الأربعاء، 7 أبريل 2010

لوحة حائط

من ذكريات الطفولة غير البعيدة ..ربما كان عندي ثمان سنوات ..ربما، لكنني كنت قد أتقنت القراءة و الكتابة بالشكل الكافي لقراءة لوحة حائط.. و هذا هو المؤكد.

بينما كانت عيني تسبح في فضاء حائط الفصل؛ استقرت على لوحة مكتوب بها حديث شريف، لازلت أحفظه حتى الآن، و كانت مكتوبة بخط رقعة واضح جميل..

"عن عبد الله بن عباس قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما قال يا غلام، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، و إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام و جفت الصحف"

بنظرة الطفل الصغير و عقليته تفهمت الجزء الأول من الحديث، و حفظت العبارة الأخيرة (لما كانت تحتوى على بلاغة أدبية درستها فيما بعد)، و انصهرت تلك الكلمات و المعاني في بوتقة عقل لا يزال في مرحلة الإنشاء و التكوين؛ و تشكلت معان و مبادئ لا تتبدل على مر الزمان، ثم تجمدت لتثبت مدى الحياة راسمة معالم الطريق...

يبدأ الحديث في بلاغة نبوية: في البداية "إني أعلمك كلمات"؛ مما يهيئ المتلقي إلى التركيز؛ فما سيقال كلمات معدودة و ليست موعظة طويلة يترك بعضها و يلتقط بعضاً.

ثم يعرض منهجاَ كاملاَ لمراقبة الله، و استشعار وجوده في كل وقت، و الأنس به.. فهو سبحانه "تجاهك" أي أمامك يراك و يرعاك؛ و حفظ الله للإنسان أعظم مكافأة لحفظه أوامره سبحانه و كلماته، كما أن السؤال و الطلب و المعونة منه وحده، مع الثقة الكاملة أن الأمر كله لله؛ و إن اجتمع الناس كلهم على نفع أو ضرر الإنسان.. و تلك ثقة في الله تكسب المؤمن قوة مستمدة من عمق الإيمان لا يخشى معها أي قوة دنيوية مهما عظمت.

هذه هي أسس التوكل على الله؛ تحضرني الآن الآية الكريمة في سورة هود؛ على لسان نبي الله هود:

"من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربى و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم ".

أما معنى (رفعت الأقلام و جفت الصحف) أي أن هذا القول ثابت لا يتغير و لا تصيبه تحريف مدى الزمان.


 

هكذا كانت المدرسة في الأيام الخوالي، كان الطالب يتعلم فيها حتى في وقت فراغه أو عند غياب المدرس؛ و بكل الأشكال: نصيحة مباشرة أو غير مباشرة، نصيحة منطوقة أو مقروءة، المهم حسن اختيار المواد المقدمة للطلاب و عرضها بشكل بسيط و مؤثر و مناسب لسنهم الصغير، و لا شك أنها من المؤثرات القوية إذ يتعرض الطفل لها كل يوم عدة مرات فتشجع لديه موهبة التأمل و التفكير ثم الاستيعاب الكامل.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق