الجمعة، 18 مارس 2011

سقوط الإسكندرية

في الحادي عشر من فبراير عام 2012

جاء هذا النبأ في نشرة التاسعة:

انهارت نصف عمائر الإسكندرية على رءوس السكان بعد ظهور شروخ كبيرة و طولية و أفقية و جانبية ، و عقب صمت طويل للسكان القدامى و تجاهل تام من السكان الجدد الذين سكنوا فى الأدوار العليا التي ارتفعت منذ نحو عام.

و حيث أن طبيعة الإسكندرية مدينة ساحلية رطبة؛ فلم تتحمل المنازل أوزان الأدوار الزائدة، و التي بناها أصحاب العمائر الأذكياء في سرعة شديدة جدا، و ذلك خلال انشغال الأمن و الجهات الرقابية في المدينة عقب احتراق الأحياء و مراكز الشرطة فى تحطيم أمنى همجي منظم من البلطجية و أصحاب النفوس الضعيفة.

و تقدم المحافظ الجديد و المحافظ القديم (الموجود بالمستشفى البحري التي يرقد بها عقب صدور حكم بمصادرة أمواله و احتمال قضائه فترة عقوبة مشددة فى السجن) بخالص التعازي لأسر الضحايا و سوف يتم صرف تعويضات لهم من صندوق الكوارث الذي خصصته الدولة من فوائد الأموال المنهوبة عقب استرداد ثروة مبارك و حرمه و أولاده من البنوك الأجنبية في الشهر الماضي.

و سوف يتم إيقاف الدراسة كإجراء احترازي، و استغلال المدارس كمقرات سكن مؤقتة لمن نجا من سكان العمائر المنكوبة، و يتم صرف بطانية و غلاية صغيرة لعمل الشاي لكل أسرة بواقع بطانية لكل فردين و غلاية لكل أسرة، و يتم توزيع وجبات طعام مجانية عليهم لحين وصول التبرعات و الإغاثة الدولية.

و من الجدير بالذكر أن الانهيار حدث خلال الاحتفالات التي أقيمت في الذكرى السنوية لتنحي مبارك حيث انطلقت في تمام الخامسة مساء الصواريخ و رفرفت الأعلام في سماء الإسكندرية. و خرج الملايين للكورنيش لإحياء تلك المناسبة السعيدة، و ساعد هذا على تقليل حجم الخسائر في الأرواح.


 

الجمعة، 11 مارس 2011

حصة علوم

التجربة:

في وعاء زجاجي يتحمل درجات الحرارة العالية ضع كمية مناسبة من الماء و ارفعه على النار ، اتركه يغلى حتى درجة الغليان و سجل مشاهدتك.


 

المشاهدة:

  • تبدأ ذرات الماء بالجزء الأسفل من الإناء في التحرك و تتكون دوائر و فقاعات تتزايد بالتدريج.
  • مع ارتفاع درجة الحرارة تتصاعد بكثافة و سرعة لأعلى.
  • إذا نظرت من أعلى الإناء بعد أن تتخطى درجة الحرارة 100 درجة مئوية (درجة الغليان) تظهر فقاعات تنفجر في أوقات متقاربة و متلاحقة بدون أن تتوقع مكان الفقاعة التالية و بشكل عشوائي، و هكذا حتى يتم إطفاء النار أو يتبخر الماء.

الاستنتاج:

هكذا حال مصر الآن؛ المظاهرات فقاعات تصاعدت إلى السطح مع ارتفاع حرارة الثورة و توابعها، فلا يأتي يوم إلا بجديد من الأحداث و الوقفات و المطالب إلى أن يتحقق أحد حدثين:

  • إما أن تتوقف النار المشتعلة بالعقل و الحكمة.
  • أو يتبخر الماء و تخور قوى الشعب الثائرة و تنفذ طاقته بنفاذ الماء أو الغذاء...


     

    حفظك الله يا مصر و حماك من شر الفتن.


     

الأحد، 6 مارس 2011

"و عجلت إليك ربي لترضى"

هل تحب أن يسارع الله في إجابة مطلبك؟ أسرع بتلبية نداء الصلاة فإن خير الأعمال إلى الله الصلاة إلى وقتها..

تجد فريقا من الناس من يترقب موعد الصلاة و يتوضأ قبلها و يستعد لها بخشوع

و منهم من يترقب موعد الصلاة التالية ليسرع قبل أن ينقضي موعدها، كلاهما صلاة و لكن لكل منهما دلالة مختلفة و درجة متباينة عند الله، فالأولى أحب إلى الله و دليل الإقبال و ابتغاء الرضا.

فقد جعل الله الصلاة كتابا موقوتا ، و تيسيرا على الناس جعل لها وقتا محددا لكن هناك درجات للصلاة في أول ميقاتها أو آخره

و العمل الذي يعطلك عن الصلاة لا بركة فيه و لا نماء، و نداء "الله أكبر" يعنى أن الصلاة أكبر من أي شيء دنيوي يلهيك أو يؤخرك عن الصلاة

و أفضل الصفوف في المسجد هي الصف الأول.

"قال ما أعجلك عن قومك يا موسى قال هم أولاء على أثرى و عجلت إليك ربى لترضى"


 

و على الجانب الآخر نرى التباطؤ دليلا على ثقل العمل و ضعف الإيمان و النفاق

"ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " سورة النساء


 

و في مدح الأنبياء يصفهم الله تعالى: "إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا"

المسارعة فى الخيرات فضل من الله و هى نعمة كبرى للعبد إذ يجعل فى نفسه الهمة و الإرادة القوية لعمل الخير حتى بدون نفع شخصي أو مقابل إنما ابتغاء وجه الله بدون انتظار شكر و لا مدح ثم ينسى تماماً ما قدم إذ أن أجره على الله، و ما يزيده العطاء إلا تواضعا لله و اعترافا بشكره أن وفقه لهذا الخير.

انظر الى نبى الله موسى بعدما سقى لابنتى شعيب عليه السلام و كان على سفر و في شدة الإجهاد و الخوف بعد هروبه عقب قتله الخطأ لأحد الأشخاص

"فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير"

و كان جزاؤه خيرا إذ آواه الله و نجاه من فرعون و بطشه، و نصره بعد حين.


 

الخميس، 17 فبراير 2011

تحيا مصر

أقام الزملاء حفلا بهيجا بمناسبة لا تتكرر إلا كل عدة عقود ، مناسبة عامة جدا، و هامة جدا، عيد ميلاد المصريين ، عيد الثورة البيضاء ، ثورة الشباب و المثقفين ضد القهر و الظلم المبين.

في الصالة رأيت البالونات الحمراء و البيضاء و السوداء تتدلى ، و في كل ركن يوجد علم، و فوق السبورة كلام في حب مصر،،،،


 

تحدث زميل من مدينة التحرير العظيمة، حيث انه شاهد عيان على تلك الملحمة العظيمة

قال لنا أنه لم يقدم شيئا لأنه لم يحضر منذ أول يوم لكن كان نصيبه فقط عصا بالشومة (لذا جاء حليق الرأس)، لكن البطولة حقا هي المواجهة ثم المواجهة و الإصرار، قال أن هؤلاء المتظاهرين كانوا على استعداد لأن يظلوا هناك في الميدان عشر سنين حتى يحققوا ما يريدون و إلا فإنها ستكون فاشلة

قارنها بعدة ثورات مثل ثورة 1919 – ثورة الجيش 1952 و غيرها ووصفها بأنها ثورة كاملة شملت كل فئات الشعب.


 

لكن العجيب بالرغم من تباين صفاتهم و ديانتهم و أعمارهم إلا أنهم كانوا في تلاحم كامل، لا مشاكل مطلقة بينهم، الكل يقدم للآخر و يعينه، لقد أراد زميلنا أن يشترى طعاما ليستعين به في أيامه هناك، لكن الطعام المقدم لهم من المتطوعين محبي مصر كان يفيض، تنظيم بدون كلام، تعاون كل بمقدار ما يتقن و يستطيع ، فخرجت ثورة مكتملة الأركان ، و أذن الله لها بالنجاح ،و ألقى في قلوب الذين ظلموا الرعب و الخذلان و سوء الختام.


 

لقد استصغر زميلنا ما قدمه بالنسبة لمن رآهم هناك و من حضروا منذ اليوم الأول و استماتوا بشجاعة غير متوقعة, و الجميل أنهم كانوا على وعى كامل بتفكير القيادات العليا و المخاطر التي كانوا سيتعرضون لها إن استمر النظام الحالي بكل أو بعض رجاله، و الحيل التي قد يلجأ إليها المسئولون للتهدئة الوقتية للأمور توقعها المتظاهرون و عملوا على اتقائه خشية أن يزج بهم في المعتقلات بمجرد أن تنفض المظاهرات و تتفرق الحشود.


 

خلال ذلك تأملت بعين الفنان علم مصر، طائر (العقاب) وسط العلم كيف أنه شامخ و عظيم، فكرت فيمن صمم العلم بهذا الشكل البديع البليغ المعاني؟ (كان رمزا للدولة الأيوبية و ينظر ناحية اليمين للتيمن و المباركة) قدم العقاب و ذيله و جناحه القوى كله مرسوم بخطوط سوداء و خلفية صفراء و فى قلبه تستقر ألوان العلم الثلاثة.


 

تحدث زميل آخر عن التاريخ ، و كيف أننا كنا نمر عليه مر الكرام إذ أفقدنا الظلم المستمر الإحساس بالأمل في التغيير و كيف أننا نحتاج جميعا إلى الشعور بالانتماء ، و أي انتماء أحب إلينا من الانتماء للوطن الذي يحتوينا و نستمد منه أماننا و كرامتنا.

أتذكرون الهجرة إلى المدينة، كيف كان التعاون و الحب بين المهاجرين و الأنصار في دولة الإسلام الحديثة، ألم يمن الله عليهم بالألفة؟ "و وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ"، تلك الألفة و ذلك الإيثار هو المفتاح الحقيقى للنجاح و عبور الأزمات.


 

و الهدايا: أعلام صغيرة ما أغلاها و أجملها، و صندوق لتجميع أفكارنا مكتوبة للنهوض بمصر لمناقشتها فيما بعد، و آخر للهبات على روح شهداء الثورة.


 

فجأة أحسست أن بيتي واسع

اننى امتلك أراضٍ و أفدنة

و أن المكان حولي فسيح

و الهواء نقى و مريح

متوفر جدا بعد أن كان نادرا


 

أحسست أن لي من الأخوات كثيرا

سواء رأيتهم أم لم أرى

شاهدت الكون رائعا و كبيرا

كل من فيه مؤيد و نصير


 

و تلك الشمس البهيجة

أشرقت اليوم بوجه جديد

الأشعة تدفئ برد السنين

و النور يجلى غمام العين


 

الأربعاء، 2 فبراير 2011

يوم الغضب

جاءني تحذير من أحد المخلصين بعدم نزول الشارع يوم الجمعة 28 يناير 2011، و كان يتوجس خيفة من العواقب، و لأني مشغولة بآلاف الأشياء بخلاف السياسة؛ فقد استمعت للنصيحة دون أن أعى ما وراء تلك الأحداث الجسام من ألم و انهيار...

فى ذلك اليوم المخيف تابعت التلفاز لمعرفة آخر الأنباء بشكل سطحي ، و عند المغرب فوجئت بقرار حظر التجول عندها أدركت أن الأمر جد خطير

ثم تأجيل امتحانات الكليات لأجل غير مسمى فأيقنت أن الأمر بعيد المدى

ثم توالت الأحداث المحزنة المفزعة: اعتداء على المتحف المصري

امتداد الحريق ليشمل المجلس الأعلى للصحافة و المجالس القومية المتخصصة و كلها مؤسسات هامة و حيوية و لم تؤذى أحدا من المتظاهرين بشكل مباشر

كيف سمحت لهم نفوسهم بترك المبنى هكذا يشتعل بدون أن تتحرك عربات الإطفاء

نداء زاهي حواس المحب الأول لآثار مصر و هو مرابط بالمتحف لتأتى حماية الجيش بسرعة، دروع بشرية حول المتحف بعد عمليات سطو دنيئة بشعة على المومياوات و تكسير أحدها

ماذا فعلت لهم تلك المؤمياء الهادئة المستقرة من ملايين السنين كى تتكسر بهذا الشكل المهين، و التماثيل الصغيرة السوداء التى تمثل عساكر من الزمن الفرعونى القديم و غيره من علامات التكسير فى المبنى.. هكذا فى لحظات

كله إلا الخراب..إلا الحريق و إفساد ما تم بناؤه من ميزانية الدولة الهزيلة و التى ستزداد هزالا و ضعفا.

أننى أوقن أن هؤلاء المتظاهرين أول الأمر لم يدركوا حجم المأساة و العواقب المدمرة لما قاموا به، بل لعلهم رأوا فى انتفاضتهم هذه عملا قوميا يثابون عليه و يقدمون به خدمة جليلة للوطن و لإخوانهم البؤساء، لكن النتيجة انحرفت فى مسار آخر مخالف تمام

فقد أدت تلك الأحداث إلى التالى

انهيار الاقتصاد فى لحظات سريعة

سحب الثقة فى الاستثمارات المصرية

سحب الرعايا و تقلص السياحة

و نتيجة طبيعية و على المستوى الأكبر تقليل أشد فى فرص العمل المتاحة

و بسبب حظر التجول و حالة الخوف السائدة:

تعطل العمل بالمصانع و بالتالى نقص العبوات الغذائية و غيرها مما يؤثر على حجم السوق و التجارة الداخلية

ثم المخاوف الكبرى و التى ليست ببعيدة حول إمكانية التدخل الاجنبى و انتهاز فرصة الفوضى في هجوم خارجي...

هل هذا ما يرجوه المتظاهرون؟

"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم"

لماذا لا ينتظر المتظاهرون قليلا ليتفاوضوا و يستمعوا لاقتراح الرئيس، و يتحدوا حول كلام العقل و الهدوء و السلام على الأقل فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ البلاد، أقول لهم أنتم غير مفوضون من قبل كل فئات الشعب؛ فلا تتمادوا فى التظاهر قبل أن تستقر الأمور قليلا و نستطيع على الأقل جمع تلك الكلاب الضالة الهائجة التي انطلقت من جحورها سواء السجون أو المنحرفون القائمون بأعمال السلب و النهب و الترويع

اهدءوا و اسمعوا و أطيعوا حتى تهدأ الأمور، و بعد أن يستقر الأمن الداخلي و تصبحون قادرين على النوم و تشعرون بالأمن يمكنكم التفكير السليم المخطط، و يا حبذا تحت قيادة فئات راقية علمية توجهكم بشكل صحيح للسبل الشرعية للتعبير عن المطالب و الضمانات التي تحقق ذلك..

اهدءوا بارك الله فيكم كي تستعيد الدولة توازنها و لا تقع فيطحنها و ينقض عليها العدو المتربص..حينئذ لن ينفعكم غياب النظام أم حضوره ، بقاء الرئيس أم غيره، وجود البرادعى أو أتباعه..توحدوا.. اصمتوا قليلا حتى يعود الأمن و تدور المصانع مرة أخرى و تنطفئ الحرائق المشتعلة..


"و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها و ادعوه خوفا و طمعا * إن رحمة الله قريب من المحسنين"


31 يناير 2011

الخميس، 2 ديسمبر 2010

ملامح على الطريق

كعادتي كل يوم؛ انزل قبل عملي بوقت كاف لكيلا أحتاج لاستقلال سيارة، فأمارس رياضة المشي - الوحيدة المنتظمة عندي - لكن أسوأ وقت يمكن أن تسير فيه هو صباح اليوم الدراسى لأنه وقت انطلاق جميع الطلبة و الموظفين و عربات جمع القمامة...

إنها فرصة لتأمل وجوه البشر بمختلف فئاته و أعماره، فرصة طيبة لقراءة وجوه مئات ممن ألفت وجوههم أو أراهم لأول مرة في الطريق..أتأمل كل شيء: المتحرك (البشر)، و الثابت(الأشجار و المباني)، و الثابت المتحرك (السيارات في طريق مزدحم)، و لكل منهم رؤية جديدة لكنها جميعا تصب في كأس الشقاء.

الطلبة صغارا و كبارا يسرعون في مشيهم و يحملون حقائب تثقل ظهرهم تكاد أن توقعهم أرضا.

كثير من الرجال و بعض النساء تعلو وجوههم هموم الدنيا، و قد بدا من ملبسهم أنهم ارتدوا ملابسهم على عجلة من أمرهم و بدون تناسق أو تجمل.

العربات التي ينزل منها الأطفال أمام مدارسهم متزاحمة و صوت عربات أخرى خلفها غاضبة.

و الأرصفة التي لا مكان فيها للمارة بسبب مربعات كان من المفترض أن تضم شجرة فاحتلت مساحة الرصيف الكلية فنزل المارة للسير بجانب نهر الطريق.

و بداخل الحافلات موظفون يقاومون النوم بشدة أو أطفال يستسلمون له، فالمكان جد ممل لان سير الحافلة أبطأ من السلحفاة في الزحام المروري الصباحي.

أمام بائعي الجرائد أناس بسطاء يتغلبون على سخرية الواقع بقراءة الجريدة القريبة إليهم و يعتبرونه الحدث الوحيد الجديد في حياتهم الرتيبة المتكررة.

أما اختيار الجرائد فله فلسفة أخرى، فالموظفون لهم ما يروقهم و كذلك النساء المتقدمات في السن، و الشباب له ذوقه الخاص في الاختيار، النساء يفضلن الأخبار, الرجال يقرءون المصري اليوم و قليل من الموظفين يشترى الأهرام، الآنسات لا يشترين جرائد و لا المراهقين.

عربات القمامة ذلك الشيء الضخم الذي يسير في الشوارع بجرأة متخطية حدود اللياقة مع المارة فمازالت تهب عليهم الروائح و تسد عليهم الطرقات بين الرصيف المشغول و العربات السائرة.

و من وسط هؤلاء تأملت حركة من يكنس الشارع، و يجمع المخلفات بحركات أفقية و طولية بطول الطريق تاركة خطوطا سوداء طولية و عرضية و جانبية، ثم يرفعها بحرص للصندوق.

وقتها شعرت أن قيمة الدنيا لا تتعدى قيمة تلك المخلفات التي يجمعها الرجل!


 

السبت، 13 نوفمبر 2010

نفحات من سورة الحج

تسعدني قراءة سورة الحج، خاصة في العشر الأوائل من ذي الحجة، أيام التقرب من الله و خير ما يتقرب به العبد إلى الله هو أداء النوافل و قراءة القرآن بتدبر، وهذه السورة مرتبطة بأحد أركان الإسلام الوحيدة التي لا يفرض عليه تكرارها مثل باقي الفرائض.

بداية سورة الحج نداء للتقوى و تخويف و ترهيب و تذكير بزلزلة الساعة، و ربط بين مشهد تجمع الناس في الحج فرادى لا حول لهم و لا قوة، و مشهدهم و ذهولهم يوم قيام الساعة حيث يكون الناس كالسكارى فاقدين للعقول و جميع معايير و قوانين الدنيا.


 

ثم تأتى حقيقة قدرها الله و كتبها منذ قديم الزمان، كتب على إبليس أن من أطاعه و اتخذه وليا فان مصيره الضلال و لا شك و يقوده إلى عذاب السعير، و من بلاغة القرآن أن الله كتب هذه الحقيقة على الشيطان.. و هذا يكفى، و ليس على أتباعه؛ فالشيطان هو مصدر شر أبدي للإنسان و جاهر بعدائه منذ خلق آدم.

و إذا تـأملنا الآيات التي تحدثت عن الشيطان نجدها كثيرة:

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

"يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير"

ألا يستحق الرجم؟ ..يبدو هنا الربط بين الآيات و بين شعائر الحج و التي من أساسها رجم الشيطان أو من ينيب عن الحاج إذا تعذر عليه رمى الجمرات بنفسه.


 

كما أنها تشمل تحذيراً لمن لا يحسن الظن بالله

"من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا و الآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ"

و هل للإنسان ملجأ إلا الله ؟ هل يستطيع أن ينفذ من أقطار السماوات و الأرض؟ إن حياته بأمر الله و بأمره يموت


 

و هذه صورة أخرى مخيفة لمن يشرك بالله:

"و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق"

فقد انحرف المشرك عن فطرته السليمة فسقط من مكانة الإنسان العاقل ليصبح شتاتاً تنقض عليه طيور الشر أو تدفعه الرياح إلى أسفل سافلين.

و تناظرها صورة أخرى مشابهة لها في آية في سورة طه:

"و من يحلل عليه غضبى فقد هوى"


 

كما تتعرض السورة إلى الجدل بالباطل و نظرة مستقبلية إلى الغيب، إذ يكون عاقبة فريق المتخاصمين الذين جادلوا بالباطل أن قطعت لهم قطع من النار و صب فوق رؤوسهم الحميم فهو عذاب من خارج و داخل أجسامهم تنصهر بطونهم و جلودهم.


 

و تحمل بشرى للمهاجرين إلى الله و الشهداء ووعد من الله بأعظم أجر؛ أن يضمن لهم أن يدخلهم مدخلا يرضونه و كفى به رزقا حسنا.

و تلك بشرى أكيدة للمؤمنين أن الله كفل لهم الهداية:

"و إن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم".. لاحظ استخدام صيغة "فاعل" في "هاد" دليل على الاستمرارية و التأكيد

و أهداهم خاصية لهم تطمئنهم أنه تعالى لهم سند و حماية

"إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور"

و أنظر إلى لطف الله و هدايته لمن أحب:

"و هدوا إلى الطيب من القول و هدوا إلى صراط الحميد"


 

و هذه هي السورة الوحيدة التي تحتوى آيتى سجدة


 

و فيها الآية العظيمة التي يؤذن فيها بالحج و تشمل شعائر الحج بتفاصيلها و الحكمة من ذبح الأضحية و كفارة الحالات الخاصة و تقديم أو تأخير بعض الشعائر و الرخص التي شرعها الله للتخفيف على الحجاج.

و يمتدح الله من يعظم شعائره و حرماته فى آيتين

"ذلك و ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"

"ذلك و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"

فتعظيم الأوامر و النواهي إنما مصدرها الخشية من الله و تعظيمه


 

و تختتم السورة بنداء من الله للمؤمنين بالصلاة، و أمر لهم بإتباع مبدأ هام جدا: من أراد الفلاح فليفعل الخير.. هكذا دون أن ينتظر مقابل أو جزاء سوى رضا الله.

"يأيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و افعلوا الخير لعلكم تفلحون"

و الآية الأخيرة:

"و جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم"

ألا يتطلب مننا الجهاد في الله حق جهاده أن نصبر على ابتلاءات الدنيا الفانية و أن نتخذ من الكفاح و الإخلاص في العمل شعارا لنا؟ من أجل هذا استحق المسلمون المجاهدون الاصطفاء و الشرف بنعمة الإسلام.


 

"و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس"

فالدعوة إلى الإسلام و الحفاظ عليه واجب على المسلمين لأنهم شهداء على الآخرين و ناصحين لهم و قائدين إلى الخير و الهداية..فأي شرف وهبه الله للمسلمين؟ لعلهم يقدرون حجم المسئولية التي حمَلها لهم الله.

و لكي يستطيعوا تحقيق هذا عليهم إتباع الآتي:

"و اعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى و نعم النصير"


 

آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله لا قوة إلا بالله