صوت من بعيد.. آت من عمق السماء..بل من بين جنبات الأرض .. بل من قلوب المؤمنين..
صوت يتردد منذ سنين.. حلقة الوصل بين جميع أيام العمر ..سمعناه أطفالا و شبابا و كهولا و لا يزال يدوى صداه إلى ما شاء الله..
الآذان..الله أكبر..أكبر من كل المشاغل الدنيوية أكبر من كل كبير، أكبر و أعلى و أعظم.
أكبر من أي مشكلة دنيوية زائلة، أكبر من هموم الدنيا مجتمعة..
شهادة الوحدانية.. هي شهادة العزة و الكرامة، شهادة نستودعها و نختزنها عند الله؛ لتأخذ بأيدينا عند عبور الصراط، و ننجو بها من خزي يومئذ.. شهادة شهدها الله و الملائكة و أولو العلم.
حي على الصلاة.. هلم إليها لتريحنا من الهبوط الأرضي، و الغبار الذي يغشى الأبصار؛ فلا تكاد تبصر إلا تحت الأقدام، هلم إليها لنجدد طاقتنا و نستعيد فطرتنا التي أفسدتها الأطماع الدنيوية التي لا تنتهي..
هلم إليها لنوقف تيار الانشغال عن ذكر الله، أو لإيقاف خلاف أو إسكات أصوات تتعالى و نفوس تتشاحن، هلم إليها ليستفيق الغافل و يتوقف العاصي؛ أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر؟ و لتكن صلاة خالصة نستشعر فيها جلال الله و متعة الوقوف بين يديه ننعزل فيها عن العالم و الأصوات الخارجية و الزخارف المحيطة بنا من كل جانب.
و من قبلها بالوضوء تغسل الذنوب و يضاء الوجه و يزيد الأجر و يتم التطهر.
و عندما تكون صلاة خاشعة؛ يتحقق الفلاح كما قال تعالى: "قد أفلح المؤمنون، الذين هم فى صلاتهم خاشعون.. ".و هي أولى صفات المؤمنين: المحافظة على الصلاة في أوقاتها؛ فمن أسرع إلى الصلاة أسرع الله في إجابة دعاءه. "و عجلت إليك ربى لترضى"
لا اله إلا الله..خير ما قال الأنبياء و ردد الأصفياء.. لا اله إلا الله حقا حقا، لا اله إلا الله تعبدا و رقا.. لا اله إلا الله مفتاح دخول الجنة، بها تختتم حياة الصالحين و ترتاح نفوس المكلومين.
و لكل وقت ذكراه و معناه:
الفجر..سكون نفسي وسط سكون مادي، نور يسرى في القلب قبل ظهور نور الشمس ..يسبق تسبيح العصافير بعدة دقائق ثابتة يومياً.
الظهر..ينتزع الناس من دوامة العمل ليستعيدوا نشاطهم و حيويتهم فيستكملون أشغالهم بعزيمة، بعد أن خففت الصلاة من مشقة العمل و رتابته.
العصر..صلاة وسطى لا يضيعها المؤمن و لا يشغله نوم القيلولة عن أدائها.
المغرب.. علامة فارقة بين الضوء و الظلام، بين الحركة و السكون، يسبقها الكثير من تسبيح الطيور مجتمعة في وقت واحد؛ تليها بعض أصوات زقزقة العصافير الشاردة المتناثرة.
العشاء..إيذان بانتهاء كفاح يوم و إيقاف عجلة الدوران للاستعداد لليوم التالي.
و صوت المؤذن مميز له سحر خاص، يفتقده الإنسان عند السفر و الترحال, فمن الأصوات ما هو هادئ عذب، و منها ما هو عال جهوري، و منها ما يحمل في طياته نبرة وعيد و تحذير.. و جميعها أصوات محببة بما تحتويه من كلمات مكرمة عند الله؛ فيها الخير و زيادة، ترديدها سنة و عبادة.