الأربعاء، 11 يوليو 2012

الموقف العكسى


أكبر عزاء فى موقف عجز و ضعف أن نتأكد أن موقفا عكسيا - يتم فيه تبادل الأدوار و تغيير الاطوار - سوف يأتى و لا ريب..فلا تذهب أنفسنا حسرات و تسود الحياة أمامنا لأن الواقع على غير ما نريد ، بل نأمل أن يحدث التبدل و يأتى التعويض من الله عن قريب.
و لنتخيل ..ألا نستطيع أن نتخيل؟ فنعيش لحظات فى عالم وهمى.. من صنع عقولنا حقا  لكنه قد يكون حدثا واقعا بعد سنوات من الصبر، نتخيل أننا منتصرين محققين لما نرجو، نتخيل أعمالنا ناجحة و مكانتنا عالية ، و أن الألم أصبح من ذكريات الأيام الخالية، فتكون لتلك الحالة الشعورية أثر السحر فى رفع معنوياتنا و منحنا المزيد من الصبر و اليقين.

عندما ألقاه إخوته فى داخل البئر،  و  من بين ظلماته السحيقة أوحى إليه الله مشهدا من المستقبل ؛مشهد النصر، موقف معاكس تماما لحاله الراهن، أوحى إليه أنه سوف ينبئهم – بكل عزة و قوة – بما فعلوه به سالفا و هم غافلون عن صنيعهم جاهلون لشخصيته، و كان ذلك الإيحاء عونا فى وحدته و سندا على مصيبته ،و قد تحقق بإذن الله و فضله..
" فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" يوسف (15)

فقد كتب الله على نفسه الرحمة، لا يرضى بالظلم و إن بدا طول الأمد و الإمهال للظالم، لكنه حكمة بالغة ، فقضاء الله محكم عادل ، و إن استعجل الناس قضاء الله فذلك من طبيعة خلقهم التى أمرهم الله ألا ينساقوا وراء العجلة "خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتى فلا تستعجلون"
و قد جعل الله المستقبل ماضيا فى بلاغة قرآنية رائعة "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"
فأمر الله نافذ بمجرد إرادته و قوله كن فيكون ،و هو المستقبل الذى لم يأت بعد ؛لكنه كالماضى فى صدق تحققه و تأكيد حدوثه ،فهل يجادل أحد أو يتشكك فى شيء حدث بالفعل؟ بالطبع لا ؛كذلك يجب أن يثق الإنسان فى تحقق وعد الله و لا يتعجل و إن طال الأمد.

ووعد الله محقق ،و قد وعد المؤمنين بالخلافة فى الأرض و تعظيم شأن الدين فى الأرض ،و تمكينهم من عبادته بدون خوف و لا بطش و قد تحقق..
"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" النور (55)

لكن هناك اختبار من الله عندما يتحقق الموقف المعاكس و يتنصر الإنسان من بعد ظلمه ، فإذا شكر ربه و حفظ نعمته إذ علت مكانته و زال غمه و كربه يكون قد نجح فى ابتلاء الخير،أما إذا كرر الظلم فى آخرين لتكتمل سلسلة الظلم من شخص لآخر ،فيكون العقاب مصيره و نهايته.
لما اشتكى بنو اسرائيل من بطش فرعون الشديد لموسى عليه السلام قال لهم قد يأتى يوم تنعكس الأوضاع، تصبحون أنتم الخلفاء و أصحاب القوة فينظر إلى أعمالكم وقتها و هل ستظلمون و تغركم السلطة أم ترحمون الناس من بعد أن تذوقتم طعم الظلم و مرارته و ارتديتم ثياب الذل عقودا كثيرة و تعلمون ما تسببه فى النفوس من موت و عذاب.
"قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" الأعراف (129)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق