الخميس، 18 يونيو 2009

و ما بكم من نعمة فمن الله

المؤمنون حقاً يستشعرون نعمة الله عليهم من حولهم فى كل صغيرة و كبيرة و فى كل نعمة خاصة أو عامة ؛ قديمة أو حديثة ، فإن عامة الناس يغفلون النعم العامة التي تشملهم و تشمل غيرهم ؛ و يبتغون النعم الخاصة التي تخصهم هم ، و ينظرون إلى زيادة المال و البنين و الجاه و السلطان كأنها كل ما في الكون من نعم ، فيدفعهم ذلك إلى عدم الرضا بما قسمه الله فيخسرون أيما خسران، و تذكر نعم الله و أفضاله من علامات الفلاح – قال تعالى "فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون".

سورة النحل تتضمن ذكر الكثير من نعم الله و لذا سميت بسورة النعم حيث تستعرض السورة خلق السموات و الأرض و الإنسان و النبات و خلق الأنعام بما فيها من دفء و منافع و غذاء والزينة و حمل الأثقال ، و تتابع الليل و النهار فكيف يتحمل الإنسان ليلاً سرمدياً أبدياً بلا نهار يبصر به أو نهاراً سرمدياً بلا ليل يسكن فيه ، و ذكر تعالى نعمة البحر و ما نستخرج منه من أسماك و لآلئ و درر ، و الجبال الرواسي التي تثبت الأرض و تحميها و نجوم السماء التي يهتدي بها الناس في تحديد مواقعهم عندما يضلون الطريق في بحر أو بر.

فكل هذه الآيات لا ينكرها إلا جاحد مستكبر ذو نفس مريضة و فطرة غير سوية و لكن إذا مسه الضر يسرع و يلجأ إلى الله حيث لا ملجأ و لا منجى سواه فلما يذهب الله عنه الشدة يشرك بالله و ينسى رجائه و دعائه بين يدي الله فبئس العبد هو.

و يدعونا الله لتأمل عجائب صنعه و كيف أوحى إلى النحل أن يتخذ بيوتاً من الجبال و من الأشجار فيخرج منها العسل الذى فيه شفاء للناس ، كذلك خلق الأجنة فى الأرحام و إخراجها ضعيفة صغيرة لا تعلم شيئاً و إعطائها ما يكسبها المعرفة فجعل للإنسان السمع والأبصار و الأفئدة و التي لولاها لبقى عاجزاً معزولاً عمن حوله.

و سكن البيوت حيث الظل و الهدوء سواء البيوت المبنية أو المقامة في السفر و الترحال ، و الظل نعمة كبرى فلولا أن الله جعل مسار الشمس بحيث تتحرك لبقيت عمودية فتؤذى الناس بلهيبها و شدته ، و هداه لصنع الملابس التى تحميه من متغيرات الطقس و الدروع التي تحميه من بأس الحرب و ذلك من تمام فضله و نعمته.

و نعمة أخرى جليلة أن الله لم يجعل للشيطان سلطاناً على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون فالشيطان يخنس (أى يختفي) بمجرد الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، و ضرب الله لنا مثلاً لكفران النعمة قرية كانت آمنه مطمئنة بها خيرات فلما كفرت بالنعم أبدلها الله بالخوف و الجوع جزاءاً وفاقاً ، و مثلاً لمن أدى حق الشكر فكافأه الله بالهداية و الاصطفاء – سيدنا إبراهيم خليل الله – قال تعالى :"إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً و ما كان من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه و هداه إلى صراط مستقيم"

و نعم الله متتابعة لا تنتهي فكيف نعدها أو نحصيها؟ قال تعالى: "و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"

و قد افتتحت كثير من السور بحمد الله مثل سور فاطر "الحمد لله فاطر السموات و الأرض"و غافر"الحمد لله غافر الذنب و قابل التوب شديد العقاب ذي الطول" و أمرنا الله في آيات كثيرة بالحمد مثل سورة الكهف"و قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولى من الذل و كبره تكبيراً"

و من الأدعية المأثورة : اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك فلك الحمد و لك الشكر ، الحمد لله عدد ما في السموات و الأرض , الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهك و عظيم سلطانك ....

"سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين"


الاثنين، 8 يونيو 2009

خيوط العنكبوت

الانترنت الآن في كل بيت؛ و في وجوده المتعمق داخل البيوت نعمة و نقمة ، فهو نعمة من حيث الإطلاع على العالم الواسع و سهولة الحصول على المعلومات ، و على الجانب الآخر يعتبر نقمة من حيث استهلاك عدد كبير من الساعات يومياً و ضياع الوقت الطويل الذي قد يستثمر بشكل أفضل؛ و استبدال تواصل الناس الطبيعي بالتواصل الصناعي أي عن طريق الشات و غرف الدردشة و غيرها؛ و بالتالي يقل التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب انشغالهم به و خاصة الشباب، فبدلاً من حديث أخوى أو أبوي يجلس كل منهم أمام شاشة الكمبيوتر و هو صامت اللسان مشغول الفكر كأنهم غرباء، و أيضا لا نغفل خطورة الاستخدام السيئ لهذه التكنولوجيا الحديثة.


 

و تركيزاً على أحد تطبيقات الانترنت الشهيرة و هى الشات:

المحادثة عبر الشات مغامرة غير مأمونة العواقب طالما لم تعرف الطرف الآخر شخصياً؛ فقلما يعطى المتحدث بياناته صحيحة أو يكون جاداً في كلامه لأنه لن يحاسبه عليه أحد فهو مستخفٍ وراء عنوانه الإلكتروني الذي يمكن أن يتخلص منه بلا عناء.

ثم ما هي نوع الصداقة التي قد تنشأ بين الطرفين عن طريق لوحة المفاتيح و خيال شخص غير معلوم؟ فقط من كلامه تعرف صفاته، و ربما ينتحل ولد شخصية بنت و العكس؛ بكل استهتار و لامبالاة.. ليقتحم أحد المنتديات مثلاً و على سبيل التسلية و الفراغ الأجوف.

و العجب كل العجب عندما تري فى الفيس بوك مثلا لشخص ما 100 أو حتى 1000 صديق فما أعجب ذلك! و هل يتذكر أصلاً أسماءهم أم هي دعوة للشهرة؟

و قد تلجأ بعض البنات الجريئات إلى عرض ألبوم صورها مع أنها محجبة لتسمع عامدة بلا حياء عبارات الغزل و الإعجاب و تمنى الصداقات فأي أدب و أي حجاب هذا؟

عجيب فعلا عالم النت هذا و لماذا يضيع الشخص وقته و يشغل فكره بكل هذه الصداقات الوهمية التى بها الصالح و بها الطالح و إلى أي طريق تؤدي؟

و النصيحة هنا أن يتم فحص طلبات الصداقة التي تأتي من أشخاص مجهولين قبل قبولها؛ فإذا كان لهذا الشخص الذي يطلب الصداقة أحد الأصدقاء الذين تكون صورة التعريف الخاصة بهم "دون المستوى" فليرفض هذا الصديق فورا ... لأنه لا خير فى صداقته، فالصديق مرآة صديقه.

ليس هذا في كل الأحوال.. فقد تكون تلك الصداقات بداية معرفة حقيقية لأشخاص ممتازين و لم يسعد الحظ بالتعرف المباشر عليهم فيصبح الشات معهم فائدة كبرى لتبادل الفكر المستنير و التعاون المثمر، و قد يستخدم الشات أيضا فى تنسيق الأعمال التي لا تحتاج للحضور و الاجتماع الفعلي بالمجموعة فيسهل تبادل الآراء و الخبرات عبر الانترنت.


 

و لكن ما مصير هذه الصداقات؟ هل الخيوط التي تربط بين الناس في شبكة الانترنت العنكبوتية حقا واهية مثل خيوط بيت العنكبوت؟


 

سؤال يحتاج إلى ألف جواب.


 

الأربعاء، 20 مايو 2009

نملتان في الفلفل


قصة فلسفية للكاتب زكى نجيب محمود و التي يتوارى فيها خلف الرموز و الإيحاءات ليعبر عن وجهة نظره في أحوال البشر و ما صاروا إليه الآن، فلنستعرض أولاً ملخص القصة :

جلس الشيخ يفكر في جيوش النمل التي تهجم علي السكر كل ليلة فلا تضل طريقها إلى مكانه مهما غيره الشيخ كل ليلة فوق - تحت – معلق في الهواء... يصل إليه النمل أيضاً، و فجأة تنبه الشيخ إلى السبب الحقيقي لمعرفة النمل مكان السكر – و هو واضح جدا- كيف لم ينتبه له؟ لقد كتب على صندوق السكر بطاقة تدل على محتواه و حيث أن النمل نظره ثاقب فإنه يرى هذه البطاقة في الظلام و يصل إلي السكر!

و هداه تفكيره إلى فكرة رائعة فقرر أن يتحايل على النمل و بدل بطاقتي السكر و الفلفل لينخدع النمل، و لما جاء النمل انصرف لما شم رائحة الفلفل ما عدا نملتين متعلمتين (المتعلمتان فقط هما اللتان خدعتا!) استطاعتا قراءة محتوى البطاقة و تسللتا إلى السكر المزعوم فوجدتا اختلافاً في اللون و الملمس و الطعم فبدلاً من بياض السكر و انعكاس الضوء عليه وجدتا عتمة سواد الفلفل ؛ و بدلاً من السير على سطح السكر الناعم وجدتا نفسيهما تدوران حول موضع قدميهما (لاحظ الشكل الكروي لحبة الفلفل) ؛ و كذلك الطعم فقد وجدتا بدلاً من حلاوة السكر لسعاً يحرق اللسان.

و عبثاً حاولت إحدى النملتين إقناع الأخرى بأنه سكر لأنها قرأت عنوان البطاقة بعينيها (كذًبت نفسها و صدقت الإنسان المخادع) , و لما خرجتا للتأكد من بطاقة العنوان احتارتا أتصدقان ما تريان و تحسان أم تصدقان كلام البطاقة التي كتبها الشيخ (الذي لا يخطئ!) ثم استقرتا على أن تصدقا المكتوب على البطاقة و استمرتا في الأكل حني الشبع.

و لما أصبح الصبح كانت كلتاهما تتلوي من الألم؛ فقالت إحداهما "لقد ذهبت عني غشاوة عيني و غفلة الليل و عاد إلي رشدي و صوابي مع ضوء النهار ..لقد خدعنا هؤلاء الناس..." و لكي تثبت لأختها أن الخداع طبع متأصل في البشر اتفقت معها على أن تقدم لها الدليل في المساء.

و في المساء خرجت النملتان إلى خزانة الكتب و فتحت الأولى كتاباً بعنوان "الفلسفة الإسلامية" فإذا به يحتوي على "فقه" و لكن مؤلفه جعل له هذا الاسم ليقرأه طلاب الفلسفة بينما مضمونه في الفقه ، ثم أرتها كتاباً آخر اسمه "خواطر الأدب" فإذا به خليط من معرفة لا يرقي إلى العلم في دقته و لا إلى الأدب في جماله ... و لكنه الخداع ، ثم خرجتا إلى الطريق لتريا مظاهر الجهل و الطغيان و التي أسماها الإنسان واهماً مخادعاّ نفسه "مدنية شرقية" ، و لما جادلت النملة الحمقاء أختها قائلة إنها سمعت أن المدنية إنما هي علم يعلمه الإنسان حيثما كان و لا يوجد منها شرقية أو غربية لامتها أختها قائلة "أتنصتين لما يقولون بعد كل هذا ..ألا يكفينا ليلة واحدة قضيناها في علبة الفلفل؟!"

في هذه القصة الرمزية تبدو فيها فلسفة زكي نجيب محمود من خلال حوار نملتين حيث جعل النمل رمزاً للمتعلم المثقف الذي يحكم على الأشياء بمنطق البرئ المصدق لكل ما حوله ، و لكنه في النهاية و بعد تجربة مريرة يكتشف عيوب الإنسان المخادع الذي يعطي الأشياء مسميات غير حقيقية ظناً منه أنه أذكي ممن حوله ؛ و معللاً ذلك بأغراض مختلفة واهية تجعله في النهاية راضياً عن نفسه؛ مثل الشيخ الذي بدل عنواني علبتي السكر و الفلفل ليخدع النمل ؛ والمؤلفين الذين يضعون عناوين على الكتب بخلاف مضمونها ليقرأها طالبو العلم حتى لو لم تلائم احتياجاتهم و أذواقهم ، و الناس الذين يغرقون في الجهل و لا يأخذون من المدنية سوى القشور الخارجية ثم يسمونها "مدنية شرقية" ... و في هذا كله نقد للمجتمع بأسلوب قصصي جذاب و أسلوب يجمع بين الطرافة و الموعظة.


 

الأربعاء، 13 مايو 2009

الفؤاد الفارغ

هل تدرون ما هو الفؤاد الفارغ؟ ما هو هذا الإحساس؟ إنه إحساس لا يمكن أن تشعر به سوى أم ابتليت بفقد ابنها و قرة عينها بعد ما ضمه القلب و احتواه الفؤاد ، فالطفل الوليد هو الشغل الشاغل لأمه في جميع سكناته و حركاته :إطعامه ، رعايته، حمايته ، ترقب احتياجاته لينعم بالراحة و الهدوء، و يكفيها ابتسامة أو مداعبة من طفلها لتنسى كل آلامها و ترتاح نفسها ، يكفيها أن تتأمل قسمات وجهه الرقيقة و أن تمسك بكفه الصغير و تقبل قدمه الناعمة و تضمه في حضنها الدافئ فيكون قريبا من قلبها و يستمع لإيقاع دقات قلبها الرخيمة ليسعد بأحلى الأحلام.

فإذا جاء من ينزعه منها وسط كل هذه المشاعر فإنها حينئذ تكون فارغة الفؤاد.

و عندما يصبح الفؤاد فارغاً تتحول الأم إلى عين تخترق كل الأسوار و تكشف كل الحجب بحثاً عن وليدها تتحرك بفطرتها لا بعقلها الذي يتوقف من هول الصدمة ، ذهول شامل فلا تشعر بأي شيء حولها و لا تفكر إلا في هذا المفقود ، و تكون في أسوأ حال إلا أن يثبتها الله على الصبر و الإيمان.

و تثبيت الله للأم يتجلى واضحاً في قصة أم موسى عليه السلام و إيحاء الله لها بحيلة لينجو بها ابنها من القتل المحقق على يد جنود فرعون.

تعرض القرآن الكريم لقصه سيدنا موسى منذ ولادته، كان فرعون مصر يقتل صبيان بنى إسرائيل في عام و يتركهم في العام الذي يليه وولد سيدنا هارون في العام الذي لا يقتل فيه الصبيان بينما ولد سيدنا موسى في العام الذي يقتل فيه الصبيان فخافت أمه عليه وفكرت أن تخفيه بعيدا عن جنود فرعون فماذا تفعل و هي مستضعفة لا تملك من أمرها شيئاً؟ فأوحى الله إلى أم موسى أن تهيئ تابوتاً فإذا جاء جنود فرعون ترضع رضيعها ثم تضعه في التابوت ثم تقذفه في النهر وتتركه يسير فيوجهه الله حيث يشاء بحكمته و علمه ، و لأن الله عليم بقلب الأم فقد أمرها ألا تخاف و لا تحزن و ثبتها بعد أن كادت تظهر جزعها و لهفتها على ابنها.

فقد أمر الله ، و في طاعة أمر الله النجاة الأكيدة حتى لو تعارض مع المفاهيم البشرية المحدودة ، وحيث أن الله وعد فإن وعده متحقق و لا شك.

و يقترب الخطر شيئا فشيئا حتى إذا أوشك الجنود أن يصلوا إليها نفذت أمر الله و ألقت بولدها الصغير الذي لا حول له و لا قوة في صندوق في نهر... و نفذت ما أمرها الله به.

يا الله.. رضيع يوضع في صندوق ويترك ليسير في عرض النهر وحيدا معرضاً لكل أنواع الهلاك من تيارات وأمواج ورياح وغرق وجوع و عطش و في أحسن الأحوال سيقع في أيدي الصيادين و يتعرض لخطر القتل مرة أخرى.

ولكن إرادة الله فوق كل ذلك وتدبيره و حفظه له يضمن له السلامة من كل هذا ؛ بل وعودته سالماً لأمه المكلومة و تربيته منعماً في قصر فرعون محاطاً بالعطف و الرعاية ، و صدق الله العظيم :"و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون" فياله من فضل و يالها من نعمة أن يحيط الله المؤمنين برعايته و أن يمكر لهم لا عليهم.

كيف هيأ الله الأسباب ؟ ألقى الله علي موسى محبه من عنده جعلت زوجة فرعون تناشد زوجها أن يستبقيه و لا يقتله " وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً" ثم حرم عليه المراضع لترشدهم أخته إلى امرأة تكفله و تقوم بإرضاعه و هى أمه فيعود إليها سالماً ، و الحمد لله رب العالمين.

و تتحقق بشارة الله لأم موسي فيعود إليها ولدها و يكون من المرسلين.

أبعد كل هذا يمكن للإنسان أن ييأس و معه الله ؟ هل يمكن أن ينظر إلى الدنيا بنظرته القاصرة فيحمل هم كل شيء ؟ مع أن الله هو المدبر للأمور كلها , و كل شيء على الله يسير، إنما أمره إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.

"و من يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيئٍ قدراً"



السبت، 9 مايو 2009

عندما تعجز النفس

العجز..ليس فقط العجز البدني عن القيام بمهام الحياة الضرورية

و لكن هناك أيضاً العجز النفسي...

من أصعب أنواع العجز النفسي أن تعجز عن تغيير الواقع من حولك بحروبه و صراعاته خاصة عندما ترى جرحى الحروب من الأطفال الأبرياء فلا تستطيع إبعاد الألم عنهم أو منع شبح الخوف و الرعب من السيطرة عليهم..

و بعضها له علاج :

مثل العجز عن تقويم النفس وإصلاحها و إلزامها بالطريق المستقيم؛ فعلاج ذلك الاستزادة من الإيمان و ملازمة الأصدقاء الأخيار و تذكر الآخرة و ما بها من أهوال.

و عند العجز عن التحكم في مشاعر الغضب وعدم كبت الانفعالات التي تنطلق فتصيب عباد الله في الصميم ، فعلاج ذلك أن نتذكر قول الرسول الكريم "ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" ، و الغضب جنون ،وكما أن الغضب من الشيطان ؛ والشيطان من النار فالوضوء يطفئ الغضب.


و كذلك العجز عن هداية شخص عزيز تراه ينجرف في تيار بعيد بعد ما نصحته مراراً و تكراراً فلم يستجب ففي هذه الحالة لا تحزن و لا تبتئس فليس هذا فى مقدورك، قال تعالى "إنك لن تهدي من أحببت و لكن الله يهدى من يشاء".


و عند العجز عن نسيان ذكرى أليمة لا تلبث أن تنضم إلى أخواتها من الذكريات عند تداعى الأحزان، فاعلم أنما أصابك من أحداث أليمة حدث بعلم الله ؛ و الله أرحم بك لأنه خلقك و إنما لكل شيء حكمة علمها عند الله ، قال تعالى:"و من يؤمن بالله يهد قلبه" ، كما أن كل شيء مكتوب في كتاب قبل حدوثه "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها *إن ذلك على الله يسير".


أما إذا عجزت عن التعبير عن مشاعرك لأشخاص تحبهم لأنهم غادروا الحياة ؛ فيمكن الدعاء لهم و تقديم الصدقات بنية أن يصلهم ثوابها و البر بأهلهم و أصدقائهم.

و في جميع الحالات..عندما تشعر أنك مكتوف اليدين لا حول لك و لا قوة؛ فأنت لا تملك حينئذٍ سوى الدعاء و التضرع إلى الله ، و اسأله باسمه "البر الرحيم" كما قال تعالى:" وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون * قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين * فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم * إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم".

فالله هو وحده القادر على كشف الضر و التحويل.


السبت، 2 مايو 2009

الشعر و الفلسفة

سيد قطب مشهور كداعية و كاتب إسلامي قدير قدم لنا تفسيره للقرآن الكريم "في ظلال القرآن" و عدة كتب إسلامية ، و لكنه في مرحلة سابقة من حياته كان أديباً ناقداً يكتب المقالة النقدية و الشعر و القصة و له إنتاج كبير من الشعر و كذلك آراء هامة في مفهوم الشعر و الشعراء ، سوف نتعرض لها هنا:

الشعر
هو فرع في شجرة الفنون الجميلة هدفه نقل العاطفة لترتقي بالنفس الإنسانية إلى ما هو أسمى من المعهود و المألوف فهو مثل الرسام يخلع على الصورة ظلاً من نفسه و خياله و تظهر فيه صورة شخصيته بوضوح.

الشاعر
شخصية ممتازة حساسة شديدة الحساسية عميقة الشعور و هو إنسان متفوق على غيره من البشر تجتمع له خصائص ترفع قدره فوق قدر غيره من الناس.

و الشاعر الحقيقى من يدرك من خفي العلاقات ما لا يدركه العامة و يتفرد بالشعور بالكون و الحياة و هذا هو التميز.

و يفرق بين شعر الشخصية و شعر الصنعة بأن الأول ينقل الطبيعة كما تحسها الشخصية أما شعر الصنعة فيكتفي بتسجيل الحوادث أو العناية بالأوصاف و المشاهد بدون أن يحمل سمات شخصية الشاعر مثل التصوير الفوتوغرافي و بالتالي يكون شعر الشخصية أفضل من شعر الصنعة.

كيف يتولد الشعر؟ يبدأ بالتأثر بما يقع في النفس ليحدث الانفعال الذي يتحدد بمدى حساسية الشاعر ثم يتبلور الانفعال إلى كلمات ذات إيقاع خاص ، و لحظات الإلهام هي لحظات ممتازة على جوانب راقية من الكون و النفس الإنسانية لأن للحياة نبعاً و الأديب الممتاز هو رسول متصل بهذا النبع.

الشاعر و الفيلسوف
الفيلسوف يعتزل الحياة و يسجل حركاتها من بعد بينما الشاعر يعيش الحياة متفاعلاً معها ليتحدث عن إحساسها و شعورها و الذي يشعر أفضل من الذي يشاهد ، فالعاطفة أكثر صدقاً في التعبير عن الحياة من العقل، و العاطفة ألصق بالشعر كما أن العقل روح الفلسفة و أداتها ، و مع ذلك فالفلسفة و الشعر ضروريان لا يغني أحدهما عن الآخر و لكن الشعر أفضل لأنه ينفذ إلى بواطن الأشياء و يعبر عنها تعبيراً موحياَ غير مباشر.

الاثنين، 27 أبريل 2009

أنواع النجاح

هل النجاح نسبي أم مطلق؟

يتعرف الطفل إلى النجاح عند دخوله المدرسة لأول مرة و يتمنى له الوالدان النجاح ثم يغدقان عليه بالهدايا كل عام يوم نجاحه، فالنجاح هنا محدد و هو الحصول على درجات النجاح في الامتحان.

و يتعرف الطفل لأول مرة على الإبداع من خلال أنشطته التي يمارسها إذا كانت له هوايات أخرى و ينشأ تعريف آخر للنجاح في المسابقات و هي الحصول على الكأس أو ميدالية أو حتى شهادة تقدير.

و بعبور الطالب عقبة الثانوية العامة تختلف السبل التي تعود عليها للحصول على النجاح ، فليس الأمر بهذه السهولة السابقة مذاكرة و حفظ و تدريب ثم تفريغ كل هذا في الامتحان ، فالجامعة كل شيء فيها أصعب: حضور المحاضرات و الحصول على المنهج من الكتب أو تصوير المراجع و عالم جديد من الاختلاط و التخبط...

و بعد العام الجامعي الأول يتعود الطالب و يتعرف المجتهد على مفاتيح النجاح لتتوالى السنون و يحصل على شهادته و تتم الفرحة الكبرى لأهله و هذا هو نهاية النجاح المطلق.

ليبدأ بعد ذلك النجاح النسبي و الذي يعتمد كثيراً على الحظ، الواسطة، الذكاء الاجتماعي...

و للنجاح أنواع: النجاح في العمل – النجاح في الزواج– نجاح علاقته بالآخرين – و الأهم: نجاحه في اختبار الحياة

ربما يكون آخر إحساس للطالب بالنجاح هو يوم التخرج من الجامعة ، و بالرغم من القلق الشديد على النتيجة و الذي يفسد أياماً توصف - صدقاً - بأنها أجمل أيام العمر فقد يوفقه الله و يحصل على تقديرات و مراتب الشرف و كل ما يتمنى...

النجاح في العمل:

ثم يلتحق بوظائف مرموقة و ينتظر أن يتجدد هذا الإحساس بالنجاح مع الإخلاص في العمل و لكن...

قد ينشأ إحساس جديد بديل و هو الظلم الذي يحتار في سببه .. ربما هي سياسة العمل التي تهدف إلى قمع الأمل في نفوس الموظفين حتى لا يشعروا بأهميتهم في العمل؛ وتعيين رؤساء عليهم ليس لهم هدف سوى تصيد الأخطاء أو قل: اختلاق المشاكل مع جهلهم الشديد بتقنيات العمل و تفاصيله التنفيذية فهم لا يعلمون مرؤوسيهم شيئاً فقط يأمرون و ينهون.

و كل هذا حتى لا يكون هناك مراكز قوى في شركة القطاع الخاص - و ما أدراك ما القطاع الخاص- إنها الطريقة المثلى لامتصاص جهود و صحة و أعصاب الموظفين و إقناعهم بعد ذلك أنهم كلهم متساوون حتى لو كانت أعمارهم متفاوتة أو كفاءاتهم مختلفة و كل هذا ليريح المدير رأسه فليس من ثواب و لا عقاب حتى لا يقال "لماذا ؟".

مع كل عام تزيد الخبرة و يزيد الأسى ثم ينعدم الأمل في الترقي إلى مناصب أعلى لان المناصب محجوزة مسبقاً :الملك و الوزير فقط لا غير و باقي الرعية من الموظفين لا صلاحية لهم في إبداء الرأي أو المشاركة فيه ، فقط ينفذون الأوامر حسب ما يتراءى للمدير – منتهى الاستبداد...

و بالطبع لن يتوفر الوقت في دوامة العمل لاستكمال الدراسات العليا و استئناف مسيرة النجاح المطلق.

النجاح في الزواج:

الزواج رحلة طويلة في بحر الحياة زادها الصبر و التحمل و التجمل.. ، و شراعها التضحية في سبيل إسعاد أفراد الأسرة فيتوجه كل منهم إلى وجهته الصحيحة و يسعد بالنجاح؛ لتسعد به الأم – البطل الخفي – التي مهدت لهم السبل و يسرت لهم الأسباب فيكون نجاح الزوج و الأبناء بمثابة نجاح شخصي لها.

النجاح في التعامل مع الآخرين:

هذا النجاح ليس له وجود واضح لأن الآخرين : إما دونك في المنزلة فهم ينافقونك فيظهرون الاحترام و الحب أمامك ثم يذمونك في غيابك ، و إما في نفس منزلتك فأنت منافس لهم و موضع حسدهم ـ إلا من رحم الله - فلتحاذر منهم و لا تتوقع منهم الخير، و إما أعلى منك في المنزلة فهم يتكبرون عليك و لا يزالون يلومونك و ينتقدون كل ما تفعل ... إذن فلا سبيل للإحساس بالنجاح في التعاملات مع الآخرين.

نجاح الحياة:

إذا أحسنت العمل و أخلصت النية لله فى كل أمورك و علمت أن الله رقيب لا ينام و اتقيت فكنت ممن قال فيهم الشاعر:

يتقى الله في الأمور كلها ***** و قد أفلح من كان همه الاتقاء

فقد أفلحت حتى و لم تر النجاح جلياَ واضحاً بعينيك لأنك حينئذٍ نجحت في امتحان الحياة ، قال تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" ، و أبشر فعند الله حسن الجزاء.