الاثنين، 3 أغسطس 2009

طب النفس

هذه المقالة للكاتب أحمد أمين كتبت فى عام 1940 تقريبا أى منذ ما يقرب من 70 عاما و لكنها لا تزال تنبض بالحياة و تشع بالفائدة فهى تعكس خاصية للإنسان و هى إهمال الجانب الروحى والتعلق الشديد بالجانب الحسي من حياته و يتعرض لأسباب ذلك و نتائجه ، و إن كان الزمان اختلف و الاهتمام بالطب النفسي في تقدم و تطور اليوم عن الأمس، أما عن نظرته للمثقف فنظرة يشوبها نوع من المبالغة ، فليس على الإنسان أن يقف عند حدود إمكانياته بل يتطلع و يطمح إلى التغيير و اكتساب مهارات جديدة؛ فإن أخفق فيكفيه شرف المحاولة ، و إنما المطلوب منه الصدق مع نفسه و مراجعتها بين الحين و الآخر لمعرفة الطريق السليم و إعادة تكوين - و ليس تطبيع- نفسه بما يلائمها و يتناسب مع قدراتها بلا شطحات و لا خيالات غير قابلة للتحقيق حتى لا يضيع عمره و يصاب بالصدمات النفسية عند تكرار الفشل.

و لا شك أن الكاتب في تطرقه لها الموضوع أثار قضيه هامة تخص المجتمع و خاصة شريحة هامة منه هى شريحة المثقفين ، و أهمية السلامة النفسية للإنسان و تقديمها على السلامة الجسمية.

و نستعرض الآن أجزاءً من المقال:


 

من المشاهد أن الناس يؤمنون أشد الإيمان بمرض أجسامهم و لا يؤمنون بمرض نفوسهم، فإذا شعر أحدهم بمرض جسمي أسرع إلى الطبيب باذلاً الأموال مهما جلت ثم هو يمرض نفسياً فلا يهتم بذلك كأن نفسه أهون عليه من جسمه، و روحه أتفه من بدنه.

آلام الناس من نفوسهم أكثر من آلام جسومهم، و أضرار المجتمعات من مرضى النفوس تفوق أضرارها من مرضى الجسوم، و للنفس أمراض لا حصر لها ؛ فهناك حميات نفسية متعددة كحميات الأجسام و هناك ميكروبات نفسية كالميكروبات المادية ، و هناك عدوى تصيب النفوس كعدوى الأجسام و كذلك انفعالات تحرق النفس و تضني البدن، و لكل من هذه الأمراض علاجات تختلف باختلاف المرض و الشخص.


 

و السبب في أن الناس تنصرف عن علاج نفوسهم أنهم لا يزالون يسبحون في دائرة الحس وحده و لم يرتقوا إلى ملاحظة النفوس و شئونها، أو لأنهم لا يؤمنون بأطباء النفوس إيمانهم بأطباء الأجسام فلا يعتقدون في صلاحيتهم و يتشككون في قدرتهم على العلاج فيستسلمون للمرض النفسي كما يستسلمون لمرض جسمي استحال شفاؤه، و قد يكون السبب ن الناس يؤمنون بسهولة أمراض النفوس و قدرتهم على الشفاء منها بدون طبيب و هذا خطأ فادح؛ فأمراض النفوس كأمراض الجسم فيها ما يداوي و فيها ما يستعصي على الطبيب الماهر.


 

لأمراض النفس سباب عدة من حالة صحية و بيئة اجتماعية و بذور ميكروبات تسربت إليها من كتب قرتها و أحاديث سمعتها و مناظر رأتها، و لعل أهم مرض نفسي يصيب طائفة المثقفين

و سببه أنهم لا يريدون أن يكونوا أنفسهم و يريدون أن يكونوا غيرهم.

لقد خلقت النفوس البشرية متشابهة في بعض جهاتها و مختلفة في جهات أخري ، فكل وجه به عينان و أنف و غم و لكن لكل إنسان وجهه الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره.

كذلك النفوس ؛ لكل إنسان نفسه الخاصة و مما ألاحظه أن نفس كل إنسان إن سارت على فطرتها و عرفت أن تتغذى بما يناسبها و طلبت لها مثلاً أعلى يتفق و طبيعتها عاشت في الأغلب راضية مطمئنة، و إن خالفت فطرتها و حاولت أن تكون غيرها أظلمت و أصابها الحزن و القلق و الاضطراب ، و فقدت سعادتها و اطمئنانها، و محال أن تنال ما يخالف فطرتها.


 

يسعد الإنسان إذا عرف طبيعته و حدوده التي لا يستطيع أن يصل إليها و نوع الرقي الذي يمكن أن يبلغه ، فإن حاول أن يكون غير ذلك كان في الحياة ممثلاً لا يعيش الطبيعة و محال أن يوائم بين نفسه الحقيقية و الدور الذي يمثله إلا بمقدار ما يظهر علي المسرح فإن هو حاول أن يطيل ذلك فجزاؤه السخرية منه و قلق نفسه و اضطراب شأنه.

فأكثر أسباب اضطراب المثقف ناشئ من أنه غبي يريد أن يكون ذكياً، أو ميال بطبعه إلى العزلة و الانكماش يريد أن يكون وجيهاً شهيراً، أو عالم يريد أن يكون أديباً أو العكس أو خجل يريد أن يكون وقحاً... ثم يخفق و يخفق، لأنه يكلف نفسه ضد طباعها و هذا الإخفاق يهز نفسه هزة عنيفة تسبب له القلق الروحي و الاضطراب النفسي، هو بذلك يريد أن يكون إنسانا صناعيا و هو مخلوق إنسانا طبيعياً؛ فالتوفيق محال فخير نصيحة لهذا و لأمثاله أن نقول له:

"كن نفسك و لا تنشد إلا مثلك"


 

الجمعة، 31 يوليو 2009

عظات و عبر من سورة يوسف

سورة يوسف اشتملت على كثير من الفوائد و العبر، و صدق الله العظيم إذ ختمت السورة بقوله تعالى "إن في قصصهم لعبرة لأولى الأبصار" و من تلك الفوائد:

  • جواز استعمال الحيل و المكايد التي يتوصل بها الإنسان إلى الحقوق كما فعل يوسف حيث ألقى الصواع (إناء الملك) في متاع أخيه ثم استخرجها منه ليوهم بأنه سارق و يبقى أخاه عنده ، إنما الممنوع هو التحايل بالمكر لإسقاط واجب.
  • أنه ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة و سوء حال أن يعترف بنعمة الله عليه و يتذكر حالته الأولى كما قال يوسف "و قد أحسن بى إذ أخرجني من السجن و جاء بكم من البدو".
  • جواز إخبار الإنسان بما يجد من مرض أو فقر بدون تسخط على قدر الله كما قال إخوة يوسف "يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر" و لم ينكر عليهم أخوهم يوسف قولهم.
  • الحذر من شؤم الذنب و أن الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة فأخوة يوسف لما أرادوا التفريق بين يوسف و أبيه احتالوا لذلك بأنواع من الحيل و كذبوا عدة مرات و زوروا القميص و الدم الذي به و اتهموا الذئب بأكله.
  • الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة فإن امرأة يوسف قد كان منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف و حبها الشديد له.
  • ينبغي للمرء إذا رأى محلاً فيه فتنة و أسباب معصية أن يفر منها و يهرب ليتمكن من التخلص من المعصية كما فر يوسف هاربا يطلب الباب ليتخلص من شر امرأة العزيز
  • أن المؤمن إذا خير بين أمرين إما فعل معصية و إما عقوبة دنيوية أن يختار العقوبة الدنيوية على اقتراف الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا و الآخرة.
  • أن من دخل الإيمان قلبه و كان مخلصاً لله في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه و صدق إخلاصه الكثير من أنواع السوء و الفحشاء "و هم بها لولا أن رءا برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصين".
  • لابد للمؤمن البعد عن أسباب الشر و كتمان ما تخشى ضرره و هذا من الأخذ بالأسباب ، كما فى قول يعقوب "يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً".
  • لا بأس للإنسان أن يخبر عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل إذا كان في ذلك مصلحة و لم يقصد به الرياء أو الكذب لقول يوسف "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
  • أن من وقع في مكروه أو شدة لا بأس بأن يستعين بمن له القدرة على تخليصه و هذا لا يناقض التوكل على الله بل هو من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس ببعضهم كما قال يوسف للذي ظن انه ناج من الفتيين الذين طلبا منه تعبير الرؤيا "اذكرني عند ربك" أي اذكرني عند سيدك ، و لكن كل شيء يقدره الله بحكمة فقد أنسى الشيطان ذلك الفتى طلب يوسف و لم يتذكر إلا عندما طلب الملك تأويل و تفسير رؤيته ".
  • أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسراً فلما طال الحزن على يعقوب و اشتد به و فقد يوسف و أخاه و مسه الضر و الاضطرار؛ أذن الله بالفرج و تم بذلك الأجر و حصل السرور و عاد إلى يعقوب بصره فإنما يبتلى الله أوليائه ليمتحن صبرهم و شكرهم ثم يوفيهم أجرهم بغير حساب.

إن القصص القرآني زاخر بالعظات و العبر و ما هذه الفوائد إلا نقطة صغيرة في بحر التدبر في قصة يوسف عليه السلام ؛ نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علماً.


الجمعة، 24 يوليو 2009

واأسفي على يوسف

الأبناء هم قرة العين و مهما زاد عددهم و تباينت أعمارهم فلكل منهم محبة و ذكريات خاصة، و بالرغم من تحقيق العدل بينهم إلا أن للقلب شأن آخر؛ فقد يميل و يهفو لأحد الأبناء لصغر سنه أو لجماله الشديد و براءة نفسه، فيبدو الحب و ينكشف مكنون الصدر رغم عدم التصريح، ظاهرا لباقي الأبناء مثيرا لدواعي الغيرة فيستجيب الأخوة لنزغ الشيطان و همزاته بمحاولة إيذاء ذلك الأخ المميز المصطفى ذي الحظوة و المكانة عند أبيه، أو التخلص منه نهائيا ليخلو لهم الجو و تصفو لهم مشاعر أبيهم و ينصرف إليهم بعطفه و اهتمامه، و هم يرون أن تصرفهم هذا له مبرر؛ فأبوهم في ضلال مبين بحبه الشديد لهذا الأخ، و لابد لهم أن يعالجوا الأمر بطريقتهم، ثم يتوبون من الذنب - و الله غفور رحيم - فيفوزوا بحب أبيهم وعفو ربهم و يكونوا من الصالحين.

و ما أشد فجيعة الأب عندما يصدم بفقد ولده الحبيب و الحرمان من رؤيته خاصة إذا كان يتوقع ذلك بإلهام من الله؛ و على يد من؟ إخوته...الذين هم أيضاَ أبناؤه و سنده في شيخوخته الطاعنة، الذين ادخرهم لحماية أخيهم العزيز و رعايته صغيرا حتى يبلغ أشده و يصبح في قوتهم و بأسهم...

قصة يوسف عليه السلام من أجمل القصص القرآني و هي آية في التصوير الفني لحياة نبي كريم ، و قد ذكر الله القصة كاملة في سورة يوسف بينما ذكرت قصص أخرى منفصلة في سور مختلفة و لذلك حكمة ، فقصة يوسف وجدانية تتعلق بمشاعر غيرة و إيذاء و حب و خيانة و ظلم و سرقة و حيلة و مفاجآت كثيرة؛ التقاء بعد طول شتات و رؤية بعد عمى و تحقيق رؤيا بعد سنين طويلة .. و كل هذه المشاعر يكتمل الإحساس بها إذا جمعت في سياق سورة واحدة حتى لا تنسى بعض أحداثها من الذهن بل تكون جميعها في خيط واحد متصل.

لقد ثبته الله في أصعب اللحظات و هو لا يزال صغيرا ملقى في ظلمات بئر بعد أن انتزعه إخوته من حنان أبيه فقد أوحى إليه في تلك اللحظة أن ستأتي لحظة أخرى في حياته يخبر إخوته عما فعلوا به في طفولته و هم لا يعرفونه: "و أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا و هم لا يشعرون" فما أرحمه سبحانه و لطفه بعباده.

سميت السورة باسم النبي يوسف الذي تعرض لكثير من الفتن و الابتلاءات و حفظه الله بحسن خلقه و صرف عنه شرورا كثيرة و رفعه مكانا عاليا بتأويله رؤيا الملك و انقاد مصر و ما حولها من سنين جدباء و أصبح على خزائن مصر يدير أمورها بحكمة و أمانة؛ كما كان تفسير يوسف لتلك الرؤيا سببا في خروجه من السجن و إبرائه من تهمة امرأة العزيز له و أن يصبح مقربا خالصا للملك، و كان لتلك السنين العجاف حكمة في أن يأتي إخوته إلى مصر للحصول على طعام و يتم لقاؤه بهم و تتحقق الرؤيا.

و ما أكثر المفاجآت التي احتوتها قصة يوسف مثل:

  • خروج يوسف من البئر على يد من ألقى بالوعاء في البئر ليخرج الماء "قال يا بشرى هذا غلام"
  • حضور فرعون ليجد امرأته ممسكة بجزء من ثوب يوسف المقطوع "و ألفيا سيدها لدى الباب"
  • انبهار النسوة بجمال يوسف و جرح أيديهن عند رؤيته "فلما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن "
  • اكتشاف وجود إناء الملك في أمتعة الأخ الأصغر ليوسف و اتهامهم بالسرقة لإبقاء ذلك الأخ مع يوسف "ثم استخرجها من وعاء أخيه"
  • مقابلة يوسف لإخوته و هم يجهلونه و دهشتهم الشديدة لذلك "قالوا أئنك لأنت يوسف"
  • ارتداد البصر ليعقوب بعدما القوا قميص يوسف على وجهه "فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا"

و كل هذه المفاجآت تزيد من حيوية القصة الكريمة و كمال تأثيرها و سبحان الله العظيم

و أشد الآيات تأثيرا عندما علم يعقوب بفقد الأخ الأصغر ليوسف

"قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم * و تولى عنهم و قال يا أسفى على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون * يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"

لقد اعتزلهم و اختلى بربه القريب؛ لتفيض نفسه و عينه بالدموع بعيدا عن لومهم له، و كانت النتيجة هي فقدان البصر

و ما كان لوم أبنائه له إلا من خشيتهم عليه أن يهلك و يموت من شدة الحزن على يوسف بعد كل هذه السنوات، و لكنه يشتكي إلى الله، و إلى من يشتكى الإنسان؟ إلى بشر مثله ضعيف أم إلى قريب مجيب؟ فمن التجأ إلى الله فقد احتمى بركن شديد...

حتى في أقسى اللحظات، لم يفقد يعقوب الأمل بل أمر أبنائه بالرجوع إلى مصر و عدم اليأس من روح الله ...و تم اللقاء و اجتمع الشمل و طابت النفوس.

و تتجلى قوة الإيمان عندما يستحضر يوسف عليه السلام فضل الله عليه في لحظة تحقيق رؤيته؛ راجيا منه أن يتولاه و يرعاه ، آملا في حسن الخاتمة.

"رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات و الأرض أنت ولى في الدنيا و الآخرة توفني مسلما و ألحقني بالصالحين"


 

و للحديث بقية....


 

الجمعة، 10 يوليو 2009

احذر الذنوب

تشعر بضيق في صدرك تتلون معه الحياة باللون الأسود؟

تشعر بوحشة بالرغم من وجود الناس حولك؟

تحيط بك الهموم من كل جانب؟

تتعلق نفسك بأمل بعيد المنال كلما اقتربت منه ازداد عنك بعداً؟

تشعر بحاجز بينك و بين الله عندما تصلى أو تدعو؟

تتوالى عليك المحن و لا تدري ما السبب؟

إنها الذنوب و هذه علامات و دلائل هامة لتكاثرها، و علاجها الأكيد في الاستغفار...


 

الاستغفار هو طريق النجاة من هذه المهالك، فمغفرة الله تضاعف الرزق بجميع أنواعه في المال و الزرع و الأولاد ؛فما أكرمه عز و جل، اقرأ معي قول الله تعالى "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرار و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم أنهارا"

و لابد أن يقترن الاستغفار بالتوبة من الذنوب و العزم القوى على هجرها و اجتنابها.

ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه و إن تاب منها و أقلع عنها، فمن الناس من يسكن و يطمئن إلى قبول التوبة بلا خوف أو ندم، و قد يسهل عليه العودة إلى الذنوب بلا مقاومة للشيطان و كيده و تحايله بكل السبل ليرجع الإنسان إلى ظلمة المعصية مرة أخرى.

و لنا في الأنبياء أسوة حسنة؛ ورد في الصحاح أن الناس يأتون إلى آدم عليه السلام فيقولون اشفع لنا فيقول: ذنبي؛ و إلى نوح عليه السلام فيقول: ذنبي؛ و إلى إبراهيم و موسى و إلى عيسى صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين فيقولون مثل قولهم ، فهل كان لهؤلاء الأنبياء ذنوباً؟ لم تكن ذنوباً حقيقية ثم إنهم تابوا إلى الله و مع ذلك هم على خوف من الله.


 

و للمعاصى من الآثار القبيحة المضرة بالقلب و البدن ما لا يعلمه إلا الله ، منها تعسير الأمور على العاصي؛ فكما أنه من اتقى اللهً جعل له من أمره يسراً؛ فمن ترك التقوى جعل له من أمره عسراً، فهو يجد ظلمة في قلبه حتى أنه يقع في البدع و الضلالات و الأمور المهلكة و هو لا يشعر– قال تعالى "و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون" .


 

و المعاصي تقصر العمر و تمحق البركة ، كما أنها تتكاثر بمعنى أن تكون سبباً في توالد معاصي أخرى حتى ليصعب على العبد الإقلاع عنها؛ و يكون عقاب الله له أن يرسل على الذي يعتاد ارتكاب المعاصي الشياطين لتغريه بالشر وتدفعه إليها دفعاً– قال تعالى "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً" .

و تجد العاصي هيناً على ربه - وما أشد ذلك - فإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد ، قال تعالى "و من يهن الله فما له من مكرم" و بالتالى تورثه ذلاً لا يفارقه إلا أن يتوب.

كما أن تكرار الذنوب يطبع على قلب صاحبها فيكتب من الغافلين و يكون على قلبه غطاء كثيف لا يتخلله نور الإيمان- قال تعالى "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"

و تكون المعاصي سببا لزوال النعم و مجيء النقم - قال تعالى "و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير".

فجدير بالمؤمن ألا ينظر إلى كبر الذنب أو صغره فى نفسه بل ينظر إلى قدر من عصاه و انتهك محارمه – قال تعالى "ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"


 

و ما أصدق قول أحد العارفين:


و ترك الذنوب حياة القلوب *** و خير لنفسك عصيانها


 


 


 

الجمعة، 3 يوليو 2009

خلود الجدود

الأهرامات .. كلمة تثير في النفس المصرية الشموخ و الفخر و الحزن و الحسرة على المجد الغابر فما أعظم الفرق بين المصري القديم و المصري الحديث

نظرة إلى أعلى إلى قمة الهرم التي تناطح السحاب ثم ينحسر البصر خاسئا مرتداً إلى أرض الواقع و ما وصلت إليه الأحوال الحالية من سلبيات و إهمال و نفوس محبطة....

كلما نظرت إلى الأهرامات تقف مشدوداً منبهراً حتى لو كانت المرة المليون التي تشاهدها فيها..و لعل السبب في ذلك أنك تشعر بتضاؤل الكائنات الأخرى بجانب حجم الهرم بل حجر واحد من حجارته و تخيل عملية نقل الحجارة الكبيرة واحدة فوق الأخرى و تصميم مداخل و دهاليز بداخله و أسرار حيرت العالم و جعلتها معجزة من معجزات الدنيا..

و صمودها عبر الزمن لتشهد بحضارة و مجد المصري القديم جيلا بعد جيل غير عابئة بما يدور حولها من كوارث مثل الزلازل وعوامل التعرية و الحرائق و الحروب و غيرها من الحوادث التي مرت عليها فلم تزدها إلا رسوخا في الأرض وعلوا في السماء و شهرة و انجذاب لها من جميع الأنحاء.

أهمية الأهرامات في العقيدة المصرية القديمة

كان أول ما يفكر فيه ملوك مصر عقب توليهم الحكم و الانتهاء من مراسم دفن الملك السابق هو الإعداد لمكان يليق بدفنهم حيث كانوا يؤمنون بالبعث و الخلود و من هنا كان حرصهم الشديد على دفن ممتلكاتهم الثمينة معهم .و أن تكون أماكن دفنهم على درجة عالية من الفخامة و الإبداع و أعلى مستوى من الحماية من اللصوص.

إبداع لن يتكرر:

خضع موقع الهرم لدراسات جيولوجية و فلكية حيث كان هناك عاملان هامان في تحديده؛ أولهما أن يكون الهرم في الناحية الغربية حيث توجد مملكة الموتى ، و الثاني أن تكون الهضبة التي سيبنى فوقها صالحة للبناء و أن يكون المكان متصلاً بنهر النيل لتسهيل نقل الأحجار من المحاجر إلى موقع الهرم.

ارتبط اختيار مدخل الهرم بمكان النجوم التي تقع في الشمال حيث كان المصري القديم يعبد الإله رع إله السماء الذي يشرق و يغرب في السماء ؛و لهذا اعتبروا الهرم سلماً يدفن داخله الملك ليصعد عن طريقه إلى السماء فالشكل الهرمي يمثل رمزا من رموز الشمس.

أما طريقة تثبيت حجارة الأهرامات الضخمة فهي بدون استخدام الملاط مطلقا لكن باستخدام فكرة كاسات الهواء: يملئون الحفر الني فوق الحجر بنوع من النفط ثم يشعلونها و يضعون الحجر الآخر فوقها فتحدث خلخلة في الهواء تثبت الحجرين معاً.

لماذا الشكل الهرمي؟

من خصائص الشكل الهرمي أنه يعيد تلميع العملات المتأكسدة و يساعد علي التئام الجروح و الحروق في فترة قصيرة - و حتى الحالة النفسية يفيدها فالجلوس تحت حيز هرمي الشكل يبعث على الشعور بالراحة و تخفيف التوتر و القلق كما يسبب حالة من التأمل و الهدوء.

و يقال أن درجة الحرارة داخل غرفة دفن الملك بالهرم الأكبر علي مدار العام لا تتعدي 22 درجة وهى درجة حرارة وسط بين البرودة و الحرارة و سبب ذلك و جود ثقبين يخترقان الصخور.

قمة الهرم:

أظهرت الدراسات العلمية أن قوة الهرم تتركز في نقطة التقاء المثلثات الأربعة التي تمثل أوجه الهرم ، و من تجارب الذين استطاعوا الصعود إلى قمة الهرم و الوقوف عليها :تحدث أحدهم عن شعوره بشحنة كهربية جارفة ، و آخر تحدث عن إحساسه بمجال طاقة رهيب يدفعه للهبوط قبل أن يفقد إحساسه و غير ذلك من الأقاويل العجيبة.

براعة المصري في إخفاء الكنوز:

حرص الملك خوفو على إخفاء حجرة الدفن الخاصة به عن طريق أجزاء ضخمة من أحجار الجرانيت لإغلاقها ووضع نصوص تحذيرية أمام مدخل المقابر تتوعدهم بلعنة تصيبهم إن هتكوا حرمتها و قدسيتها.

تكريم و تشريف:

كان العمال القائمين بأعمال البناء و نقل الحجارة يعملون برضاهم و يأخذون أجرا على عملهم و ليس بتسخيرهم لأن السخرة يمكن أن تنتج مباني ضخمة و لكن ليس فيها إبداع أو إعجاز فني مثل الأهرامات، و تكريماً لهم فقد تم تخصيص مقابر لدفنهم بجوار الهرم مثل مقابر النبلاء و الموظفين و ذلك يعكس الذكاء و حسن الإدارة.


 

كيف تصل للميت كنوزه (وجهة نظر حديثة جداً):

إذا كان المصري القديم قد حرص كل الحرص على أن يدفن معه كنوزه و مجوهراته و أجهد عقله في التخطيط لهذا و تضليل اللصوص لكيلا يصلوا إليها؛ فإن التفكير في هذا الأمر من الناحية الإسلامية سهل و بسيط جدا: يتصدق بها ابتغاء وجه الله؛ فيصله الثواب موفورا مضاعفا، كاملاً غير منقوص، و ينعم في الجنة بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر، و شتان بين حلى الجنة من ذهب و لؤلؤ و فضة و حلى الدنيا، و ما عند الله خير و أبقى.


 

الخميس، 18 يونيو 2009

و ما بكم من نعمة فمن الله

المؤمنون حقاً يستشعرون نعمة الله عليهم من حولهم فى كل صغيرة و كبيرة و فى كل نعمة خاصة أو عامة ؛ قديمة أو حديثة ، فإن عامة الناس يغفلون النعم العامة التي تشملهم و تشمل غيرهم ؛ و يبتغون النعم الخاصة التي تخصهم هم ، و ينظرون إلى زيادة المال و البنين و الجاه و السلطان كأنها كل ما في الكون من نعم ، فيدفعهم ذلك إلى عدم الرضا بما قسمه الله فيخسرون أيما خسران، و تذكر نعم الله و أفضاله من علامات الفلاح – قال تعالى "فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون".

سورة النحل تتضمن ذكر الكثير من نعم الله و لذا سميت بسورة النعم حيث تستعرض السورة خلق السموات و الأرض و الإنسان و النبات و خلق الأنعام بما فيها من دفء و منافع و غذاء والزينة و حمل الأثقال ، و تتابع الليل و النهار فكيف يتحمل الإنسان ليلاً سرمدياً أبدياً بلا نهار يبصر به أو نهاراً سرمدياً بلا ليل يسكن فيه ، و ذكر تعالى نعمة البحر و ما نستخرج منه من أسماك و لآلئ و درر ، و الجبال الرواسي التي تثبت الأرض و تحميها و نجوم السماء التي يهتدي بها الناس في تحديد مواقعهم عندما يضلون الطريق في بحر أو بر.

فكل هذه الآيات لا ينكرها إلا جاحد مستكبر ذو نفس مريضة و فطرة غير سوية و لكن إذا مسه الضر يسرع و يلجأ إلى الله حيث لا ملجأ و لا منجى سواه فلما يذهب الله عنه الشدة يشرك بالله و ينسى رجائه و دعائه بين يدي الله فبئس العبد هو.

و يدعونا الله لتأمل عجائب صنعه و كيف أوحى إلى النحل أن يتخذ بيوتاً من الجبال و من الأشجار فيخرج منها العسل الذى فيه شفاء للناس ، كذلك خلق الأجنة فى الأرحام و إخراجها ضعيفة صغيرة لا تعلم شيئاً و إعطائها ما يكسبها المعرفة فجعل للإنسان السمع والأبصار و الأفئدة و التي لولاها لبقى عاجزاً معزولاً عمن حوله.

و سكن البيوت حيث الظل و الهدوء سواء البيوت المبنية أو المقامة في السفر و الترحال ، و الظل نعمة كبرى فلولا أن الله جعل مسار الشمس بحيث تتحرك لبقيت عمودية فتؤذى الناس بلهيبها و شدته ، و هداه لصنع الملابس التى تحميه من متغيرات الطقس و الدروع التي تحميه من بأس الحرب و ذلك من تمام فضله و نعمته.

و نعمة أخرى جليلة أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون فالشيطان يخنس (أى يختفي) بمجرد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، و ضرب الله لنا مثلاً لكفران النعمة قرية كانت آمنه مطمئنة بها خيرات فلما كفرت بالنعم أبدلها الله بالخوف و الجوع جزاءاً وفاقاً ، و مثلاً لمن أدى حق الشكر فكافأه الله بالهداية و الاصطفاء – سيدنا إبراهيم خليل الله – قال تعالى :"إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً و ما كان من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه و هداه إلى صراط مستقيم"

و نعم الله متتابعة لا تنتهي فكيف نعدها أو نحصيها؟ قال تعالى: "و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"

و قد افتتحت كثير من السور بحمد الله مثل سور فاطر "الحمد لله فاطر السموات و الأرض"و غافر"الحمد لله غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب ذي الطول" و أمرنا الله في آيات كثيرة بالحمد مثل سورة الكهف"و قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولى من الذل و كبره تكبيراً"

و من الأدعية المأثورة : اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك فلك الحمد و لك الشكر ، الحمد لله عدد ما في السموات و الأرض , الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ....

"سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين"


الاثنين، 8 يونيو 2009

خيوط العنكبوت

الانترنت الآن في كل بيت؛ و في وجوده المتعمق داخل البيوت نعمة و نقمة ، فهو نعمة من حيث الإطلاع على العالم الواسع و سهولة الحصول على المعلومات ، و على الجانب الآخر يعتبر نقمة من حيث استهلاك عدد كبير من الساعات يومياً و ضياع الوقت الطويل الذي قد يستثمر بشكل أفضل؛ و استبدال تواصل الناس الطبيعي بالتواصل الصناعي أي عن طريق الشات و غرف الدردشة و غيرها؛ و بالتالي يقل التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب انشغالهم به و خاصة الشباب، فبدلاً من حديث أخوى أو أبوي يجلس كل منهم أمام شاشة الكمبيوتر و هو صامت اللسان مشغول الفكر كأنهم غرباء، و أيضا لا نغفل خطورة الاستخدام السيئ لهذه التكنولوجيا الحديثة.


 

و تركيزاً على أحد تطبيقات الانترنت الشهيرة و هى الشات:

المحادثة عبر الشات مغامرة غير مأمونة العواقب طالما لم تعرف الطرف الآخر شخصياً؛ فقلما يعطى المتحدث بياناته صحيحة أو يكون جاداً في كلامه لأنه لن يحاسبه عليه أحد فهو مستخفٍ وراء عنوانه الإلكتروني الذي يمكن أن يتخلص منه بلا عناء.

ثم ما هي نوع الصداقة التي قد تنشأ بين الطرفين عن طريق لوحة المفاتيح و خيال شخص غير معلوم؟ فقط من كلامه تعرف صفاته، و ربما ينتحل ولد شخصية بنت و العكس؛ بكل استهتار و لامبالاة.. ليقتحم أحد المنتديات مثلاً و على سبيل التسلية و الفراغ الأجوف.

و العجب كل العجب عندما تري فى الفيس بوك مثلا لشخص ما 100 أو حتى 1000 صديق فما أعجب ذلك! و هل يتذكر أصلاً أسماءهم أم هي دعوة للشهرة؟

و قد تلجأ بعض البنات الجريئات إلى عرض ألبوم صورها مع أنها محجبة لتسمع عامدة بلا حياء عبارات الغزل و الإعجاب و تمنى الصداقات فأي أدب و أي حجاب هذا؟

عجيب فعلا عالم النت هذا و لماذا يضيع الشخص وقته و يشغل فكره بكل هذه الصداقات الوهمية التى بها الصالح و بها الطالح و إلى أي طريق تؤدي؟

و النصيحة هنا أن يتم فحص طلبات الصداقة التي تأتي من أشخاص مجهولين قبل قبولها؛ فإذا كان لهذا الشخص الذي يطلب الصداقة أحد الأصدقاء الذين تكون صورة التعريف الخاصة بهم "دون المستوى" فليرفض هذا الصديق فورا ... لأنه لا خير فى صداقته، فالصديق مرآة صديقه.

ليس هذا في كل الأحوال.. فقد تكون تلك الصداقات بداية معرفة حقيقية لأشخاص ممتازين و لم يسعد الحظ بالتعرف المباشر عليهم فيصبح الشات معهم فائدة كبرى لتبادل الفكر المستنير و التعاون المثمر، و قد يستخدم الشات أيضا فى تنسيق الأعمال التي لا تحتاج للحضور و الاجتماع الفعلي بالمجموعة فيسهل تبادل الآراء و الخبرات عبر الانترنت.


 

و لكن ما مصير هذه الصداقات؟ هل الخيوط التي تربط بين الناس في شبكة الانترنت العنكبوتية حقا واهية مثل خيوط بيت العنكبوت؟


 

سؤال يحتاج إلى ألف جواب.