الأحد، 18 نوفمبر 2012

كلهم يبكون

نصيحة إلى كل اب..لا ترسل أطفالك كلهم إلى نفس المدرسة ،فحوادث الطرق أصبحت العادى و النجاة منها هو الاستثناء!

لا تضعهم جميعا فى نفس الشاحنة فقد يصدمها قطار الموت فلا تجد إلى أولادك سبيلا..

دموع تسيل و رأس تميل و عقل لا يصدق.. هذا مستحيل.

كل أب له ابن اسمه فارس و كل ام لها ابن فى الصف الرابع الابتدائى أو لديه كراسة خط عربى ،كل ام لها أبناء فى المدارس الأزهرية ،كل شخص يستقل القطار و يمر بمنفلوط حيث حدثت الكارثة - كارثة تحطم اتوبيس مدارس تحت جرار قطار مسرع فى مزلقان المندرة بمنفلوط فى أسيوط - سائقو القطارات المذهولون بما يسببه هذا الوحش الكاسر الذى تسوقه أرجلهم و ايديهم فينقض بعنف ووحشية و يمزق أجساد البشر فى دقائق معدودة...كلهم يبكون.

كل مدرس فى المدرسة التى ضمت شهداء الحادث و كل زميل لهم ،و المصابون الذين تدمرت أجسامهم و نفوسهم و وودعت السعادة و البراءة طفولتهم من هول ما شاهدوه و عاشوه..كلهم يبكون.

كل بائع حقائب و أحذية يعرض حذاءا مشابها لحذاء الطفل البرئ الذى وجدوه بين حطام الحادث و حقيبة عليها ورود لا تعلم أنها ورود نعش الصغير الذى تمزقت أجزاء جسمه و تناثرت دماؤه على القضبان و بين ثنايا الحصى الصغير أسفل القطار...كلهم يبكون.

كل سائق لحافلة تضم أطفالا ينطلق بهم صباحا يحمل أمانة فى عنقه توصيل الكثير من الأطفال و يسعى أن يصل بسرعة قبل أن يدق الجرس أو يتعرض لتأنيب مدير المدرسة ، و كل مشرفة تهبط بالطفل أو تستلمه لتعبر به الطريق فى أمان فهو صغير لا يعنى من أمور الدنيا إلا اليسير..كلهم يبكون.

كل عامل فى مزلقان لا يلبث أن يسمع بين الحين و الآخر صوت القطار اللعين فيدق قلبه بعنف و يسرع لمنع الجميع من العبور و تحذير السيارات و المارة ، و يقاوم الغفلة و يقاوم النوم فى ليال الشتاء الباردة و أيام الصيف الحارة المملة ،كلهم يرعبهم صوت القطار الذى هو من فصيلة قطارات الموت و يشعرون بثقل مهنتهم و مرارها و نفورهم منها..كلهم يبكون.

رجال الدفاع المدنى و النيابة العامة و المحققون و من تناولوا الحادث عن قرب فسمعوا أقوال شهود العيان و اخترقوا المشهد على حذر من ان تطأ أقدامهم رفات طاهرة طمست معالمها و ذابت أطرافها ،بالرغم من شدتهم و قدرتهم على تحمل تلك المشاهد لاعتيادهم عليها إلا أن هذه المرة كانت قاسية و أليمة ،فكلهم يتعذب بكلمات الثكلى و دموع المصدومين..كلهم يبكون.

الأطباء و الجراحون الذين استقبلوا الجثث المشوهة الصغيرة و من نجا لكن تحطمت ضلوعه و رأى من الألم ما يفوق طاقة طفل صغير فقاموا بعلاجهم و إنقاذ ما تبقى لهم من معالم الحياة لكنهم مع ذلك كلهم يبكون.

موظفو مشرحة منفلوط الذين قضوا ساعات من الزحام وتوافد اهالى الأطفال القتلى ،الباحثين عن أى شيء يدلهم على أبنائهم ليحملوا ما تبقى منهم و يواروه الثرى بأيديهم المرتجفة كى يؤدوا نحوهم الواجب الأخير..كلهم يبكون.

أرأيت كيف أن هذا الحادث قد دمر كل المصريين و أمات أمانهم و حبهم للحياة ؛فتسربت أحلامهم فى السعادة و المستقبل البهيج...إن المصريين بعد يوم 17 نوفمبر 2012 ..كلهم يبكون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق