الخميس، 13 سبتمبر 2012

التصوير الزيتى و الفوتوغرافيا

الفن ليس له حدود ، و ليس له طريق واحد لكن جذوره كلها تنبع من الجمال و الرؤية و الإحساس لذلك يقول المصورون دائما أن الخطوات الأساسية للتصوير: انظر ..فكر.. اشعر.. صور ؛فالتصوير الفعلى هو المرحلة الرابعة فى عملية التقاط الصورة و التى تبدأ بالنظر ثم اختيار الكادر الذى يلفت الانتباه و يشد العين و تنشرح له النفس ثم تحديد ابعاد الكادر و البدء فى التصوير, فالتصوير رؤية فنية هدفها تثبت لحظات الزمن عند اجمل ما فيه ، و نقل ما تراه عين المصور ليراه الآخرون بعينه و احساسه.

و التصوير الزيتى و الفوتوغرافى كلاهما ناقل للطبيعة و إن كانت الفوتوغرافى أصدق أو أقرب للمحاكاه، فهو يركز البصر على موضوع الصورة قد يكبر أو يعزل الهدف أو الشيء المراد ابرازه ، قد يلعب المصور بالإضاءة أو يحولها إلى صورة بالأبيض و الاسود كى يلقى عليها الزمن بصماته و يستعير من تدرجات الأبيض و الأسود التباين بين أجزاء الصورة الذى يوضحها و يجملها كما لو كانت ملونة، قد يجعل صورة على صورة فى تداخل فنى جميل فتبدو العناصر متحركة أو كأن طبقات من الزمن سُجلت فى وقت واحد . لكنها فى النهاية حقيقية لها وجود مادى فى الواقع و ليست من وحى الخيال كبعض اللوحات الزيتية.

يمكن التقاط صور فوتوغرافية بسهولة  للوحة زيتية  ،و هذا مقبول فى تصوير معارض التصوير الزيتى لكى يتم عمل دعاية للحدث و تسجيل مقتنيات المعرض، لكن رسم لوحة زيتية من صورة فوتوغرافية غير مقبول نسبيا بين الرسامين ، لان الرسام لا يتواجد فعليا فى الكادر الذى يرسمه ؛فيفتقد روح الحدث و المؤثرات الجوية و تغير الضوء و الظلال حوله خلال عملية الرسم التى تستغرق ساعات، فهو فى هذه الحالة يقوم برسم و نقل صورة ثنائية الابعاد و ليس واقعا من أبعاد ثلاثة ،و النقل من إطار إلى إطار يفقد الكثير من معالم الصورة فالرسام مقيد برسم ما يبدو له من الصورة و ليس له حرية الابداع و الالتفاف حول العناصر التى يرسمها.

و المحاكاه غير مطلوبة فى التصوير الزيتى بل تعيبه فأين التعبير و روح و بصمة الفنان التى تصطبغ بها اللوحة و تمتاز بها؟ فى الماضى و قبل اختراع الكاميرات كان الوجهاء و الأغنياء يتعاقدون مع المصورين لعمل صور فوتوغرافية شخصية و عائلية لهم و يدفعون مبالغ طائلة و يعتبرون ذلك تخليدا لهم و لذكراهم، أما الآن فيميل معظم راسمى اللوحات إلى رسم الطبيعة (اللاندسكيب) أكثر من رسم الصور الشخصية (البورتريه) لأن عليها الطلب أكثر حسب متطلبات كل عصر.

و التحكم فى الضوء و متابعة تأثراته أساسى فى التصوير و سر جودة الصورة ،و قد يحتاج الضبط إلى دراسة و خبرات معينة يكتسبها المصور بالمران و متابعة اعمال غيره من المحترفين ،و متابعة المستحدثات فى الكاميرات و إمكانياتها و ملحقاتها.
و التصوير الفوتوغرافى هو الأكثر انتشارا لان الصور الفوتوغرافية ضرورية فى التعاملات و الأوراق فى المصالح ،و يسعى الكثير من الناس لاقتنائها و ممارسة التصوير و ان كان بشكل غير احترافى لتسجيل ذكرياتهم قبل أن يكون فنا و ابداعا.

و يعيب التصوير الفوتوغرافى –بالرغم من أهميته- التكلفة النسبية لمعداته التى تتطور بسرعة فالأنواع كثيرة و العدسات للمحترفين متعددة و متجددة و كلها غالية الثمن ليس من السهل اقتناؤها ، بينما يمكن عمل أجمل اللوحات الزيتية من أبسط المعدات: قماش مشدود على شاسيه و ريشة و ألوان و مادة وسيطة للخلط ،كلها أشياء بسيطة و غير مكلفة ،و لا تحتاج إلى التجديد كل فترة فالريشة كما هى لا يتجدد فيها سوى مادة صنع الشعر و شكلها ،و الريشة هى روح الرسم بل هى امتداد ليده ينطلق بها فى فضاء اللوحة ليدخل عالم الخيال المنظور.

التصوير الزيتى فن عتيق له رائحة مميزة ، فالزيوت المستخدمة فى الرسم تضفى جمالا و هالة من الاحساس بالعمل و الجهد المبذول فيه، و كذلك عدم استواء ملمس اللوحة حسب كثافة اللون و كمية الزيت الممزوجة به، اختلاف لمعة الألوان من جزء لآخر فى اللوحة  و حسب زمن رسمها ؛ كل ذلك يعطى انطباعات جمالية مميزة لهذا الفن يعرفها عشاقه جيدا ،  يعرفون سحر اللوحة الذى يجعل الرائى يتسمر أمام اللوحة و يتأمل كالطفل الذى يدخل عالما جديدا يراه لأول مرة و ينبهر و يتعلق به فلا يتركه بسهولة.

و التصوير الزيتى يحتاج إلى هدوء و سكينة و استغراق فى اللوحة ، فيتأملها و هى تكبر أمامه من مرحلة إلى أخرى فى شعور متنامى ، و اذا اخطأ فالأمر يسير لون يزيل لونا و طبقة تخفى طبقة غير مرغوب فيها، و عقله دائما فى حالة انشغال يعزله عن العالم و من حوله ،انعزال من أراد الطيران فى عالم سعيد مبهج بلا منغضات ،و من هنا تأتى متعة الفنان و هو يرسم ،إنه مخدر لكن بجو الرسم و تجدد ألوانه ؛فالعجيب أن تداخلات الألوان تكون لونا جديدا كل مرة بعدد لا نهائى حتى أن الرسام قد يعجز عن تكرار لون مكون من عدة الوان تم خلطهم ، ثم يخترع لونا جديدا و هكذا ينمو الابداع بداخله بشكل تلقائى جميل.

أما التصوير الفوتوغرافى فيعتمد على اقتناص اللحظة التى قد ينتظرها المصور كثيرا و يخطط لالتقاطها ، و بالرغم من أن الصورة بعد التقاطها يمكن تعديلها ببرامج معينة فى الكمبيوتر تحسن الصورة و تزيل الأخطاء و قد تحذف أشياء من الكادر أو تضيف إلا أنه لا يصح عدم الاعداد الجيد للصورة اعتمادا على المونتاج اللاحق للصورة و ازالة التشوهات أو تغيير الاضاءة بها بواسطة البرامج.

و الآن من أى الفنون ستبدأ و أياً من مداخلها ستختار؟ الفوتوغرافى أم الرسم الزيتى أم غيره؟ كلاهما ممتع و رائع و يمكن الاختيار حسب امكانيات و قدرات الانسان المبدع، فهو فى النهاية شيء ينطق بإبداع الخالق و جمال الكون فسبحان الله "الذى أحسن كل شيء خلقه" ، و ما اللوحة الجميلة أو الصورة المبهرة سوى دليل على روعة ما صنع الله "صنع الله الذى أتقن كل شيء" فسبحان الخالق الذى علم الانسان ما لم يعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق