الاثنين، 10 مايو 2010

ليوناردو العجيب

عندما يجمع العالم بين شتى أنواع المعرفة يكون بالفعل عالما حكيما، فتأمل الطبيعة هي أفضل طريقة للوصول إلى المعرفة من أوسع أبوابها، هكذا عاش ليوناردو حياته في مدينة "فنشي" قريبة من مدينة فلورنسا بإيطاليا حيث تآلف ليوناردو مع جمال الريف و مخلوقاته العجيبة مدفوعا بحب استطلاع غير محدود في انطلاق و بغير خوف من الظلمة أو الحشرات السامة و الحيوانات المؤذية.. تأمل الهياكل المتحجرة للأسماك و حاول جاهدا أن يصل بنفسه لإجابات التساؤلات التى كانت تتزاحم برأسه الصغير فى زمن كان غارقا في الجهل ، و قد ساعدته على ذلك ذاكرته النادرة التى تحفظ صور الحيوانات و الحشرات بتفاصيلها ليرسمها فيما بعد.
تعلم ليوناردو الرسم على يد رسام شهير فى فلورنسا حيث كان يعيش مع تلاميذه و يوفر لهم المواد و الأدوات و الكتب و كان هذا الأستاذ يكلف ليوناردو برسم أجزاء كاملة من لوحاته حيث كانت تقارب إلى حد كبير رسم أستاذه، و فضل ليوناردو البقاء مع أستاذه عدة سنوات ليتعلم من مكتبته فروع العلم الأخرى الرياضيات و الطبيعة و الكيمياء و الفلك و الفلسفة.
مميزات و عيوب
لما كانت اهتمامات ليوناردو كثيرة و متنوعة ، و عقله فى حالة تفكير مستمر فقد عجز عن التركيز فى عمل واحد لحين الانتهاء منه، و بالتالى كانت طريقته فى العمل تسير حسب مزاجه المتقلب و الموزع فى أكثر من اتجاه؛ مما أدى إلى سوء أحواله المادية، فبالرغم من ثقة الأمراء و الحكام فى فنه و مهارته فى التصوير و لكنهم لا يستطيعوا أن يغامروا بطلب لوحة لهم لأنه لا ينجز عمله فى الوقت المحدد أبداَ، و عبثا حاول ليوناردو مقاومة ميله الشديد للعلم و الاختراع و تغيير الطريقة الفوضوية فى العمل و لكنها طبيعة متأصلة فيه.
شفرة دافنشي
كان ليوناردو حريصا على كتابة ملاحظاته العلمية فى اتجاه معكوس بحيث لا يمكن قراءتها إلا من خلال المرآة خوفا من تسرب تلك الأفكار و استخدامها بشكل سيء أو تعرضه لاضطهاد الحكام و رجال الدين حيث كانت الأفكار الجديدة موضع استنكار و رفض، و محاربة صاحبها حتى ينكرها و إلا يتعرض لإيذاء شديد.


كان أقصى ما يتمناه ليوناردو أن يعيش تحت رعاية أمير يتبنى مواهبه و يوفر له المواد و الأدوات اللازمة لعمله و أن يكفيه هم المعاش ليتوفر له الوقت للانصراف التام إلى أعماله الفنية و العلمية و اختراعاته المبهرة، و فى سبيل تحقيق هذه الأمنية طاف على الكثير من الأمراء عارضا عليهم مواهبه بما فيها مهارة العزف و الغناء و تصميم مشاهد و ديكورات حفلات زفاف الأمراء المبتكرة.
اختراعات و لكن
كادت تقوم الحرب عدة مرات خلال حياته و فى كل مرة كان يصمم الآلات الحربية الفتاكة التى تضمن الانتصار بجدارة لتميزها بكونها جديدة و مبتكرة و مبينة على أسس علمية سليمة ...و لكن على سبيل المصادفة المتكررة فى كل مرة: عندما يبدءون في تنفيذ تلك الآلات يقف قرار الحرب و يعم السلام؛ و بالتالي ظلت تصميماته الحربية على الورق دون تنفيذ!
تمثال و حصان عملاق
كلفه أحد الملوك بصنع تمثال لوالده بارتفاع ثمانية أمتار على ظهر حصان ضخم قدماه الخلفيتان على منصة عالية و الأماميتان على جثة أحد الأعداء كرمز للسطوة و القوة.
و لم يكن العمل سهلا فقد درس الخيول بأنواعها و تركيب هياكلها العظمية و بحث عن نموذج لحصان قوى جميل فى جميع أنحاء المدينة، و بعد عدة شهور من العمل الشاق أكمل التمثال و لكن لم يسمح الوقت بصنع القالب البرونزي له فظل على هيئته بالصلصال...
و للأسف كانت نهاية ذلك التمثال الرائع أن قذفه الجنود الفرنسيون خلال الحرب بالسهام حتى وقع الحصان و انهار التمثال العملاق في شكل مأساوي و سبب ذلك حزنا شديدا لليوناردو لم يمسحه اعتذار الأمير الفرنسي بنفسه عن هذه الوحشية.
سحر الموناليزا
طلب أحد أغنياء فلورنسا من ليوناردو أن يصور زوجته الشابة الجميلة موناليزا التى كان فى وجهها الكثير من الطيبة و المحبة و براءة الروح.
و خلال رسمه لها كان يحيطها بفرقة موسيقية تعزف لها الألحان الجميلة ليبقى وجهها الهادئ متألقاً بابتسامته الساحرة التي نقلها ليوناردو بإعجاز فني، و كان متعلقا بتلك اللوحة بشكل خاص فأخبر زوجها أن سيأخذ اللوحة معه ليرسم عن الطبيعة منظراً خلفياً للسيدة، و تباطأ فى تسليم اللوحة عدة شهور، و ساعدته الظروف على ذلك فقد انشغل بعمل فني ضخم كلفه به الحاكم.
و ظلت اللوحة ملازمة لليوناردو طيلة حياته في سفره و ترحاله...
أحزان جديدة
كلف الحاكم ليوناردو و مايكل أنجلو بتزيين سقف قاعة مجلسه حيث تم تقسيم رسم السقف بينهما ليتنافس الفنانان في الإبداع ، و اختار ليوناردو مشهد معركة شديدة بدت كأنها حية و أن الخيول تكاد تقفز من السقف إلى القاعة و ساعده على ذلك خبرته بفنون الحرب، و أجمع أهل فلورنسا على تفوقه على منافسه مايكل أنجلو تفوقا ظاهراً، و سعد ليوناردو بذلك كثيرا ........


و لكن وقع حادث مؤسف قتل تلك الفرحة؛ فقد أراد ليوناردو بعد إنهاء العمل تثبيت الصورة على الجدار بواسطة مادة صمغية يشعل لها النار لتدفئها و يسرع تبخرها ، فإذا بالنيران ترتفع للسقف و تختلط الألوان ببعضها و يفسد العمل العظيم الذي استغرق شهورا طويلة، و حزن أهل المدينة كلهم على تلك الروعة التى ذهبت فى لحظة و طالبه الحاكم بإعادة رسم اللوحة من جديد و لكنه فقد حماسه للعمل و ترك المدينة كلها.
أيام أخيرة
فى أواخر أيام ليوناردو أهداه ملك فرنسا فيلا على ربوة عالية تحيطها المناظر الريفية الساحرة من الجهات الأربعة و المياه الجارية و مجهزة بكل سبل الراحة، فكان هذا فوق ما يحلم به ليوناردو من الترف و العيش الرغد الوفير، و لكنه شعر باقتراب النهاية....
لوحة باليد اليسرى
عندما اشتد المرض على ليوناردو رفض أن يستسلم لليأس و لما أصاب الشلل يده اليمنى و أصبح القلب مهددا بالتوقف استخدم يده اليسرى فى رسم اللوحة الأخيرة له و التى لا تقل روعة عن مثيلاتها من اللوحات، و كتب وصيته بتحويل قصر اللوفر إلى متحف لروائع الفن.


ظلت تصميمات المخترعات العظيمة التى لم يستطع تحقيقها بضعة قرون حتى خرجت للوجود و التنفيذ ، و لاتزال مخطوطاته تدرس كمرجع فى التشريح و التصوير و التصميم فقد كان سابقا لعصره و كان بحق من أفضل العباقرة الناجحين.


هناك تعليق واحد:

  1. يجيي ايه جنب ليوناردو دي كابريو و الا ليوناردو سلاحف النينجا:)

    ردحذف