السبت، 25 أبريل 2009

حكم عطائية

عندما كنا صغاراً كنا نحب أن نقرأ ورقة النتيجة لنرى حكمة اليوم، و مع تكرار الأيام تكررت الحكم و حفظت حتى لقد أصبحت تلك الأقوال المأثورة في الأذهان راسخة، فهي قليلة الكلمات سهلة الحفظ أي ما قل و دل.

كان لعطاء الله السكندري حكم سميت بالحكم العطائية هي من عيون النثر الأدبي الصوفي تهدف إلى تهذيب النفس و التربية الروحية بنظرة فلسفية إسلامية ، فلنتأمل بعمق بعضاً من حكمه المختارة:



سوابق الهمم لا تخرق أسوار القدر

مهما احترست و حاذرت فإن الحذر لا يمنع القدر الذي يحيط بالإنسان كالسور العالي الذي لا يمكن اختراقه أو عبوره.


إذا التبس عليك أمران فانظر أثقلهما على النفس فإنه لا يثقل عليها إلا ما كان حقاً

النفس دائماً أمارة بالسوء و تميل إلى الهوى ، فإذا خيرت يبن أمرين فخالف ما تميل إليه نفسك يكن ذلك خيراً لك، قال تعالى:" وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ".


ربما أعطاك فمنعك و ربما منعك فأعطاك

ربما أعطاك الله من مباهج الدنيا و زينتها من مال و قوة و شهرة ما يلهيك عن العبادة و التفكر و قد يدفعك للظلم و التكبر؛ فيمنعك ثواب الآخرة ، و ربما منعك من ملذات الدنيا الزائلة و أعطاك التوفيق و القبول في الآخرة جزاء صبرك و إيمانك و لذا فمن الجهل أن يسخط الإنسان و لا يرضي بقسمة الله و عطائه لأن في ذلك حكمة لا يعلمها إلا الله ، قال الله تعالى :"
وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى

أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ

".


من تمام نعمته عليك أن يرزقك ما يكفيك و يمنعك ما يطغيك

يرزق الله الخلق بحكمه فإن للناس طبائع مختلفة فمنهم يشكر النعمة و يقدر فضل الله عليه و يتخذها قربة إلى الله بالتصدق و التزود من أعمال الخير، و منهم من تلهيه النعمة فيكون في فقره أشد قرباً من الله؛ فإذا زاده الله أعرض و ابتعد فيكون في ذلك ضرر له لما يتعرض له من غضب الله ، و بذلك تتحول النعمة إلى نقمة إذا ألهت الإنسان و دفعته إلى الغفلة و الظلم.



اجتهادك فيما ضمن لك و تقصيرك فيما طلب منك دليل على انطماس البصيرة منك

الإنسان لا ينبغي له أن ينشغل بطلب الدنيا و قد ضمن الله الرزق له و يترك العبادة و هي المطلوبة منه، قال تعالى: "و ما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون"

ما قل عمل برز من قلب زاهد و لا كثر عمل برز من قلب راغب

قبول الأعمال ليس بكثرتها و لكن بالإخلاص فيها. فربما أنفق الغنى الكثير و لكن بداخله رياء و رغبة في أن يراه الناس فيضيع ثوابه فإنما يتقبل الله من المتقين، و في الحديث الشريف:"لا تحقرن من المعروف شيئاً و لو أن تلقى أخاك بوجه طلق".


 

من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات و ترك الندم على ما فعلته من الزلات

إذا لم يتأثر الإنسان بضياع فرصة عمل صالح لم يغتنمها و أبطأه الشيطان عن المسارعة في الخيرات فهذه علامة خطر لأن قلبه يكون ميتا لا حياة فيه و لا أمل يرجى منه ، و يزيد على ذلك عدم الندم على المعاصي كأن ليس هناك حساب و لا جزاء فهؤلاء نسوا الله فأنساهم أنفسهم و كم من الناس لهم قلوب لا يفقهون بها و أعين لا يبصرون بها ؛ فأنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور.


لا تفرحك الطاعة لأنها برزت منك و افرح بها لأنها برزت من الله إليك

لا ينبغي للإنسان أن يتفاخر بما أدى من الطاعات فالله غنى عن هذه الطاعة ،بل يشكر الله أن وفقه إليها و أعانه على أدائها فهي هدية من الله إليه و من مظاهر كرمه و فضله فليفرح بذلك إذن ، قال تعالى "قُلْ بِفَضْلِ
اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".


ما بسقت أغصان ذل إلا على بذر طمع

الطمع من أعظم عيوب النفس البشرية ، و النتيجة الحتمية للطمع هي المذلة و المهانة ؛ و تلك صفات لا تليق بالمؤمن فالعزة التي وصف الله المؤمنين بها إنما بترفعهم عن مطامع الدنيا ، قال تعالى:"
لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ".


من لا يقبل على الله بملاطفات الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان

في الحديث القدسي عن رب العزة "خيري إلى العباد نازل و شرهم إلى صاعد ، أتودد إليهم بالنعم و يتبغضون إلى بالمعاصي و هم أفقر ما يكونون إلي.." أفلا يستحي الإنسان من ربه ؟ هل ترضى أن يتودد إليك الله فلا تقبل عليه و تخلص له العبادة و هو الغنى عن العالمين ؟ إذا فعلت ذلك جاءك الابتلاء من الله ليمتحن صبرك فتعود إليه و تتذكر نعمته و إحسانه إليك ، قال تعالى:" وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ".


من لا يشكر النعم فقد تعرض لزوالها و من شكرها فقد قيدها بعقالها

شكر النعم أساس لاستمرارها و زيادتها كـأنما قيدت و ربطت بالإنسان ؛ أما كفرانها و جحودها فيؤدي إلى زوالها ، فالشكر يضمن ثلاثة أشياء حفظ النعمة و زيادتها و تقريب العبد من ربه ، قال تعالى :" وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ".


الناس يمدحونك لما يظنون فيك فكن أنت ذاماً لنفسك لما تعلمه منها

الإنسان بطبيعته يطرب لسماع كلمات المدح و الثناء ؛ لكن هل يعلم أن هذه الكلمات قالها الناس الذين لا يعلمون عنه إلا ظاهره فقط و لا يدرون ما في داخله من العيوب و النقائص فإن الله من فضله يظهر الجميل و يستر ما دون ذلك ؛ فليتذكر الإنسان هذا فلا يغتر بما يسمع بل يذم نفسه و يقومها، و في الدعاء النبوي:"اللهم اجعلني في نفسي صغيرا و في أعين الناس كبيرا".


خير العلم ما كانت الخشية معه

العلم فريضة على المسلم و العلماء مكرمون عند الله ، و لكن إذا صاحب العلم غرور فبئس العالم هو مثل قارون الذي قال "إنما أوتيته على علم عندي" فخسف الله به وبداره الأرض ، قال الله تعالى : "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء".


إذا علمت أن الشيطان لا يغفل عنك فلا تغفل أنت عمن ناصيتك بيده

العدو الأول للإنسان هو الشيطان و هو عدو أزلي لا يزال يوسوس له و يزين له سبل الشر حتي يصرفه عن ذكر الله ، قال تعالى:" اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ" فكيف تغفل عن ذكر الله و هو مالك لجميع أمرك و هو القادر على أن يحميك من مكائد الشيطان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق