الاثنين، 23 يوليو 2012

عظات و عبر من سورة القصص

·         آيات الله تعالى و عبره و أيامه فى الأمم السابقة ، إنما يستفيد بها و يستنير المؤمنون، فعلى حسب إيمان العبد تكون عبرته و منفعته، و أن الله تعالى إنما يسوق القصص لأجلهم.
"طسم * تلك آيات الكتاب المبين * نتلو عليك من نبأ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون"
·         أن الله إذا أراد أمرا هيأ له الأسباب ، و أتى بها شيئا فشيئا بالتدريج ، و ليس دفعة واحدة، فقد أراد الله أن يمن على الذين استضعفوا فى الأرض من بنى اسرائيل و يجعلهم أئمة و يجعلهم الوارثين، و يتحقق لفرعون ما كان يخشاه و يحذر منه من بنى اسرائيل و هو فقدان ملكه على يد غلام منهم ، و الذى بسببه قتل أبناء بنى اسرائيل عاما بعد عام.   و هيأ لهذا الأسباب من إنقاذ موسى مرتين ؛ الأولى من القتل على يد جنود فرعون وليدا، و نجاته من الغرق بعد أن ألقته أمه فى البحر، و الثانى عندما هرب من بنى اسرائيل بعد أن قتل خطئا واحدا منهم ، ثم ذهابه إلى أهل مدين و مقابلة النبى شعيب و تزوجه من ابنته ثم تلقيه أمر الله و رسالته و رؤيته له سبحانه.
       و انتصار موسى على السحرة ليؤمن به السحرة ،و يعذبهم فرعون حتى الموت ، ثم استكبار فرعون أمام تلك المعجزات البينات ،و إغوائه لقومه و جنوده حتى ماتوا غرقا و نجا بدن فرعون ليكون عظة و دليل شاهد على معجزة الله.
·         الأمة المستضعفة مهما بلغ ضعفها لا ينبغى لها أن تستسلم للكسل عن طلب حقها أو اليأس من النصر خاصة إذا كانت مظلومة ؛كما انقذ الله بنى اسرائيل الأمة الضعيفة من أسر فرعون و مكنهم فى الأرض و أورثهم ديارهم.
·         ما دامت الأمة ذليلة مقهورة لا تنهض لأخذ حقها و لا تتكلم فيه لا يقوم لها من أمر دينها و لا دنياها.
·         لطف الله بأم موسى و تهوينه عليها المصيبة بالبشارة بأن الله سيرد إليها ابنها و يجعله من المرسلين.
·         أن الله يكتب على عبده بعض المشاق ليعطيه سرورا أعظم من ذلك أو يدفع عنه شرا أكثر منه كما قدر على أم موسى الحزن الشديد و الهلع البالغ ،و كان ذلك وسيلة ليصل إليها ابنها بشكل تطمئن به نفسها و تقر بها عينه.
·         الخوف الطبيعى من الخلق لا ينافى الإيمان كما جرى لأم موسى و لموسى.
·         الإيمان يزيد و ينقص ..و إن من أعظم ما يزيد به الإيمان و يتم به اليقين الصبر عند المصائب ،و التثبيت من الله "لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين".
·         من أعظم نعم الله على العبد تثبيته إياه و ربط قلبه عند المخاوف و عند الأمور المذهلة ،فإنه بذلك يتمكن من القول الصواب و الفعل الصحيح بخلاف من استمر قلقه و روعه و انزعاجه فإنه يضيع فكره و يذهل عقله فيعجز عن التصرف.
·         أن العبد و لو عرف القضاء و القدر ووعد الله النافذ الذى لابد منه ؛فلا يهمل الأسباب و لا يكون ذلك منافيا للإيمان بخبر الله و بشارته ،فإن الله وعد أم موسى أن يرده عليها ؛و مع ذلك اجتهدت لترده فأرسلت أخته تحمل أخباره و تحتال لتسترجعه.
·         جواز خروج المرأة فى حوائجها و تكليمها الرجال كما جرى لأخت موسى و ابنتى شعيب.
·         أن الله من رحمته بالعبد الضعيف الذى يريد إكرامه أن يريه من آياته ما يزيد إيمانه كما رد الله موسى لأمه لتعلم أن وعد الله حق.
·         من يقتل النفوس بغير حق و يزعم أنه يريد الإصلاح فى الأرض و تخويف أهل المعاصى إنما هو كاذب و مفسد ، كما جاء على لسان القبطى : "إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض و ما تريد أن تكون من المحسنين".
·         الرحمة بالخلق و الإحسان على من يعرف و من لا يعرف من أخلاق الأنبياء ،و من الإحسان سقى الماء و إعانة العاجز.
·         استحباب الدعاء بتبيين الحال و شرحها ،و لو كان الله عالما بها لأنه تعالى يحب تضرع العبد و إظهار ذله و مسكنته "رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير".
·         الحياء من الأخلاق المحمودة ،و المكافأة على الإحسان لم يزل من دأب الأمم السابقين.
·         العبد إذا فعل العمل لله ثم حصل له مكافأة من غير قصد فإنه لا يلام على ذلك ، كما قبل موسى مجازاة صاحب مدين عن معروفه الذى لم يطلب له مقابلا.
·         تجوز خطبة الرجل لابنته الرجل الذى يختاره ،و لا لوم عليه.
·         تجوز الإجارة بالمنفعة لعدة سنوات و تجوز كنوع من المهر.
·         خير الأجراء هو القوى الأمين.
·         من مكارم الأخلاق الإحسان للأجير و عدم تحميله مالا يطيق "و ما أريد أن أشق عليك".
·         من أكبر العقوبات أن يكون الإنسان إماما فى الشر و ذلك بحسب معارضته لآيات الله البينات كما فعل فرعون ،كما أن من أعظم نعم الله على عبده أن يجعله إماما فى الخير هاديا مهديا.
·         عند تزاحم المفسدتين و وجوب اختيار أحدهما فعليه اختيار الأسلم ،كما حدث لموسى حين وقف امام أمرين إما البقاء فى مصر و تعرضه للقتل "قال يا موسى إن القوم يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إنى لك من الناصحين" ،و الذهاب إلى البلدان البعيدة التى لا يعرف طريقها و ليس معه دليل سوى ربه. لكن الاختيار الثانى هو الأسلم ففعله موسى و توكل على الله راجيا هدايته
    "فلما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهدينى سواء السبيل".

الثلاثاء، 17 يوليو 2012

ماذا لو


خدعوك فقالوا أن القلق مكتوب عليك، فلا الثقافة و لا المعرفة و لا الإدراك و لا السلوك يحتم على الإنسان أن يمضى فى عالم القلق الذى يدمر صحته و ثقته بنفسه و إنتاجيته.
تعريف القلق:
هو سلسلة من الافكار و الهواجس و التخيلات السلبية التى تقتحم العقل الواعى بطريقة لا سلطان له عليها.
و مرض القلق هم الذين يزيد لديهم القلق بنسبة 50% أو أكثر يوميا و يشعرون بأنهم يعيشون مشكلة مستمرة لا نهاية لها.
و تكشف الدراسات أن النساء يقعن فريسة للقلق أكثر من الرجال بنسبة 2:3 ، و هذا لا يعنى أن الرجال لا يقلقون؛ فيظهر تقرير المعهد القومى للصحة النفسية أن 13 مليونا من سكان الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من الفوبيا أو عقدة الخوف الى جانب الاضطرابات الناشئة عن القلق مثل نوبات الذعر و الاضطرابات الصحية.

سيناريوهات القلق:
غالبا ما يحتوى سيناريو القلق العبارات الآتية:
"ماذا لو"
"لا استطيع"
"تلك غلطتى أنا"
"كم أنا فاشل"
"ماذا سيظن الناس بى لو"
"لابد لى أن"
و ذلك نتيجة لسيطرة أحد ثلاث نقائص قد يشعر بها الإنسان و هى نقص احترام الذات و الشعور بقيمتها، نقص الثقة بالنفس، نقص فى القدرة على اتخاذ القرار و حل المشكلات و الاستياء من كل شيء.

الوسائل الخمس المقترحة للتغلب على القلق:
·         فتش عن السبب الحقيقى وراء القلق
·         اعرف الحلول و البدائل المتاحة أمامك
·         ضع تصورا محددا لأهدافك
·         حاول المجازفة و لا تخشاها
·         دع المشاكل تمر
إذا تعلمت كيف تستخدم هذه الأدوات الاستخدام الأمثل فسوف تكتسب المهارة و تفلت من الوقوع فى فخ القلق.
و لكن هل كل القلق سيئ بالطبع لا...

لؤلؤة القلق:
انهم يطلقون على القلق النافع مسمى "لؤلؤة القلق" لأن مراحل تكوينه تنطبق مع مراحل تكوين اللؤلؤ داخل المحارة. حين تتسلل حبة من الرمال داخل المحارة المنيعة سرعان ما تفرز سائلا واقيا لها يحميها من التهيج و يتكون طبقة فوق طبقة حتى تنتج فى النهاية لؤلؤة نفيسة غاية فى الروعة و الإبداع...و المحفز الأساسى وراء تكوينها هى تلك الحصاة غير المرغوبة!
و هكذا حين يقودك القلق إلى القيام بتغيير سلوكك للبحث عن حل للمشاكل و يستنهض الهمة لاتخاذ خطوات نحو الطريق السليم ؛فسوف تكون النتائج إيجابية عظيمة النفع ،أما الدخول فى دوامة القلق فهو الدمار لأنها تدور بالشخص و تخيب توقعاته فيزداد الغضب و الاكتئاب.

القلق و الصحة:
و لننظر إلى أقوال من يعانون من القلق لنرى مدى معاناتهم:
-          إنه يجعلنى أوجه لنفسى نقدا قاسيا بلا رحمة
-          إن القلق يجعلنى إنسانا فوضويا
-          القلق يشل تفكيرى و مشاعرى
-          القلق يصيبنى بالصداع الدائم
إذن فالمعادلة هى قلق زائد = تدهور فى الصحة
إن الفرع الجديد من فروع العلم الذى يطلق عليه "علم مناعة النفس" أوجد دليلا على أن العواطف و أسلوب التفكير و نقص القدرة على التكيف  قد تضر الجهاز المناعى أكبر الضرر.فعندما ينتابك القلق تفكر بشكل سلبى يقضى على أى قدرة لجسمك على محاربة الأمراض.
و الضغط العصبى أو الإرهاق الجسمانى يتسبب فى إفراز هرمون لو زاد أو قل عن المعدل الطبيعى فإن جهاز المناعة يضعف جدا ، فالمشاعر تلعب دورا مزدوجا : فهى التى تستثير إفراز الهرمونات ثم تتأثر بها.

أسلوب "ماذا لو..ماذا يهم" للتغلب على القلق
نفترض ذلك الحديث النفسى القلق بخصوص مظهر الشخص:
ماذا لو كان شكل أنفى كبيرا...سوف يحملق الناس فى.. و ماذا يهم؟
سوف أشعر بالإحراج و الضيق... ماذا يهم؟
سوف أتخلص من هذا الشعور فلا عيب أن أشعر بقليل من الضيق و سأتغلب على الحرج بعلاقاتى الطيبة مع الناس و اندماجى معهم.
و يمكن كتابة بعض الإثباتات لإقناع النفس مثل:
أنفى شكله مقبول و لا عيب فيه – لى ابتسامة جذابة – أنا أحب الناس....
و بتلك الطريقة الذاتية فى مواجهة المشكلة و تبسيطها إلى أقصى درجة، و تقبل الامور المسببة للقلق بجميع احتمالاتها تتكشف أمامنا الحلول السهلة المتاحة و يزول القلق قبل أن يزيد و يتفاقم.
و طريقة "ماذا لو..ماذا يهم" توضح الدوافع الخفية وراء القلق و يجعلها تمر بسلام دون أن تتحول إلى ذكريات ثابتة فى أعماق النفس.
فالعقل الباطن لكى يهون وقع القلق و الخوف ،و يريح من ألم المواجهة مع الحقائق يتبع أسلوبا يسميه علماء النفس بظاهرة الإنكار ،وطريقة "ماذا يهم" هى للمصارحة بالأسباب الحقيقية و مقاومة الإنكار.

استخدم العقل الباطن و تمتع بالصحة:
قدم الدكتور "ديباك كويرا" فى كتابه "مراحل الشفاء" الدليل القوى على صحة ما يقوم به لاعبو اليوجا فى الهند ، و هى أن للجسم عقله الخاص..
حيث تقوم كل خلية فى الجسم بأداء وظيفتها لتحقيق الهدف المنشود ، فإذا مرض أحد أعضاء الجسم علمت باقى الأعضاء و سارعت لنجدته على الفور ؛و بناء على ذلك فإنك عندما تسمح لجسمك بقدر من الراحة و الاسترخاء و توحى لنفسك بأنك بخير و بصحة جيدة ، ثم تغير أسلوب تفكيرك سرعان ما تسرى هذه الرسالة  فى كافة أنحاء جسمك فتسارع باقى الأعضاء بالاستجابة.
مثال : إذا كنت تعانى من الصداع فاكتب:
"أنا لا أشعر بأى أثر للصداع"...ثم رتب الأفكار الآتية:
-          تصور نفسك و أنت تعانى من الصداع و قد احمر وجهك و ظهرت الهالات السوداء حول عينيك.
-          تخيل نفسك  ترسم علامة × فوق تلك الصورة البشعة.
-          تصور وجهك الآن و قد استرد عافيته و نضارته و اللون الوردى الناطق بالقوة.
-          اجلس و استرخ و عش تلك التصورات حتى تثبت لنفسك أن الصداع فارقك نهائيا.
و هذا التمرين ينصح به بعد أن تكون اتخذت العلاج الدوائى المناسب لأن التمرين مكمل للعلاج من خلال تحسين الحالة النفسية و استعادة الهدوء و طرد القلق الذى قد يؤخر الشفاء.
كما أن إدراج رياضة المشي ضمن جدول الأعمال اليومى ،فرياضة المشي تحفز الجسم على افراز هرمونات تقضى على القلق.

المرجع: كتاب كيف تتخلصين من القلق ،تأليف جين و روبرت هاندلى و آخرون ترجمة سهير محفوظ

الأربعاء، 11 يوليو 2012

الموقف العكسى


أكبر عزاء فى موقف عجز و ضعف أن نتأكد أن موقفا عكسيا - يتم فيه تبادل الأدوار و تغيير الاطوار - سوف يأتى و لا ريب..فلا تذهب أنفسنا حسرات و تسود الحياة أمامنا لأن الواقع على غير ما نريد ، بل نأمل أن يحدث التبدل و يأتى التعويض من الله عن قريب.
و لنتخيل ..ألا نستطيع أن نتخيل؟ فنعيش لحظات فى عالم وهمى.. من صنع عقولنا حقا  لكنه قد يكون حدثا واقعا بعد سنوات من الصبر، نتخيل أننا منتصرين محققين لما نرجو، نتخيل أعمالنا ناجحة و مكانتنا عالية ، و أن الألم أصبح من ذكريات الأيام الخالية، فتكون لتلك الحالة الشعورية أثر السحر فى رفع معنوياتنا و منحنا المزيد من الصبر و اليقين.

عندما ألقاه إخوته فى داخل البئر،  و  من بين ظلماته السحيقة أوحى إليه الله مشهدا من المستقبل ؛مشهد النصر، موقف معاكس تماما لحاله الراهن، أوحى إليه أنه سوف ينبئهم – بكل عزة و قوة – بما فعلوه به سالفا و هم غافلون عن صنيعهم جاهلون لشخصيته، و كان ذلك الإيحاء عونا فى وحدته و سندا على مصيبته ،و قد تحقق بإذن الله و فضله..
" فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" يوسف (15)

فقد كتب الله على نفسه الرحمة، لا يرضى بالظلم و إن بدا طول الأمد و الإمهال للظالم، لكنه حكمة بالغة ، فقضاء الله محكم عادل ، و إن استعجل الناس قضاء الله فذلك من طبيعة خلقهم التى أمرهم الله ألا ينساقوا وراء العجلة "خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتى فلا تستعجلون"
و قد جعل الله المستقبل ماضيا فى بلاغة قرآنية رائعة "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"
فأمر الله نافذ بمجرد إرادته و قوله كن فيكون ،و هو المستقبل الذى لم يأت بعد ؛لكنه كالماضى فى صدق تحققه و تأكيد حدوثه ،فهل يجادل أحد أو يتشكك فى شيء حدث بالفعل؟ بالطبع لا ؛كذلك يجب أن يثق الإنسان فى تحقق وعد الله و لا يتعجل و إن طال الأمد.

ووعد الله محقق ،و قد وعد المؤمنين بالخلافة فى الأرض و تعظيم شأن الدين فى الأرض ،و تمكينهم من عبادته بدون خوف و لا بطش و قد تحقق..
"وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" النور (55)

لكن هناك اختبار من الله عندما يتحقق الموقف المعاكس و يتنصر الإنسان من بعد ظلمه ، فإذا شكر ربه و حفظ نعمته إذ علت مكانته و زال غمه و كربه يكون قد نجح فى ابتلاء الخير،أما إذا كرر الظلم فى آخرين لتكتمل سلسلة الظلم من شخص لآخر ،فيكون العقاب مصيره و نهايته.
لما اشتكى بنو اسرائيل من بطش فرعون الشديد لموسى عليه السلام قال لهم قد يأتى يوم تنعكس الأوضاع، تصبحون أنتم الخلفاء و أصحاب القوة فينظر إلى أعمالكم وقتها و هل ستظلمون و تغركم السلطة أم ترحمون الناس من بعد أن تذوقتم طعم الظلم و مرارته و ارتديتم ثياب الذل عقودا كثيرة و تعلمون ما تسببه فى النفوس من موت و عذاب.
"قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ" الأعراف (129)

الأحد، 8 يوليو 2012

إن غدا لناظره قريب


فى نهاية خطابه قال بلهجة مَنْ صبر طويلا ثم نال أخيرا: إن غدا لناظره قريب ، و ختم الحديث بقول الله تعالى "إنهم يرونه بعيدا و نراه قريبا"....
لاشك أن جنبات السجن علمته التأمل و الصبر ، و ليالى الحبس الطويلة الانفرادية زرعت بذور الصبر فى أعماقه حتى جعلت اليقين بالنصر شيئا منظورا ،لا تنكره العين و لا يفارق الوجدان. لقد شهدت حوائط السجن على كلمة صدرت من أعماق قلبه و هو يشتكى إلى الله بإخلاص – شكوى يجملها ثقة شديدة بنصر الله و انفراج الغمة و تبديل الأحوال – فأورثه ثباتا لا منتهى له ،لاشك أنه قال "حسبى الله و نعم الوكيل" فانقلب بنعمة من الله و فضل ،و تبدل حاله من مسجون فى معتقل بحكم ظالم إلى رئيس منتخب حاكم ....

بعد أن شاهدت الخطاب فى التلفاز قالت فى نفسها :ما أضعف ايمانى و ما أقل صبرى!
فلم يمض عام على تحملها قرار تعسفى ظالم حتى نفذ صبرها و اشتكت من المرض الناتج من علة التوتر و الانفعال ،و أحاطها اليأس من عجزها عن التغيير و عدم وقوف الناس و الأيام فى صفها و استمرار الحال على  ما هو عليه ،إن ما ينقصها هو الصبر و التماس أسباب السعادة فيما تبقى لها ممن مصادر السعادة و استغلال الوقت و عدم توقف الحياة عند أى نقطة ،فلن يحركها فى مجال الحياة سوى يقينها أن النصر آت و حقها سيعود حتما بإذن الله المجيب الدعاء ،فكما نصر السجين و أخرجه بعد حين و أجلسه فى مكانة عالية يتبوأ منها ما يشاء ،يستطيع بكلمة منه سبحانه أن ينصرها و يعوضها خيرا مما سلب منها.
لذلك فقد جعل الله هداية القلب و استكانته لقضاء الله أفضل العطايا لمن آمن بالله و قدره بخيره و شره و لم يملئه السخط و يتملكه الرفض من أى حدث يحدث فى هذه الدنيا "و من يؤمن بالله يهد قلبه".


و كلمة ناظر هى اسم فاعل و دليل على الاستمرارية ،فالناظر يترقب شيئا و يستعد له ،و هذا هو المطلوب أن يعمل الانسان بجد و يقين و عدم يأس مهما كانت المعوقات.
فالعمل على الانسان واجب فى كل وقت ،و نتيجة عمله عند الله ،يرى و يسجل ثم يحاسب و يقضى بحكمه العاقبة فيستوفى الانسان حقه ،و يرى النتيجة فى الدنيا و الآخرة .."للذين أحسنوا الحسنى و زيادة".

لكل غد غدٌ يليه
و لكل ليل صبح ينهيه
و نور الفجر يسعى اليه
ناظر الخير لاشــك لاقيه
فحكمة الله لا تخفى عليـــه
و إن طال الطريق فالنصر آتيه

الأربعاء، 4 يوليو 2012

منتصف شعبان


بالتأكيد أنت ليس مشركا بفضل الله ،لكن قد تكون على خلاف أو خصام مع شخص ،فإذا كنت كذلك فعجل و بادر بمصالحته و دفع أسباب الخلاف ؛حتى تكون مع زمرة من يغفر الله لهم تلك الليلة المباركة؛ليلة النصف من شعبان.
يطلع الله تبارك و تعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ،فيغفر لجميع خلقه ،إلا لمشرك أو مشاحن ،يغفر الله للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد على حقدهم ،لأنهم حاقدون على عباده كارهون لهم الخير.
و توقيت تلك الليلة له حكمة كبرى فهو ينتصف شهرا أكثر فيه الرسول الصيام و فيه ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين.و فيه يكون الاستعداد لاستقبال شهر رمضان المعظم و روحانياته المشرقة بالتسامح و الذكر و تنقية القلب و الإخلاص لله.
و على المسلم أن يستحضر أعمال سنته الماضية و أحداثها بخيرها و شرها، و ليعلم أن ما أصابه من خير فمن الله و ما أصابه من شر صنيعه هو ،و قد خفف الله عنه العاقبة و أراد به خيرا بذلك الشر الظاهرى ؛ففيه صد له عن الاستمرار فى المعصية و مغفرة له بتحمله البلاء و صبره عليها.

ذكرى ليلة النصف من شعبان:
ان هذا اليوم هو ذكرى تغيير القبلة ،و لتغيير القبلة حكمة كبرى ليعلم الناس أن طاعة الله واجبة دون تفكير فتنفيذ أمر الله باتخاذ الكعبة المشرفة قبلة فى الصلاة أهم من اتباع العادات القديمة الموروثة باتخاذ بيت المقدس قبلة برغم من قدسيته و مكانته عند الله ، لكن مغزى الصلاة العبادة و الطاعة و الخضوع لله عز و جل نتوجه حيث أمرنا و كيفما أراد لنا أن نعبده. فجوهر الصلاة التوجه لله بالطاعة و الخشوع و ليس اتخاذ اتجاه معين و أداء طقوس و حركات معينة و القلب لاه غافل ،فتلك صلاة لا بركة  فيها و لا قبول لها. فلله المشرق و المغرب و هو يرانا فى كل مكان ، و ذلك يشير إلى أن التقديس فى الإسلام ليس للأماكن ،ولكن لله وحده.
سَيَقُولُ السفهاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) 
و قد أخبر الله مسبقا و قبل وقوع الحدث برد فعل المشركين - واصفا اياهم بالسفهاء- بأنهم سوف يسخرون من المؤمنين و يصفونهم بانهم ارتدوا عن دينهم و اتبعوا قبلتهم، و أكد لهم الله أنه لن يضيع ايمانهم و ان تغيير القبلة كان لهدف اختبار الايمان و تمييز المؤمنين الثابتين عن الذين يرتابون و يترددون ثم يرتدون
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)

 ولم يشأ الله أن يجعل القبلة إلي الكعبة أول الأمر لأنهم كانوا يقدسونها على أنها بيت العرب وكانوا يضعون فيها أصنامهم ، ووضع الأصنام في الكعبة شهادة بأن لها قداسة في ذاتها .. فالقداسة لم تأت بأصنامهم بل هم أرادوا أن يحموا هذه الأصنام فوضعوها في الكعبة
و فى قوله سبحانه وتعالى "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" -  و القبلة التي كانوا عليها هي بيت المقدس - يأتي الله برد جامع هام هو أن أوامر الله الإيمانية لا ترتبط بالعلة، إنما علة التنفيذ فيما يأمرنا الله سبحانه به أن الله هو الآمر، و قد بين لنا السبب في تغيير القبلة ان الأمر كان امتحانا للإيمان في القلوب فالإيمان هي طاعة المعبود فيما يأمر وما ينهي .
فضائل ليلة النصف من شعبان:
لليلة النصف من شعبان مكانة عظيمة ،فهى إحدى ليالى الشهر الذى ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين.
فى الحديث الشريف:"إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها و صوموا نهارها فإن الله تعالى ينزل فيها إلى سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له؟ ألا من مسترزق فأرزقه؟ ألا من مبتلى فأعافيه؟ ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر. "
من الأدعية النبوية:
اللهم إنى أعوذ بعفوك من عقابك ،وأعوذ برضاك من سخطك ،.وأعوذ بك منك ،جل وجهك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.