الأحد، 8 يناير 2012

"و حال بينهما الموج فكان من المغرقين"

رحمة الله بنوح كبيرة فلم ير ابنه و هو يصارع الموت و تغلبه الأمواج فيغرق، بل رأى الشيء الدال على غرق ابنه و هو اختفاؤه بعد موجة عالية।

و تلطف الله فى الحديث معه فناداه باسمه ليهون عليه: "يا نوح انه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح"، و نهاه عن الحزن فابنه ليس من أهله لأنه فارق الإيمان فزالت الرابطة بينهما، و نهاه عن الابتئاس بسبب تكذيب قومه المستمر الطويل و سخريته منه عندما صنع السفينة بأمر ربه.

و ما مصير الإيواء بغير حمى الله سوى الخذلان: فقد قال ابن نوح "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" و رد عليه الله بالحق:"لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم".

ذلك المشهد الختامي السابق مذكور في القرآن في سورة هود أما القصة التي تصف جهاد نوح الطويل مع قومه فتتضمنها سورة نوح...

تبدأ سورة نوح بأمر من الله له بأن ينذر قومه و يرشدهم للإيمان ثم يتبعها تنفيذ نوح مباشرة للأمر ، و الآيات التي تليها تشمل شكوتين الأولى شكوى نوح من رد فعل قومه بعد أن أنذرهم ووصفه لتلك الدعوة المستمرة فهي من حيث الزمن مستمرة ليلا و نهارا و متنوعة من حيث أشكال الاتصال فقد دعاهم جهارا بشكل علني و اتصال جمعي ، كما أنه دعاهم بشكل سرى و مفرد باتصال شخصي لعله يكون أشد تأثيرا لكن لا فائدة و لا نتيجة سوى الإعراض، و كيف تخبت قلوبهم و تعقل أفئدتهم و هم يصدون أنفسهم عن السماع أو النظر بتغطيه وجوههم بأثوابهم و استكبارهم الشديد عن الهداية.

لقد حاول معهم باستخدام أسلوب التبشير و الوعد بالخير الوفير إذ أمرهم بالاستغفار لينالوا بركة الاستغفار من انهمار المطر و زيادة الأولاد و الرزق، ثم استخدم أسلوب الترهيب ببيان سوء صنيعهم محذرا لهم فهم لا يوقرون الله ؛ قال تعالى :"مالكم لا ترجون لله وقارا" ؛ بالرغم من تقلبهم فى نعمه و خلقه لهم أطوارا بين ضعف و قوة ثم ضعف و شيبة، و تسخيره السماء و النجوم و القمر نورا و هداية، و إنباته إياهم من الأرض ؛ فهم كالنبات ينمو و يكبر من خير الأرض ثم يموت و يدفن فيها ليتحلل و يذوب بين ترابها،

فالشكوى الأولى إثبات أنه أدى أمر الله و لم يقصر في دعوتهم، و إنما هم الذين عاندوا و لم يستمعوا ، و الشكوى الثانية بسبب موقفهم العاصي و تفضيلهم إتباع ذوى الأموال و السلطة و ما أسوأهم من متبوع فقد أفسدتهم الأموال و خسروا و مكروا ، و أي مكر أشد من إغرائهم بعبادة آلهة صماء قبيحة عاجزة؛ حتى أسماؤها قبيحة منفرة(ود – سواع – يغوث – يعوق - نسرا) ذكرها الله في القرآن ليبدو التقابل و التناقض بين أسماء الله الحسنى الذي خلق لهم النعم و الجمال، و أسماء الآلهة الخبيثة التي اتبعها آباؤهم الجاهلون.

و من الجمال الفني في القرآن ذكر أسماء الآلهة المنفرة مقابل ذكر لطف الله فى خلق الجمال السماوي سبع سموات طباقا و جعل القمر فيهن نورا (لاحظ الضمير العائد على السموات و رقته) و جعل الشمس سراجا.

و نتيجة لكل هذا دعا عليهم نوح أن يزيد هؤلاء الظالمين ضلالا و كفرا ، فاستجاب الله له و كنتيجة حتمية لتلك الخطيئات التي فعلوها فأغرقتهم و لم ينصرهم أحد و لا هؤلاء الأغنياء الذين دعوهم للكفر و عبادة آلهة الآباء.

"مما خطيئاتهم أغرقوا" – فالخطيئات كأنها بحر من الذنوب؛ أغرقتهم بجزء منها فهى كثيرة، و كذلك يكون الجزاء وفاقا.

و لما اشتد على نوح الغضب دعا عليهم ألا يبقى منهم أحدا لتتطهر الأرض منهم، فلا يبقى من عقبهم أو أولادهم أحد ؛ فهم كالجراثيم أو الفيروسات يجب القضاء عليها تماما لكيلا يعود المرض، فهؤلاء الفجار لا يأتى من نسلهم سوى الفاجر شديد الكفر।


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق