الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

سياسة نملة

المؤمنون أربع درجات : الصالحون – فوقهم الشهداء فوقهم الصديقون ثم فوقهم الأنبياء

و داود و سليمان من خواص الرسل و إن كانوا دون درجة أولى العزم الخمسة.

و قد مدحهم فى كتابه مدحا عظيما فحمدوا الله على بلوغ هذه المنزلة، و هذا عنوان سعادة العبد أن يكون شاكرا لله على نعمته الدينية و الدنيوية، و أن يرى بعين الشكر و اليقين الكثير من نعم ربه. فلا يفخر و لا يعجب بنفسه.

"و قالا الحمد لله الذى فضلنا على كثير من عبادنا المؤمنين"
ما أجمل أن يعلم الأب ابنه كلمة الحمد و يقولا معا "الحمد لله" فى ذكر مخلص مبارك، فهو اجتماع خير و نعمة الشكر على النعمة نعمة أخرى.

"وورث سليمان داوود"  كما يبدو من الآية السابقة أن الميراث ميراث علم ، و قد اختصهم الله بخاصة علم كلام الطير و فهمهم ، لذلك فقد جندوا الكثير من الجن و الإنس و الطير،  و اعترفا بهذا الفضل العظيم.." إن هذا لهو الفضل المبين"

و كانت تلك الجنود منظمة و معدة، مؤتمرة بأمر سليمان لا يمكنها عصيانه أو التمرد عليه.

و الحديث هنا عن وادى النمل حيث قالت نملة محذرة أخواتها أن سليمان قادم، فليدخلوا مساكنهم حتى لا يتحطموا.

و هنا نلاحظ البلاغة القرآنية:

"و هم لا يشعرون" فهذه النملة القائدة لم تتعجل و تصف سليمان بالقسوة و الشدة التى تدفعه لتحطيم النمل و هو متعمد، بل أن ذلك قد يتم بدون قصد ثم إن به دلالة على أن جنود سليمان من الكثرة العددية و القوة بحيث يحطمون واديا من النمل.

كما نلاحظ أن النملة بدأت الحديث بأمر تحذيرى يحميهم بدلا من اشعة الفوضى و بث الرعب بين صفوف عشيرتها فقد كان من الممكن أن تقول لهم مثلا سليمان قادم بجنود كثيرة فلتختبئوا..لكن هذا من شأنه تخويفهم و فقدانهم السيطرة و الترتيب و ربما تحركوا بعشوائية و حطموا بيوتهم بأنفسهم أو آذوا بعضهم بغير قصد.

و هذا من حنكة السياسة عدم اذاعة اخبار الخوف بدون طرح الحل السريع "ادخلوا مساكنكم" و خطة الإنقاذ التى تكفل عدم تفكك الصف و الحفاظ على الترابط و التماسك فيما بين أفراد المجتمع.

و كان أول ما قالته "يأيها النمل"  لكى تجمع بنى قومها حول كلمتها و تعلن حالة التأهب و الاستعداد لمجئ سليمان و جنوده.

فماذا كان موقف سليمان بعد أن سمع كلام النملة؟ إنه تبسم.. و التبسم عند رؤية فضل الله و تلقى بشارته من شيم الأنبياء و زوجاتهم

"فتبسم ضاحكا من قولها و قال رب اوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت على و على والدى و أن أعمل صالحا ترضاه"

تبسم سليمان من سعادته بنعمة ربه و إعجابه بالنمل و عالمه ؛إذ هدى الله النمل لما يحفظ عليه معيشته و حياته و يساعده على مقاومة أخطار الحياة بالرغم من صغر حجمه و ضعف هيئته ،فسبحان الله العظيم "الذى خلق فسوى * و الذى قدر فهدى"

و هذا هو التواضع أمام نعمة الله ، و هذا ما يجب أن يكون عليه شأن الملوك و الأغنياء و العلماء و من اختصهم الله بعظيم النعم و ميزهم عن غيرهم و أكرمهم بالسلطان أو العلم أو الفضل المبين.و ذلك يحفظ النعمة و يزيدها.

و نصيحة النملة من يهملها يقع فى خطأ إذاعة الاخبار الخاطئة....


و هذا الخطأ وقع فيه بعض المسلمين فى عهد الرسول حيث وصف الله فعلهم فى الآية:
"وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا" (النساء 83)
وقوله " وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به " إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها وقد لا يكون لها صحة .
و هناك أمور لا يصح أن تذاع و أمور يمكن أن تذاع ،و أولوا الأمر و أصحاب العلم و الحكمة هم من يمكنهم فقط الحكم على ذلك و اختيار ما يذاع من الأنباء.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع "
و نهى الرسول عن القيل والقال : أي الذي يكثر من الحديث عما يقول الناس من غير تثبت ولا تدبر ولا تبين.

و تكرر الخطأ على مر العصور....

تقع فيه وسائل الإعلام فى خطأ إذاعة أخبار الخوف ؛فتقوم بنشر و اعلان الاخبار التى تزعزع المجتمع و تنزع الثقة من أولى الأمر و تظهر الناس كلها بمظهر الخونة للوطن ، فسعيهم الحقيقى وراء السبق الصحفى الذى يظهر المؤسسة الصحفية أو البرنامج بكاشف الاسرار  و جامع الاخبار ، و لا يندرج تحت وظيفة مراقبة المجتمع التى تقوم بها الصحافة ، فمعنى الصحافة الاستقصائية الاستناد إلى حقائق و أوراق موثوق بها للبحث عن مواطن الفساد و التبليغ عنها لتحذير المجتمع من أخطار معينة و لإثارة الرأى العام ضد اهمال و تسيب و دعوة المسئولين للبحث عن حقيقة هذا الفساد و معاقبة المفسدين. أما الأخبار الرنانة عن الأزمات و الانفلات و الصراعات فشأنها تخويف المواطن و اصابته بالاكتئاب من سماع تلك الأخبار،و تخويف المستثمرين من التعاملات فى مصر و من ثم انهيار البورصة و باقى التبعات الاقتصادية ,فليحذر القائمون على البوابات الإخبارية من تأثير إذاعة أخبار الخوف و الشائعات دون دراسة تأثيرها المعنوى من اضعاف للهمم و تخوين جميع الفئات و زرع الكره و الحقد فى النفوس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق