الفن ليس له حدود ، و ليس له طريق واحد لكن
جذوره كلها تنبع من الجمال و الرؤية و الإحساس لذلك يقول المصورون دائما أن الخطوات
الأساسية للتصوير: انظر ..فكر.. اشعر.. صور ؛فالتصوير الفعلى هو المرحلة الرابعة
فى عملية التقاط الصورة و التى تبدأ بالنظر ثم اختيار الكادر الذى يلفت الانتباه و
يشد العين و تنشرح له النفس ثم تحديد ابعاد الكادر و البدء فى التصوير, فالتصوير
رؤية فنية هدفها تثبت لحظات الزمن عند اجمل ما فيه ، و نقل ما تراه عين المصور
ليراه الآخرون بعينه و احساسه.
      
و التصوير الزيتى و الفوتوغرافى كلاهما ناقل
للطبيعة و إن كانت الفوتوغرافى أصدق أو أقرب للمحاكاه، فهو يركز البصر على موضوع
الصورة قد يكبر أو يعزل الهدف أو الشيء المراد ابرازه ، قد يلعب المصور بالإضاءة
أو يحولها إلى صورة بالأبيض و الاسود كى يلقى عليها الزمن بصماته و يستعير من
تدرجات الأبيض و الأسود التباين بين أجزاء الصورة الذى يوضحها و يجملها كما لو
كانت ملونة، قد يجعل صورة على صورة فى تداخل فنى جميل فتبدو العناصر متحركة أو كأن
طبقات من الزمن سُجلت فى وقت واحد . لكنها فى النهاية حقيقية لها وجود مادى فى
الواقع و ليست من وحى الخيال كبعض اللوحات الزيتية.
يمكن التقاط صور فوتوغرافية بسهولة  للوحة زيتية  ،و هذا
مقبول فى تصوير معارض التصوير الزيتى لكى يتم عمل دعاية للحدث و تسجيل مقتنيات
المعرض، لكن رسم لوحة زيتية من صورة فوتوغرافية غير مقبول نسبيا بين الرسامين ،
لان الرسام لا يتواجد فعليا فى الكادر الذى يرسمه ؛فيفتقد روح الحدث و المؤثرات
الجوية و تغير الضوء و الظلال حوله خلال عملية الرسم التى تستغرق ساعات، فهو فى هذه الحالة يقوم برسم و نقل صورة ثنائية الابعاد و ليس واقعا من أبعاد
ثلاثة ،و النقل من إطار إلى إطار يفقد الكثير من معالم الصورة فالرسام مقيد برسم ما
يبدو له من الصورة و ليس له حرية الابداع و الالتفاف حول العناصر التى يرسمها.
و المحاكاه غير مطلوبة فى التصوير الزيتى بل
تعيبه فأين التعبير و روح و بصمة الفنان التى تصطبغ بها اللوحة و تمتاز بها؟ فى
الماضى و قبل اختراع الكاميرات كان الوجهاء و الأغنياء يتعاقدون مع المصورين لعمل
صور فوتوغرافية شخصية و عائلية لهم و يدفعون مبالغ طائلة و يعتبرون ذلك تخليدا لهم
و لذكراهم، أما الآن فيميل معظم راسمى اللوحات إلى رسم الطبيعة (اللاندسكيب) أكثر
من رسم الصور الشخصية (البورتريه) لأن عليها الطلب أكثر حسب متطلبات كل عصر.
و التحكم فى الضوء و متابعة تأثراته أساسى فى
التصوير و سر جودة الصورة ،و قد يحتاج الضبط إلى دراسة و خبرات معينة يكتسبها
المصور بالمران و متابعة اعمال غيره من المحترفين ،و متابعة المستحدثات فى
الكاميرات و إمكانياتها و ملحقاتها.
و التصوير الفوتوغرافى هو الأكثر انتشارا لان
الصور الفوتوغرافية ضرورية فى التعاملات و الأوراق فى المصالح ،و يسعى الكثير من
الناس لاقتنائها و ممارسة التصوير و ان كان بشكل غير احترافى لتسجيل ذكرياتهم قبل
أن يكون فنا و ابداعا.
و يعيب التصوير الفوتوغرافى –بالرغم من أهميته-
التكلفة النسبية لمعداته التى تتطور بسرعة فالأنواع كثيرة و العدسات للمحترفين
متعددة و متجددة و كلها غالية الثمن ليس من السهل اقتناؤها ، بينما يمكن عمل أجمل
اللوحات الزيتية من أبسط المعدات: قماش مشدود على شاسيه و ريشة و ألوان و مادة
وسيطة للخلط ،كلها أشياء بسيطة و غير مكلفة ،و لا تحتاج إلى التجديد كل فترة
فالريشة كما هى لا يتجدد فيها سوى مادة صنع الشعر و شكلها ،و الريشة هى روح الرسم
بل هى امتداد ليده ينطلق بها فى فضاء اللوحة ليدخل عالم الخيال المنظور.
التصوير الزيتى فن عتيق له رائحة مميزة ،
فالزيوت المستخدمة فى الرسم تضفى جمالا و هالة من الاحساس بالعمل و الجهد المبذول
فيه، و كذلك عدم استواء ملمس اللوحة حسب كثافة اللون و كمية الزيت الممزوجة به،
اختلاف لمعة الألوان من جزء لآخر فى اللوحة 
و حسب زمن رسمها ؛ كل ذلك يعطى انطباعات جمالية مميزة لهذا الفن يعرفها
عشاقه جيدا ،  يعرفون سحر اللوحة الذى يجعل
الرائى يتسمر أمام اللوحة و يتأمل كالطفل الذى يدخل عالما جديدا يراه لأول مرة و
ينبهر و يتعلق به فلا يتركه بسهولة.
و التصوير الزيتى يحتاج إلى هدوء و سكينة و
استغراق فى اللوحة ، فيتأملها و هى تكبر أمامه من مرحلة إلى أخرى فى شعور متنامى ،
و اذا اخطأ فالأمر يسير لون يزيل لونا و طبقة تخفى طبقة غير مرغوب فيها، و عقله
دائما فى حالة انشغال يعزله عن العالم و من حوله ،انعزال من أراد الطيران فى عالم
سعيد مبهج بلا منغضات ،و من هنا تأتى متعة الفنان و هو يرسم ،إنه مخدر لكن بجو
الرسم و تجدد ألوانه ؛فالعجيب أن تداخلات الألوان تكون لونا جديدا كل مرة بعدد لا
نهائى حتى أن الرسام قد يعجز عن تكرار لون مكون من عدة الوان تم خلطهم ، ثم يخترع
لونا جديدا و هكذا ينمو الابداع بداخله بشكل تلقائى جميل.
أما التصوير الفوتوغرافى فيعتمد على اقتناص
اللحظة التى قد ينتظرها المصور كثيرا و يخطط لالتقاطها ، و بالرغم من أن الصورة
بعد التقاطها يمكن تعديلها ببرامج معينة فى الكمبيوتر تحسن الصورة و تزيل الأخطاء
و قد تحذف أشياء من الكادر أو تضيف إلا أنه لا يصح عدم الاعداد الجيد للصورة اعتمادا
على المونتاج اللاحق للصورة و ازالة التشوهات أو تغيير الاضاءة بها بواسطة
البرامج.
و الآن من أى الفنون ستبدأ و أياً من مداخلها
ستختار؟ الفوتوغرافى أم الرسم الزيتى أم غيره؟ كلاهما ممتع و رائع و يمكن الاختيار
حسب امكانيات و قدرات الانسان المبدع، فهو فى النهاية شيء ينطق بإبداع الخالق و
جمال الكون فسبحان الله "الذى أحسن كل شيء خلقه" ، و ما اللوحة الجميلة
أو الصورة المبهرة سوى دليل على روعة ما صنع الله "صنع الله الذى أتقن كل شيء"
فسبحان الخالق الذى علم الانسان ما لم يعلم.
 
 
 المشاركات
المشاركات
 
 

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق