السلام في الآية الشريفة التعبير "فما لبث" "حيث أسرع بإحضار واجب الضيافة :عجل سمين ؛ حتى قبل أن يتعرف عليهم .. بمجرد إلقاء السلام و إبداء الأمان ؛ فكان كرم الله و فضله بتحقيق أمنية إبراهيم التي تمناها طوال عمره فمن الله عليه بنعمة الأولاد بعد طول انتظار.

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)

قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)

امرأته قائمة: أغلب الظن أنها كانت تقوم بدور الضيافة و الترحيب للضيوف الذين أتوا (الملائكة) بالرغم من كبرها في السن..

و ضحك المرأة (زوجة سيدنا إبراهيم) كان مقدمة لتبشيرها ببشرى الولد "اسحاق" و زيادة فى العطاء "يعقوب" و تلك "فائدة التفاؤل" و حسن الظن بالله

و فى نفس المشهد لقطة أخرى من سورة "الذاريات"

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)

قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)

من شدة العجب صكت وجهها أي ضربته برفق ..وصف دقيق جدا لمشاعر امرأة أذهلتها المفاجأة بعد أن يئست من طول الأمل و استسلمت لقدرها، و رضيت بنصيبها و تأقلمت مع حرمانها من الأولاد، و ذاب شوقها الذي حملته سنوات طوال إلى الأطفال.

ليس الأمر قاصرا على الأسباب الظاهرة فقط؛ بل هناك قوة مدبرة فوق قوانين الحياة و حدودها التقليدية؛ فسواء كانت عجوزا أم شابة عاشت حياتها عقيمة بلا أولاد، أم كانت ولوده ، كل هذه الأسباب لا تزن شيئا أمام قدرة الله .

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

لا يتعجب الإنسان أبدا من قدرة الخالق و كرمه و قدرته فالأمر جد يسير .. إنما هي كلمة من الله:"كن فيكون"، فلم العجب؟

أهل بيت الأنبياء هم صفوة الناس بعبادتهم و تقواهم و إيمانهم العميق ، فهم أكثر الناس تعرضا لرحمة الله و بركاته، تتنزل عليهم آناء الليل و أطراف النهار، و منهم نعرف كيف تكون الحياة اليومية الهادفة المثمرة؛ فإن حياتهم ليست لأنفسهم؛ لكنها لهدف خالد هو نشر الدين و الكفاح من أجل العقيدة، و لهذا يبتليهم الله ليطهرهم و يذهب عنهم الرجس، و من بعد الابتلاء يأتي اليسر و الفرج و حسن العاقبة.. و هذه بشرى و دعوة للتفاؤل.

الثلاثاء، 20 أبريل 2010

الأيادي الناطقة

هل تصدق أنه سوف يأتي يوم تتحدث فيه يداك و جوارحك، و بأي حديث تتكلم؟ إنه ليس كلاماً عادياً؛ إنها شهادة في وقت يفتقر فيه الإنسان إلى شهادة خير، و على أي شيء ستشهد ؟ عليك أنت.. أنه في يوم كذا قد فعلت كذا ، لا يهمها أنها سوف تتعذب معك.. فهذا أمر الله الذي أمرها بالنطق؛ و أنطقها فنطقت؛ و كان أمر الله مفعولا...

أما تستحي أيها العاصي؟ ألم تعلم بأن الله يرى؟ سيشهد الجميع: السمع.. البصر..القلب.. حتى الجلود و كل ما استعملته بما يخالف شريعة الله؛ استعملت جوارحك التي وهبك الله إياها في عصيانه بدلا من شكره عليها، و استهنت بمراقبة الله لك و هو معك أينما كنت؛ ألم تعلم أن ربك بالمرصاد؟ ألم تعلم أن كل شيء قد أحصاه الله و لو نسيته أنت؛ و سوف يحيط بك الإثم من كل جانب فلا تجد مخرجا و لا ملاذا..

قد جاءنا التحذير من الله فى الآيات التالية:

"وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ "

و فى الحديث الشريف:

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك، فقال: ((هل تدرون مم أضحك)؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تُجِرْني من الظلم؟ قال: بلى، قال: إني لا أجيزُ اليومَ على نفسي إلا شاهداً مني، قال: يقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُختَمُ على فيه فيقال لأركانه: انطِقي، فتنطق بأعماله، قال: ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام فيقول: بُعداً لكُنَّ وسُحقاً، فعنكن كنتُ أُناضل)).


 

الأربعاء، 7 أبريل 2010

لوحة حائط

من ذكريات الطفولة غير البعيدة ..ربما كان عندي ثمان سنوات ..ربما، لكنني كنت قد أتقنت القراءة و الكتابة بالشكل الكافي لقراءة لوحة حائط.. و هذا هو المؤكد.

بينما كانت عيني تسبح في فضاء حائط الفصل؛ استقرت على لوحة مكتوب بها حديث شريف، لازلت أحفظه حتى الآن، و كانت مكتوبة بخط رقعة واضح جميل..

"عن عبد الله بن عباس قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما قال يا غلام، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، و إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام و جفت الصحف"

بنظرة الطفل الصغير و عقليته تفهمت الجزء الأول من الحديث، و حفظت العبارة الأخيرة (لما كانت تحتوى على بلاغة أدبية درستها فيما بعد)، و انصهرت تلك الكلمات و المعاني في بوتقة عقل لا يزال في مرحلة الإنشاء و التكوين؛ و تشكلت معان و مبادئ لا تتبدل على مر الزمان، ثم تجمدت لتثبت مدى الحياة راسمة معالم الطريق...

يبدأ الحديث في بلاغة نبوية: في البداية "إني أعلمك كلمات"؛ مما يهيئ المتلقي إلى التركيز؛ فما سيقال كلمات معدودة و ليست موعظة طويلة يترك بعضها و يلتقط بعضاً.

ثم يعرض منهجاَ كاملاَ لمراقبة الله، و استشعار وجوده في كل وقت، و الأنس به.. فهو سبحانه "تجاهك" أي أمامك يراك و يرعاك؛ و حفظ الله للإنسان أعظم مكافأة لحفظه أوامره سبحانه و كلماته، كما أن السؤال و الطلب و المعونة منه وحده، مع الثقة الكاملة أن الأمر كله لله؛ و إن اجتمع الناس كلهم على نفع أو ضرر الإنسان.. و تلك ثقة في الله تكسب المؤمن قوة مستمدة من عمق الإيمان لا يخشى معها أي قوة دنيوية مهما عظمت.

هذه هي أسس التوكل على الله؛ تحضرني الآن الآية الكريمة في سورة هود؛ على لسان نبي الله هود:

"من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربى و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم ".

أما معنى (رفعت الأقلام و جفت الصحف) أي أن هذا القول ثابت لا يتغير و لا تصيبه تحريف مدى الزمان.


 

هكذا كانت المدرسة في الأيام الخوالي، كان الطالب يتعلم فيها حتى في وقت فراغه أو عند غياب المدرس؛ و بكل الأشكال: نصيحة مباشرة أو غير مباشرة، نصيحة منطوقة أو مقروءة، المهم حسن اختيار المواد المقدمة للطلاب و عرضها بشكل بسيط و مؤثر و مناسب لسنهم الصغير، و لا شك أنها من المؤثرات القوية إذ يتعرض الطفل لها كل يوم عدة مرات فتشجع لديه موهبة التأمل و التفكير ثم الاستيعاب الكامل.


 

الثلاثاء، 30 مارس 2010

صوت من بعيد

صوت من بعيد.. آت من عمق السماء..بل من بين جنبات الأرض .. بل من قلوب المؤمنين..

صوت يتردد منذ سنين.. حلقة الوصل بين جميع أيام العمر ..سمعناه أطفالا و شبابا و كهولا و لا يزال يدوى صداه إلى ما شاء الله..

الآذان..الله أكبر..أكبر من كل المشاغل الدنيوية أكبر من كل كبير، أكبر و أعلى و أعظم.

أكبر من أي مشكلة دنيوية زائلة، أكبر من هموم الدنيا مجتمعة..

شهادة الوحدانية.. هي شهادة العزة و الكرامة، شهادة نستودعها و نختزنها عند الله؛ لتأخذ بأيدينا عند عبور الصراط، و ننجو بها من خزي يومئذ.. شهادة شهدها الله و الملائكة و أولو العلم.

حي على الصلاة.. هلم إليها لتريحنا من الهبوط الأرضي، و الغبار الذي يغشى الأبصار؛ فلا تكاد تبصر إلا تحت الأقدام، هلم إليها لنجدد طاقتنا و نستعيد فطرتنا التي أفسدتها الأطماع الدنيوية التي لا تنتهي..

هلم إليها لنوقف تيار الانشغال عن ذكر الله، أو لإيقاف خلاف أو إسكات أصوات تتعالى و نفوس تتشاحن، هلم إليها ليستفيق الغافل و يتوقف العاصي؛ أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر؟ و لتكن صلاة خالصة نستشعر فيها جلال الله و متعة الوقوف بين يديه ننعزل فيها عن العالم و الأصوات الخارجية و الزخارف المحيطة بنا من كل جانب.

و من قبلها بالوضوء تغسل الذنوب و يضاء الوجه و يزيد الأجر و يتم التطهر.

و عندما تكون صلاة خاشعة؛ يتحقق الفلاح كما قال تعالى: "قد أفلح المؤمنون، الذين هم فى صلاتهم خاشعون.. ".و هي أولى صفات المؤمنين: المحافظة على الصلاة في أوقاتها؛ فمن أسرع إلى الصلاة أسرع الله في إجابة دعاءه. "و عجلت إليك ربى لترضى"

لا اله إلا الله..خير ما قال الأنبياء و ردد الأصفياء.. لا اله إلا الله حقا حقا، لا اله إلا الله تعبدا و رقا.. لا اله إلا الله مفتاح دخول الجنة، بها تختتم حياة الصالحين و ترتاح نفوس المكلومين.

و لكل وقت ذكراه و معناه:

الفجر..سكون نفسي وسط سكون مادي، نور يسرى في القلب قبل ظهور نور الشمس ..يسبق تسبيح العصافير بعدة دقائق ثابتة يومياً.

الظهر..ينتزع الناس من دوامة العمل ليستعيدوا نشاطهم و حيويتهم فيستكملون أشغالهم بعزيمة، بعد أن خففت الصلاة من مشقة العمل و رتابته.

العصر..صلاة وسطى لا يضيعها المؤمن و لا يشغله نوم القيلولة عن أدائها.

المغرب.. علامة فارقة بين الضوء و الظلام، بين الحركة و السكون، يسبقها الكثير من تسبيح الطيور مجتمعة في وقت واحد؛ تليها بعض أصوات زقزقة العصافير الشاردة المتناثرة.

العشاء..إيذان بانتهاء كفاح يوم و إيقاف عجلة الدوران للاستعداد لليوم التالي.

و صوت المؤذن مميز له سحر خاص، يفتقده الإنسان عند السفر و الترحال, فمن الأصوات ما هو هادئ عذب، و منها ما هو عال جهوري، و منها ما يحمل في طياته نبرة وعيد و تحذير.. و جميعها أصوات محببة بما تحتويه من كلمات مكرمة عند الله؛ فيها الخير و زيادة، ترديدها سنة و عبادة.

الأربعاء، 24 مارس 2010

"لعلكم ترحمون"

ما هي الطريقة المثلى لتأمين مستقبلك و مستقبل أولادك؟ كيف تضمن لهم حياة سعيدة هانئة؟

لا ليس بأموال مكتنزة في البنوك و لا عقارات مسجلة و لا حلى ذهبية أو مجوهرات ثمينة.. ليس كل هذا هو الشيء المضمون.

المضمون أن تختزن فعل الخير عند الله ...

و ليكن شعارك تلك الآية الكريمة "و افعلوا الخير لعلكم ترحمون".

معونة الله لك أكيدة بسعيك في عون أخيك.. أنت تساعده فيساعدك الله: فأيكما أكثر استفادة و أيكما أسعد حظاً؟ من كان الله معه كفاه ما أهمه من شرور الدنيا و الآخرة.

لا تنتظر رد الجميل من الناس، لكن توقع الجحود و ادع الله أن يتقبل ما تقدمه؛ فالله يزيد الإحسان حسنا و الثواب أضعافا مضاعفة.

ألم يقل موسى عليه السلام مناجياً ربه: "رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير" بعد أن سقى لبنات سيدنا شعيب متحملا مشقة فوق مشقة سفره الطويلة، مبتغيا وجه الله فيما قدم لغيره؛ فأكرمه الله و آواه و آمنه من خوفه و نجاه من الهم و الغم.

و كما نعرف في سورة الكهف كيف حفظ الله أموال اليتامى، و أمر الخضر ببناء الجدار المتهدم الذي كان يخفى تحته كنزا تركه الوالد لأولاده قبل وفاته ليستخرجوه عندما يبلغا أشدهما ..فقد استودع الرجل تلك الأمانة عند الله، فلم يضيعها و سخَر لحفظها من يعمل على حمايتها دون أجر .. "و كان أبوهما صالحا"

من يراعى الله في تعامله مع أولاد غيره، و يشفق عليهم كأنهم أولاده؛ سيصل أجر ذلك بالتأكيد لأولاده في حياته أو بعد مماته؛ و بذلك يكون قد ضمن لهم حياة ميسرة مأمونة.

أما المبادئ الهادمة التي تسود المجتمع اليوم من تبادل المصالح و المنافع ، أو استباحة ظلم أحد من أجل منفعة ابن أو قريب فهو يشق بيده طريقا محتوما لفشل ذلك الابن ، و يظلم بحمقه نفسه وولده؛ فما كان الله ليضيع حق المظلوم و لو بعد حين.

كيف يتوقع الظالم الرحمة و قد علم أنه من لا يرحم لا يُرحم؛ أم للإنسان ما تمنى.. ربما خيل له غروره و تقلبه في النعم صباحاَ و مساءاَ أنها نصيب مفروض له لا يزول عنه.. ربما فكر أن الغنى سيظل هكذا للأبد و كذلك الفقير لأن الله خلقه لهذا.. هكذا يوسوس الشيطان لمن ينسى ذكر الله فلا يستفيق إلا بعد أن تناله العقوبة الغليظة، و يأخذه الله بذنبه؛ إن أخذه أليم شديد.


 


 

الثلاثاء، 16 مارس 2010

لا تكن كالقمر

كن كالشمس... مضيئة بذاتها لا تتوقف عن الضياء و توزع أشعتها و دفئها على الجميع بالعدل

و لا تكن كالقمر.. يعكس فقط الأشعة الواقعة عليه ' إن أضاءه شعاع أضاء و إذا ذهب أظلم

كما أن برودته تمنع أن يعيش فيه مخلوق

الشمس كبيرة في ذاتها و إن بدت لنا أصغر

الشمس أداة تنير للناس حياتهم و تدفعهم دفعا لترك النوم و الذهاب إلى أعمالهم.

القمر أداة الشعراء للتغزل و قول كلمات مؤقتة تذوب صباحا.

القمر لا يتمسك بزواره و محبيه؛ فليست لديه جاذبية لهم؛ و لا يزال رواده يطيرون فوق السطح ملتمسين ثباتا أو هروبا.

القمر متغير المظهر و الشكل – تارة هلال و تارة بدر و أخرى محاق - كل يوم في شكل جديد و مظهر مختلف؛ لا يثبت على صورة واحدة و إن تكررت دوراته، فإذا علمته اليوم بدرا قد يتحول هلالا بعد أيام..

إذا أردت ألا تكون كالقمر: فكن ذا شخصية واضحة لها مبدأ ثابت لا يتغير قلباَ و قالباَ مهما تغيرت الدنيا من حولك و مهما اختلفت مواقف الناس، و لا تجعل المجاملة عذرا لقول ما ليس بحقيقة، تمسك بأصدقائك و أحبائك لا تفرط فيمن حولك فربما لا يمكنك تعويضهم لاحقاً؛ فلا يستطيع أحد مهما كانت درجة ذكائه و استقلاليته أن يلفظ الناس كلهم و يبعدهم عنه؛ فالناس يحتاجون لبعضهم البعض و العزلة ليست سهلة...

و لتكن كلماتك مضيئة حانية تسع الناس حلما و دفئا، و لا تتعجل الأحداث فالدنيا تسير بميقات محدد و قدر معلوم.

الجمعة، 26 فبراير 2010

العائشة في الوهم

"العائش في الحقيقة" .. عنوان قصة لنجيب محفوظ ، و قصة اليوم هي "العائشة في الوهم"

من بريد الأهرام التقطت تلك القصة المؤثرة؛ و التي جاءت ردود قرائها كثيرة و عميقة المعاني...

إنسانة في الستين من عمرها لم تتزوج وفاء لحب قديم لم يكتب له الاستمرار و كانت نهايته على يد والدها بالرفض التام .. و لما يأس المحب و أدرك أنه لا أمل في تغيير موقف والدها؛ تزوج من أخرى ...


أما هى فلم تجد ما يزحزح مكانة هذا الحب فى قلبها ، و لأن الحب لا يسكن قلبا مسكونا؛ فلم يستطع أى شخص آخر الوصول إلى مفاتيح قلبها الذى أغلقته على ذكرى الحبيب الأول ، و رفضت من يتقدمون إليها تباعا.

و الغريب أنها استكملت حياتها المهنية بنجاح كأن هناك من يدفعها و يشجعها، و لكن الحقيقة أنها ذكريات الحب القديم.. و التى لا تزال تحيا بها لدرجة أنها تضئ الشموع و تناجى حبيبها فى خاطرها و حاضرها فهى –على حد تعبيرها- امرأة فى سن الستين تمتلك قلب فتاة فى العشرين.


و يستوقفنا هنا سؤال : لماذا تكون المرأة أشد وفاء لذكريات حب مضى؟ لماذا تعيد استعراض شريط الأحداث فى الصباح و المساء؛ و تلاحقها كلمات من تحب فى كل وقت.. فى وعيها و فى حلمها؛ فى انشغالها و فراغها.. لماذا تحيط بها حلقات المشاعر من جميع الجهات فلا هى تتركها لتنجو بنفسها من توقف الزمن و لا هى تعطيها تذكرة العبور إلى مرحلة أخرى مستقرة؟

أما الرجل فما أسرع ما ينسى.. ربما فى اليوم التالى.. ربما فى مساء نفس اليوم الذى تحدث فيه.. كأن الكلمات كانت قطرات ندى أدركها الصباح فتبخرت بلا أى أثر عنده... لماذا التغيير سمة رئيسية فى حياتهم؟ يعيشون بمبدأ الإحلال و التجديد أي نظرية الإزاحة : عندما يأتي حب جديد يزيح الحب القديم إلى الخارج بكل سهولة و يسر و ليس "بشق الأنفس" كما تشعر المرأة.


و لهذه المرأة أقول: لقد عشت وهما و أضعت عمرا .. كم كان إخلاصك ووفائك النادر الذي لا يستحقه أى رجل.. و لأنك تجهلين؛ فقد عشت سعيدة ... كان قدرك أن تجددى ذكرياتك الجميلة بدلا من استبدالها بأخرى حزينة و اخترتى أن تعيشى في الخيال مع أشباح مضت على أن تكوني في واقع ملئ بالكذب و الخداع.

ما الذي يفرق بين النساء سناً ؟ إنها معرفة الحقائق المرة و آثار الصدمات التي تلقى الظلال الكئيبة على الوجوه فيعلوها الحزن و البؤس.

هل معنى هذا أن الإنسانة التي تظل تحب إلى الأبد هي التي انتهت قصتها قبل أن تبدأ ؟

إنها لم تكن تريد أن يخلص لها من أحبت بمثل هذا الشكل، و لم تنتظر مقابل هذا الحب فقط عاشت بالحب ليفيض خيرا و نجاحا عليها.


أجمل ما فى القصة أن هذه الإنسانة راضية بقدرها و لم تسخط على وضعها؛ فما أدراها أن ارتباطها بهذا الشخص كان سيحقق لها ما عاشت فيه من السعادة طوال هذه السنوات... حقاً "لوعلمتم الغيب لاخترتم الواقع"


http://www.ahram.org.eg/39/2010/01/08/15/2589.aspx

الثلاثاء، 23 فبراير 2010

صدى الصمت

صدى الصمت – الصمت المدوي – حديث الصمت.. كلها أسماء لمقالات كثيرة تعدت المائة بعد المليون لأهميتها

و لكن... متى يتكلم الصمت؟ متى يبدأ الصمت و يتوقف الكلام؟

إليكم بعض الأمثلة....

  • عندما يتكرر الحديث و النصح و يتكرر الحدث دون جدوى.
  • عندما يشتد النقاش و تحتد لهجة الحوار بحيث تقترب النفوس من حافة الضجر أو الشقاق.
  • عندما لا يهتم المستمع و تبدو في وجهه أمارات الإهمال و الاستهتار بما تقول فلا تجد رد الفعل المتوقع.
  • عندما ينصرف المستمع إلى حديث إنسان آخر في نفس الوقت.
  • عندما لا يشعر المستمع بأهمية و قيمة الكلمات.
  • عندما تريد أن يشعر المستمع بما تعانى من إحساس مرير بخيبة أمل عندما تذهب كلماتك أدراج الرياح.
  • عندما تعجز الكلمات عن التعبير أو تكون كثيرة فتتجمع و تتزاحم بحيث لا تفوز إحداها بالخروج من الفم؛ و عندئذٍ تتحدث دموع العين.
  • عندما يكون الحديث فيه معصية أو نميمة أو قول سوء؛ و لا يملك المتحدث منع ذلك، فيجب عليه على الأقل ألا يشترك معهم أو يستمر في الجلوس بهذا المجلس.
  • عندما لا يكون هناك رد سوى الكلام السيئ فالصمت أبلغ، و تكفى نظرات العتاب... كما أن إحساس الشعور بالذنب - الذي سوف يشعر به قائل الكلمات السيئة و بادئ الشر- أقوى من الرد على السوء بمثله.
  • عندما تتحدث الأفعال و ليس الأقوال؛ فخير للإنسان أن يفعل بدون أن يقول أفضل من أن يقول و لا يفعل..
  • عندما تريد أن يتحدث الماضي بدلا من الحاضر، و أن يتحدث الخيال بدلا من الحقيقة حين يتذكر المستمع كلماتك السابقة عندما يفتقد حديثك الآن.

الثلاثاء، 19 يناير 2010

معادلة مقلوبة

من لم يتعظ بما حدث له من مواقف سابقة فلا يلومن إلا نفسه، فإن حسن النوايا لا يؤذى أشد من صاحب تلك النوايا

كثيرا ما قلت لنفسي في الأوقات الحزينة...

من الأولى بالبكاء؟ الظالم (طرف أول) أم المظلوم (طرف ثان)؟

من الأولى بالحزن؟ الجاحد أو المجحود؟

من الذي سيخسر؟ البادئ بالقطيعة أم المهجور؟

من يحتاج للآخر أكثر؟ الأم أم الأبناء؟

من يجب عليه أن يصل و يود الآخر؟ الأخ الأكبر أم الأصغر؟

من سوف يندم؟ الصديق غير الوفي أم الصديق المصدوم؟

نعم.. البداية هى دموع الطرف الثاني و حسرته على أيام جميلة و عطاء سابق ووفاء ضائع، و ذكرى تجدد الماضي و تزيد الإحساس بالظلم و الوحدة.

ثم تتوالى الأيام.. كلٌ يسير في طريقه الذي سلكه، الطرف الثاني المغلوب على أمره لا يملك من التغيير شيئا... و الطرف الأول لم يزل ماضياَ في طريقه غير ملتفت للخلف و غير منتبه لخطورة القسوة و الغفلة عن حقوق الغير.

أما النهاية.. فالحق يظهر، و يجنى كل إنسان حصاد ما فعله و الجزاء من جنس العمل؛ إما يتعرض لموقف مماثل (و ذلك بشكل مؤكد في حال عقوق الوالدين) أو خسارة و تهدم لبنيان تم بناؤه بغير أساس... و عندما يستفيق الطرف الأول: قد يكون طريق الرجوع متاحاَ و قد لا يكون، و لكن رد اعتبار الطرف الثاني لا يعيد بسمة و لا يزيل تجاعيد محفورة في وجه أم عجوز شيبتها السنون و قسوة الأبناء؛ و لا يعيد أياما مضت من أجمل أيام العمر.

و لا يصلح ما انكسر و لا يصل ما انقطع من روابط الصداقة بسهولة؛ لأن المرارة لابد أن تترك أثرا و أن تعكر صفو الماء النقي و تترك علامة عميقة في القلب.

هذه هي سنة الحياة: غدر و قسوة.. ثم عودة و أوبة ... و بين هؤلاء و هؤلاء أيام و ليال طويلة .. و سفر بعيد و نفوس عليلة ...فلا المواعظ تمنع المكتوب و لا الحذر يمنع المقدور.

و بذلك المنطق تحدثت الآيات عندما خوف المشركون إبراهيم عليه السلام بإلقائه في النار ...

"فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ، الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون"


ملحوظة: غالبا ما يكون الطرف الأول رجلا أكبر فى السن و له سلطة عائلية أو شابا صغير السن يعيش حيوية و حماس الشباب..

و الطرف الثانى امرأة أقل سنا أو أماً أو أختاً كبرى أو صاحب رسالة.