الأربعاء، 11 يوليو 2012

الموقف العكسى


أكبر عزاء فى موقف عجز و ضعف أن نتأكد أن موقفا عكسيا - يتم فيه تبادل الأدوار و تغيير الاطوار - سوف يأتى و لا ريب..فلا تذهب أنفسنا حسرات و تسود الحياة أمامنا لأن الواقع على غير ما نريد ، بل نأمل أن يحدث التبدل و يأتى التعويض من الله عن قريب.
و لنتخيل ..ألا نستطيع أن نتخيل؟ فنعيش لحظات فى عالم وهمى.. من صنع عقولنا حقا  لكنه قد يكون حدثا واقعا بعد سنوات من الصبر، نتخيل أننا منتصرين محققين لما نرجو، نتخيل أعمالنا ناجحة و مكانتنا عالية ، و أن الألم أصبح من ذكريات الأيام الخالية، فتكون لتلك الحالة الشعورية أثر السحر فى رفع معنوياتنا و منحنا المزيد من الصبر و اليقين.

عندما ألقاه إخوته فى داخل البئر،  و  من بين ظلماته السحيقة أوحى إليه الله مشهدا من المستقبل ؛مشهد النصر، موقف معاكس تماما لحاله الراهن، أوحى إليه أنه سوف ينبئهم – بكل عزة و قوة – بما فعلوه به سالفا و هم غافلون عن صنيعهم جاهلون لشخصيته، و كان ذلك الإيحاء عونا فى وحدته و سندا على مصيبته ،و قد تحقق بإذن الله و فضله..
" فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" يوسف (15)

فقد كتب الله على نفسه الرحمة، لا يرضى بالظلم و إن بدا طول الأمد و الإمهال للظالم، لكنه حكمة بالغة ، فقضاء الله محكم عادل ، و إن استعجل الناس قضاء الله فذلك من طبيعة خلقهم التى أمرهم الله ألا ينساقوا وراء العجلة "خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتى فلا تستعجلون"
و قد جعل الله المستقبل ماضيا فى بلاغة قرآنية رائعة "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"
فأمر الله نافذ بمجرد إرادته و قوله كن فيكون ،و هو المستقبل الذى لم يأت بعد ؛لكنه كالماضى فى صدق تحققه و تأكيد حدوثه ،فهل يجادل أحد أو يتشكك فى شيء حدث بالفعل؟ بالطبع لا ؛كذلك يجب أن يثق الإنسان فى تحقق وعد الله و لا يتعجل و إن طال الأمد.

ووعد الله محقق ،و قد وعد المؤمنين بالخلافة فى الأرض و تعظيم شأن الدين فى الأرض ،و تمكينهم من عبادته بدون خوف و لا بطش و قد تحقق..
"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" النور (55)

لكن هناك اختبار من الله عندما يتحقق الموقف المعاكس و يتنصر الإنسان من بعد ظلمه ، فإذا شكر ربه و حفظ نعمته إذ علت مكانته و زال غمه و كربه يكون قد نجح فى ابتلاء الخير،أما إذا كرر الظلم فى آخرين لتكتمل سلسلة الظلم من شخص لآخر ،فيكون العقاب مصيره و نهايته.
لما اشتكى بنو اسرائيل من بطش فرعون الشديد لموسى عليه السلام قال لهم قد يأتى يوم تنعكس الأوضاع، تصبحون أنتم الخلفاء و أصحاب القوة فينظر إلى أعمالكم وقتها و هل ستظلمون و تغركم السلطة أم ترحمون الناس من بعد أن تذوقتم طعم الظلم و مرارته و ارتديتم ثياب الذل عقودا كثيرة و تعلمون ما تسببه فى النفوس من موت و عذاب.
"قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" الأعراف (129)

الأحد، 8 يوليو 2012

إن غدا لناظره قريب


فى نهاية خطابه قال بلهجة مَنْ صبر طويلا ثم نال أخيرا: إن غدا لناظره قريب ، و ختم الحديث بقول الله تعالى "إنهم يرونه بعيدا و نراه قريبا"....
لاشك أن جنبات السجن علمته التأمل و الصبر ، و ليالى الحبس الطويلة الانفرادية زرعت بذور الصبر فى أعماقه حتى جعلت اليقين بالنصر شيئا منظورا ،لا تنكره العين و لا يفارق الوجدان. لقد شهدت حوائط السجن على كلمة صدرت من أعماق قلبه و هو يشتكى إلى الله بإخلاص – شكوى يجملها ثقة شديدة بنصر الله و انفراج الغمة و تبديل الأحوال – فأورثه ثباتا لا منتهى له ،لاشك أنه قال "حسبى الله و نعم الوكيل" فانقلب بنعمة من الله و فضل ،و تبدل حاله من مسجون فى معتقل بحكم ظالم إلى رئيس منتخب حاكم ....

بعد أن شاهدت الخطاب فى التلفاز قالت فى نفسها :ما أضعف ايمانى و ما أقل صبرى!
فلم يمض عام على تحملها قرار تعسفى ظالم حتى نفذ صبرها و اشتكت من المرض الناتج من علة التوتر و الانفعال ،و أحاطها اليأس من عجزها عن التغيير و عدم وقوف الناس و الأيام فى صفها و استمرار الحال على  ما هو عليه ،إن ما ينقصها هو الصبر و التماس أسباب السعادة فيما تبقى لها ممن مصادر السعادة و استغلال الوقت و عدم توقف الحياة عند أى نقطة ،فلن يحركها فى مجال الحياة سوى يقينها أن النصر آت و حقها سيعود حتما بإذن الله المجيب الدعاء ،فكما نصر السجين و أخرجه بعد حين و أجلسه فى مكانة عالية يتبوأ منها ما يشاء ،يستطيع بكلمة منه سبحانه أن ينصرها و يعوضها خيرا مما سلب منها.
لذلك فقد جعل الله هداية القلب و استكانته لقضاء الله أفضل العطايا لمن آمن بالله و قدره بخيره و شره و لم يملئه السخط و يتملكه الرفض من أى حدث يحدث فى هذه الدنيا "و من يؤمن بالله يهد قلبه".


و كلمة ناظر هى اسم فاعل و دليل على الاستمرارية ،فالناظر يترقب شيئا و يستعد له ،و هذا هو المطلوب أن يعمل الانسان بجد و يقين و عدم يأس مهما كانت المعوقات.
فالعمل على الانسان واجب فى كل وقت ،و نتيجة عمله عند الله ،يرى و يسجل ثم يحاسب و يقضى بحكمه العاقبة فيستوفى الانسان حقه ،و يرى النتيجة فى الدنيا و الآخرة .."للذين أحسنوا الحسنى و زيادة".

لكل غد غدٌ يليه
و لكل ليل صبح ينهيه
و نور الفجر يسعى اليه
ناظر الخير لاشــك لاقيه
فحكمة الله لا تخفى عليـــه
و إن طال الطريق فالنصر آتيه

الأربعاء، 4 يوليو 2012

منتصف شعبان


بالتأكيد أنت ليس مشركا بفضل الله ،لكن قد تكون على خلاف أو خصام مع شخص ،فإذا كنت كذلك فعجل و بادر بمصالحته و دفع أسباب الخلاف ؛حتى تكون مع زمرة من يغفر الله لهم تلك الليلة المباركة؛ليلة النصف من شعبان.
يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ،فيغفر لجميع خلقه ،إلا لمشرك أو مشاحن ،يغفر الله للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد على حقدهم ،لأنهم حاقدون على عباده كارهون لهم الخير.
و توقيت تلك الليلة له حكمة كبرى فهو ينتصف شهرا أكثر فيه الرسول الصيام و فيه ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين.و فيه يكون الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المعظم و روحانياته المشرقة بالتسامح و الذكر و تنقية القلب و الإخلاص لله.
و على المسلم أن يستحضر أعمال سنته الماضية و أحداثها بخيرها و شرها، و ليعلم أن ما أصابه من خير فمن الله و ما أصابه من شر صنيعه هو ،و قد خفف الله عنه العاقبة و أراد به خيرا بذلك الشر الظاهرى ؛ففيه صد له عن الاستمرار فى المعصية و مغفرة له بتحمله البلاء و صبره عليها.

ذكرى ليلة النصف من شعبان:
ان هذا اليوم هو ذكرى تغيير القبلة ،و لتغيير القبلة حكمة كبرى ليعلم الناس أن طاعة الله واجبة دون تفكير فتنفيذ أمر الله باتخاذ الكعبة المشرفة قبلة فى الصلاة أهم من اتباع العادات القديمة الموروثة باتخاذ بيت المقدس قبلة برغم من قدسيته و مكانته عند الله ، لكن مغزى الصلاة العبادة و الطاعة و الخضوع لله عز و جل نتوجه حيث أمرنا و كيفما أراد لنا أن نعبده. فجوهر الصلاة التوجه لله بالطاعة و الخشوع و ليس اتخاذ اتجاه معين و أداء طقوس و حركات معينة و القلب لاه غافل ،فتلك صلاة لا بركة  فيها و لا قبول لها. فلله المشرق و المغرب و هو يرانا فى كل مكان ، و ذلك يشير إلى أن التقديس فى الإسلام ليس للأماكن ،ولكن لله وحده.
سَيَقُولُ السفهاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) 
و قد أخبر الله مسبقا و قبل وقوع الحدث برد فعل المشركين - واصفا اياهم بالسفهاء- بأنهم سوف يسخرون من المؤمنين و يصفونهم بانهم ارتدوا عن دينهم و اتبعوا قبلتهم، و أكد لهم الله أنه لن يضيع ايمانهم و ان تغيير القبلة كان لهدف اختبار الايمان و تمييز المؤمنين الثابتين عن الذين يرتابون و يترددون ثم يرتدون
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)

 ولم يشأ الله أن يجعل القبلة إلي الكعبة أول الأمر لأنهم كانوا يقدسونها على أنها بيت العرب وكانوا يضعون فيها أصنامهم ، ووضع الأصنام في الكعبة شهادة بأن لها قداسة في ذاتها .. فالقداسة لم تأت بأصنامهم بل هم أرادوا أن يحموا هذه الأصنام فوضعوها في الكعبة
و فى قوله سبحانه وتعالى "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" -  و القبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس - يأتي الله برد جامع هام هو أن أوامر الله الإيمانية لا ترتبط بالعلة، إنما علة التنفيذ فيما يأمرنا الله سبحانه به أن الله هو الآمر، و قد بين لنا السبب في تغيير القبلة ان الأمر كان امتحانا للإيمان في القلوب فالإيمان هي طاعة المعبود فيما يأمر وما ينهي .
فضائل ليلة النصف من شعبان:
لليلة النصف من شعبان مكانة عظيمة ،فهى إحدى ليالى الشهر الذى ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين.
فى الحديث الشريف:"إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له؟ ألا من مسترزق فأرزقه؟ ألا من مبتلى فأعافيه؟ ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر. "
من الأدعية النبوية:
اللهم إنى أعوذ بعفوك من عقابك ،وأعوذ برضاك من سخطك ،.وأعوذ بك منك ،جل وجهك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

الاثنين، 25 يونيو 2012

المرشد الذكى للفتاة فى الزواج


هذه الإرشادات تخص الجانب المهنى للفتاة
كل شيء يخضع للعرض و الطلب..
و الدنيا سوق كبير للبيع و الشراء، و لا حرج فى ذلك فالإنسان يجب أن يسعى لمصلحته فى جميع أوقات حياته
 و الفتاة عليها أن تحدد هدفها فى الحياة جيدا ،و كما خططت فى المرحلة الثانوية لدخول كلية محددة أملا فى الحصول على عمل معين ،فعليها أن تحافظ على هذا الحلم ،الذى لا ينتهى بالطبع بالتخرج ،لكن التخرج هو البداية لتقرر بعدها بكل حزم و إرادة هل ستكمل دراساتها العليا أم ستؤجلها أم ليس لها رغبة فى ذلك ،هل تستطيع أن تعيش بدون عمل أم أنها تعتبر عملها فقط وسيلة للحصول على المال؟
و فى كل حالة مما سبق تخطط عند زواجها و اختيارها لمن سترتبط به...
1-      إذا أرادت إكمال دراستها العليا فالأفضل أن تتزوج من معيد أو زميل معها فى الكلية حتى يتعاونا فى البحث ،و حبذا لو كان أكبر منها بعدة سنوات ليمهد لها الطريق فى طريق الماجستير و الدكتوراه و تأليف الكتب و اعداد الابحاث.
2-      إذا اكتفت بدراستها الجامعية  و لم تسع سوى لجمع المال ؛فالأفضل لها أن تتزوج بمن يكافئها فى التعليم و ليس بالضرورة نفس المجال ،و حبذا لو اتيحت له فرصة العمل بالخارج فتحصل هى على الاموال بلا عناء عمل و لن تفتقد شيء لان العلم لم يدخل نطاق طموحها.
3-      إذا كان هدفها تحقيق نجاح عملى و ليس اكاديمى فالأفضل أن تتزوج من زميل لها فى المجال اكبر منها كى يدفع بها لخوض مصاعب العمل و يكونا قوة واحدة فى مكان عملهما بحيث يصعب كسرها ،و تضمن أيضا أن يوصلها لعملها و يعاونها فى فهم الآخرين و حل مشاكل العمل الكثيرة.
4-      إذا كانت لها هوايات أخرى غير مجال دراستها ،فالأفضل أن تتزوج بمن يتطلب عمله السفر بمفرده كيلا يعوقها وجوده الدائم عن ممارسة هواياتها ،و تكون محظوظة لو تزوجت بمن له نفس الهواية لكنه متقدم فيها كى يساعدها و يعلمها ما خفى عليها من أمور هوايتها و يعلمها أسرارها ،و يساعدها فى نشر أعمالها و تحقيق سعادة النجاح فيها.
و فى جميع الاحوال يجب أن تحرص فى المقام الأول على اختيار من يحترم تفكيرها ،و لا يسخر من أحلامها مهما اختلف معها فى رؤيته ،و أن يعلن بشكل صريح و أمام شهود قبل الزواج عن موافقته أو رفضه للدراسة أو العمل و بدون ثغرات أو أبواب خلفية لنقض الاتفاق و العهد.
فإذا اتفقا على استكمال تعليمها فليكتب هذا بشكل صريح فى وثيقة الزواج ،أو يشهد أهلها على موافقته و عدم منعها بأى حجة من استكمال ما بدأته لان ذلك يعتبر شرطا من شروط الزواج ،إن أخلفه الزوج فقد أنقض العهد و بطل الاتفاق...
و عليها أن تفكر فى أسوا الأمور و تعد له العدة ،و تتوقع بشدة منه أن يخلف عهده و يقتل مروءته ،و لتعلم أن الحب زائل زائل ،و خاطرها لديه حائط مائل ،يهتز بكلمة من هذه و تلك ،و تسقط الاقنعة بمجرد إمضاء العقد و دخول الملك. فلا يصح لها أن تتزوج قبل إتمام ما بدأته سواء التعليم الجامعى أو رسالة الماجستير ،أو البحث عن عمل يتطلب جهدا عاليا فى بدايته لا تتحمل مشقته المتزوجة.
و لتعلم أن قيود الزواج أقوى من أى حماس ،و سلطة الزوج تمنع بقوة القانون إكمال طريقها ،و لن يشفع لها تضييع جهدها السابق لأن الزوج سيستخدم مبدأ الأولويات ليصب فى صالحه هو ،فهو لم يتعب و لم ينفق على تعليمها ؛و لذلك يسهل عليه اجبارها على ترك كل شيء من أجله.

الثلاثاء، 19 يونيو 2012

أمانة توصيل الرسالة


لم يخلق الله الانسان سدى ، لم يخلقه ليأكل و يشرب و ينام ،و لم يخلقه للجرى وراء المال متخطيا المبادئ و القيم، لكن خلقه لرسالة أعلى و أسمى ،للعبادة و تعمير الأرض.
و الحياة متجددة إن لم يتعلم فيها الناس باستمرار ،و يخترع العلماء فيها ما يناسب مستجدات الحياة و طفرات الطبيعة ،و يلاحقوا متطلبات الانسان المتسارعة فقد يؤدى ذلك لمعاناة شديدة لكثير من البشر و انتشار المجاعات و سوء الحال.
فمثلا عليهم يتغلبوا على مصادر الطاقة المتناقصة ،و يسدوا الأفواه الجائعة ،و يعالجوا الامراض الجديدة الفتاكة و يقاوموا السلالات الذكية المتحولة المقاومة للعلاج ،فالحاجة للعلم لا منتهى لها.
و قد خلق الله الانسان كلٌ ميسر لما خلق له ،فمن يطيق العلم قد لا يطيق العمل اليدوى ،و من يتقن حرفة لا يتحمل تعلم حرفة أخرى ،و من يقبل أن يعمل فى شيء يأبى آخر أن يقوم بنفس العمل ،و هذا من حكمة الله ليتحقق التكامل و التعاون بين الناس و تمضى الحياة و تعمر الأرض.
لهذا لا يوجد ما يسمى كليات القمة أو عمل مرموق أو ما شابه ذلك فكل عمل مخلص هو عمل عظيم مهما كان ،و مأجور عليه صاحبه طالما مفيد و ينتفع به الآخرون ،و أكبر خطأ أن يصر ولى الأمر على توجيه ابنائه لمجال لا يحبونه و لا يطيقون دراسته من أجل رسم شكل اجتماعى معين أو استكمال مسيرته و إعداد الابن ليشترك مع والده عند تخرجه. لان ذلك يقتل موهبة أخرى ،فكل انسان لديه مواهب أفلح إن اكتشفها و اهتم بها، و من يقل أنه بلا موهبة فقط هو لم يكتشفها بعد ،و للأسف الشديد قد لا يكتشفها حتى الممات.
و اكتشاف مواهب الأبناء مسئولية كبرى على الآباء ،يكتشفونها من خلال الملاحظة و المناقشة مع الابن ،و اختباره و الزج به فى انشطة كثيرة حتى يثبت تفوقه فى بعض منها ،ثم يطورها و يتقنها.
يختار الله الرسل لأداء رسالة تبليغ الأمانة و أصول العبادة و الأوامر و النواهى و تلك رسالة الله إلى البشر.
كما يختار من العلماء و الأدباء و من تميز فى شيء لأداء رسالة الغرض منها تعمير الأرض و إظهار كل ما هو جميل فى الحياة
فهذا قارئ القرآن الذى يتأثر بالآيات تنغيما ووقفا ووصلا ،فيأتى ترتيله بتأثير مهيمن يبكى العيون.
و هذه الطبيبة التى تعالج النساء بمهارة شديدة و لا يصلح من الرجال من يقومون بدورها انتفعت بها الآلاف من النساء المريضات.
و هذا المهندس البارع الذى اخترع نظاما لبناء المنزل مع تهوية رائعة كأنه تكييف طبيعي دون ضرر بالبيئة
و الفنان الذى تتسمر أقدامنا أمام لوحه من لوحاته تسرق عيوننا و تشغل تفكيرنا فنبتسم من جمال الالوان و دخولنا عالم وهمى جديد ذى بعدين لكن كأنه حقيقى نراه و نلمسه.
و هذا الشاعر الذى يطربنا بكلمات متناسقة متناغمة كأنها سلاسل من ذهب و ليس من حروف.
و هذا العازف الذى نسمع لحنه فتذوب الاحزان و تشرق السعادة.
أمام أعمالهم نقف مبهورين و نقول "الله" ..سبحان الله الذى علم الإنسان ما لم يعلم ،فالإبداع نعمة من الله و آية من آياته فى خلق الناس و تعليمهم ما خفى و لطف بإذنه تعالى.
هؤلاء جميعا جعلهم الله سببا فى إسعادنا و دفع الضرر عنا و تحسين أذواقنا ..باختصار خلقهم الله لأداء رسالة ما فى الأرض ليتم تعميرها و الحفاظ عليها.
و ما تفضل الله به عليهم من العلم واجبٌ عليهم تبليغه و الاستفادة منه  و المضى فى العمل به و تطويره لأنها أمانة كبرى.
"أولئك الذين آتيناهم الكتاب و الحكم و النبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين " الانعام 89
إن الله سائل ولى الأمر عن وديعته هل رعاها؟ هل استغل موهبتها و ساعدها كى تؤدى رسالتها التى أراد الله لها أن تؤديه؟ أم نظر إلى مصالحه و حول صاحب الموهبة إلى اداة تدور لصالحه فقط حتى لو لم يقم بالمستوى المطلوب.
يسأله الله هل قتل الإبداع بداخل زوجته كى يضمن دورانها فى طاحونة منزله باستمرار؟
هل جعل منها كتلة صلبة جافة كالإنسان الآلي ؟هل جعلها حبيسة الدار ،أم تركها ترعى حشاش الأرض و تسعى فى طلب العلم و العمل.
و حرمان المرأة من التعليم ذنب عظيم ،فمن يفعل هذا يحرم المرأة من أداء فريضة العلم ،إن واجبه فقط ينحصر فى مساعدتها و توفير الجو الملائم لها ،و نصحها بالاحتشام و الالتزام فى تعاملها مع زملائها ،ثم الدعاء لها بالتوفيق و مكافأتها و مجازاتها خيرا عندما تتقن و تحسن عملها.

اللهم علمنا ما ينفعنا و نفعنا بما علمتنا و زدنا علما

الجمعة، 8 يونيو 2012

قضاء فرعون و قضاء الله


مهما كان حكم البشر قاسيا و ظالما، لا ينبغى التحسر و قتل النفس حزنا و كمدا على قلة الحيلة و العجز عن دفع الظلم، فما هو أقصى شيء يمكن أن يفعله من يقضى بالظلم؟ إنما قضاؤه موقت و حكمه سار لفترة محدودة بعدد من السنوات؛ قد تقصر..قد تطول لكن لن يكتب له الخلود، و لن يبقى إلا بحدود عمر الأشخاص أو عمر الزمان، فهو فى النهاية قضاء دنيوى زائل فان.
"قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا" سورة طه (72)
كلمة خالدة اجتمع عليها السحرة صادقوا الايمان لما رأوا الحقيقة ساطعة و ثبتهم الله على كلمة واحدة: ايثار و تفضيل الايمان بالله مهما تعرضوا لغضب فرعون و ما يتبعه من تعذيب و تنكيل.
و لأنهم يدركون الحيل التى يصنعونها و يسحرون بها أعين الناس و يخدعونهم ؛ كانوا أول من صدق بمعجزة موسى لما ألقى عصاه فتحولت ثعبانا يأكل الثعابين الكاذبة التى يصنعونها بسحرهم، و كان رد فعلهم السجود لرب موسى لله رب العالمين، و الجهر بالايمان به دون خوف من قضاء فرعون و حكمه عليهم، و أنطقهم الله كلمة الحق فقالوا  "و الله خير و أبقى"....
لقد وعدهم  فرعون من قبل أن يكونوا من المقربين إذا نجحوا فى مهمتهم - و هى الانتصار على فرعون أمام جموع الناس فى اليوم المشهود يوم الزينة- ليثبتوا للملأ كذبا أن موسى ليس نبيا و أن فرعون هو الاله الوحيد، لكنهم ألقوا كل شيء وراء ظهورهم رضا فرعون و المكانة العالية و الجوائز الدنيوية مقابل اظهار الحق و نصرته ، فكانوا من الفائزين...
و عاقبهم فرعون فى الدنيا بتقطيع أيديهم و ارجلهم من خلاف و تصليبهم فى جذوع النخل ، لكنه عذاب وقتى ..ساعات معدودة ثم فاضت ارواحهم لينالوا حسن الجزاء و يواجهوا قضاء الله العادل العظيم: رضاه و الخلود فى جنات النعيم، و ذلك جزاء من تزكى.

و هذا مثال من الحياة...
لما فاجأها بقسوة حكمه و فظاظة كلامه و قراره الجائر، الذى أراد به حسم النقاش لصالحه- من وجهة نظره- دون أدنى تنازل منه أو تقارب فى المصالح، صمتت برهة من الوقت و قد أسقط فى يدها ، و أدركت أن لا حيلة لها فى تغيير القضاء و المقدور...
إن كان الله أعطاه سلطة القرار و إصدار الحكم، و ألزمها بالطاعة و الرضوخ، فذلك لأن الحساب الشديد ينتظره ، فيوم التغابن ترفع المظالم و ترد الحقوق ، و يسمع الله الاعذار و يحكم بالحق.
و طمأنها  صوت من قلبها يقول لها: لا تحزنى و لا تشعرى بالقهر، فليقل ما يشاء و ليفعل ما يشاء، إنما يقضى هذه الحياة الدنيا ، و تلك من رحمة الله أن جعل أحكام البشر الدنيوية وقتية عبر زمن محدود، مهما طال فإن النصر آت، و سوف تقف الدموع و تسكت الآهات.

و موقف من قلب الأحداث...
فى محاكمة القرن – كما يسميها الإعلام - بادر القاضى الشجاع الجميع بالحكم الذى كان مفاجأة بجميع المقاييس ؛ الملايين كانت تنصت بين شامت و مشفق، مذهول و مصدق، داخل البيوت و خارجها ، فى مصر و ما حولها، القاضى مشهود له بالأمانة والاستقامة و عدم اللهاث وراء الشهرة أو الأضواء و ليس عليه غبار و تاريخه مشرف لا يعيبه شيء فقد سبق له الحكم بجرأة لينصف المظلومين حتى لو كان المجرمون من علية القوم و أصحاب السلطة.
و بالرغم من هذا لما نطق القاضى بالحكم؛ البعض قال "الله اكبر" ،و البعض امتعض و استنكر، و لما تلا باقى الأحكام زمجر معظم العوام، و انطلقت الحناجر بالأقوال المجحفة و الاتهامات المسرفة ؛فقالوا " باطل.. باطل" كأنهم على علم كامل!
قضى القضاء المصرى و سرى الحكم و مهما كانت الحيثيات و الأسباب ، و مواطن الاختلاف أو الاتفاق ، هو فى النهاية قضاء دنيوى يحتمل الخطأ و الصواب حسب طبيعة القصور البشري و ليقض القاضى ثم بنفذ قضاء الله ، و عقاب الله فى الآخرة أشد وطأة و أثقل حسابا، و هو العدل الحقيقي المطلق الذى لا مراء فيه و لا معقب عليه...
"فاقض ما أنت قاض * إنما تقضى هذه الحياة الدنيا"

الأحد، 20 مايو 2012

"أنتم شر مكانا"


اذا كان لديك صبر قوى فقط فسوف تتمكن من الصبر على من يسبك و هو لا يدرى أنك تسمع ما يقول؛ فالصبر على الإهانة قوة تحمل كبرى خاصة إذا كان الشخص قادرا على رد الإساءة بالإساءة، و لا يمنعه خوف و لا سن من يعتدى عليه باللسان و القول البذئ.
فإذا كان وزيرا عظيما أمينا عاليا فى الأرض مقربا من الملك ، و يقف على خزائن الأرض حيث القحط و الجدب فى كل مكان إلا فى تلك البلد التى يتبوأ فيها أعلى المناصب، ثم سمع من يسبه و يصفه بالسرقة و هو الحفيظ الأمين، و من قال هذا الكلمات هم قوم ليسوا أغرابا عليه و ليسوا من أهل البلدة، إنهم إخوته حيث جاءوا ليطلبوا الطعام من أجل القحط و الجوع الذى حل بهم.
سيدنا يوسف الصديق ماذا فعل عندما وصفه إخوته بأنه سارق؟ أسر ذلك فى نفسه و لم يظهر معرفته بهم أو يبين شخصيته:
"قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ" يوسف الآية 77
و قد سامح يوسف إخوته ووصف الجريمة التى فعلوها به وصفا هينا يخفف من بشاعتها؛ إذ هى فى صميمها جريمة قتل خففت لتصبح شروع فى قتل و إبعاد عن كنف الأب و عطفه، وصف يوسف صنيع إخوته بأنه عمل من نزغ الشيطان
"من بعد أن نزغ الشيطان بينى و بين إخوتى"
و رفع عنهم حرج طلب السماح و الاعتراف بالخطأ قائلا
"لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم و هو أرحم الراحمين"
فلم يكتف بأن يغفر لهم بل طلب من الله أن يغفر لهم ذنبهم القديم
فالشخص الذى يتهم غيره ظلما و زورا، أو يغتاب أخاه المسلم إنما هو أكثر شرا و هو الذى يستحق السوء و السخرية و ليس الموصوف...و الله أعلم بالحقيقة و مدى دقة الوصف و انطباقه أو بعده عن الشخص.
و لا يقدر على الغفران من بعد سماع الكلمة السيئة وجها لوجه سوى إنسان ذي ايمان قوى و عزيمة شديدة ، و لذلك قال تعالى "و لمن صبر و غفر إن ذلك لمن عزم الأمور".
و من يفعل ذلك فقد وكل إلى الله أمر الدفاع عنه و إعادة حقه، و رضى بأن مكانته عند الله هى الأهم من مكانته بين جموع النمامين و المغتابين، و يكفيه أن يغفر الله له جزاء صفحه عمن آذوه..
 "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " النور 22

كانت عيناى تجريان وراء سطور الرسالة التى كتبها أحد الاشخاص لآخر، و تتضمن سبا لى و سخرية منى، و دق قلبى سريعا، ما أسوأ أن يطلع الإنسان على ما ليس له به علم، خاصة إن كان يؤذيه، فلو لم أقرأ تلك الرسالة التى ليست موجهة لى لما حزنت عندما قرأت ذلك الكلام عنى، و لما امتلأ قلبى غيظا و كرها للشخص المرسل  و المرسل اليه ، و مع ذلك كنت مجبرة على عدم مواجهته حتى لا يعلم أنى تلصصت عليه و تتبعت رسائله، لكن ذلك وليد الشك فيه و عدم الاطمئنان لأفعاله و توقع الغدر منه، فكان من باب أخذ الحيطة و الحذر..
و تلك حكمة كبرى أن ينهى الله عن التجسس، و ألا يسعى الانسان لمعرفة ما يضره و لا ينفعه، فعقل المؤمن أكبر من أن ينشغل بتلك التفاهات من لهو الحديث، و عمره أثمن من أن يضيعه القيل و القال و الجدال السارق للوقت و الجهد، و المدمر للأعصاب و الذي لا طائلة منه سوى إنهاك النفس، و تعطيل العلم و التحصيل.

الثلاثاء، 1 مايو 2012

لقطات من أحلام نجيب محفوظ


نجيب محفوظ يتألق بحكمته و فلسفته في نهايات العمر.. و ماذا بعد طول سنين لإنسان متأمل لأحداث الحياة يمتلك فكر فيلسوف و أسلوب أديب و خبرة عجوز؟ خلاصة سنين طويلة من التأمل في سلسلة من الأحلام؛ بل قل لقطات غير مترابطة، لكنها حول عدة محاور منها ما يخص العالم الخارجي و منها ما ينطلق من ذات الكاتب و فكره الداخلي.

أحلام فترة النقاهة أسلوب جديد؛ مجموعة من الأحلام ليست قصص قصيرة و ليست أقصوصة لكنها نبضات فكرية أو مشاهد سريعة من أحداث الحياة؛ ليست خواطر لأنها تصف أشخاصاً أو أمكنة، قد تكون قصيرة لكن يكتمل فيها رسم المكان – كعادة نجيب محفوظ الفنان في رسم الأمكنة – و الزمان و الشخوص و ربما احتوت فى عجالة العقدة أيضا ، لكنها دائما نهايات مفتوحة و غامضة.
نقاهة من ماذا؟ من المرض أم من وطأة الحياة و ثقل المسئوليات؟ إنه إحساس شيخ كبير أدى رسالته نحو أسرته و وطنه و تفرغ للإبداع و حالة من صفاء الذهن و عمق التفكير

إننى حقا اشتاق لمعرفة ماذا كان يقصد الكاتب فعلا من كل حلم ، هل هو ما فكرت فيه أم شيء آخر بعيد المنال؟ انه مثل الأحاجي و الفوازير التي ليس لها حل محدد لكنها فعلا شيقة في كل مرة أقرأ حلما انتقل للآخر بسرعة لأراهن نفسي هل سأفهمها بسهولة و أفك شفرتها أم سيتعبتى البحث و تدور بى الاحتمالات؟ إنها حقا رحلة ممتعة في عقل نجيب محفوظ.
و أراها شديدة التعقيد و الغموض، انه يقصد أشياء و أشياء؛ هل هي أبيات شاعر يحتفظ بالمعاني لنفسه أم أنها أجزاء من سيمفونية الحياة انه الفنان في كل زمان و مكان يعشق التنوع و ينبذ التكرار حتى فى الاسلوب و التعبير فيأتى دائما بالجديد..

هل هي كوابيس أو أحلام مزعجة أم أحلام يقظة أم أمنيات؟
ماذا عن الوحدة الفنية فيها و الجو النفسي الذي يهيمن عليها و يحدد مسارها؟ انها لغة التشاؤم فى نظرى و الاثبات يأتى من عدة ملاحظات..
-          تكرار كلمات مثل متجهما – انقبض صدري – مسدس – مرتجفة – لعنات – تشاؤم - شتائم
-          نهايات مفتوحة و تلميحات عن الفساد
-          تكرار ذكر الشيخوخة و العجز و مقارنة الأيام السابقة بالواقع الأليم
منذ النظرة الأولى يتبين الجو النفسى العام للكاتب ، فهو يميل إلى التشاؤم و تميل أحلامه إلى الكوابيس..
دعوني أسمى الأحلام بدلا من أرقامها التي عنونها الكاتب بها:

حلم 1: الصداقة تتحول لسراب
أسوق دراجتى من ناحية إلى أخرى مدفوعا بالجوع، باحثا عن مطعم مناسب لذوى الدخل المحدود و دائما أجدها مغلقة الأبواب. و حانت منى التفاتة إلى ساعة الميدان، فرأيت أسفلها صديقى فدعانى بشارة من يده فملت بدراجتى نحوه، و إذا به على علم بحالى فاقترح علىَ أن أترك دراجتى معه ليسهل علىَ البحث، فنفذت اقتراحه وواصلت البحث و جوعى يشتد. و صادفنى فى طريقة مطعم العائلات ، فبدافع من الجوع و اليأس اتجهت نحوه على الرغم من علمى بارتفاع أسعاره ، و رآنى صاحبه و هو يقف فى مدخله أمام ستارة مسدلة فما كان منه إلا أن أزاح الستار فبدت خرابة ملأى بالنفايات فى وضع البهو الفخم المعد للطعام، فقلت بانزعاج ماذا جرى؟ فقال الرجل : أسرع إلى كبابجى الشباب لعلك تدركه قبل أن يشطب ، و لم أضيع وقتا فرجعت إلى ساعة الميدان لكننى لم أجد الدراجة و لا الصديق..
مطعم العائلات خال إلا من النفايات، الأمل الأخير فى كبابجى الشباب عند ساعة الميدان، الصديق يقف تحتها و على علم مسبق بجوعه الشديد، و لما استمع لنصيحة صاحبه لم يجد الدراجة و لا الصديق..
هل لأن العمر مضى أم خيانة أتته من أقرب الناس له.

حلم 3: الهوان
هذا سطح سفينة يتوسطه عامود مقيد به رجل يلتف حوله حبل من أعلى صدره حتى أسفل ساقيه، و هو يحرك رأسه بعنف يمنة و يسرة و يهتف من أعماقه الجريحة: متى ينتهى هذا العذاب؟ و كان ثلاثتنا ينظرون إليه بإشفاق و يتبادلون النظر فى ذهول ، و تساءل صوت: من فعل بك ذلك؟ فأجاب الرجل المعذب و رأسه لا تكف عن الحركة: أنا الفاعل – لماذا؟ هو العقاب الذى استحقه – من أى ذنب؟ فصاح بغضب : الجهل، فقلت له : عهدنا بك ذو حلم و خبرة، جهلنا أن الغضب استعداد كل فرد، و ارتفع صوته و هو يقول: و جهلت أن أى إنسان لا يخلو من كرامة مهما هن شأنه. وغلبنا الحزن و الصمت.
رجل مقيد بحبل و الكرامة الجريحة تمثيل بالإنسان إذ يستهين بعقاب الله و هو لا يتحمل ذرة منه. لا يملكون له شيء سوى الحزن و الصمت ..
ثلاثتنا: من هم الثلاثة؟ أسئلة حائرة.
الظاهر: أنه ذو حلم و خبرة.
الحقيقة: أنه مهان نتيجة نتيجة سوء صنيعه و الدليل كلمة "الفاعل" و أن هذا العقاب الذي يستحقه.

حلم 36: المتآمرون
جمعنا بهو ما، ثمة وجوه أراها لأول مرة و وجوه أعرفها جيدا من الزملاء، و كنا ننتظر إعلان نتيجة اليانصيب، و أعلنت النتيجة و كنت الرابح، و كانت الجائزة فيلا حديثه و حصل تعليقات و  توهان، لم تستطع وجوه كثيرة أن تخفى كمدها. و قال لى كثيرون أنه فوز لكنه خازوق من أين لك المال لتأسيسها و توفير الخدم اللازمين لها و استهلاك الماء و الكهرباء و خدمة حمام السباحة و التكييف...الخ
الحق أن الحلم ما زال حيا، و ها أنا أتفقد الفيلا كل يوم تقريبا و أرجع بالخيبة و الحسرات، و استغل أناس قلة خبرتى و أقنعونى ببيعها و اشتروا بثمن فرحت به ساعات حتى تبين لى أنى خدعت و سرقت.
و حدث فى ذلك الوقت أن خلت وظيفة مدير عام ، و كثر التزاحم حولها و المرشحون و بطاقات ذوى النفوذ، و قابلت الوزير و قلت له أننى لا وسيط لى سواه، و لكنه قال لى إنك لم تستطع أن تحافظ على مالك الخاص، فكيف أأتمنك على المال العام؟ و صرت نادرة و مثالا... فطلبت ضم المدة الباقية لى فى الخدمة إلى خدمتى و إحالتى إلى المعاش، و أخيرا وجدت الطمأنينة فى موضع لا يتطلع إليه طماع، و لا ينظر إليه ذوو الطموح. 
ماذا جاء سهلا يذهب سهلا، و هذا شأن أموال اليانصيب التى لا تتطلب سوى لحظة حظ دون أدنى مجهود أو إعداد، و ليت تلك الجائزة التى كسبها من اليانصيب ذهبت و فارقته فحسب، لكنها خلفت له حسرة و شؤما بداية من الحقد و الحسد الذى لاحقه، ثم حسرته على بيعها بثمن بخس، و انتهاء بوصفه لا يصلح لرعاية المال و تحمل المسئولية ثم احالته على المعاش و فقدان عمله هروبا من كلام الناس و نظراتهم. فهل كان فوزه فوزا حقيقيا و نعمة تستحق الفرحة أم خسارة و شر مقنع؟

حلم 65 : ما أجمل اللامعقول!
انقضى العام الدراسى و أعلن عن يوم الامتحان و لم نكن فتحنا كتابا و لا حفظنا جملة توجب التفكير فيما ينبغى عمله، و ثمة قلة كانت ما تزال تحتفظ بشيء من الاحترام لما هو معقول فقررت الامتناع عن حضور الامتحان ، فأما الأخرى فكانت مولعة بالعبث و اللامعقول فانتهزت الفرصة المتاحة و عزمت على حضور الامتحان و فى الصباح الموعود انتظمنا الصفوف و لبسنا أقنعة الجدية و الاهتمام و إذا برئيس اللجنة يقوم و يقول بصوت جهورى إنه سيوزع علينا ورقتين إحداهما تحوى الأسئلة و الأخرى تحوى الإجابات الصحيحة. و ذهبنا حقا فلم نكن نتصور أن بين أساتذتنا من يفوقنا فى حب العبث و اللامعقول.
حدث لا يحدث إلا فى الأحلام الجميلة ذات النهاية السعيدة حتى لو لم تتفق مع المنطق، المراقب يوزع عليهم بكل جرأة ورقة الإجابات مع الأسئلة فى استهانة صارخة بمبدأ العدل و تكافؤ الفرص، الكل يحب الخداع؛ فالطلبة ارتدوا أقنعة الجد و الاجتهاد، و الأساتذة قرروا التجديد و التسهيل عليهم أثناء التصحيح؛ الإجابات ستكون موحدة و النجاح أكيد لكنه فى النهاية نجاح زائف و تمثيلية عبثية غير معقولة.