الاثنين، 24 سبتمبر 2012

البحيرات المرة..للوزراء درة


من المعروف أن البحيرات المرة ذات موقع استراتيجى هام فهى تقع فى الجزء الشمالى و الجنوبى من قناة السويس ، و مياه القناة نقية و صافية خالية من أى تلوث بحرى، و هى شديدة الجمال حيث ينفذ الضوء إلى قاع البحيرات نظرا لجودة مياهها و قلة الشوائب العالقة بالمياه ،كما أنها شديدة الملوحة و مصدرا هاما للثروة السمكية.

و منطقة "لسان الوزراء" أو "لسان الطيارين"تحيطها المياه من ثلاث جهات و هى شبه جزيرة صناعية تم ردم أراضيها التي استقطعت من مياه البحيرات المرة ليقام عليها منتجع سياحي خاص يحيطه سور من الخرسانة يفصله عن الشواطئ العامة الممتدة على الجانب الغربي للبحيرات المرة بمنطقة أبو سلطان بمدينة فايد بمحافظة الإسماعيلية و هى منطقة خلابة و هادئة.

و لهذه المميزات الكثيرة اختارها الوزراء السابقون و كبار رجال الدولة فى النظام السابق و جمعية الطيارين للشراء بأبخس الاثمان ،و على مساحات واسعة بنوا ما يشاءون من فيلات و حدائق غناء و مزارع المانجو المثمرة ،و أمروا الصيادين بالابتعاد عن المنطقة كحرم يجب عدم الاقتراب منه و الاكتفاء برؤيته من بعيد ،بدلا من أن يجعلوها محمية طبيعية و مزارات للسياح و يعمروها لجميع المصريين ، استأثروا بالمكان كأن جنة الله فى أرضه حكرا لهم ..

و كيف جرأ هؤلاء المسئولون السابقون على  الاقتطاع من ارضه فى سرقات مقنعة فى ثياب الأمر المباشر بالتخصيص و مسميات قانونية أخرى لبيع جائر و تفريط فى أجمل بقاع مصر؟ألم يقسموا أمام الله و أمام الشعب الكادح على حماية مصالح الوطن و رعايتها و الحفاظ على أراضيه ؟فكيف يبرون القسم مع الاستيلاء على تلك الاراضى بأسعار وهمية غير مقبولة بدلا من منع بيعها و استغلالها سياحيا و بيئيا.

و ضاع حق تلك الاراضى المحيطة بالبحيرات المرة و ما يسمى "لسان الطيارين"  بين وزارة الزراعة و هيئة التعاونيات و هيئة الثروة السمكية و هيئة قناة السويس و محافظة الاسماعيلية فلم تتحمل جهة منهم المسئولية الكاملة عن بيعها و التفريط فيها.

لتلك المنطقة مكانة و رؤية تاريخية مرتبطة بحفر قناة السويس،أحد مصادر الدخل و العملة الصعبة فى مصر،فقد نشأت من ناتج حفر القناة بعد انتهاء حرب اكتوبر 1973،و ما يتم استخراجه كل عام من طمى عند تعميق مجرى القناة لاستقبال السفن عميقة الغاطس ،فهذه البحيرات ترتبط بحرمة قناة السويس و عمومية فائدتها للمصريين.

لماذا تهون خيرات و ثروات مصر الطبيعية النادرة على ابنائها.لماذا لا يدركون خطورة ما يقومون به من إتلاف للموارد الزراعية و الطبيعية و التاريخية ،إنه ليس تخلفا ثقافيا فقط بل هو انطماس هوية و انعدام وطنية و إن غنوا مئات المرات "بحبك يا مصر"!

فالفلاح الذى يبور أرضه و يحولها من أرض ذات خير و نماء إلى مبان صماء فى غفلة من الحكومة و يقضى عليها بالبوار فيحرم نفسه و أولاده و غيره من خيرها قد ارتكب جريمة فظيعة لا يغفرها أن يتم هدم البناء فى إزالة لعقار مخالف لان هذه لن يعيد للأرض خصوبتها و لن يزيد من محاصيل مصر و زراعتها إردبا واحدا، فتبوير الأرض جريمة قتل مؤجلة لأنها تسلب الاجيال القادمة من حقها فى الطعام و العيش الكريم.

و الاضرار بالمحميات الطبيعية مثل الشعب المرجانية النادرة و تهريب الآثار و سرقة المتاحف لمن جرائم الوطن التى لا تغتفر و لا يمكن تعويضها ،و لا يتم إيقافها إلا من خلال تغليظ عقوبة السرقة من المال العام و إفساد البيئة و المتسبب تلويث الهواء و الأنهار سواء بالمخلفات أو الدخان أو الصرف الصحى.

يسرق السارقون.. و الكثير يعلم و يصمت ، و لا يتم فتح الملفات و ينطق الشهود إلا بعد أن تقوم ثورة كأن الحق عليه أن ينتظر معجزة كى ينكشف و يعرفه الرأى العام ثم تتم معالجة و إصلاح ما يمكن إصلاحه – و هو قليل- فلتكن ثورة على الصمت عن حق مصر و ممتلكاتها و تاريخها بحصر كل الأراضى المشبوهة و فسح عقود بيعها مع معاقبة المشتركين فى السرقة بغرامات مناسبة ،و حصر الأماكن الأثرية التى تم إهمالها و تشويهها و التخطيط لاستعادتها و تحويلها لمزارات و أماكن لاستقطاب السياح.

فتلك محاولات للحفاظ على أصول مصر و منشآتها من عبث المسئولين غير الأمناء على مصالح الوطن ،و أملا فى إيجاد وسائل لزيادة الدخل القومى ،فليست أراضى الوطن بالزينة التى يتحلى الوزراء بامتلاكها و التمتع بها؛ لكنها ملك لجميع المصريين ،و اختيار انسب وسائل الاستثمار لها مسئولية الخبراء و أولى الأمر.

و خير للوزراء الذين فرطوا فى حق الوطن و عبثوا بخيراته و قسموها أن يتقشفوا و يعيشوا كما يعيش باقى الشعب كى تصدق خدمتهم للوطن و تصلح قراراتهم و تعلو على المصالح الشخصية أو الأفكار الوهمية التى لا تحظى بالنجاح أو تعود بالفائدة.

و لو كان زخرف الدنيا خيرا للزعماء لأعطاها الله لرسوله الكريم و ما أيسر ذلك عند  الله ..
قال تعالى مخاطبا نبيه:
"تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا" الفرقان (10)

فالقائد و من يتولى الحكم هو الأحق بالإعراض عن زخرف الدنيا ،و الزهد فى متاعها لكى يتفرغ للمسئولية الثقيلة التى نهض لحملها ووهب سنوات حياته و كل وقته و جهده لها و لتحقيق الرسالة التى كتب الله عليه توصيلها ،أو الحفاظ على أمانة رعاية مصالح المحكومين بالنسبة للحكام ،و ليست القصور علامة النجاح فى الحياة و عنوان الرضا و اكتمال السعادة ،بل هى تشهد على سكانها و تبقى بعد أن يفنون أو تبعدهم الأقدار عن السكن فيها و التمتع بها...

"وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ" القصص (58)

و ما أكثر تلك القصور المغلقة الفارغة إلا من حارس نائم و كلب رابض ،قصور مشيدة و أسوار عالية تحيطها و أشجار تكاد أن تذبل و تموت ،تراقبها كاميرات الصحفيين الذين يريدون إثبات القضية و عرضها على الناس ،و توجد المئات من هذه القصور على طول الساحل الشمالى و فى الغردقة و الأماكن الأخرى الساحرة مثل البحيرات المرة.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق