السبت، 31 ديسمبر 2011

اللوحة القاضية

من أجل لوحة أراد الفنان الشهير أن يصبغها بروح الحقيقة و الجمال فقد شهرته و صيته و مورد رزقه، أراد أن يبرز خصائص النفوس بدلا من هيئتها و شكلها الخارجي، لكن هذا تسبب في إغضاب من صورهم الفنان و من هنا بدأت مأساته

هل يرضى الفنان فنه أم من يدفع له و يقاضيه ثمن لوحته؟ هل يلتزم بالشكل دون الجوهر، هل يرص الأشخاص بجانب بعضهم بشكل جاف متساو في انعكاسات الضوء و مساحات الظل على وجوههم حتى لا تطغى الغيرة و الحسد على نفوسهم؛ و يتساءلوا لماذا لا يسلط الرسام الضوء على وجهي أنا لماذا لم يجعلني البطل و مركز اللوحة؟ لماذا لم يجعلني في المقدمة؟ و النتيجة انقلاب بعض شخصيات اللوحة الحقيقتين و رغبتهم في الانتقام ظلما من الفنان الموهوب الذي نصر فنه و أطاع موهبته على حساب رضا الزبون عنه و أي زبون؟ لقد كانوا زبائن هامة جدا؛ كانوا من العسكر أو خفراء الليل و هم ذوو سلطة، و من هنا قرروا الانتقام بكل الأوجه من ذلك الفنان الناجح؛ رامبرانت فنان هولندا العبقري


رامبرانت الفنان الهولندي (1606- 1669) الذي ضحكت له الدنيا في بداية حياته و أشرقت في سماء فنه موهبته الفريدة ، فأمطرته اللوحات بوابل من الأموال و الثروة التي يغدقها عليه النبلاء من شهرته الواسعة حتى قرر أن يعيش في رفاهية و يتزوج فتاة رائعة الجمال من طبقة أعلى منه و يشترى أفخر الملابس و المجوهرات لها و بيتا وجيها واسعا ..لكنه لم يتوقع الغدر و فقدان مورد الرزق و انصراف الناس من حوله.

لم يستمع لنصح والدته بأن عليه أن يعمل حسابا للزمن ، و ألا يلقى بأمواله يمينا و يسارا بدون حساب، فقد اعتاد إقراض أصحابه و من يلجأ إليه بدون سند يضمن له حقه، و لم يدخر شيئا لشتاء الحياة و عواصفها.

"دورية الليل"

طُلبت منه لوحة جماعية لستة عشر سيدا هم فرقة حراس الليل، وهم من الكبراء الذين يحبون الظهور، ليعلقوها في غرفة اجتماعاتهم ، ليرضوا غرورهم و يظهرهم في أشجع صورة، و طلبوا مقاس اللوحة كبير جدا طولها ثمانية أمتار و عرضها ستة أمتار و التي أسماها "دورية الليل".


و بالرغم من تهديد الضابط الذي تعاقد مع رامبرانت على اللوحة بأن العواقب ستكون سيئة إذا لم يوفق في لوحته؛ إلا أنه استجاب لصوت الفن و الموهبة و رسمها بما أملى عليه حسه الفني، فجاءت اللوحة رائعة في نظره لكنها لم ترقهم و لم تنل إعجابهم ألبته، فقد أغرق بعضهم في الظلام و ركز الضوء على آخرين مسترشدا بملامح وجوههم و ما هو أصلح لتجانس اللوحة و تناسقها و ليس بناء على رتبتهم العسكرية।


و أثار ذلك غضب الضباط و قرروا الانتقام فأثاروا الشائعات حوله و خططوا بمكر ليصرفوا عنه الناس و يحتقروه و يعتبروه خارجا عن الفنانين الشرفاء.

و في تلك الأثناء توفيت زوجته الجميلة المحبة تاركا له طفله الوحيد رضيعا و وصية ظالمة كتبتها سطور الغيرة عليه، فكان مضمونها حرمانه من ابنه و ثروتها إذا تزوج بعد وفاتها، و تلك الوصية كبلت حياته و عرضته لمشكلة كبيرة فيما بعد.

فقد أحب مربية ابنه لرحمتها و شفقتها به و خصالها الهادئة الطيبة، و لكن وقفت تلك الوصية فى طريق زواجه بها، فطاردته الشائعات السيئة و حرم من مباركة الكنيسة زواجه ليحيا حياة طبيعية سعيدة.


و مع تناقص أمواله و مدخراته و استدانته ليجد قوت يومه؛ قرر الدائنون يوما إشهار إفلاسه، و كان يوما قاسيا على نفس فنان كانت لوحاته يوما الأغلى ثمنا و الأكثر قيمة، و الأشد من ذلك قسوة أن من تسبب في إشهار إفلاسه أحد أصدقائه القدامى الذين استفادوا من عطائه و كرمه يوم أن كان ثريا.

و زحف الشيب و أمراض الشتاء على عجوز يعيش في منزل شديد التواضع بارد تحيطه العواصف و لا يجد من وسائل التدفئة ما يهدئ كيانه المرتجف، و ماتت مربية ولده الحنون تاركة له ميراثا من الوحدة و الألم.


و اكتملت حوله أسباب التعاسة عندما توفى ابنه الوحيد بعد زواجه من محبوبته بعدة أشهر فانطفأت روحه و انزوى في مرسمه يتألم و يبدع من الألم لوحات أكثر تعبيرا و تأثيرا، يرسم و هو يدرك أنه لن يحصد من تلك اللوحات شيئا بعدما انصرف الناس من حوله، لكن أملا في الحياة جاء مع مولد ابنة ابنه المتوفى و تعلقه بها ليعطيها ما تبقى عنده من رحيق الحنان و الحب.

توفى الفنان المبدع رامبرانت فقيرا معدما و دفن في مقابر الفقراء و الشحاذين! ثم بيعت بعد ذلك لوحاته بمبالغ خيالية و أصبحت كنوزا لا تقدر بثمن


الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

ما بعد إجابة الدعاء

عندما يمس الإنسان الضر يهرع إلى الله، و لا يزال يدعو و يدعو لا يسأم و لا يمل، و قد يصحب الدعاء عهود بالطاعة و التوبة و الندم على التقصير و الذنب، و الله كريم مجيب الدعاء فإذا أجيبت الدعوة وجب الالتزام.


فحقيق بالمؤمن و حق عليه أن يشكر لله استجابته، و أن كشف الضر عنه و لم تعد يداه صفرا فارغة بعد أن رفعها بالدعاء، وواجب عليه أن يتذكر حاله قبل الدعاء و بعده و لا ينسى عطاء الله و كرمه، و عليه أن يوفى دينه، عهده لربه الذي عاهده عليه وقت الأزمة و أن يلتزم بالصراط المستقيم و لا يجعلن النعمة تنسيه واهبها و لا يأخذه بريق و زينة الدنيا.

و يعلمنا الله أدب ما بعد الدعاء في القرآن، فقد أمر سبحانه كليمه و نبيه موسى عليه السلام - عقب تبشيره باستجابة الدعاء له و لأخيه – أمره بالاستقامة و عدم إتباع السبل و التفرق و تلك من أسباب الشكر و الثبات على الخشوع و التضرع اللذين يشملهما الدعاء الصادق.


"وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" يونس(88،89)

فما أشد عقوبة خالف عهد الله؛ هي عقوبة قوية متعلقة بنطفة في الجسم إن صلح صلح الجسد كله، و إن فسدت فسد الجسم، القلب ، فعقاب الله لمن خالف عهده أن يورثه النفاق في قلبه بشكل دائم طوال حياته و حتى يلقاه.


"وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" التوبة (75، 76،77)


و ما أصعب تلك العقوبة؛ ففرصة النجاة منها ضئيلة لأن صاحب القلب المنافق لا يخلص أبدا، و لا يفوز برضا الله إذ يشرك معه في الإخلاص و طلب الرضا آخرين، فلا يكاد يصل إلى غايته أبدا، بل يظل تائها بين الناس و المتاع الزائل إلى أن يأتيه اليقين و يلقى ربه بقلب منافق أثيم.

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

أوقات مقدسة

ليست جميع الأوقات سواء..فهناك أوقات لا تنسى لأنها مصيرية ؛ تتكون من لحظات صدق و خشوع ..لحظات مشهودة، أوقات معدودة؛ لكنها ذات شأن عظيم.

من تلك الأوقات أوقات استجابة الدعاء و هي لحظات سقوط المطر – في المعركة – بعد الآذان و حتى الإقامة – عند رؤية الكعبة

و من الأماكن المقدسة : الحرم المكي و الحرم النبوي

و عند المريض..تجد الله بجانب المريض كما في الحديث القدسي "يا ابن آدم مرضت و لم تعدني..."

و في الحرب تتنزل الملائكة على المؤمنين لتثبت أقدامهم و تشدد من أزرهم

و في الأوقات العصيبة في حياة الإنسان؛ مثل وقت الامتحان...

تجد الهدوء يعم المكان لا يوجد سوى سيل يتدفق من الأفكار و صوت العقل الداخلي يوجه اليد لتتزامن حركة اليد مع حركة المعلومة داخل الرأس حسب توجيهات العقل..توفيق الله و تيسير الأمور نعمة من الله

فالامتحان يسبقه إحساس بالرهبة ..إحساس أن الإنسان لا حول له و لا قوة .. و أن الرأس خالية من كل شيء إلا من آيات القرآن أو دعوات التيسير..و يتبعه إحساس بالشكر و الامتنان لله الذي رزق بالمعلومات و فرج الأزمات.و هدوء ما بعد العاصفة و انتهاء المعركة.

"و هو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا و ينشر رحمته و هو الولي الحميد"

ما بعد إجابة الدعاء

استجيب الدعاء .. فماذا بعد؟

مع التدوينة القادمة..

الخميس، 8 ديسمبر 2011

الانتماء و الحب

الحب له معانٍ مختلفة عند الناس، لكن معناه الحقيقى هو الإحساس بالانتماء المتبادل؛ ففي كل زواج أو علاقة حب يكون الانتماء هوالعامل المشترك.
قد يكون هناك مجموعة من الاهتمامات الذهنية المشتركة أو خلفية اجتماعية متشابهة أو قد لا يكون، لكن في كل حالة يكون فيها الحب عميقا و دائما فلابد أن يوجد شيء ثابت: اثنان يهتم أحدهما بالآخر و يعتني به و يكرس حياته بشدة فى سبيل سلامته، و هذا هو المعنى المقصود بالإحساس بالانتماءالمتبادل.
إنه في جوهره العطاء و الآخذ من كل من طرفي الشركة؛ فأنت تنتمي لإنسان و هو بدوره يتنمى إليك، و الواقع أن ما يحدث في الحب أن كلا من الطرفين يضع كل ما يملك في الحياة مع ما يملك الآخر، فهما شخصان منفصلان كل منهما له شخصيته الخاصة و أخلاقه و تكوينه و مزاجه، و لكن أنتما الاثنين مع ذلك كيان واحد و ما لم تتم هذه المشاركة فإن الحب الحقيقى سيصبح مستحيلا.
و الانتماء ليس معناه الامتلاك ، إذ أن هناك فرقا كبيرا بين هاتين الكلمتين: فالحب لا يعنى إطلاقا ربط طوق أو سلسلة حول رقبة من تحب، و من ثم فإنه لا يمكن امتلاك الحب أو الحبيب أو الزوجة كامتلاك منزل أوسيارة أو قطعة أثاث.
ففي اللحظة التي يدخل فيها هذا الإحساس القهري من الباب يطير الحب من الشباك ، إن حب الشخص لا يتضمن امتلاكه ، و لكن تأكيد وجوده و منحه كل حقوق وجوده كإنسان متفرد بكل سرور، فليس من الممكن أن يحب إنسان آخر حقا ثم يحاول استعباده بالقانون أو برباط الاعتماد أو الامتلاك.
و ليس معنى الانتماء المتبادل آن يكون مسألة قوة أو واجب أو طاعة أو ضمير أو أي نوع من أنواع الضغط داخليا أو خارجيا و إذا وجد يجب أن يكون حراً.
و لتذكر دائما أن الحب و الحرية متلازمان ،فلا يمكن الحصول على أحدهما دون الآخر.

الأحد، 4 ديسمبر 2011

سر الحب الضائع

قال أحد كتاب القصص المخضرمين أن أجمل قصص الحب هي التي لم تكتمل بالزواج!
و هذه حقيقة؛ لماذا يتحول الحب؟ سؤال تسأله معظم الزوجات بعد عدد من الأيام أو الشهور أو السنوات من الزواج...
فكرت كثيرا حول حكمة الله و سر القدر..
تأملت قول الله "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم"
إذن هو نوع من العقاب، فالعذاب الفكرى أو الجسدى يأتي في أحيان كثيرة عقوبة من الله
فتحول الحب و هروبه قد يكون عقوبة...
عقوبة لماذا؟ فلننظر إلى تعريف الحب: فكر مستمر و انشغال بالمحبوب، التماس رضاه و إكباره، و نسيان الجميع عند الحديث معه
هنا سر الذنب الذي اكتشفته...
الخطأ الذي يرتكبه المؤمن هو نسيان ذكر الله عند الحديث مع المحبوب، و ذكر الله هو المنجى و لا أمان سوى بذكر الله
لابد أن يضع المحب احتمال العداء كما وضحه الله في القرآن "إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم"
فليأخذ كل إنسان حذره كما أمره ربه حتى لا يندم بعد ذلك.
فالحذر واجب نعم أحب هذا الشخص لكنه متغير قد يكون عدوا فيما بعد؛ فلا يصح أن أعطيه الأمان الكامل و الثقة التامة و ليكن كل شيء باعتدال الفرح باعتدال والحزن بمقدار و الغدر و الخيانة تجرى في الدم؛ فما أسهل التحول نتيجة للملل أو الامتلاك و الزهد أو بتأثير شياطين الإنس من أهله و أصدقائه.
الأسباب كثيرة و النتيجة واحدة الإعراض و الانتقام...
إننى أتعجب يشدة ممن يقول من يحب لا يكره،
فما أكثر ما نسمع عن انتقام و كره بين من كانا متحابين في الماضي.

اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه
ربنا أفرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين


الاثنين، 14 نوفمبر 2011

شباب القلب

لكى يكون المرء شابا؛ ليس معناه أن يكون مراهقا صغيرا لكي يكون يقظاً، يتأثر و يؤثر فى الحياة ، و يندمج قلبا و روحا فيها ، لا يقاومها بل يهلل لها، تلك صفات الشباب و التي تتمشى مع أعلى درجات النضج.

ما دام الإنسان لا يفكر في أنه تقدم في السن فسوف يظل شابا ، و ما دامت الحياة تمنحه ما هو جديد، و ما دام يرحب بمعرفة الجديد من الأشياء و مقابلة الجديد من الناس ، و رؤية الجديد من الأماكن و الأفكار و الشخصيات ، فلن يصبح مسنا باليا.

و هناك 8 وسائل سهلة تساعد على المحافظة على قوة الانفعالات لكي نتجنب أن تصاب انفعالاتنا بالجمود: (خاصة المرأة)

  1. اهتمى بالعالم حولك اهتماما حقيقيا و لا تبقى حالة على الهامش دائما تاركة غيرك يفعلون كل شيء، فإذا لم تكونى ملتحقة بوظيفة أو كان لك عمل أو مهنة فلتبحثى عن شيء تعملين من أجله مثل الاعمال الخاصة أو مساعدة المحتاجين – سوف تزداد حياتك ثراء بقدر ما تبذلين من عون.
  2. ابقى على علم بما يحدث فى العالم ، اقرئى بانتظام و عناية تامة الصحف و المجلات الحديثة.
  3. عيشى حياة مملوءة من خلال الكتب و العروض السينمائية و المسرحيات و الراديو و التليفزيون لمشاركة الغير خبراتهم.
  4. الموسيقى و الفن و الرياضة سواء كمتفرجة أو ممارسة لها تعد من الوسائل الممتازة لتنبه الحالة الانفعالية.
  5. كونى هوايات خاصة بك إذا لم يكن لديك شيء ، فالعادة أن يندمج الناس انفعاليا فى الهوايات أكثر من اندماجهم فى عملهم الأصلى.
  6. لا تتوقفى أبدا عن النشاط و العمل الذى ظللت تزاولينهما على مدى حياتك كلها، تجنبى بأى ثمن الاعتزال، فلا تتركى عملك سواء كان خاصا أم مهنيا مالم يكن لديك اهتمام آخر أقوى يمكنك الارتباط به، فاعتزلي إلى شيء سوف تعملينه لا من شيء كنت تعملينه.
  7. لاتخفى انفعالاتك دائما، فإذا كنت غاضبة من شيء ما فنفسى عما بصدرك و دعى البخار يخرج، و اجعلى الجو الانفعالى صافيا، فإذا كنت حزينة و بائسة و لكِ رغبة فى البكاء فابكى، حتى إذا كان يضايق غيرك فإن عليهم أن يتحملوه.
  8. إن أعظم و أعمق انفعال يهز المشاعر و يشبع الروح هو الحب ، كل حب ينبت حبا آخر، إن الحب علاقة و مودة عميقة لشخص آخر ، و يأخذ صورة الاهتمام بالشيء الذى تحبه و رعايته، و العمل على تحقيق الرفاهية له، كما يأخذ صورة الانتماء لشخص آخر و جعل هذا الشخص جزءا لا يتجزأ من وجودك ذاته.


     

    الحياة المتوازنة تحتاج أكثر من الجسم السليم؛ تحتاج العقل و الروح السليمة، كيف يحصل المرء على ذلك ؟ لابد أن يكون للمرء اهتمام حقيقى بالحياة، ليس من المهم ماهية هذا الاهتمام، فقد يكون اهتمام بالوظيفة أو البيت أو الأسرة أو الهوايات أو أعمال البر، أما الشيء المهم فهو أن يكون لك اهتمام معين يستغرقك و يجعل قدراتك العقلية نشطة و حية.

    كما أنه من الضروري الحفاظ على روح المرح، و تكوين اتجاه فلسفي و موضوعي للحياة ، لا تسمحي لنفسك بالتقاعد فى جحر، و إذا كنت فعلا دخلت إليه فلتحاولى الخروج منه، فإن الصحة النفسية السليمة تعتمد على الآفاق المنبهة الواسعة.

    و إذا شعرت أن عالمك الخاص بدأ ينكمش على نفسه؛ فإن هذا هو الوقت الذى عليك أن تنظرى حولك لتدفعى نفسك للخارج مرة أخرى، إنه مما يشق علينا أن نتجه إلى أوضاع جديدة و تجارب ، لكن ما علينا حقا أن نتجنبه هو الذبول و الضمور و الركود.


     

    هناك العديد من الأشياء البسيطة نسبيا التى يمكن عملها لدفع الحركة فى الدورة الدموية البطيئة فى عقليتك: مثل مقابلة أناس جدد و معارف، محاولة الدخول فى مجالات جديدة، رؤية أماكن جديدة كالمتاحف و المعارض و الشواطئ، تكوين اتجاهات و هوايات جديدة، فإنها لن تؤثر على ما قد يكون لديك من اهتمامات أساسية فى الحياة، على العكس فإنها بما تمنحه من تنبيه ذهني إضافي ستمكنك من الإقبال على عملك أو مهنتك بحماس و طاقة جديدة.


     

    المرجع : كتاب "المرأة و الحب" تأليف أنا دانيال ترجمة كلير فهيم

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

أقمار الصباح

صباح جديد كل يوم بين السادسة و السابعة و نصف صباحا، تظهر أقمار صغيرة مضيئة من وراء الستائر و النوافذ ترقب وصول العربات التي ستنقل أولادهن إلى المدارس.

بينما ينشغل الطفل في عجالة في ارتداء ملابسه و التهام إفطار سريع أو البحث عن متعلقاته المتناثرة أو إنهاء واجب تذكره فجأة أو تناساه في اليوم السابق، تكون الأم فى ترقب لمقدم العربة التي ستنقل أبنائها إلى حيث يبنون مستقبلهم و يرسمون معالم شخصيتهم و حياتهم الواسعة، الأبناء لا يدركون حقا أهمية ذلك الخروج الصباحي؛ فهو لا يحمل لديهم سوى معنى الإلزام الثقيل صباحا ، ثم الانخراط وسط الأصدقاء و الانطلاق في أوقات الفسحة و الفراغ بين الحصص أو داخلها، و الجوع الشديد ثم الانقضاض على أى طعام عند عودتهم لبيوتهم أو فى طريق عودتهم، ثم الرجوع من الرحلة الصباحية محملين بالواجبات و التعليمات الكثيرة.. فى دورات أسبوعية متتالية لا يقلل شدتها سوى يومي الأجازة حيث يتنفسون فيها طعم الحرية و الفوضى اللذيذة بدون قيود مدرسية، كل ذلك يتم دون الالتفات إلى لب الموضوع و الهدف الأكبر الذين يتحركون لتحقيقه ببطء ، و هو ما تراه الأمهات بقلوبهن و حكمتهن البعيدة، كأنهن يرين العربات تحمل الأبناء تنقلهم إلى المستقبل البعيد و المهن البراقة و ما تأمل الأم أن ترى أبناءها عليه بعد حين.

الدعوات هي ما تتحرك به ألسنتهن و قلوبهن، لعلهن يفزن بساعات من الهدوء المفعم بالحركة و النشاط في ترتيب المنزل بعد أن خلا من عناصر الفساد و الإفساد حيث لا يترك الأولاد أى شيء في مكانه الصحيح في اكبر احتفال للفوضى و الإهمال المنزلي، بعد الاطمئنان إلى انطلاق الأبناء تبدأ رحلة البحث عن الذات في هدوء ما بعد المعركة اليومية من إيقاظ للكسالى النائمين و إعداد للخروج و التأكد من كل شيء، و هذا هو الفرق بين المرأة العاملة وربة المنزل التي تحرم من تلك الساعات الهادئة لتستبدلها بساعات من ضغط العمل اليومي الذي ينسيها مؤقتا الأولاد و البيت لحين عودتها لاستئناف معركتها في المذاكرة و أداء الواجبات المنزلية دون وجود هدنة تستعيد فيها التوازن النفسي لكي تواصل اليوم و تكمله بسلام.


 

الخميس، 6 أكتوبر 2011

تمبليت (Template)

"التمبليت" بالعربية يعنى النموذج المكون من كلمات و جمل باستثناء فراغات معينة تملأ بأسماء مختلفة كل مرة قبل إرسالها للشخص المراد.

و "التمبليت" يلجأ إليه الإداريون منعا لتكرار كتابة الديباجة أو المقدمات الثابتة كل مرة في مراسلاتهم ، و حتى تكون هناك وحدة في المطبوعات و مضامينها، و ضمانا لسرعة الأداء و تقليل الأخطاء الكتابية.

لكن هل يصح استخدام "التمبليت" في خطابات الأشخاص و المحادثات الإنسانية؟..و بشكل أدق بين الأصدقاء و الأقارب؟


 

من القواعد الأساسية في التصميم البعد عن التكرار؛ لأنه يفسد الشكل و يجعله أقرب إلى التماثل و التقليد، و ينأى به عن الإبداع و الإبهار، فالعين تمل التكرار و تميل إلى التغيير و الحركة عبر الإطار.

و كذلك الإنسان.. كل شخص يريد أن يكون شيئا مميزا في عين صاحبه أو محدثه و ليس مجرد متلق لرسالة تكرارية تغلفها المجاملات و تجعلها باهتة مميتة.

كم كان حزنها شديدا عندما اكتشفت أن ما أهداها من شعر هو صورة طبق الأصل من رسالة أهداها لصديقة له من قبل ..نفس الكلمات ..نفس التشبيهات..نفس صيغة أفعل التفضيل.. كيف يكون ذلك؟ أليست أفعل التفضيل تعنى أن هذا الموصوف هو الأكثر في تلك الصفة فلا يصح مثلا أن يكون هناك اثنتان في نفس الوقت هما أرق و أجمل إنسانة !


 

ما مصير تلك الصديقة السابقة؟ الإهمال و النسيان؟ ألم أقل لكم أن الإنسان يمل التكرار؟ لكن هناك فرق بين التكرار و الأصالة، استدامة الأصدقاء و استمرارهم في الوجود من الأصالة و الوفاء، و لا يدعو أبدا إلى الملل..لأنهم يرتقون إلى مرتبة الإخوة، و هل يمل الإنسان إخوته فيتبرأ منهم أو يقاطعهم؟


 

ليس هذا من التقوى في شيء..إن استهانة بعض الشباب بقول كلمات الغزل الصريحة أو الضمنية لهو تجرأ على حدود الله، الشاهد عليهم و المحاسب لهم ، و هذا يبعدهم بالتأكيد عن رضا الله، فإذا كان الشاب جادا في تفكيره و مشاعره فلماذا لا يؤجل كل تلك الكلمات للوقت المناسب؟ هل يريد أن يفتح قنوات للاتصال: كلمات تقال و كلمات تؤثر ثم ماذا؟ إن قبول الفتيات لمثل هذه الإهداءات المريبة بمثابة تهاون و تنازل منها عن احترامها لحدود الله، و ليس لذلك أي مبرر، لأن الدين حفظ لها كرامتها و عزتها.. فكما يقول لها الآن قال لغيرها و سيقول..إلى أن يشاء الله له الهداية و الثبات.


 

قطِعوا "التمبليت" أو امسحوها من ملفاتكم و عقولكم، اجعلوها فقط فى أماكن العمل الرسمية....


 

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

السلم و الثعبان

لعبة حظ من الدرجة الأولى؛ لكنها الحياة يوم لك و يوم عليك، قد ترفعك الحظوظ مرة فتجد نفسك في القمة، و قد تبتلى بما لا تتوقع، أو كنت تتوقع لكن الأمل يلهيك، فعندما تعرف أن ما كنت تحذره حدث يعتريك الأسى و تدهشك الصدمة.

الفرق بين تلك اللعبة و الحياة أن لها نهاية محددة تستطيع وقتها أن تسعد بالفوز و الراحة أما الحياة فبنهايتها لا نشعر بأى شيء إنها الراحة الأبدية أو غير ذلك إلا إن يشملنا الله برحمته.

اختيار رقم من الأرقام الستة للنرد هو مسألة شائعة في دروس الاحتمالات، يكون إلقاء عشوائي و احتمالات ظهور أى رقم هو السدس أى أن الاحتمالات متساوية.

لكن فى الحياة لا تستوي الاحتمالات لأن هناك عنصر يلعبه القدر، و مشيئة الله فوق كل احتمال أو منطق فى الأحداث.

ارتقاء السلم هو سعينا الدءوب لتطوير أنفسنا علميا أو مهنيا، و استمرارنا فى الحياة بشكل تقليدى هو حركة النرد التجميعية العادية، و كلها خطوات تقربنا للنهاية أو للهدف المنشود.

في لعبة السلم و الثعبان المربعات مصفوفة طوليا و عرضيا، أحيانا نمشى جهة اليمين ، و أحيانا جهة اليسار حسب حركة المربعات و تلك مرونة الحياة و تكيفنا مع الأحداث و اتجاهاتها التي تفرضها علينا حتى تستمر الحياة.

يلعبها الأطفال في مراحل العمر الأولى؛ فهم الفارغون أصحاب الوقت الطويل و المهام القليلة، لعلهم يتعلمون منها كيف تكون الحياة و ضرورة الصبر و الرضا بالقضاء، فكما تفرح بصعود مفاجئ عليك أن تتقبل الهبوط طالما لم تقصر ، فقط عليك أن تتحمل و تواصل الطريق...


 

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

الشكوى بين الانطلاق و الكبت

التعبير عن المشاعر أبسط حقوق الإنسان خاصة إن كانت مشاعر ضيق مكبوتة تكــــاد تنطلق صرخاتها و تشتعل نيرانها فتأكل سلامة النفس و طمأنينتها و تتركها تتخبط في احتمالات الشر و دروب اليأس.

هل الشكوى حق مشروع أم أن هذا يزيد من حجم المشاكل الأسرية إذا تم التصريح بالمشاكل؟


 

و المشتكي إليه أنواع:

1- أقارب الطرف الشاكي:

هناك من يسيء استخدام ذلك الحق فيخطئ أخطاء متتابعة مدمرة:

  • يحكى كل شيء سواء جديد أم قديم.
  • يبالغ ليرضى غروره أو حسب تشجيع المستمع ليخوض أكثر في سيرة المشكو منه.
  • يتزايد غضبه نتيجة لذلك و تتضاعف المشكلة و بدلا من أن يراجع نفسه أو يلتمس العذر للطرف الآخر.
  • يوهم نفسه أنه ضحية و قد يتطور الأمر للتخطيط و اتخاذ قرارات ظالمة بناء على حديث من طرف واحد دعمه مستمع لا يتقى الله يفرح بالمشاكل و تطرب أذنه قصص الخلافات .
  • يتخذ المستمع موقفا عدائيا و يطلق سهام الشر نحو الطرف الآخر و بالتالي يكون مصرح له بفعل أي شيء: إساءة الاستقبال، الهمس و الغمز، و حدة الكلام و كل هذا يؤدى لنفور المشكو منه من مقابلة هذا المستمع و شركاء الغيبة.


 

2- الشكوى لصديق:

هذه أفضل من الشكوى للأهل و الأقارب، خاصة إذا كان هذا الصديق أخ كتوم يوثق في عقله و أخلاقه و يحرص على مصلحته و ليس يحيد عن الحق.

و لكن هناك قواعد أخلاقية هامة:

لا يجوز لامرأة مهما كانت الظروف أن تشتكى زوجها لرجل آخر في غيابه إلا أن يكون محاميا مثلا أو لدفع الضر عنها

فمن العيب أن تشتكى المرأة زوجها لصديق أو قريب و تقول هو في مقام أخي؛ لأن ذلك يفتح الباب الأعظم للشيطان.


 

3- الشكوى لله:

في جوف الليل و الناس نيام..يسمعه الله و تكون الإجابة مؤكدة بكشف الضر و صرف الأذى ، و في لحظات السكون يستطيع الإنسان التفكير بشكل منطقي فلا يهول الأحداث و لا يشتاط به الغضب، بل تهون الدنيا بمشاكلها و أحزانها أمام قدرة الله و هيمنته فوق الخلائق.

قال تعالى في سورة المجادلة:

"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكى إلى الله"


 

اهمس بقلبك أو فكر صامتا

اغمض عينك أو تأمل حوائطا

سيرعاك ربك من لذت به

و يسمعك من فوق سموات عُلا

و يرأف لحالك و يجبر خاطرا

و يذهب الغم .. ما أيسرا


 

حيٌ لا يموت و ليس غافلا

كريم لا يطرد و لو كنت عاصيا

مؤنس الوحيد و من بات  باكيا


 

حدِث من شئت من بشر فليس مجديا

و هل يملك الإنسان إلا لسانا باليا


 

و الله يأمر.. كلً مسخرُ

لأمر الله و ما يقدر

مهما كبرت هموم المرء و تكدر

ستنجلي الظلمات و ما تعسر

أبشر دائما فالله أكبر


 

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

كثيرات الحدود

فى التاسعة مساء جاءتنى ابنتى مستغيثة بى من الدرس الأخير فى الجبر..هكذا فى ليلة الامتحان؟ نعم هذه ابنتى تؤجل كل شيء حتى لا يبقى وقت لأى شيء

المهم ؛ و نظرا لاني لا املك أن أرفض لها طلبا حتى لا تنهار نفسيا ، فقد استجبت لها ؛ فلا يمكن أن أنفث عن غضبى و أطلق كمية اللوم و التأنيب التي تستحقها لإهمالها فى تنظيم الوقت؛ الأمر الذي جعلها تؤجل فهم الدرس لليلة الامتحان و هذا مرفوض أكيد لأن الجبر و الهندسة يحتاجان فترة لاستيعاب النظريات و الحل الكثير عليها


 

و لكن ما هو ذلك الدرس الأخير؟ أقبلت على الكتاب أملا فى أن يكون درسا سهلا لازلت أتذكره من طفولتي البعيدة و لكنى فوجئت بشيء ضخم اسمه "كثيرات الحدود"

شيء بشع له بسط و مقام : البسط مجموعة أقواس مضروبة أشكالا و ألواناً

و المقام كذلك..

و المطلوب تبسيطها عن طريق: تحليل البسط و المقام للعوامل الاولية ثم اختصار الناتج بشطب المتشابه بسطا و مقاما

و بعد الصدمة حاولت التزام الهدوء و ان افهم الموضوع اولا حتى أستطيع ان ابسطه و أحوله لمجموعة خطوات أصبها فى عقل ابنتى حتى تنفذها بالحرف فى الامتحان (انقاذ ما يمكن إنقاذه).

قد يمل القارئ؛ فحتى الآن لم أدخل فى صلب الموضوع، و بالتأكيد هذه ليست مقالة في الأهرام التعليمي لكنى وصلت لحكمة هامة جدا

بعد هذا الدرس و هى:

الحياة معادلة كثيرة الحدود : بسطها أولا ثم تخلص من المشاكل المتناظرة تصل إلى ابسط صورة و غالبا ما تساوى واحد، أى أن الحياة متعادلة، بقدر ما بها من ألم و جهد و عناء بقدر ما تصل يوما ما و تنعم بالراحة..

لكن إذا وقفت أمامها كما هى اصطدمت بتعقيدها و ضربت أرقاما فى أرقام ، و جمعت و ربعت و طرحت ثم فى النهاية نفس الناتج عند التبسيط، فأى الاسلوب تفضل إذا علمت أن الناتج واحد؟


 

الاثنين، 30 مايو 2011

سن الأربعين بين العلم و الدين

إذا كنت قد شارفت على الأربعين أو تخطيتها فسارع بتجديد التوبة و الإنابة إلى الله و تكرار الدعاء القرآنى التالى عسى الله أن يغفر لك ما سلف و يصلح لك الخلف.

قال الله تعالى فى سورة الأحقاف "حتى إذا بلغ أشده و بلغ أربعين سنة قال رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على و على والدى و أن أعمل صالحاً ترضاه و أصلح لى فى ذريتى إنى تبت إليك و إنى من المسلمين"


 

سن الأربعين هو سن بلوغ الأشد أى استكمال القوة و العقل و ذلك غاية الكمال و النضج الفكرى ؛ و يسمى فى الطب العمر المتوسط و هو الحد الفاصل بين الشباب و الكهولة التى تمتد إلى الشيخوخة.

و تؤكد المصادر العلمية أن نمو الدماغ يكتمل لدى الإنسان فى سن الأربعين حيث أن خلايا الإنسان تكتمل و تجاربه فى الحياه تكون ذاخرة و كثيرة، فهو فى ذلك السن يكون قد حصل على رصيد مناسب من الخبرات المختلفة التى تصقله و تهذبه و ترشده للطريق القويم.

و يكون وصل إلى مرحلة من الاستقرار النفسى و الاجتماعى، و غالباً ما يكون قد تزوج و أنجب و ذاق معنى الأبوة بما تحتويه من حب و شفقة و خوف و إحساس بالمسئولية تجاه تلك النبتة الصغيرة و ما يحيطها فى الحياه من عواصف و أنواء، فلا يملك إلا أن يدعو الله لهم بالصلاح و الهداية ؛ و يكون قد استقر فى عمله فتراجع عن الجرى و اللهث وراء الوظيفة و تحديد المصير؛ ليقف مع نفسه قليلاً فى هدوء و تأمل لينتبه لما أعد لآخرته و ليستعد لها بالعمل الصالح و التوبة و الإنابة حيث يكون قد برأ و أفاق من حمى الشباب و فورته و ثورته ليعيد تقييم الأمور من حوله بصورة أكثر شمولاً و حكمة.


 

كانت البعثة النبوية فى سن الأربعين حيث نزل الوحى على الرسول و هو مستعد لتحمل أعباء الرسالة و النهوض بواجبه فى سييل الدعوة إلى الله. ؛ و قد استخدم بعض العلماء رقم "أربعين" فى أسماء مؤلفاتهم مثل النووى فى كتابه "شرح الأربعين النووية" و الغزالى فى كتابه "الأربعون فى أصول الدين"

و في تفسير ابن كثير "يتناهى عقله و كمال فهمه و حلمه و لا يتغير الإنسان غالباً عما يكون عليه عند سن الأربعين ؛ و سأل أحد السلف متى يؤخذ الرجل بذنوبه قال : إذا بلغت الأربعين سنة فخذ حذرك.

و قال بعض السلف: تركت الذنوب أربعين سنة حياء من الناس و تركتها أربعين سنة حياء من الله.

و فى الآية التالية "أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا و نتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذى كانوا يوعدون"

حيث تظهر فيها نتيجة قبول الله تعالى لهؤلاء التائبين إليه المستدركين لما فاتهم من تقصير بالإنابة إليه و الاستغفار حيث يتفضل الله عليهم بالتوبة، و التجاوز عن السيئات و بلوغ غاية المنى و هى دخول الجنة ؛ و هذا وعد من الله ووعد الله حق و صدق و من أصدق من الله حديثا؟


 

الوعود كثيرة و لكن الصادق منها قليل، فقد يعد المنافق وعداً ثم يخلفه، و قد يعد الإنسان وعداً ثم ينساه أو ينوى تحقيقه و لكنه يعجز ؛ أما وعد الله فهو وعد الصدق فالله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون.

فسبحان الله العظيم؛ إن الفلاح كله فى الثقة بوعد الله، و تكذيب وعد الشيطان فإنه مخلوف مكذوب، و مصير من اتبع وسوسته الندم و الحسرة ..

لنتأمل هذا المشهد القرآني للشيطان و أتباعه يوم القيامة:

"إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم و ما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلومونى و لوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم و ما أنتم بمصرخى إنى أخاف الله رب العالمين"

و كفى بالله وكيلا..


 

الأربعاء، 13 أبريل 2011

مؤنس كل وحيد

يا مؤنس كل وحيد..يا قريبا غير بعيد.. يا منتهى كل شكوى.. يا صاحب كل نجوى

كثيرا ما يشعر الإنسان بالوحدة، و أن لا يوجد آخرين يحبونه أو يهتمون به إلا لمصلحة أو نفاق لتسير الحياة.

أو أن من يهتم بهم لا يهتمون به، أو أنه لا يستطيع أن يصل من يود الاتصال بهم... و كثير من المواقف المتشابهة.

كيف يشعر الإنسان بالوحدة و معه الله أينما كان ، فقط عليه أن يذكر الله فيذكره..

إن ذكره خفية فقد ألهمه الله الإخلاص و الخشوع.

و إن ذكره فى ملأ ذكره الله فى من هو خير منه؛ الملائكة الأطهار، و إن ذكره طمأنه و ألقى السكينة فى قلبه و ذهبت عنه الوحشة و الضيق.

كيف يشعر بالعجز و الهوان؟ و معه الله القوى القاهر فوق عباده، المعز له بعزته و نصره.

من يريد ودهم هم مملوكون لله؛ يسيرهم حيث يشاء، و يوجه قلوبهم إلى حيث يريد، فيأمرهم بحسن معاملة ذاك الشخص أو الإساءة إليه، و القسوة معه أو الإعراض عنه، فمن فضل رضا الله عن رضا الناس أعزه الله و أعطاه مراده

و من آثر رضا الناس على رضا الله؛ أوكله الله إلى الناس يذيقونه ذلة و مهانة.


 

للمحبين الذائبين شوقا،

للمعذبين من تركهم المحبون تركا،

و المبعدين عن مناهم هجرا،

و من ذاقوا الذل دهرا،

لهم جميعا عزاء و صبرا

ذكر الله نبراسا و فرجا

و راحة للقلب و أجرا

حتى يقدر الله أمرا