الأحد، 2 مايو 2010

نقيق ضفدع

من ذكريات الطفولة السعيدة صوت نقيق الضفادع..

لا أدرى لماذا حتى الآن أسعد بصوت نقيق الضفادع بالرغم من أنه ليس جميلا على الإطلاق

لكنه الحنين..

كانت شرفة غرفتي تطل على حديقة فيلا مجاورة، و في حوض صغير للماء كان يسكن ضفدع عذب الصوت

يظل يغنى طوال الليل كأنه حارس أو أنيس، و لذلك اعتدناه أطفالا فلم ننفر منه يوما أو ننزعج.

كان ينشط في الصيف مع ظهور أوراق العنب، ذلك النبات الأخضر المتسلق الذي ينمو و يتشبث بالجدران خطوة بخطوة حتى يصل إلى نافذتي ..ليطل عليها فيداعب تلك الأوراق نسيم الصباح المنعش و نسيم الليل البارد اللطيف.

كنا نميز أصواتها فنجد اختلافاً بينها حسب السن و النوع ..يبدو أنها كانت عائلة سعيدة جدا، ترى فيم كانت تتحدث؟ هل كانت تسبح ربها أم تسلي ليلها أم تناقش أمور حياتها؟ العلم عند الله.


 

كما تتقافز الضفادع سعيدة فيما بينها؛ تتقافز الفرحة في عيوني عندما أنظر إلى حوض الزرع لأراه أثرا بعد عين..

لا تدرى ما سر هذه السعادة؟ أهو تآلف الطفولة مع الطبيعة أم حب اللون الأخضر و حب الحياة؟

 
 

هذا الضفدع يذكرني بحكاية من حكايات الأطفال هي الأمير الضفدع؛ ذلك الأمير المسحور الذي فك سحره و حل عقدته حب الأميرة و تقديرها له.

و تذكرتني تلك الحكاية بحكاية أخرى هي الجميلة و الوحش..

ربما كان الوحش مستأنسا، و الجميل مستقبحا مرهوب الجانب؛ فالجمال الحقيقى هو جمال الروح


 

أيتها الذكريات الجميلة ماذا نفعل لتبقى في ذاكرتنا مدى الحياة؟

أيتها الطفولة السعيدة ماذا نفعل لنستعيد لحظة – لحظة واحدة فقط – من هذه الأيام؟

أيها الأطفال الأشقياء؛ تمهلوا في أحلامكم و لا تتمنوا أن تصبحوا مثلنا..أنتم الآن تحت ظل شجرة فيحاء؛ في واحة رحيمة؛ في قلب صحراء الحياة بشمسها المحرقة و لهيبها اللافح..أنتم الآن تجدون من يوفر لكم الحماية و الأمن و المعيشة الطيبة .. فلا تتعجلوا الخروج من جنة الوالدين إلى وهم الاستقلال.


 

إلى كل حلم من أحلام الطفولة البريئة....


 

يا ساكنا قلبي منذ القدم

متى تطفو الحنايا فوق الألم

متى ترضى النفوس و يذهب الندم

من سيدفعني و يستنهض الهمم


 

الأربعاء، 28 أبريل 2010

"أتعجبين من أمر الله"

التفاؤل صفة حسنة و سلوك صحى يجب أن يتحلى به الإنسان وسط ذلك الكم الهائل من الأحداث السيئة و الأوضاع المحزنة..و التفاؤل ينبع من ثقة دفينة راسخة فى المؤمن بأن الله سيحقق له آماله و يراها تتحقق أمام عينيه.. و لو بعد حين.

الأنبياء و أهلوهم هم قدوة لنا بما يحملون من صفات عليا؛ أهلتهم ليكونوا رسل الله المبلغين لأوامره ونواهيه؛ و الشارحين لأصول الدين من خلال القول و الفعل... نلتمس اليوم نفحات من عدة آيات تمثل مشهدا قرآنيا من سورة هود:

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)

فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70)

أرسل الله ملائكة تبشر ابراهيم ببشرى عزيزة – جاءوا فى صورة بشرية فظنهم ضيوفا و أكرمهم، و من دلائل كرمه عليه السلام في الآية الشريفة التعبير "فما لبث" "حيث أسرع بإحضار واجب الضيافة :عجل سمين ؛ حتى قبل أن يتعرف عليهم .. بمجرد إلقاء السلام و إبداء الأمان ؛ فكان كرم الله و فضله بتحقيق أمنية إبراهيم التي تمناها طوال عمره فمن الله عليه بنعمة الأولاد بعد طول انتظار.

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)

قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)

امرأته قائمة: أغلب الظن أنها كانت تقوم بدور الضيافة و الترحيب للضيوف الذين أتوا (الملائكة) بالرغم من كبرها في السن..

و ضحك المرأة (زوجة سيدنا إبراهيم) كان مقدمة لتبشيرها ببشرى الولد "اسحاق" و زيادة فى العطاء "يعقوب" و تلك "فائدة التفاؤل" و حسن الظن بالله

و فى نفس المشهد لقطة أخرى من سورة "الذاريات"

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)

قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)

من شدة العجب صكت وجهها أي ضربته برفق ..وصف دقيق جدا لمشاعر امرأة أذهلتها المفاجأة بعد أن يئست من طول الأمل و استسلمت لقدرها، و رضيت بنصيبها و تأقلمت مع حرمانها من الأولاد، و ذاب شوقها الذي حملته سنوات طوال إلى الأطفال.

ليس الأمر قاصرا على الأسباب الظاهرة فقط؛ بل هناك قوة مدبرة فوق قوانين الحياة و حدودها التقليدية؛ فسواء كانت عجوزا أم شابة عاشت حياتها عقيمة بلا أولاد، أم كانت ولوده ، كل هذه الأسباب لا تزن شيئا أمام قدرة الله .

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

لا يتعجب الإنسان أبدا من قدرة الخالق و كرمه و قدرته فالأمر جد يسير .. إنما هي كلمة من الله:"كن فيكون"، فلم العجب؟

أهل بيت الأنبياء هم صفوة الناس بعبادتهم و تقواهم و إيمانهم العميق ، فهم أكثر الناس تعرضا لرحمة الله و بركاته، تتنزل عليهم آناء الليل و أطراف النهار، و منهم نعرف كيف تكون الحياة اليومية الهادفة المثمرة؛ فإن حياتهم ليست لأنفسهم؛ لكنها لهدف خالد هو نشر الدين و الكفاح من أجل العقيدة، و لهذا يبتليهم الله ليطهرهم و يذهب عنهم الرجس، و من بعد الابتلاء يأتي اليسر و الفرج و حسن العاقبة.. و هذه بشرى و دعوة للتفاؤل.

الثلاثاء، 20 أبريل 2010

الأيادي الناطقة

هل تصدق أنه سوف يأتي يوم تتحدث فيه يداك و جوارحك، و بأي حديث تتكلم؟ إنه ليس كلاماً عادياً؛ إنها شهادة في وقت يفتقر فيه الإنسان إلى شهادة خير، و على أي شيء ستشهد ؟ عليك أنت.. أنه في يوم كذا قد فعلت كذا ، لا يهمها أنها سوف تتعذب معك.. فهذا أمر الله الذي أمرها بالنطق؛ و أنطقها فنطقت؛ و كان أمر الله مفعولا...

أما تستحي أيها العاصي؟ ألم تعلم بأن الله يرى؟ سيشهد الجميع: السمع.. البصر..القلب.. حتى الجلود و كل ما استعملته بما يخالف شريعة الله؛ استعملت جوارحك التي وهبك الله إياها في عصيانه بدلا من شكره عليها، و استهنت بمراقبة الله لك و هو معك أينما كنت؛ ألم تعلم أن ربك بالمرصاد؟ ألم تعلم أن كل شيء قد أحصاه الله و لو نسيته أنت؛ و سوف يحيط بك الإثم من كل جانب فلا تجد مخرجا و لا ملاذا..

قد جاءنا التحذير من الله فى الآيات التالية:

"وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ "

و فى الحديث الشريف:

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك، فقال: ((هل تدرون مم أضحك)؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تُجِرْني من الظلم؟ قال: بلى، قال: إني لا أجيزُ اليومَ على نفسي إلا شاهداً مني، قال: يقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُختَمُ على فيه فيقال لأركانه: انطِقي، فتنطق بأعماله، قال: ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام فيقول: بُعداً لكُنَّ وسُحقاً، فعنكن كنتُ أُناضل)).


 

الأربعاء، 7 أبريل 2010

لوحة حائط

من ذكريات الطفولة غير البعيدة ..ربما كان عندي ثمان سنوات ..ربما، لكنني كنت قد أتقنت القراءة و الكتابة بالشكل الكافي لقراءة لوحة حائط.. و هذا هو المؤكد.

بينما كانت عيني تسبح في فضاء حائط الفصل؛ استقرت على لوحة مكتوب بها حديث شريف، لازلت أحفظه حتى الآن، و كانت مكتوبة بخط رقعة واضح جميل..

"عن عبد الله بن عباس قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما قال يا غلام، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، و إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام و جفت الصحف"

بنظرة الطفل الصغير و عقليته تفهمت الجزء الأول من الحديث، و حفظت العبارة الأخيرة (لما كانت تحتوى على بلاغة أدبية درستها فيما بعد)، و انصهرت تلك الكلمات و المعاني في بوتقة عقل لا يزال في مرحلة الإنشاء و التكوين؛ و تشكلت معان و مبادئ لا تتبدل على مر الزمان، ثم تجمدت لتثبت مدى الحياة راسمة معالم الطريق...

يبدأ الحديث في بلاغة نبوية: في البداية "إني أعلمك كلمات"؛ مما يهيئ المتلقي إلى التركيز؛ فما سيقال كلمات معدودة و ليست موعظة طويلة يترك بعضها و يلتقط بعضاً.

ثم يعرض منهجاَ كاملاَ لمراقبة الله، و استشعار وجوده في كل وقت، و الأنس به.. فهو سبحانه "تجاهك" أي أمامك يراك و يرعاك؛ و حفظ الله للإنسان أعظم مكافأة لحفظه أوامره سبحانه و كلماته، كما أن السؤال و الطلب و المعونة منه وحده، مع الثقة الكاملة أن الأمر كله لله؛ و إن اجتمع الناس كلهم على نفع أو ضرر الإنسان.. و تلك ثقة في الله تكسب المؤمن قوة مستمدة من عمق الإيمان لا يخشى معها أي قوة دنيوية مهما عظمت.

هذه هي أسس التوكل على الله؛ تحضرني الآن الآية الكريمة في سورة هود؛ على لسان نبي الله هود:

"من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربى و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم ".

أما معنى (رفعت الأقلام و جفت الصحف) أي أن هذا القول ثابت لا يتغير و لا تصيبه تحريف مدى الزمان.


 

هكذا كانت المدرسة في الأيام الخوالي، كان الطالب يتعلم فيها حتى في وقت فراغه أو عند غياب المدرس؛ و بكل الأشكال: نصيحة مباشرة أو غير مباشرة، نصيحة منطوقة أو مقروءة، المهم حسن اختيار المواد المقدمة للطلاب و عرضها بشكل بسيط و مؤثر و مناسب لسنهم الصغير، و لا شك أنها من المؤثرات القوية إذ يتعرض الطفل لها كل يوم عدة مرات فتشجع لديه موهبة التأمل و التفكير ثم الاستيعاب الكامل.


 

الثلاثاء، 30 مارس 2010

صوت من بعيد

صوت من بعيد.. آت من عمق السماء..بل من بين جنبات الأرض .. بل من قلوب المؤمنين..

صوت يتردد منذ سنين.. حلقة الوصل بين جميع أيام العمر ..سمعناه أطفالا و شبابا و كهولا و لا يزال يدوى صداه إلى ما شاء الله..

الآذان..الله أكبر..أكبر من كل المشاغل الدنيوية أكبر من كل كبير، أكبر و أعلى و أعظم.

أكبر من أي مشكلة دنيوية زائلة، أكبر من هموم الدنيا مجتمعة..

شهادة الوحدانية.. هي شهادة العزة و الكرامة، شهادة نستودعها و نختزنها عند الله؛ لتأخذ بأيدينا عند عبور الصراط، و ننجو بها من خزي يومئذ.. شهادة شهدها الله و الملائكة و أولو العلم.

حي على الصلاة.. هلم إليها لتريحنا من الهبوط الأرضي، و الغبار الذي يغشى الأبصار؛ فلا تكاد تبصر إلا تحت الأقدام، هلم إليها لنجدد طاقتنا و نستعيد فطرتنا التي أفسدتها الأطماع الدنيوية التي لا تنتهي..

هلم إليها لنوقف تيار الانشغال عن ذكر الله، أو لإيقاف خلاف أو إسكات أصوات تتعالى و نفوس تتشاحن، هلم إليها ليستفيق الغافل و يتوقف العاصي؛ أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر؟ و لتكن صلاة خالصة نستشعر فيها جلال الله و متعة الوقوف بين يديه ننعزل فيها عن العالم و الأصوات الخارجية و الزخارف المحيطة بنا من كل جانب.

و من قبلها بالوضوء تغسل الذنوب و يضاء الوجه و يزيد الأجر و يتم التطهر.

و عندما تكون صلاة خاشعة؛ يتحقق الفلاح كما قال تعالى: "قد أفلح المؤمنون، الذين هم فى صلاتهم خاشعون.. ".و هي أولى صفات المؤمنين: المحافظة على الصلاة في أوقاتها؛ فمن أسرع إلى الصلاة أسرع الله في إجابة دعاءه. "و عجلت إليك ربى لترضى"

لا اله إلا الله..خير ما قال الأنبياء و ردد الأصفياء.. لا اله إلا الله حقا حقا، لا اله إلا الله تعبدا و رقا.. لا اله إلا الله مفتاح دخول الجنة، بها تختتم حياة الصالحين و ترتاح نفوس المكلومين.

و لكل وقت ذكراه و معناه:

الفجر..سكون نفسي وسط سكون مادي، نور يسرى في القلب قبل ظهور نور الشمس ..يسبق تسبيح العصافير بعدة دقائق ثابتة يومياً.

الظهر..ينتزع الناس من دوامة العمل ليستعيدوا نشاطهم و حيويتهم فيستكملون أشغالهم بعزيمة، بعد أن خففت الصلاة من مشقة العمل و رتابته.

العصر..صلاة وسطى لا يضيعها المؤمن و لا يشغله نوم القيلولة عن أدائها.

المغرب.. علامة فارقة بين الضوء و الظلام، بين الحركة و السكون، يسبقها الكثير من تسبيح الطيور مجتمعة في وقت واحد؛ تليها بعض أصوات زقزقة العصافير الشاردة المتناثرة.

العشاء..إيذان بانتهاء كفاح يوم و إيقاف عجلة الدوران للاستعداد لليوم التالي.

و صوت المؤذن مميز له سحر خاص، يفتقده الإنسان عند السفر و الترحال, فمن الأصوات ما هو هادئ عذب، و منها ما هو عال جهوري، و منها ما يحمل في طياته نبرة وعيد و تحذير.. و جميعها أصوات محببة بما تحتويه من كلمات مكرمة عند الله؛ فيها الخير و زيادة، ترديدها سنة و عبادة.

الأربعاء، 24 مارس 2010

"لعلكم ترحمون"

ما هي الطريقة المثلى لتأمين مستقبلك و مستقبل أولادك؟ كيف تضمن لهم حياة سعيدة هانئة؟

لا ليس بأموال مكتنزة في البنوك و لا عقارات مسجلة و لا حلى ذهبية أو مجوهرات ثمينة.. ليس كل هذا هو الشيء المضمون.

المضمون أن تختزن فعل الخير عند الله ...

و ليكن شعارك تلك الآية الكريمة "و افعلوا الخير لعلكم ترحمون".

معونة الله لك أكيدة بسعيك في عون أخيك.. أنت تساعده فيساعدك الله: فأيكما أكثر استفادة و أيكما أسعد حظاً؟ من كان الله معه كفاه ما أهمه من شرور الدنيا و الآخرة.

لا تنتظر رد الجميل من الناس، لكن توقع الجحود و ادع الله أن يتقبل ما تقدمه؛ فالله يزيد الإحسان حسنا و الثواب أضعافا مضاعفة.

ألم يقل موسى عليه السلام مناجياً ربه: "رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير" بعد أن سقى لبنات سيدنا شعيب متحملا مشقة فوق مشقة سفره الطويلة، مبتغيا وجه الله فيما قدم لغيره؛ فأكرمه الله و آواه و آمنه من خوفه و نجاه من الهم و الغم.

و كما نعرف في سورة الكهف كيف حفظ الله أموال اليتامى، و أمر الخضر ببناء الجدار المتهدم الذي كان يخفى تحته كنزا تركه الوالد لأولاده قبل وفاته ليستخرجوه عندما يبلغا أشدهما ..فقد استودع الرجل تلك الأمانة عند الله، فلم يضيعها و سخَر لحفظها من يعمل على حمايتها دون أجر .. "و كان أبوهما صالحا"

من يراعى الله في تعامله مع أولاد غيره، و يشفق عليهم كأنهم أولاده؛ سيصل أجر ذلك بالتأكيد لأولاده في حياته أو بعد مماته؛ و بذلك يكون قد ضمن لهم حياة ميسرة مأمونة.

أما المبادئ الهادمة التي تسود المجتمع اليوم من تبادل المصالح و المنافع ، أو استباحة ظلم أحد من أجل منفعة ابن أو قريب فهو يشق بيده طريقا محتوما لفشل ذلك الابن ، و يظلم بحمقه نفسه وولده؛ فما كان الله ليضيع حق المظلوم و لو بعد حين.

كيف يتوقع الظالم الرحمة و قد علم أنه من لا يرحم لا يُرحم؛ أم للإنسان ما تمنى.. ربما خيل له غروره و تقلبه في النعم صباحاَ و مساءاَ أنها نصيب مفروض له لا يزول عنه.. ربما فكر أن الغنى سيظل هكذا للأبد و كذلك الفقير لأن الله خلقه لهذا.. هكذا يوسوس الشيطان لمن ينسى ذكر الله فلا يستفيق إلا بعد أن تناله العقوبة الغليظة، و يأخذه الله بذنبه؛ إن أخذه أليم شديد.


 


 

الثلاثاء، 16 مارس 2010

لا تكن كالقمر

كن كالشمس... مضيئة بذاتها لا تتوقف عن الضياء و توزع أشعتها و دفئها على الجميع بالعدل

و لا تكن كالقمر.. يعكس فقط الأشعة الواقعة عليه ' إن أضاءه شعاع أضاء و إذا ذهب أظلم

كما أن برودته تمنع أن يعيش فيه مخلوق

الشمس كبيرة في ذاتها و إن بدت لنا أصغر

الشمس أداة تنير للناس حياتهم و تدفعهم دفعا لترك النوم و الذهاب إلى أعمالهم.

القمر أداة الشعراء للتغزل و قول كلمات مؤقتة تذوب صباحا.

القمر لا يتمسك بزواره و محبيه؛ فليست لديه جاذبية لهم؛ و لا يزال رواده يطيرون فوق السطح ملتمسين ثباتا أو هروبا.

القمر متغير المظهر و الشكل – تارة هلال و تارة بدر و أخرى محاق - كل يوم في شكل جديد و مظهر مختلف؛ لا يثبت على صورة واحدة و إن تكررت دوراته، فإذا علمته اليوم بدرا قد يتحول هلالا بعد أيام..

إذا أردت ألا تكون كالقمر: فكن ذا شخصية واضحة لها مبدأ ثابت لا يتغير قلباَ و قالباَ مهما تغيرت الدنيا من حولك و مهما اختلفت مواقف الناس، و لا تجعل المجاملة عذرا لقول ما ليس بحقيقة، تمسك بأصدقائك و أحبائك لا تفرط فيمن حولك فربما لا يمكنك تعويضهم لاحقاً؛ فلا يستطيع أحد مهما كانت درجة ذكائه و استقلاليته أن يلفظ الناس كلهم و يبعدهم عنه؛ فالناس يحتاجون لبعضهم البعض و العزلة ليست سهلة...

و لتكن كلماتك مضيئة حانية تسع الناس حلما و دفئا، و لا تتعجل الأحداث فالدنيا تسير بميقات محدد و قدر معلوم.