الجمعة، 27 أغسطس 2010

هل هذا يعرف الحب؟

تعيش أسرة قتيل بولاق الدكرور هلال عثمان محمد ٥٠ سنة الذى لقى مصرعه حرقا على يد ابنه حالة من الحزن، الزوجة لا تصدق أنها فقدت زوجها على يد ابنهما وفقدت الأخير بعد القبض عليه وحبسه..

كان قسم شرطة بولاق الدكرور قد تلقى بلاغا من غرفة النجدة بنشوب حريق داخل شقة عامل يدعى هلال عثمان محمد ٥٠ سنة وأنه توفى أثناء محاولة إسعافه متأثرا بحالته الصحية وإصابته بحروق من الدرجة الأولى شملت جميع أنحاء جسده.

تبين من التحريات أن ابن الضحية ١٧ سنة، عامل، قرر التخلص من والده فتعدى عليه بالضرب محدثا إصابته فى حاجبه ثم سكب «جركن» به مادة البنزين بالشقة وأشعل بها النيران فلقى والده مصرعه ألقى القبض على المتهم الذى أحيل للنيابة واعترف أمام النيابة بارتكابه الواقعة انتقاما من والده الذى رفض مساعدته فى الارتباط بفتاة أحبها.


 

مشكلة رهيبة من مشكلات المجتمع هي عقوق الأبناء

بالأمس كان عقوق الأبناء لا يتعدى الصوت العالي أو تحكيم الرأي و رفض النصح، أو الانفصال عن الأسرة و عدم القيام بواجبات البر.

لم تصل إلى حد التعدي بالسباب..

لم تتجاوز الحد إلى التطاول باليد..أمل أن تصل الجريمة إلى حد القتل..فهذا مريع.

و أي قتل؟ بالحرق!

إن كل ذرة في هذا الوالد تألمت قبل أن يموت، النار التي التهمت جلده شبرا شبرا ، لقد اشتكت ربها من قسوة الإنسان الذي يستخدمها في تعذيب غيره، أكاد أرى حيرة الرجل للخروج من الشقة بعد أن حبسه الولد و محاولته اليائسة و دهشته و غضبه، و أخيرا تسليم الأمر لله حيث فاضت الروح لبارئها.

و لماذا؟ لأنه يحب! و يريد مالا لإتمام زواجه و هو لا يزال مراهقاَ فى السابعة عشر من عمره.

إنني أتوقف هنا عند كلمة "يحب"..

كيف لهذا الشيطان أن يحب؟ الحب رحمة، رقة مشاعر، تضحية و كفاح ، عطاء للجميع ، و حالة من الاندفاع لقهر المستحيل، المحب مرهف الإحساس، يستشعر جمال الكون و يحب جميع الكائنات بما فيها أهله و عشيرته...

أما أن يضحى بأهله من أجل من يحب فذلك فساد عقيدة و سوء تفكير و قسوة لا إنسانية.

و هذه الأم الثكلى المبتلاة بفقد زوجها محروقا و ابنها معدوما..بعد أن تفيق من هول الصدمة و تتقبل أن الأمر حقيقة و ليس كابوسا مخيفا، ماذا يكون تفكيرها؟؟

مزيج من الكره، الندم، الضياع..

الندم: على عدم تربية ذلك الفتى تربية إسلامية تحميه من سيطرة الشيطان و إتباع الهوى، أم عدم تعليم الفتى، و الحرص على استمراره في الدراسة، بدلا من الرضا بعمل لا يكفى متطلبات الحياة و لا يحقق الاستقرار.

ربما كانوا يبالغون في مجاراته و عدم معارضته منذ صغره..ربما لم يتبع الوالدان سياسة واحدة في التربية، أو كان الأب سعيدا بأن ولده ورث مهنته كعامل و استطاع الكسب مبكرا و مساعدة الأسرة..كيف يتوقع الآباء أن يقدم لهم الأبناء شيئا؛ و هم لم يوفوهم حقهم الطبيعي في بناء كينونة لهم تحميهم من غدر الأيام، و دفعوا بهم للعمل قبل أن يعلمونهم ما هي الحياة و كيف يتعاملون معها؟

الندم: على فرحتها بولادة ذكر، و رعايتها له حتى اشتد ساعده و فعل فعلته، كانت تتوقع أن يكون لها سندا في الحياة لا أن يقتل زوجها وعائلها و يحرق قلبها قبل أن يحرق أباه.

الكره: لهذا الابن القاتل و هل تكره الأم؟ نعم إنها تتنصل من أمومتها له فليس فخرا أن تكون أما لقاتل

و أخيرا الضياع: في بحور الحزن و سواد المستقبل، و انعدام السعادة في أي شيء، فقد انتهت قصة حياتها الزوجية بفقدان الأيام و السنين، صفر اليدين و بلا أي ثمن.

أما المحبوبة؛ فلا أظن أنها ذات أخلاق أو عقل، بل لابد إنها تشبه القاتل في تفكيره الأهوج و تهوره الممقوت، صغيرة السن، خالية من الأدب أو العقل.

ما شعور تلك المحبوبة؟ هل الحزن على ذلك الشاب، أم السعادة الخفية لكونها محبوبة هام بها حبيبها لدرجة قتل والده ليتزوجها، أم شكر الله إذ نجاها الله من الزواج بهذا المجنون؟

قاتل الله الابن العاق ..إنه لا يعلم كم يُشقىِ والديه

و كان الله في عون الأم التي يجحدها أبناؤها، إنها تتألم مرتين؛ مرة وقت عقوق الابن و قسوته عليه، و المرة الثانية تتألم كأم عندما ينتقم الله من ابنها؛ إذ أن عقوبة العقوق هي عقوبة معجلة في الدنيا، قبل أن يتوب أو يستوفى العقاب في الآخرة.


 

الخميس، 12 أغسطس 2010

مع الملك.. ما أسعدك

قال تعالى في خواتيم سورة الحشر: "هو الله الذي لا إله إلا هو الملك"

الملك : الذي يمتلك الأرض و من عليها ، النفوس و ما بداخلها، يملك السمع و الأبصار و الأفئدة، بيده خزائن السموات و الأرض و بيده الخير كله.

الملك: تسبح له السموات السبع و الأرض و ما فيهن ، تحيط الملائكة عرشه سبحانه و يسبحون بحمده.

الملك الذي يملك زمام الأمور يسيرها كيف يشاء .. بكلمة كن فيكون

أنت مع الملك.. ما أسعدك ..أنت مع الملك ماذا تفتقد ..لماذا تحزن ..ما الذي يهمك؟

طالما يرضى عنك الله الملك.. عن أي شيء تبحث؟ و لأي شيء تطمح؟

أنت مع الملك: في صلاتك، في دعائك، في خشوعك.

أنت مع الملك: إذا ذكرته بين الناس ذكرك في ملأ خير منه من الملائكة الأطهار.

أنت مع الملك: عندما تعود مريضا فتجد عنده الله ليجزيك أجر برك و إحسانك.

الملك: اسم عظيم من أسماء الله الحسنى شامل لعظمته و هيمنته و سلطانه القوى.

لذلك تبعتها في آيات سورة الحشر "الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون"

ملك عادل فما أسعد المملوك..رحيم كريم ودود..يرعاه و يحميه و يرزقه لأنه خلقه..يحبب إليه الإيمان و يكره إليه الكفر و العصيان.

فللذنب وحشة، و للذنب قبح؛ ينفر ذوى الفطرة السليمة ليراجعوا أنفسهم مئات المرات حتى يتراجعوا أو ينتهوا.

و من الأسماء الحسنى اسم آخر ذو صلة باسم "الملك" هو "مالك الملك ذو الجلال و الإكرام"

"فلله الحمد رب السموات و رب الأرض رب العالمين * و له الكبرياء في السموات و الأرض و هو العزيز الحكيم"


 

الاثنين، 2 أغسطس 2010

الساموراى جاك و الآخر

عودة إلى الساموراى جاك..

ذلك البطل قوى الأخلاق قبل قوة البدن

فجأة.. و خلال مغامراته للوصول إلى آكو الشرير وجد الساموراى فجأة شبيها له

قال له من أنت؟ أجابه الشبيه: أنا أنت!!

لكن هناك اختلاف صغير فى الشكل ..لون العين أحمر و الملابس سوداء رمزا للشر

و الاختلاف الأكبر هو الباطن.. فما بداخل الشبيه هو طاقة هائلة للشر

و قمة الصراع أن الساموراى و الشبيه كليهما فى نفس القوة ..نفس السيف البتار الذي لا يخطئ، إصابة الهدف، نفس التدريبات و القوة الجسدية، نفس الذكاء، كل شيء متماثل ما عدا الهدف..

و استمرت عدة لقطات لمبارزة لهما تبدو أنها لن تنتهى أبدا

و لكن فجأة يتوقف السامورى؛ و يدخل سيفه فى جرابه و يمتنع عن الاستمرار فى المنازعة..

و يستاء الشبيه لذلك فهو يستمتع حقا بالقتال و يأمل الانتصار على الخير

اكتشف ساموراى أن هناك نقطة جوهرية لصالحه، و مصدر قوة رهيب يتغلب على قوة الشر مهما كانت: إنها ... التسامح

توقف الساموراى و أعلن لشبيهه أنه لا يحمل له أى كره أو ضغينة و أنه سامحه تماما

عند هذه اللحظة و فى خيال قصصي درامى يذوب الشبيه؛ لأن قوته و حياته كانت تنبع من نزعات الشر فى قلب الساموراى، و عندما تخلص منها ذهب الشبيه الشرير إلى غير رجعة.

كم هو جميل التسامح و ارتقاء النفس عن مبادلة الشر بمثله و العنف بالعنف و القسوة

التسامح يفيض خيرا على صاحبه قبل ان يكون خيرا للذى عفى له..

درس جميل و كارتون ناجح و موعظة للكبير قبل للصغير ..


 

السبت، 5 يونيو 2010

الرأي القيم في العشق

ملخص كتاب روضة المحبين و نزهة المشتاقين

لابن القيم الجوزية

------

اشتقاق الأسماء و معانيها

قيل المحبة أصلها الصفاء لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان حبب الأسنان

أو مأخوذ من الحباب و هو ما يعلو الماء عند المطر الشديد فالمحبة هي غليان القلب عند لقاء المحبوب

أو مأخوذ من أحب البعير إذا برك و لم يقم و يتحرك من لزوم المحب قلب المحبوب و عدم انتقاله منه.

و قيل من الحب جمع حبة لأنها أصل كل شيء


 

ما قيل في الحب و المحبة:

قيل هي الميل الدائم بالقلب الهائم، موافقة الحبيب في المشهد و المغيب، اتحاد مراد المحب و مراد المحبوب

و قيل أن يكون المحب أقرب للمحب من روحه

يا مقيما في خــــاطري و جناني و بعيدا عن ناظري و عياني

أنت روحي إن كنت لست أراها فهي أدنـــى لي من كل دانى


 

و قيل حضور المحبوب عند المحب دائما

خيالك في عيني و ذكرك في فمي و مثواك في قلبي فأين تغيب


 

من آثار المحبة أيضا:

الشجن: الحزن و الحاجة عندما تكون حاجة المحب أشد شيء إلى محبوبة

الاكتئاب: من حصول الحب و فوت المحبوب فتحدث بينهما حالة سيئة تسمى الكآبة

الخلة: توحد الحب للمحبوب لا يشاركه فيه أحد و لأنها تتخلل جميع أجزاء الروح فيصبح خليلا

الغرام: هو الحب اللازم لا يفارق صاحبه

الود: هو خالص الحب و ألطفه و أرقه و هو من الحب بمنزلة الرأفة من الرحمة.

أنواع المحبة:

المحبة أنواع أفضلها محبة المتحابين في الله إما لاجتهاد في العمل و محبة القرابة و محبة الألفة و الاشتراك فى المطالب و محبة التصاحب و المعرفة و محبة لبر يضعه المرء عند أخيه و محبة العشق بين النفوس و الأرواح المتآلفة.

العشق اختياري أم اضطراري؟

قالوا اضطراري هو بمنزلة محبة الظمآن للماء فالعشق يهاجم بدون اختيار .... و القول الأفضل أن مبادئ العشق و أسبابه اختيارية (النظر و التفكر) و النتائج غير اختيارية ،و من أتى بالأسباب فهو مسئول عن النتائج محاسب عليها.

و كان ابتداء الذي بى مجونا فلما تمكن أمسى جنونا

و كنت أظن الـــــــهوى هينا فلاقيت منه عذابا ألـــــيما


 

الحكم فى العشق

أعظم صلاح العبد أن يصرف قوى حبه لله تعالى وحده بحيث يحب الله بكل قلبه و روحه و جوارحه.

"ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان الله و رسوله أحب إليه مما سواهما و من كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، و من كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى فى النار "


 

علامات المحبة

الأدب

كثرة ذكر المحبوب

الانقياد لأمر المحبوب

اضطرابه عند مواجهته و سماع اسمه

غيرته له و عليه

سروره لسروره

إيثار الوحدة و التفرد عن الناس

الاتفاق و المشاركة بينه و بين محبوبه

إفراد الحبيب بالحب و عدم التشريك بينه و بين غيره

موافقته للحبيب في كل شيء


 

ارتكاب الحرام و ما يفضى إليه من مفاسد و آلام

حقيق بكل عاقل أن لا يسلك سبيلا حتى يعلم سلامتها و آفاتها و ما توصل إليه هذه الطريق من سلامة أو عطب

"يا معشر المسلمين إياكم و الزنى فإن فيه ست خصال: ثلاث فى الدنيا و ثلاث فى الآخرة، فأما اللواتى فى الدنيا فذهاب البهاء، و دوام الفقر، و قصر العمر، و أما اللواتى فى الآخرة : فسخط الله، و سوء الحساب ، و دخول النار"


 

التحذير من إتباع الهوى

لابد أن تكون للعبد همة عالية للتقرب إلى الله رغبة فى الجنة و خشية من النار و لا يقدر على ذلك إلا بمخالفة هواه " و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى"

و قوله "و لمن خاف مقام ربه جنتان"

قيل: هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه فى الدنيا ومقامه بين يديه فى الآخرة فيتركها لله.

و إتباع الهوى يضل الإنسان بلا شك و مصيره أشد العذاب:

"و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله * إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب"


 

حديث:

"بئس العبد عبد تجبر و اعتدى، و نسى الجبار الأعلى

بئس العبد عبد تخيل و اختال، و نسى الكبير المتعال

بئس العبد عبد سها و لها، و نسى المقابر و البلى

بئس العبد عبد يختل الدين بالشبهات

بئس العبد عبد طمع يقوده، بئس العبد عبد هوى يضله "


 

إنما سمى "الهوى" لأنه يهوى بصاحبه إلى أسفل سافلين و الشيطان يطوف بالعبد من أين يدخل عليه فلا يجد عليه مدخلاً و لا إليه طريقاً إلا من هواه. و إنما يمكن مخالفة الهوى بالرغبة في الله و ثوابه و الخشية من حجابه و عذابه.


 

مقامات العشق:

العشق هو الإفراط في المحبة بحيث يستولى المعشوق على قلب العاشق حتى لا يخلو من تخيله و ذكره و الفكر فيه ، بحيث لا يغيب عن خاطره و ذهنه ، و العشق مبادئه سهلة حلوة و أوسطه هم و شغل قلب ، و آخره عطب إن لم تتداركه عناية الله 

العاشق له ثلاث مقامات: مقام ابتداء و مقام توسط و مقام انتهاء

دواء العشق: الإخلاص لله و إشغال قلبه عن الفكر في المحبوب بكثرة العبادات و التضرع إلى الله ليصرف عنه ذلك.

مساوئ العشق:

  1. الاشتغال بحب المخلوق و ذكره عن حب الله
  2. عذاب قلبه به، فإن من أحب شيئاً غير الله عذب به و لابد
  3. قلبه أسير في قبضة غيره يذيقه الهوان و هو لا يملك من أمر نفسه شيئاً
  4. قد يفسد الجسم و ينهك البدن ويفسد الذهن

 
 

الرغبة في الله و علامات العارف بالله

الرغبة في الله و الشوق إلى لقائه هي رأس مال العبد و ملاك أمره و قوام حياته و أصل سعادته و قرة عينه، و لذلك خلق و به أمر، فيكون وحده مرغوبه و مطلبه و مراده و قد أمر الله رسوله بهذا في قوله:"فإذا فرغت فانصب * و إلى ربك فارغب"

و المحبة هي ميلك للشيء بكليتك ثم إيثارك له على نفسك و روحك و مالك و موافقتك له سرا و جهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه.


 

و أخيراً...من ترك محبوبه لله عوضه الله خيرا منه.


 

الاثنين، 17 مايو 2010

بوصلة طبيعية



البوصلة للملاح شيء أساسي لتوجيه السفينة إلى الهدف المقصود، و قديماً كانت الاستعانة بالنجوم و الاهتداء بها قبل اختراع البوصلة؛ حيث تحدد مجموعات النجوم المختلفة الاتجاه الحالى للسفينة أو للسائر فى الصحراء.



و كما أن تحديد الهدف مهم جدا للسائر في البحر أو الصحراء؛ فمن باب أولى لمن يسير فى الحياة؛ حيث يطول خط السير و تتعرج مساراته، و تتداخل فيما بينها، و تتكاثر مفارق الطرق التي تحتم على الانسان لحظات اختيار مصيرية فى حياته ، فكيف يتجنب الانسان التيه فى عالم الأحداث ، كيف يرى بشعاع الضوء الضعيف المتسرب من خلال الغيوم التى تغطى سماءه ؟


لابد أن يكون الهدف واضحا و ثابتا طالما لم يجد جديد، و ان يكون الهدف على قدر كبير من المرونة؛ بحيث يمكن تعديله مع تغير الأحداث بما يلائم إمكانيات الشخص و مصالحه الشخصية و مصالح من حوله.

مثال لذلك الأم التى وضعت هدفا لها استكمال دراستها العليا بعد أن وجدت أن هذا أنسب لها من خوض مجال العمل بشهادتها العادية، عند مرحلة معينة؛ و لصالح أطفالها الصغار قد تؤجل حلمها و بالتالى تغير الخطة الزمنية المقررة لتنفيذه، أو تلجأ للعمل تحت ضغوط الحياة المادية، أو تلغى حلمها نهائيا إذا ثبت عدم جدواه، و فى كل ذلك ترشدها البوصلة حيثما تتحرك، و البوصلة حساسة جدا لما يطرأ من تغيير إذا تم ضبطها و تحديد معاييرها بدقة مسبقا حسب الوضع الحالى و ظروف كل شخص.


المشكلة لو أصاب أحد تلك البوصلة بكسر، أو أحاطتها مؤثرات مغناطيسية؛ فاختلط على مؤشرها الأمر، و راح يتأرجح يمينا و يسارا بعيدا عن الصواب.
تلك المؤثرات هى إلحاح الآخرين، و محاولة الإجبار على شيئ معين و اتجاه مخالف لاتجاه البوصلة الصحيح؛ فعندئذ تكون عواقب السير فى الطريق غير معلومة، هل يؤدى للنجاح و الرضا ، أم للفشل و الحسرة؟
لاشك أن هذا العمل غير أخلاقى و لا إنسانى؛ فالانسان يحتاج لاقتناع كامل من داخله بالطريق الذى سيسلكه؛حتى يستطيع تحمل مشقته و التحرك فيه بكفاءة و حرية، لا أن يسير مدفوعا لا يحركه سوى زحزحة الآخرين و أوامرهم العسكرية. فالانسان ليس آلة متحركة، لكن الإحساس و الاقتناع هما القوة الدافعة الحقيقية لتحريك عجلة الحياة.


لا تسمح لأحد بالتأثير على بوصلة حياتك و احمها من الصدأ لكيلا تكون عديمة القديمة، وحافظ دائما على وضوحها و رونقها فهى الدليل في هذا الزمن.



الجمعة، 14 مايو 2010

" إنه كان بي حفياً"

الحفاوة هي المبالغة في الكرم و اللطف في التعامل و حسن اللقاء و الكلام.

و تكون فقط لمن يهمك أمرهم سواء تودهم من صميم قلبك، أو تريد مجاملتهم و كسب رضاهم، أو لمصالح توجب المبالغة في العطاء.

إذا عانيت من تجهم البشر، و بخلهم في عطائهم و مشاعرهم، أو حتى رسم بسمة مفتعلة على وجوههم؛ ففر إلى الله تجده بك حفياً..

إذا ألجأتك الذنوب إلى طريق مظلم و أسلمتك لمصير مؤلم؛ ففر إلى الله تجده ينتظرك بالصفح و المغفرة..

إذا أردت أن تفرح بالعودة إلى الله فهيا بسرعة للتوبة؛ فالله أشد فرحا بها.

 
 

إبراهيم الخليل الذي كان إيمانه يساوى إيمان أمة كاملة، عندما هدده أبوه الكافر بالرجم رد عليه بيقين المؤمن:

"سلام عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بى حفيا"

و قابل إبراهيم حفاوة ربه بالشكر و الدعاء..

"و أعتزلكم و ما تدعون من دون الله و أدعو ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقياً"


بالرغم من فقرنا إليه و غناه عنا فهو سبحانه يحتفي بنا فما أشد كرمه.. هو الودود.. يتقرب إلى الإنسان بالنعم نعمة تلي الأخرى، و يحفظه بالليل و النهار، و يقدم له فرصا كثيرة للتوبة، و عندما يتوب يبدله سيئاته حسنات ويضاعف له فيها "للذين أحسنوا الحسنى و زيادة".  

يرضى لعباده الشكر و يعينهم عليه، و يبتليهم بالخير و الشر؛ لا ليعذبهم بل ليطهرهم و ينقيهم حتى يصلوا الجنة بسلام؛ فالجنة مقام عال لا تنال إلا بالصبر و التقوى.

و الحمد لله رب العالمين 


 

الاثنين، 10 مايو 2010

ليوناردو العجيب

عندما يجمع العالم بين شتى أنواع المعرفة يكون بالفعل عالما حكيما، فتأمل الطبيعة هي أفضل طريقة للوصول إلى المعرفة من أوسع أبوابها، هكذا عاش ليوناردو حياته في مدينة "فنشي" قريبة من مدينة فلورنسا بإيطاليا حيث تآلف ليوناردو مع جمال الريف و مخلوقاته العجيبة مدفوعا بحب استطلاع غير محدود في انطلاق و بغير خوف من الظلمة أو الحشرات السامة و الحيوانات المؤذية.. تأمل الهياكل المتحجرة للأسماك و حاول جاهدا أن يصل بنفسه لإجابات التساؤلات التى كانت تتزاحم برأسه الصغير فى زمن كان غارقا في الجهل ، و قد ساعدته على ذلك ذاكرته النادرة التى تحفظ صور الحيوانات و الحشرات بتفاصيلها ليرسمها فيما بعد.
تعلم ليوناردو الرسم على يد رسام شهير فى فلورنسا حيث كان يعيش مع تلاميذه و يوفر لهم المواد و الأدوات و الكتب و كان هذا الأستاذ يكلف ليوناردو برسم أجزاء كاملة من لوحاته حيث كانت تقارب إلى حد كبير رسم أستاذه، و فضل ليوناردو البقاء مع أستاذه عدة سنوات ليتعلم من مكتبته فروع العلم الأخرى الرياضيات و الطبيعة و الكيمياء و الفلك و الفلسفة.
مميزات و عيوب
لما كانت اهتمامات ليوناردو كثيرة و متنوعة ، و عقله فى حالة تفكير مستمر فقد عجز عن التركيز فى عمل واحد لحين الانتهاء منه، و بالتالى كانت طريقته فى العمل تسير حسب مزاجه المتقلب و الموزع فى أكثر من اتجاه؛ مما أدى إلى سوء أحواله المادية، فبالرغم من ثقة الأمراء و الحكام فى فنه و مهارته فى التصوير و لكنهم لا يستطيعوا أن يغامروا بطلب لوحة لهم لأنه لا ينجز عمله فى الوقت المحدد أبداَ، و عبثا حاول ليوناردو مقاومة ميله الشديد للعلم و الاختراع و تغيير الطريقة الفوضوية فى العمل و لكنها طبيعة متأصلة فيه.
شفرة دافنشي
كان ليوناردو حريصا على كتابة ملاحظاته العلمية فى اتجاه معكوس بحيث لا يمكن قراءتها إلا من خلال المرآة خوفا من تسرب تلك الأفكار و استخدامها بشكل سيء أو تعرضه لاضطهاد الحكام و رجال الدين حيث كانت الأفكار الجديدة موضع استنكار و رفض، و محاربة صاحبها حتى ينكرها و إلا يتعرض لإيذاء شديد.


كان أقصى ما يتمناه ليوناردو أن يعيش تحت رعاية أمير يتبنى مواهبه و يوفر له المواد و الأدوات اللازمة لعمله و أن يكفيه هم المعاش ليتوفر له الوقت للانصراف التام إلى أعماله الفنية و العلمية و اختراعاته المبهرة، و فى سبيل تحقيق هذه الأمنية طاف على الكثير من الأمراء عارضا عليهم مواهبه بما فيها مهارة العزف و الغناء و تصميم مشاهد و ديكورات حفلات زفاف الأمراء المبتكرة.
اختراعات و لكن
كادت تقوم الحرب عدة مرات خلال حياته و فى كل مرة كان يصمم الآلات الحربية الفتاكة التى تضمن الانتصار بجدارة لتميزها بكونها جديدة و مبتكرة و مبينة على أسس علمية سليمة ...و لكن على سبيل المصادفة المتكررة فى كل مرة: عندما يبدءون في تنفيذ تلك الآلات يقف قرار الحرب و يعم السلام؛ و بالتالي ظلت تصميماته الحربية على الورق دون تنفيذ!
تمثال و حصان عملاق
كلفه أحد الملوك بصنع تمثال لوالده بارتفاع ثمانية أمتار على ظهر حصان ضخم قدماه الخلفيتان على منصة عالية و الأماميتان على جثة أحد الأعداء كرمز للسطوة و القوة.
و لم يكن العمل سهلا فقد درس الخيول بأنواعها و تركيب هياكلها العظمية و بحث عن نموذج لحصان قوى جميل فى جميع أنحاء المدينة، و بعد عدة شهور من العمل الشاق أكمل التمثال و لكن لم يسمح الوقت بصنع القالب البرونزي له فظل على هيئته بالصلصال...
و للأسف كانت نهاية ذلك التمثال الرائع أن قذفه الجنود الفرنسيون خلال الحرب بالسهام حتى وقع الحصان و انهار التمثال العملاق في شكل مأساوي و سبب ذلك حزنا شديدا لليوناردو لم يمسحه اعتذار الأمير الفرنسي بنفسه عن هذه الوحشية.
سحر الموناليزا
طلب أحد أغنياء فلورنسا من ليوناردو أن يصور زوجته الشابة الجميلة موناليزا التى كان فى وجهها الكثير من الطيبة و المحبة و براءة الروح.
و خلال رسمه لها كان يحيطها بفرقة موسيقية تعزف لها الألحان الجميلة ليبقى وجهها الهادئ متألقاً بابتسامته الساحرة التي نقلها ليوناردو بإعجاز فني، و كان متعلقا بتلك اللوحة بشكل خاص فأخبر زوجها أن سيأخذ اللوحة معه ليرسم عن الطبيعة منظراً خلفياً للسيدة، و تباطأ فى تسليم اللوحة عدة شهور، و ساعدته الظروف على ذلك فقد انشغل بعمل فني ضخم كلفه به الحاكم.
و ظلت اللوحة ملازمة لليوناردو طيلة حياته في سفره و ترحاله...
أحزان جديدة
كلف الحاكم ليوناردو و مايكل أنجلو بتزيين سقف قاعة مجلسه حيث تم تقسيم رسم السقف بينهما ليتنافس الفنانان في الإبداع ، و اختار ليوناردو مشهد معركة شديدة بدت كأنها حية و أن الخيول تكاد تقفز من السقف إلى القاعة و ساعده على ذلك خبرته بفنون الحرب، و أجمع أهل فلورنسا على تفوقه على منافسه مايكل أنجلو تفوقا ظاهراً، و سعد ليوناردو بذلك كثيرا ........


و لكن وقع حادث مؤسف قتل تلك الفرحة؛ فقد أراد ليوناردو بعد إنهاء العمل تثبيت الصورة على الجدار بواسطة مادة صمغية يشعل لها النار لتدفئها و يسرع تبخرها ، فإذا بالنيران ترتفع للسقف و تختلط الألوان ببعضها و يفسد العمل العظيم الذي استغرق شهورا طويلة، و حزن أهل المدينة كلهم على تلك الروعة التى ذهبت فى لحظة و طالبه الحاكم بإعادة رسم اللوحة من جديد و لكنه فقد حماسه للعمل و ترك المدينة كلها.
أيام أخيرة
فى أواخر أيام ليوناردو أهداه ملك فرنسا فيلا على ربوة عالية تحيطها المناظر الريفية الساحرة من الجهات الأربعة و المياه الجارية و مجهزة بكل سبل الراحة، فكان هذا فوق ما يحلم به ليوناردو من الترف و العيش الرغد الوفير، و لكنه شعر باقتراب النهاية....
لوحة باليد اليسرى
عندما اشتد المرض على ليوناردو رفض أن يستسلم لليأس و لما أصاب الشلل يده اليمنى و أصبح القلب مهددا بالتوقف استخدم يده اليسرى فى رسم اللوحة الأخيرة له و التى لا تقل روعة عن مثيلاتها من اللوحات، و كتب وصيته بتحويل قصر اللوفر إلى متحف لروائع الفن.


ظلت تصميمات المخترعات العظيمة التى لم يستطع تحقيقها بضعة قرون حتى خرجت للوجود و التنفيذ ، و لاتزال مخطوطاته تدرس كمرجع فى التشريح و التصوير و التصميم فقد كان سابقا لعصره و كان بحق من أفضل العباقرة الناجحين.