السبت، 19 ديسمبر 2009

هل تستسلم؟

برامج الأطفال موجهة بالدرجة الأولى للأطفال، و بالتالي يغلب عليها طابع الإبهار و الحركة و الألوان التى تجتذب الأطفال و تربطهم بجانب التلفزيون ساعات طويلة بلا كلل و لا ملل.

و بالتالي فالعنصر المميز لها هو الشكل ، فماذا عن المضمون؟ أي الأفكار التي تتناولها تلك البرامج الحلقات المسلسلة؟



معظمها مدبلج أو مترجم أي أن الفكرة و التصميم و التنفيذ تم في الخارج و بالتالي فإن المضمون يحتاج بالضرورة إلى فلترة و تنقيح لتناسب المجتمع الشرقي و الإسلامي بآدابه و قيمة و عقائده.



و على الآباء و الأمهات مسئولية كبيرة في متابعة و مراقبة ما تقع عليه عيون أطفالهم و اختيار الملائم لهم و صرفهم عن البرامج التي قد تؤثر على سلوكهم بالصفات السلبية مثل العنف و الأصوات العالية و الصراخ و غيره.



و من تلك البرامج ما يجتذب الكبار و الصغار سواء لفكرتها أو لطرافتها و ما تسببه للكبار من نسيان لمشاكل الحياة و الاندماج فى عالم الطفولة البرئ و عالم الخيال و اللامعقول.



و مثال لذلك حلقات "الساموراى جاك": و كما يتضح من اسمها هى حكايات أسطورية، و الساموراى هو البطل المحارب فى اليايان ، أما شخصية الساموراى جاك باختصار: هو محارب ينتمى إلى طائفة النبلاء ؛ و ضئيل الحجم ، يميزه خصلة من الشعر يربطها خلف رأسه و يرتدى دائما الكمونو اليابانى الشهير و يرتدى قبقاباً خشبياً بسيط ، يستعين دائما بسيفه المسنون الذي ورثه عن والده و الذي لا ينكسر أبدا.. هذا من الناحية الشكلية ، أما شخصيته - و هي الأهم- فهي أخلاق المحارب الذي يقاتل خصمه بشرف و يسعى إلى نصرة الضعيف و تتميز حلقاته بالجانب الإنساني إلى الجانب الكوميدي.



و مثل جميع أنواعا الدراما؛ أساسها الصراع بين الخير و الشر و الشر هنا يتمثل فى الشرير "أكو" – و معناها شيطان باللغة اليابانية- الذي اسقط الساموراى جاك في بعد زمني آخر لكي يخلو له المجال للسيطرة على العالم بشره.



و فى أحد الحلقات المسلسلة نجد الساموراى جاك يتقابل مع ثلاث شيوخ كبار يبدو عليهم الاحترام و الحكمة و الإجلال هم الباحثون عن الحقيقة يعرفون أنها هناك فوق عند جبل عال جدا تتوسط قمته السحب العالية حيث الصقيع و الثلوج و التي لم يتمكن بشر من الوصول إليها من قبل؛ و لذلك عاشوا عمرهم كله يتدربون على كيفية الصعود للوصول إلى الحقيقة.

و لهذا مدلول كبير عن قيمة الحقيقة و تعلم الثبات و عدم الاستسلام أبدا مهما كانت الصعوبات.

و من أجمل المشاهد عندما وقع الساموراى من شدة البرد و بعد مقاومة كبيرة لأحد الوحوش الرابضة هناك في الجبل و حدث نفسه قائلا:"إن هذا مستحيل" و هي الكلمة التي ينبغي أن ينساها أي شخص يريد الوصول للقمة و تحقيق هدفه فنظر إليه أحد الشيوخ الحكماء قائلا "هل تستسلم؟"



هنا تذكر السامورى الذل الذي يعيش فيه قومه تحت سيطرة الشرير و ضرورة التحمل و استعادة القوة مرة أخرى للوقوف فى وجه الشر مهما كان الثمن.


و بالطبع ينجح المحارب الشجاع و يصل إلى هدفه...

هل نحن الآن نحتاج إلى تعلم الحكمة و الصبر من الساموراى جاك؟ هل نحتاج إلى صيحة مثل صيحة النينجا تيرتلز "قوة السلاحف" لكى نتحد؟

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

تلبيس إبليس

التلبيس هو إظهار الباطل في صورة الحق و هو من أهداف الشيطان للإيقاع بالمؤمن في براثن الآثام أعاذنا الله منه، فالشيطان عدو متربص بالإنسان فلا يزال يدور و يدور حول حصن قلبه ليقتحمه من أي مدخل و لهذا أمرنا الله تعالي بالحذر منه و عدم إتباع خطواته؛ فإنما هو يعد الفقر و يأمر بالفحشاء و المنكر و هو العدو المبين من قديم الأزل ؛ ويصل إلى ذلك بطريقتين الإفراط (الزيادة) و التفريط (التقصير) فلا يصح الإفراط و المغالاة التي تؤدي إلى البدع و لا التفريط المؤدى إلى التقصير , في الحالتين سيحقق الشيطان هدفه إلا من عصم الله من المؤمنين الثابتين من الأمة الوسط المتبعة لسنة النبي صلى الله عليه و سلم و الأمثلة على ذلك كثيرة:

الطهارة و الوضوء: دفع الشيطان بعض الناس إلى التقصير في واجبات الطهارة، فترى أحدهم لا يستكمل غسل المرفقين والكعبين عند الوضوء، بينما جاوز آخرون ذلك فوقعوا في الوسوسة.

الطعام و الشراب: فقد يقصر قوم من الزهاد في تناول ما يحتاجونه من الطعام والشراب إلى حد الضرر و الإلقاء بالنفس في التهلكة ، وتجاوز آخرون إلى حد التخمة و الإسراف.

الاختلاط بالناس: بعض الناس يعتزل الناس حتى في الطاعات كالجمعة والجماعات والجهاد ومجالس العلم، وآخرون خالطوا الناس حتى أصبحوا كل همهم و شغلهم الشاغل لا يكادون يجدون الوقت للذكر و العبادة.

و الشيطان يزين للناس بعض المحرمات فيقعون بها خاصة النساء و مثال ذلك:

  1. الخروج بدون إذن زوجها و تقول أنها لا تخرج في معصية مع أن خروجها نفسه بدون إذنه معصية
  2. عدم الحداد على الزوج مع أن الزوج ينبغي على المسلمة الحداد على زوجها أربعة أشهر و عشراً فلا تتطيب و لا تخرج إلا لحاجة
  3. التفريط في مال زوجها مع أنها لا يحل لا أن تخرج شيئاً من بيته إلا بإذنه

و القرآن يذكر بعض الأمثلة لأساليب التحايل الشيطانية مثل لجوء بعض الأزواج لحبس و إيذاء الزوجة بدلا من تطليقها إذا كان لا يريدها و ذلك للتهرب من نفقتها الشرعية فيدفعها إلى طلب الطلاق أو الخلع لترد إليه المهر و يذهب بما آتاها من قبل عندما تزوجها بدون ذنب فعلته.

و من حيل الشيطان الماكرة أيضاً طول الأمل و التسويف أي التأجيل فيكون ذلك سبباً في التقصير في الخير و الثبات على الشر إلى أن يأتي الأجل المحتوم حيث لا ينفع الندم ، قال تعالى: "و لن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها"

و مثال شائع للتسويف أن يؤجل الإنسان الحج مع القدرة الصحية و المادية على أدائه حتى يتزوج الأبناء و يؤمن مستقبلهم مع أن الحج فريضة واجبة ، أو أن ينشغل بجمع المال طوال يومه و فوق احتياجاته متعللاً بأن العمل عبادة فلا يفرغ ليتعلم دينه و يعمل لآخرته قال تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله".

فمثل هذا الذي يريد أن يتحايل على الله يخادع ربه و هو سبحانه خادعه إذ يسلط عليه شيطانا قريناً له يلازمه في كل وقت، يزين له المعاصي و يفتح له أبواباً واسعة من الضلال و الغي ، وقانا الله و إياكم من همزات الشياطين.


 

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

وظائف و لكن

حدود الله واضحة؛ فمن تعداها و استهان بها فقد عرض دينه - الذي هو عصمة أمره و أساس حياته- للضياع.....

و للاقتراب من تلك الحدود خطورة كبرى؛ فإن الشيطان لا يزال يزيح الإنسان خطوة خطوة ليقترب من تلك الحدود و تحدث المصيبة الكبرى إذا تخطاها؛ فالشيطان بخبثه لا يزين المعصية بقبحها و سوءها كما هي، بل يغلفها ببعض الأسباب الإنسانية أو الدينية التي تبرر له تعدى و تخطى تلك الأمور الحدودية فإذا به يفاجأ بأن قدمه انزلقت في دوامة الخطأ حيث يصعب الرجوع و يكون الثمن فادحا من إيمان و سعادة و كرامة ذلك الإنسان؛ بل قد يعيش عمره كله محطم النفس منهار البنيان لا يزال يتذكر كيف تحولت حياته و كيف استبدل نعمة الله و رضاه بنقمته و البعد عنه؛ و من تركه الله و أوكله لنفسه فإنه ضعيف، و من يحل عليه غضب الله فقد هوى..

و في الأعمال و الوظائف قد توجد شبهة إذا كان العمل ضمن فريق معين - و كان هذا العمل يغضب الله بلا شك - مثل العمل في تقديم المشروبات في الملاهي، و جميع القائمين بأعمال التصوير و المونتاج و الإخراج و غيره لأفلام رديئة؛ فهم جميعا سبب مباشر أو غير مباشر في اكتمال العمل.


 

أما مراكز التجميل فهي من أكثر الأشغال شبهة بما تحتويه من تغيير لخلق الله و تشجيع على التبرج و كشف الزينة و اختلاط النساء بشكل غير لائق كالمساج و التدليك و غيره من الأمور القبيحة، حتى في الإعلان عنها غالبا ما يستعينون بصور بها فتنة و خلاعة أي أنها كلها ذنوب.


 

و مثل تلك الأعمال مالها حرام و ليس فيه بركة؛ و التشجيع عليه غير مناسب لأي شخص يرعى حدود الله و يغير على دينه.


 

و خير للإنسان أن يراقب الله في الوظيفة التي يعمل فيها أو يخطط للالتحاق بها، فيبارك الله له في ماله و مستقبله...

و أن يراقبه في تعاملاته للناس: فيحب الشخص لا يحبه إلا لله ، و العكس صحيح.. و أن يعامله بما يليق به من احترام أو احتقار حسب التزامه بالدين، فلو أن المذنب رأى نظرات الاستياء و معاملة الجفاء ممن حوله لخجل من نفسه و امتنع عن الاستمرار فيما هو عليه.

كما أن الأخلاق السيئة تعدى و تنتشر كالمرض الخبيث حتى تدمر المجتمع بأسره من نواة واحدة فاسدة، فكيف يخاطر الإنسان باختلاطه بأصدقاء دون المستوى لأي سبب من الأسباب؟ فلن يأتي من ورائهم خير أبداً ، كيف يضمن قلبه و القلوب بيد الله؛ و الله يحول بين المرء و قلبه ، هو مقلبها كيف يشاء.. فليتق الله ربه و يترك مواطن الشبهات ؛ فمن ترك شيئاً لله عوضه الله بأفضل منه..


 

ثم إن الأصدقاء الذين هم في مستوى ديني عالٍ أفضل لأنهم سوف يجذبونه إلى سبل الخير و يكونون قدوة صالحة له.


 

و قد يستمع إلى هولاء الذين هم أقل منه دينيا؛ فيميل إليهم ثم إلى يستمع إلى الآخرين فيميل إليهم فيكون مصيره التذبذب و عدم الاستقرار.


 

"إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب " حديث شريف


 

المقال القادم : تلبيس إبليس.. و فيه نتعرض لأمثلة أخرى من الأمور المتشابهة

الاثنين، 7 ديسمبر 2009

تحليل منطقى

"و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا"


ماذا تفعل لو:

دخلت على facebook لأحد أصدقائك فوجدت بروفايلك فى قائمة هذا الصديق و قد جاورته بروفايل "صورة" لفتاة دون المستوى اللائق ؟

  1. تحزن و تتحسر على هذا الصديق فقط
  2. تشعر بالخجل و الضيق إذ أن وجود اسمك بين نوعيات تلك الفتاة "صديقة صديقك" يعتبر شبهة و تتجنب دخول الانترنت.
  3. تحدث صديقك بصراحة عن استيائك من مثل تلك الصداقات
  4. تهدد بقطع الاتصالات إذا استمر الحال على ما هو عليه
  5. تقوم بحذف هذا الصديق فورا
  6. لا تهتم بالأمر و تقول "هذه حرية شخصية"


    الآن ننتقل إلى تحليل شخصيتك في كل حالة:

    1. أنت سلبي جدا و الساكت عن الحق شيطان أخرس ثم إنك لا تلبث أن تتأثر معاملتك لصديقك ضمنيا بما تحتويه نفسك من استنكار، كما أنك لم تفد هذا الصديق بل آذيته بعدم إرشاده.
    2. أنت من النوع المحافظ الذي لا يتجاوز أبدا في أوامر الله و نواهيه و هذا الشعور طبيعى جداً، و اتقاء الشر كله أطهر و أنفع للإنسان، أنت تغضب فى سبيل الله و غيرتك لله و سوف يكافئك الله على هذا و يعوضك وقتك الذى أضعته بحسن نية فى سبيل نصيحة أهملت أو فكرة أستهين بها ، و لكن ينبغى الاتعاظ فيما بعد فليس كل الناس فى إخلاصك و نقائك..
    3. أنت صريح و صادق، و الصراحة أفضل بكثير، و هذا هو الحل الوسط بين غضبك؛ و حرصك على مصلحة صديقك و إرشاده للصواب.
    4. أنت إنسان شديد فى الحق و تتخذ المواقف الحاسمة.
    5. أنت إنسان قوى، و لكنك تجد الجرأة الكافية لفقد أصدقائك بسهولة و هذا لا يتفق مع الأصالة و الوفاء.
    6. أنت إنسان بلا هوية و لا رأى و لا موقف و ستعيش دون أن تؤثر في الحياة شيئاً.


و الآن نستعرض المواقف المحتملة لرد فعل الصديق في كل حالة

الحالة الاولى و الثانية ... السكوت

  1. الاستمرار فى تلك الصداقات الرديئة.... احتمال كبير
  2. ان يعلمه الزمان أن غض البصر و اتقاء الشبهات فريضة... احتمال وارد بعد فترة.

الحالة الثالثة... التنويه فقط

  1. يغضب و يشحذ همته و يشهر سيفه مستخدما جميع أنواع الدفاع عن النفس و الهجوم على الخصم و لا يعترف ولو بجزء من خطأ ... قد تكون النصيحة جاءت بشكل عنيف مما دفعه لهذا السلوك العدواني لذا يجب التحدث إليه برفق لأن ذلك هو السبيل الوحيد لإقناعه... احتمال وسط
  2. يختلق الأعذار الواهية ليخفى خجله من المواجهة، مع ضيق خفي منك لجرأتك و تدخلك في ما يخصه. و لكنه قد يقتنع في قرارة نفسه.... احتمال وسط

الحالة الرابعة...التنويه و التحذير

  1. يستهين بكلامك و يظهر لك عدم اهتمامه بفقد صداقتك برغم من أن هذا سوف يؤثر فيه و لا شك و لكنه العناد و التكبر... احتمال كبير
  2. يستجيب و يحرص على مشاعرك و يقدر موقفك...احتمال بسيط

الحالة الخامسة... تنفيذ بدون سابق إنذار

سوف يتعجب الصديق لاختفائك، و قد لا يهتم، و قد يقلقه هذا الاختفاء لفترة ثم ينسى الأمر كله.

الحالة السادسة... منتهى السلبية

يبقى الحال على ما هو عليه.


الخاتمة:

إخوتي.. النصيحة الأزلية –أقولها لنفسي قبل أن أقولها لأي إنسان- أصلح ما بينك و بين الله ينصلح حالك، إنك إن تجاوزت - و لو بشيء قليل- سينالك غضب و بعد عن الله و ما أسوأ ذلك و ما أشد ضرره عليك.

كثيرا ما تعجبت بيني و بين نفسي؛ إذ أن من عادتي أن أدعو لإخوتي و أصدقائي عندما أعلم أمنياتهم - أدعو بصدق و تضرع إلى الله - فلا يمضى وقت طويل قبل أن تستجاب الدعوة و يبشرني من دعوت له بتحقق الأماني بكل الفرحة.

و لكن هناك حالات استثنائية و هي التي أتعجب منها الآن... ربما تكون الآن قد خمنت السبب ..

من يتقى الله يجعل له من أمره يسرا و يرزقه من حيث لا يحتسب، و من يتهاون في ذلك هان على الله و لا ينفعه حينئذ أخ و لا صديق...

"إنك لا تهدى من أحببت و لكن الله يهدى من يشاء"


و ندعو بمثل ما دعا به نوح عليه السلام عندما سأل ربه لحظة الطوفان أن ينجى ابنه و قد شاهده يصارع الأمواج، فأخبره الله أنه عمل غير صالح و نهاه أن يسأله ما لا يعلم، فاستغفر ربه و أناب...

"قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم و إلا تغفر لي و ترحمني أكن من الخاسرين"


الخميس، 3 ديسمبر 2009

نضرة النعيم

الوجه هو عنوان الشخص و من نظراته تنعكس ما بداخل الشخص من مشاعر و نوايا.

و ما تسعى إليه الفتيات و النساء من تجميل و ماسكات للبشرة و إزالة التجاعيد وشد الوجه للعجائز منهن هدفها جعل الوجه مضيئا و صافياً خاليا من الشوائب، و من أجل هذا يبذلن الكثير و الكثير، و يبتدعن الطرق المختلفة مستخدمات الأعشاب و الخامات الطبيعية مرة، و المواد الطبية مرة أخرى.

و مع ذلك تجد الوجوه معظمها خالية من النضرة تفتقد بريق الحياة و نور الإيمان.

و كيف ينضر وجه من لم يقبل على الله و يتوجه إليه بإخلاص؛ بل ظل محملاً بالهموم الدنيوية الفانية ناظرا إلى موضع قدميه من متاع زائل؛ قلبه قاس تراه مقطب الحاجبين زائغ العينين تملؤه أحقاد و مطامع لا تنتهي.

إن أجمل الوجوه هي الوجوه الناضرة التي ينيرها نور الإيمان و تجملها الطاعة و يشع منها الرضا، و التي لا تزال ناضرة إلى أن تلقى الله بقلب سليم....

و قد ذكر الله الوجوه الناضرة و الوجوه البيضاء و الوجوه الناعمة و الوجوه المسفرة أي الضاحكة المستبشرة ...

"تعرف في وجوههم نضرة النعيم" أى ترى النضرة في الوجه والسرور في القلب.

و ذكر أمثلة لوجوه أخرى على النقيض للعصاه الظالمين يوم القيامة، فمنها الوجوه السوداء و الوجوه الباسرة و التي عليها غبرة..

"يوم تبيض وجوه و تسود وجوه"

هل هناك أسود من ظلمة ليل بلا قمر يضيئه؟ إن الكافرين تكون وجوهم كأنها قطعة مظلمة من الليل؛ و ما أشد تلك العقوبة، فمن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور:

"كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما"

و قد عبر الله تعالى عن الناس بأصنافها يوم القيامة بالوجوه لتظهر قسماتها ما بداخلها و تكون الصورة مكتملة في مشهد من مشاهد يوم الحساب:

"وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية"

و توجيه الوجه و القلب إلى الله علامة الإخلاص و التمسك بالدين و حسن العاقبة.

"و من يسلم وجهه إلى الله و هو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى و إلى الله عاقبة الأمور"

نسأل الله أن ينير وجوهنا بنور وجهه الكريم و أن يجيرنا من خزي الدنيا و عذاب الآخرة.

اللهم اجعل لي في وجهي نورا و في قلبي نورا و في لساني نورا.. اللهم أعظم لي نورا

الخميس، 26 نوفمبر 2009

لبيك و سعديك و الخير كله بيديك

لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك لبيك و سعديك و الخير كله بيديك

قال تعالى فى كتابه العزيز "فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم و ارزقهم من الثمرات" - سورة الحج

و لقد أجيبت دعوة سيدنا ابراهيم الخليل فما إن يجئ موسم الحج حتى يشتاق المسلمون جميعا سواء من حج من قبل أو لم يحج بيت الله و تهفو القلوب و تتطلع لرؤية الكعبة المشرفة و الانضمام لضيوف الرحمن للفوز بالمغفرة و الرضوان فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

نردد هذا النداء الخالد " لبيك اللهم لبيك" في يوم عرفه مع الذين أسعدهم الله بزيارة بيته و الوقوف بين يدي رحمته في جبل عرفات فى نهاية الأيام العشر الأولى لذي الحجة و التي يستحب صومها و الإكثار من التهليل و التكبير و التحميد و سائر الأعمال الصالحة لمشاركة الحجاج ذكر الله تعالى و التهيئة النفسية للنحر و ذبح الأضحية يوم العيد فى هذا الجو الروحاني الرائع حيث نتذكر رحمة الله بخليله ابراهيم و ابنه اسماعيل بعد أن صدق الرؤيا و آثر طاعة الله على غريزة حب الولد و الذي رزقه الله به على كبر سنه و سن زوجه حيث قال الابن البار لوالده (.يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) و لما استسلما لإرادة الله و أدار الابن وجهه لئلا يتأثر سيدنا ابراهيم أثناء الذبح حينئذ فداه الله تعالى بذبح عظيم ؛ فيا للكرم و الجود و الرحمة ، نتذكر هذا فنطمع فى عفو الله حين يباهى بالحجاج الملائكة : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "يهبط الله إلى السماء الدنيا عشية عرفة ثم يباهى بكم الملائكة فيقول : هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً من كل فج عميق يرجون رحمتى و مغفرتى ، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل لغفرتها ، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم و لمن شفعتم فيه )

و نرجم الشيطان.. ذلك العدو القديم ؛ نضحك عليه كما ضحك الرسول صلى الله عليه و سلم في المزدلفة و قال: ( إن إبليس حين علم أن الله قد غفر لأمتي و استجاب دعائي ، هوى يحثي التراب على رأسه و يدعو بالويل و الثبور فضحكت من الخبيث من جزعه )

في يوم عرفة لا يتوقف الدعاء و تظل الألسنة تلهج بذكر الله في خير الأيام- يوم الحج الأعظم- ليتذكر الناس يوم الحشر حيث الأعداد لا نهائية من البشر من كل صوب و حدب من كل الأجناس و الأشكال حيث الهدف واحد و القبلة واحدة و المناسك واحدة كل يرجو رحمه الله و يخشى عذابه يسألون أكرم من سئل و أجود من أعطى ؛ هناك حيث الجميع متساوين متجردون من زينة الحياة الدنيا و متاعها فهم ضيوف الرحمن و حق على المضيف أن يكرم ضيفه.

حقاً إن القلوب تهوى مكة؛ و إليها تشتاق و تتطلع؛ و الزرق فيها وفير و كذلك الأمن و السكينة بينما يتخطف الناس من حول هذا الحرم الآمن كما قال الله تعالى "أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمنًا و يتخطف الناس من حولهم".


نقول من أعماق القلب: لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك نحن بك وإليك تباركت وتعاليت نستغفرك ونتوب إليك.


 

الاثنين، 16 نوفمبر 2009

الصداقة

هل صداقة هذه الأيام مثل صداقة زمان؟ فيما اختلف مفهوم الصداقة بين الماضي و الحاضر؟

بالطبع الصداقة في الأيام السابقة كانت أوفر و أعمق؛ مثلها مثل كل الأشياء الجميلة في انتقاص.. و لكن أسباب الصداقة و استمرارها عامل مشترك بين الأجيال كما نرى في تلك المقالة للكاتب "أحمد أمين" فى كتابة فيض الخاطر...


 

"الظاهر أن أساسها (يعنى الصداقة) تناسب المزاج، فقد يكون المزاجان متناسبين و هما مختلفان كأن يكون أحد الصديقين قوى الشخصية و الآخر ضعيفها، فكل يرى أن الآخر يكمل نفسه و لو كانا قويي الشخصية أو ضعيفيها لتنافرا بل اعلم أنه فى كثير من الأحيان تسوء العائلة و يكثر الشقاق لأن كلا من الزوجين قوى الشخصية و لو اختلفا في الشخصية لاتفقا ، و أحيانا يكون أساس الصداقة وحدة الغرض.

و يلعب لعبا كبيرا في هذه الصداقة القدر، فقد يتصادق اثنان لأنهما تقابلا في قطار أو وليمة أو نحو ذلك ، و كانا لا يتصادقان لو لم يحدث هذا الحادث المفاجئ.

و يلاحظ ان الصداقة أنواع: فقد يكفى فى تكوينها وقوع النظر على النظر ، أو المحادثة من أول كلمة فتكون كشعلة النار تلتهب التهابا سريعاً، و قد تكون الصداقة متكونة على طول الزمن و ربما كانت هذه أحسن.

و كثير ما يفسد الصداقة سوء الظن أو تغير الحال، و من أغرب ما يضعف الصداقة أن تكون مبنية على العقل لا العاطفة.

و أسوأ ما يفسد الصداقة أنانية أحد الصديقين فهو يريد أن يتحكم في صديقه و ليس يسمح لصديقه أن يتحكم مرة واحدة في حياته.

و علاقة الصداقة الطيبة ارتياح الصديق لصديقه، و الاطمئنان عليه و عد ساعات الوصال أسعد من الاجتماع بآلاف المعارف، ثم يشعر هذا الصديق بما يشعر به المحب من فرحة الوصال و ألم الفراق، لا أن يتركه لمجرد المصادفة فيهش (يسعد) حين يراه و لا يذكره حين يغيب عنه.

و من أكثر أسباب الألفة وجود النفس المرحة في الصديقين أو أحدهما فذلك يفيض على الصداقة سرورا و بهجة...

ما أكثر أسفى لو فقدت صديقي، و ما أكثر فرحى لو عثرت على صديق بمعنى الكلمة.. و لكن تمر الأيام و يفقد بعض الأصدقاء و يقل تقويم بعضهم..

و ما الحياة بلا صديق؟ إنها عيش فى صحراء أو حمام ناعم بلا ماء."


 

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

مبدع نهضة مصر

يشتد إعجابي كثيرا بالشخصيات اللامعة التي استغلت عمرها القصير في أعمال جليلة كتبت لأسمائهم الخلود و لأوطانهم الرفعة و الفخر




في زيارة سريعة لمتحف محمود خليل..استطعت تسجيل أحاسيس و ذكريات لمحات فنية لهذا المتحف الرائع.




تطالعك - إلى جانب التماثيل الكبيرة- منمنمات مصرية منحوتة تتعجب لشدة دقتها و تعبيرها الرائع عن معاني داخلية عميقة، خاصة وجوه الشعبية من فلاحين و شيخ البلد و زوجته و مهرجين أيضاً.

قاعة الخماسين:تشرف باحتواء تمثال رائع لسيدة تقاوم رياح الخماسين و قد أحاطت رأسها بوشاح لاتقاء الأتربة و قدمت إحدى قدميها و قد جسمتها شدة الريح، تضم يديها إلى صدرها ربما لتحكم ربط غطاء رأسها لكيلا يطير مع الرياح، تشعر بكمية الهواء المتسلل عبر ملابسها فتجعلها منتفخة كالبالون .. كم هى معبرة فعلا عن قسوة الطبيعة و مواجهة امرأة وحيدة للصعاب .




















تمثال العميان الثلاثة: مشهد لثلاثة عميان يستند أحدهم على الثاني الذي يسند بدوره على الثالث الممسك بالعصا .. ترى ماذا كان يقصد الفنان بهذا؟ هل يقصد الحال عندما يلجأ العاجز إلى عاجز مثله؛ و عجائب القدر في ذلك، أم هو الضعف المضاعف، أم أن التعاون يجبر النقص و يزيل الإعاقة؟ كلها صفحات مفتوحة في خيال الناظر للتمثال.











تمثال عروس النيل: به كثير من الدلال و الجمال الناعم؛ فتاة مرتدية حليها كاملة من قرط و عقد و الثعبان المقدس حول رأسها، و تلمح زاوية الحلق فى أذنها حسب جاذبية الأرض معطيا مصداقية فى التعبير.









تمثال الراحة: إنها الراحة بعد التعب؛ لحظات تغفو فيها تلك السيدة القائمة بأعباء المنزل التي لا تنتهي وقت القيلولة، لم تجد مكانا ترتاح فيه و تلتقط أنفاسها -لتواصل كفاح الحياة و كدحها- سوى ركبتها اليسرى متخذة من يسراها وسادة تريح عليها رأسها الواهن.





و أجملهم تمثال "نحو الحبيب" بما فيه من معاني السكينة و الهيام و الحب الممزوج بالخجل مع الإقبال و السعادة.








ترى لوحات كبيرة من الجض المنقوش منها ما هو بارز و منها ما هو منحوت في لوحات مصرية تمزج الريف الحديث بالريف المصري الفرعوني من خلال سوق (جر) أحد الفلاحين لبقرته و إمساكه بالمنجل و عشق الأرض و الزراعة أصل الخير في مصر.




حب محمود مختار لسعد زغلول واضح جدا في تنوع أعمال كثيرة له بين لوحة جداريه لسعد و هو يقدم مطالب الأمة و تماثيل بأحجام و حركات مختلفة له.




و أيضا معروض قصاصات الجرائد التي تشيد بفن محمود مختار سواء عربية أو أجنبية و رسوم كاريكاتيرية له.

و من ملابسه معطف أسود و آخر فاتح اللون معلقان حول مقعد محمود مختار الأثري.




و مجموعة العدة التي كان يستخدمها في النحت من شاكوش و أجنة و أدوات أخرى.

و في الختام يطالعك تمثال كبير الحجم لسيدة تملأ الجرة و تكاد تتألم من ثقل الجرة على يد تلك السيدة التي تلتقطها من الأرض بصعوبة.. لقد كان حقاً مدهشا و متميزا جدا.

بين الماضي و الحاضر
هل تتخيل الآن لو أن حملة إعلانية قامت لتدعو الناس للتبرع لتجميع تكاليف إنشاء تمثال ضخم يمثل مصر .. كيف يكون رد فعل الناس الآن؟
في العصر الحالي: سوف تجد الشيوخ ينقسمون إلى نصفين نصف يفتى أن تلك الأموال لبناء التمثال من قبيل زكاة المال
و الآخر يحرم المساهمة في بناء التمثال لان نحت التماثيل حرام أو لأن الناس أول بهذه الأموال
و تجد جامعي التبرعات يتفننون لاختلاس ما يستطيعون منها
هذا إن وجد أصلا من يتبرع لهذه الحملة اللهم إلا إذا كانت من قبيل الشهرة و التباهي
و بعد جمع التبرعات سيتوقف المشروع حتى تعتمد وزارة الثقافة خطة المشروع ..

أما بالأمس:

فى سنة1919 حدثت انتفاضة الثورة التي بدأت على أثرها حركة تبرعات شعبية لتغطية تكاليف تشييد تمثال نهضة مصر، وقد استجابت فئات الشعب المختلفة وتحمست الجماهير، وتبرعت نساء بحليهن، وظهر بين رجال الأزهر وخطباء المساجد من يدعون لإقامة التمثال وجمع التبرعات، حتــى بلغ مجموع التبرعات 6500 جنيه مصري، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، وفي عام 1928 تزاحم سكان القاهرة والأقاليم في ميدان السكة الحديد الرئيسي لمشاهدة الملك أحمد فؤاد، ملك مصر فى ذلك الوقت، وهو يزيح الستار عن تمثال «نهضة مصر» في فرحة عارمة، بينما وقف مختار فرحاً بتحفته التي لم يتقاض عليها قرشاً واحداً. ثم عام 1955 نقل التمثال إلى مكانه الحالي.




و لأنه دائماً لا تكتمل السعادة، والنقصان يتربص بروعة و اكتمال البنيان؛ فقد أصابت محمود مختار علة في يده اليسرى ثم توفى عن عمر 43 عاما و لم تكتمل أحلامه فلم يكن مقدرا له أن ينحت تمثالا للاسكندر الأكبر

وفاء الأصدقاء

بعد وفاة مختار قرّر الدكتور طه حسين جمع أعماله في معرض خاص به، وذلك بعد استعادة جملة من أعماله التي صنعها في باريس ليفتتح المتحف في ركن مستقل من حديقة الفن الحديث في شارع قصر النيل بوسط القاهرة في مارس (آذار) 1952.

و يمكنك أن تشاهد فى المتحف لوحة معروض بها مقالة صديقه مصطفى عبد الرازق فى حفل تأبينه و كلماته المؤثرة عن فن محمود مختار المتميز و شخصيته الوطنية من صميم القلب.

نشأة المتحف:

في عام 1962 حرص الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة المصري آنذاك، على تأسيس متحف خاص لمختار، هو الذي تولّى تصميمه الفنان رمسيس ويصا وحاول فيه التعبير عن العلاقة التي ربطت مختار بأجداده الفراعنة، فجاء البناء على شكل هرمي، توجد بداخله رفات المثال المبدع وكنوزه الفنية مثل الأهرام التي شيّدها الأجداد ليدفن فيها الملك مع كنوزه وآثاره.

الجمعة، 30 أكتوبر 2009

كن ذا عزيمة

قد يكون الإنسان ذا رأى راجح و ذكاء مميز و قدرة كبيرة على اتخاذ القرار الصائب و ما فيه الصالح، و لكن يأتي التردد فيفسد كل شيء إذ تخبو الهمة و يمضى الوقت بلا أي تحقيق للأهداف المرجوة...نعم التفكير و التروي مطلوب و لكن بمقدار؛ لان كثرة التفكير و دراسة العواقب قد يصيب الإنسان بالحيرة الشديدة، كما أن الحياة تتطلب الجرأة و خوض التجارب المجهولة بشجاعة مع الاستعداد لتحمل النتائج أياً كانت؛ فإن كان النجاح فهنيئا له، و إن كان الفشل فقد تعلم و اتعظ، فإن حدوث الشيء أفضل من اللاشيء.

و ما أصدق قول الشاعر:

إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا


 

و إليكم خاطرة بعنوان "البت و التردد" حول هذا الموضوع للكاتب "أحمد أمين"

"لو سئلت أن تضع قائمة للفضائل بحسب ترتيبها لعددت البت (الحسم) في أولها، أكره ما أكره التردد.... يقدم الرجل رجلا و يؤخر أخرى و يقدم ثم يحجم.. و يحجم ثم يقدم و تفوت بذلك الفرص و تتعقد الأمور.

و كثير من الناجحين في الحياة إنما نجحوا لبتهم لا لترددهم، و يحمل على التردد الهرب من المسئولية فإن العمل تصحبه المسئولية دائماً فهو يفضل ألا يعمل حتى لا يسأل، و هذا عين ما تقع فيه حكومات الشرق تتردد حتى لا تسأل، و تسير على الطريقة المتبعة حتى لا تسأل، و تسأل دائماً عن السوابق حتى تأمن الخطأ. و لذلك قل عندها التجديد، و عندي أن البت مع الخطأ خير من التردد مع الصواب"

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

عائلة القنافذ

الوسطية في كل شيء مطلوبة فإذا تعدت صفة ما حدود المعقول أصبحت مكروهة حتى و إن كانت محمودة في موقف آخر, و العلاقات بين الأصدقاء و الأخوات تختلف من وقت لآخر و بين مجموعة و أخرى، بين قرب شديد يقيد حرياتهم و يشعرهم بالحجر على عقولهم و حياتهم، و تباعد مضني يشعرهم ببرودة الوحدة و الفراغ و إحساس اللامبالاة، و كلا الأمرين سيئ.

قصة "آباء و أبناء" يختار فيها زكى نجيب محمود "القنافذ" مثالا لمجموعة، و قد اختارها من بين غيرها من الحيوانات لأن تتميز بشوكها الذي يمنع أحد من الاقتراب إليها حتى لو كان من نفس فصيلتها لكيلا يجرح و يسيل دمه، فهي مثال واضح لعيوب التقارب الشديد، و قد أظهر الكاتب الحكمة في سطور مستقلة بشكل صريح لاهتمامه الشديد أن تصل تلك الحكمة الهامة للكل...

آباء وأبناء

يحكى أن جماعة من القنافذ كانت تعيش معا فى سفح الجبل ، فلما جاءها الشتاء ببرده المثلوج ، وأخذتها فى الليل رعشة تناولت منها المفاصل والعظام ، اقترح عليها واحد منها ان يجتمع شتيتها فى كومة متلاصقه حتى يدفئ بعضها بعضا بحرارة أجسادها ، لكن جماعة القنافذ لم يكد يلتصق بعضها ببعض طلبا للدفء ،
حتى احس كل منها وخز الابر الحادة المسنونه التى تغطى أجساد زملائه ، فما هو الا أن افصحت كلها عن كظيم آلامها وطلبت ان تعود الى مواضعها المتفرقة ، فلذعة البرد أهون من هذا الوخز الاليم ، وعادت القنافذ فتفرقت كما كانت اول امرها ، لكنها كذلك عادت فأحست زمهرير الشتاء يهز كيانها هزا عنيفا ، وكأنما نسيت ازاء هذا البلاء ما كان من الم الوخز منذ قريب ، فصاح بعضها ببعض ينشد كلها التلاصق مرة اخرى حتى يعود لها الدفء ،
وعاد وخز الابر وانساها الالم الحاضر الم الماضى ،
فضجرت وتفرقت مرة اخرى وهكذا دواليك : اقتراب وابتعاد واتصال وانفصال ، الى ان قال منهم
قائل حكيم : خطؤنا فى المبالغة والاسراف ، فاذا ابتعدنا أوغلنا فى البعد حتى فقد كل منا دفء اخيه وتعرض للبرد الشديد ، واذا اقتربنا أوغلنا فى القرب حتى وخز كل منا جلد اخيه فأدماه ، والحكمة هى فى اختيار الموضع الصواب بين الطرفين بحيث ننجو من الوخز دون ان نفقد دفء التقارب ما استطعنا اليه سبيلا .
وحكاية القنافذ هذه تقفز الى ذهنى كلما سمعت بخلاف يدب بين افراد الاسرة الواحدة ، او بين جماعة من الاصدقاء .
فكأنما اراد الله لنا الا نقع ابدا على هذا الموضع الصواب فى علاقتنا بعضنا ببعض ، بحيث يبعد كل منا عن شئون الآخرين بعدا يتيح لهؤلاء الاخرين ان يشعروا بشخصياتهم مستقلة قائمة بذاتها .
وبحيث لايكون ذلك البعد سببا فى حرماننا من دفء العاطفة التى يستمدها بعضنا من بعض .

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

أشد حبا لله

فى الحديث القدسي

"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب"

إذا كنت لا محالة ظالماً فاحذر كل الحذر أن تظلم أحد أولياء الله العابدين الطائعين.. فقبل أن يقول "حسبي الله و نعم الوكيل" فإن الله تعالى سوف ينتقم له و يدافع عنه .. إقرأ معى قول الله "إن الله يدافع عن الذين آمنوا"، و قوله "أليس الله بكاف عبده"

بداية... كيف يرقى المؤمن إلى منزلة "ولى الله" ؟

أصل الموالاة القرب و بالتالي يعرف ولى الله بأنه العالم بالله ، المواظب على طاعته ، المخلص في عبادته

كيف ينالها الإنسان؟

السبيل إلى ذلك بزيادة الطاعات بالنوافل و التماس رضاه في كل موقف، مفضلا طاعة الله و إتباع كتابه و سنة نبيه على طاعة نفسه ؛لينال محبة الله و هي غاية المنى و أهم مطلب في الحياة "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله"

و تلك المنزلة ليست بعيدة المنال كما يتصور عامة الناس أو مقصورة على الأولين أو الأنبياء بل قد ينالها عابد مخلص بحسن ظنه بالله و كثرة ذكره له و مداومته على العمل الصالح و إن قل؛ المهم أن يتقبل الله و إنما يتقبل الله من المتقين البعيدين عن المحارم و الشبهات.

هل لتلك الولاية من علامات؟

علامات محبة الله للعبد أن تتبع جوارحه أوامر الله فلا يجد مشقة في الطاعة ولا تتمزق نفسه في مقاومتها و منازعتها بين الخير و الشر، تجد سمعه يجتنب سماع اللغو من القول أو اللهو و القول الجاهل أو التصنت عن الآخرين أو حضور مجالس سوء ، و بصره لا يتجه إلا لما أمر الله به و يبتعد تلقائيا عما هو محرم، و يده لا تتحرك إلا في طاعة الله و لا تمتد لإيذاء أحد إلا بالحق ، و رجله لا تمشى إلا في سبيل الكفاح المشروع في الحياة و العمل الشريف ليعول نفسه و من يعول أو للمسجد أو مساعدة الغير و السعي في حاجات الآخرين أو صلة الأرحام و غير ذلك من المساعي الحميدة؛ لا إلى معصية أو أماكن اللهو و الفجور، فكأن كل جوارحه و أعضاء جسمه- التي ستشهد عليه و تنطق يوم القيامة- تعاونه في طاعة الله و بلوغ مرضاته.

ما هي جوائز أولياء الله؟

  1. يكون مستجاب الدعوة

    إذا كان لديك مصباح علاء الدين السحري ستكون في منتهى السعادة لأنك تضمن أن كل ما تريده و تتمناه سيتحقق، فإذا ضمن لك أن كل ما ستدعو به سوف يتحقق مع شيء زيادة أفضل: هو أن يتحقق فقط ما فيه الخير و الصالح لك؛ أليست تلك هبة و نعمة كبرى من الله؟ تلك خاصية يختص بها الله أولياءه المخلصين.

  2. يعيذه الله و يحفظه من كل سوء:

    الشرور تحيط بالإنسان من كل جانب؛ منها شرور طبيعية من مصائب قدرية كالحرق و الهدم و المرض و كل ما يستعاذ منه، و منها شرور البشر و مكرهم، و يكرم الله سبحانه أولياءه بحفظهم من كل تلك الشرور بحفظه و عنايته.

  3. لا خوف عليهم و لا يحزنون:

    ألا ما أعظمها من جائزة؛ تزول أسباب الخوف و القلق الذي يعصف بحياة الإنسان فيجعل حياته تفكيرا مضنياً مرهقاً يحول بين التمتع بقيمة و جمال الحياة، و لشدة إيمانهم و تسليمهم بأمر و قضاء الله فإنهم لا يحزنون أبدا لأن الله اختار لهم الأفضل حتى و إن اختلف ظاهر الأمر و لكنه اليقين الذي يملأ نفوسهم.


     

    و لتكن البداية أن يتغلب حب الله في نفوسنا على حب من سواه، فقد قضى الله أنه من انشغل عن الله بشيء عذب به و لابد.


     

    و صدق الله تعالى "و الذين آمنوا أشد حبا لله"

اللهم إنا نسألك حبك و حب من ينفعنا حبه عندك.


 

الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

أبداً.. لم يكن وهماً


هل الحقيقة هي ما نراها بأعيننا، و الوهم ما خفي عنا فنتحدث إليه أو عليه فقط دون مشاهدته أو سماعه؟


الحقيقة هي ما نصدقها و نطمئن إلى حدوث نتائجها و تحقق أشراطها و علاماتها.


أما الوهم فهو السراب، كلمة مائعة مصيرها التسويف أو الإهمال، و أماني آخرها التحويل و أشباح الخيال


و لله المثل الأعلى وصف نفسه بأنه الملك الحق: "فتعالى الله الملك الحق"


و رؤية الجنة حق و رؤية النار حق


و عين اليقين هي العين التي سيرى بها الإنسان يوم القيامة الجحيم التي ذكرت في القرآن و سوف يسأله الله عندئذ عن النعيم الذي تمتع به في حياته و كيف أنفق ماله و عمره و صحته.


و تخاصم أهل النار حق، حيث يلقى المجرمون على بعضهم الملامة و المسئولية عن المصير البائس الذي وصلوا إليه.


و الحق فوق الباطل دائما يغلبه و ينتصر عليه مهما طال الصراع


"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق * و لكم الويل مما تصفون"


و من ثقة الإنسان في وعود ربه أن يثق فيما عند الله أكثر مما يثق فيما بين يديه و أن رزقه الذي فى السماء - و الذي أقسم الله أنه حق مثلما ننطق - سيأتيه و لابد فى الوقت الذي قدره الله.


و لذا لا يشترط أن نرى الشيء حتى نصدقه، تكفى علامات وجوده، و ثقة وعوده، و اكتمال الصورة الذهنية للصفات و النتائج، فليس كل حقيقة ترى.


و سؤال متعلق بهذه الفكرة : هل الحب ينشأ من القلب أم العين؟ أي هل من الضرورة رؤية المحبوب قبل أن يتعلق القلب؟


و الإجابة ببساطة في مثال و كلمة


المثال: حب الأم لطفلها جنيناً لم يخرج للحياة بعد، تظل تحبه و ترجو رؤيته و تهيئ له ملابسه و فراشه و تتخيل ملامحه و قسمات وجهه الصغير، و تتحمل آلام الحمل وعذاب الوضع المرير، صابرة مستسلمة حتى تتلقفه بين يديها لتراه عيناها لأول مرة بعد طول اشتياق.


الكلمة: الحب مكانه في القلب و يسكن فيه، و بالتالي ينبع من القلب إلى جميع خطرات و جوارح الإنسان و من ضمنها العين فهي تحت سيطرة القلب و تابعة له.


و كم من مجهول أضاف إليه الغموض جمالا و بهاء، و لما ظهر و أصبح معلوماً زالت تلك الهالة من حوله و عاد شيئا معتاداً.



الأحد، 13 سبتمبر 2009

عبس و تولى

إن الله تعالى ينصر الضعيف و يسمع من يناجيه مهما كان شكله أو مكانته بين الناس طالما قلبه عامر بالإيمان؛ فرب أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء فيستجاب له و يتقبل الله منه و لا يتقبل من غنى شريف بين الناس.

و الفقراء يدخلون الجنة قبل غيرهم من الأغنياء فيرحمهم الله من سوء الحساب و طول الانتظار في أيام الآخرة التي هي كألف سنة من سنوات الدنيا ، فهم خفيفون بقلة ما امتلكوا في الدنيا، أما الأغنياء فسوف يحاسبون على أموالهم الكثيرة و كيف أنفقوها؟ حسابا يحصى كل كبيرة و صغيرة..

و الضعفاء الذين لا حول لهم و لا قوة يسمع الله استغاثتهم و شكواهم إليه، كما في سورة المجادلة:

"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله"

امرأة مستضعفة كادت تتعرض للتشريد هي و أولادها إلا أن ينقذها الله و يحكم الرسول لها بما أراه الله، جاءت الرسول و هي تأمل الخير بعدما اشتكت إلى الله فسمعها سبحانه و أنزل قرآنا في أمرها - و كم من الناس أعلى الله شأنهم فأنزل فيهم قرآنا يتلى على مر الأزمان- و استجاب لها و رحم ضعفها و حيرتها.

لقد علمنا الله الآداب القرآنية، قال تعالي: "عبس و تولى أن جاءه الأعمى" فقد عاتب الله نبيه الحبيب على عبوسه في وجه الأعمى، و كان سبب العبوس انشغال الرسول بدعوة أقوام شرفاء أراد دعوتهم للإسلام... بالرغم من كونه أعمى و لا يرى وجه من يتحدث إليه و لا يشعر بعبوسه إلا أن له حق الاهتمام به مثل المبصر تماما.

أفلا نتعلم من هذه الآية ألا نعبس في وجوه من حولنا خاصة إذا كانوا يقصدوننا في خدمة أو عمل؟ و الكلام موجه خصيصا للقائمين بإدارة مصالح الناس العامة، فكلهم في الهم سواء الموظف و المواطن طالب الخدمة كلاهما محمل بهموم المعيشة، فلماذا لا يرحم بعضنا بعضا؟ فمن مشى و سعى في حاجة أخيه يسر الله له أموره و كفى بذلك جزاء و خيرا كثيراَ.

ليس العبوس مكروهاً في وجه الغريب فقط؛ بل الأشد منه العبوس في وجه القريب الذي يلجأ إليك أو حتى بين أفراد الأسرة الواحدة اعتمادا على أن كل واحد منهم سيتحمل الآخر و أنه يمكن الاستغناء عن التجمل و كلمات الشكر الرقيقة في المنزل تخففا من روتين العمل و المجاملات المفروضة في تعاملات الناس الخارجية، و لكن هذا خطأ بالطبع فالعبوس و العنف لا يأتي بخير بل يزيد من الجفاء و يثير الغضب، كما أن الابتسام و الكلمة الطيبة لن تكلف الإنسان شيئاً بل سيريح نفسه و غيره.


 

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

دقات العمر

من منا لم تؤرقه دقات الساعة في أوقات القلق و الانتظار المرير؟ من لم يخرج الساعة المدوية من مكان نومه حتى لا يصاب بالجنون و قد استعصى عليه النوم في ليل طويل؟

دقات الساعة الرتيبة ليست فقط حركة عقارب و ثوان و تروس متتابعة بل هي حركة عداد العمر...العمر الذي ينتقص كلما مرت الساعات فيمضى العمر الثمين و ترحل ليالي كنا نظنها كثيرة و هي في الحقيقة معدودة قليلة.

"أليس الصبح بقريب؟"

مهما طال الليل فلابد له من نهار.. فلماذا يتعجل الإنسان حدوث الأشياء؟ حقاً لقد خلق الله الإنسان من عجل، لماذا لا يستمتع باللحظة الحالية بكل ما فيها؟ فليس الغد بأفضل من اليوم و ليس اليوم بأفضل من الأمس...

لماذا نفسد الحاضر بانتظار و ترقب المستقبل البعيد إذا كان مشرقا نأمل فيه الخير، أو القلق الشديد بشأنه إذا كان معتما نخشى منه الغدر.

ما أعجب الإنسان..

الطفل غير راض عن كونه صغيرا و الكل يتحكم فيه و مراقب من الوالدين في أفعاله و أقواله متلقيا التوجيه و اللوم و في كل وقت ...فهو يتمنى أن يكبر سريعاً.

الشاب غير راض عن كونه لم يعمل بعد فهو يتمنى أن يستقل بذاته و يكون حياته الخاصة.

الرجل غير راض عن كونه أصبح مقيدا بسلاسل من المسئولية لينفق على أسرته و متطلباتها الكثيرة فهو يدور في دوامة الحياة لا يكاد يلتقط أنفاسه.

الموظف غير راض عن كونه ملزماً بالحضور و الانصراف في مواعيد ثابتة فهو يتمنى لو استقل بعمله ليكون متبوعا لا تابعا و لا تحكمه اللوائح.

المحال على المعاش غير راض عن كونه لديه وقت فراغ طويل و لا أحد يهتم بخبرته فى الحياة.

الفتاة تتمنى أن تتزوج لتكون ملكة في بيتها فتترك أكثر الناس حباً لها و أرأفهم بها: والديها.

السيدة تتمنى أن تنجب أطفالا يملئون حياتها بهجة و صخبا.

الأم تتمنى أن يكبر أبناؤها لتتخفف من مسئولية التربية التي أثقلت كاهلها.

الجدة تتمنى و تستجدى زيارة الأبناء و الأحفاد بعد أن تشعر بوحشة المكان بعد أن غادره الأبناء بالزواج أو السفر واحداً تلو الآخر.

لماذا هذا الإنسان غير راض عن وضعه في كل مرحلة عمرية من حياته و لما يصل إلى ما يتمناه يعرض عنه و يتمنى شيء آخر؟ أليس الأفضل أن يرضى كلٌ بما هو متاح لديه؟

لقد أمرنا الله بالرضا و نهانا عن تمنى ما بيد الآخرين، قال تعالى: "و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"

كما أمرنا بألا نتعجل الأحداث فهي آتيه في وقتها التي قدرها الله سبحانه: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"

و علاج الأرق سهل و أكيد بذكر الله و صلاة ركعتين فى غسق الليل تذهب القلق ليحل مكانها الطمأنينة و هدوء النفس.

أما وقت الفراغ الطويل فذلك يستدعى خطة محكمة فقتل الوقت (و هو تعبير دارج مرفوض) هو قتل للعمر فهل يرضى إنسان لنفسه أن تتسرب أيامه من بين يديه؟ إن وقت الفراغ ليس مفتوحا أو مباح إهداره في أشياء تافهة مثل التسكع في الطرقات أو لعب النرد (الزهر) أو مشاهدة مباريات الكرة بشكل مبالغ فيه ، و بالنسبة للفتيات و السيدات لا يصح تضييع الوقت في التسوق الغير هادف و كثرة الحديث في الهاتف ، وعلى الجميع عدم إضاعة الوقت في الجدال العقيم فكثرة الكلام بغير ذكر الله تميت القلب.

و لكي تتحقق البركة في الوقت لمن لديه أعمال كثيرة أو للطلاب وقت الامتحانات يجب تنظيم الوقت بحيث يتم تنفيذ الأهم فالمهم و محاولة العمل المتوازي (أي في نفس الوقت) للأعمال التي تسمح بهذا و التخطيط الأمثل للوقت.

كل الأوقات تمضي بخيرها و شرها.. ما يهم هو العاقبة و النتيجة؛ إن كان العمل فيها خيرا فخير و إن كان شرا فشر.


 

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

كيف تشملك نعمة غيرك؟

إن أصحاب القلوب الصافية و الفطرة السليمة يعتبرون فضل الله على غيرهم بشرى لهم و فضل و كرم من الله، فيسعدون لسعادتهم و يتمنون مثلها من الله، أما ذوي الأحقاد و القلوب المريضة فيستاءون ويقارنون ما لديهم بما لدى غيرهم و ربما يستكثرون النعمة على غيرهم و تنهشهم الغيرة فيدمرهم الحسد و يفسد عليهم حياتهم، و لا يقنعون بفضل الله عليهم فتكون عقوبتهم أن يأكل الحسد أعمالهم يوم القيامة كما يأكل النار الهشيم.

فالذى يفرح لنعمة أصابته فقط يسعد في أوقات معدودة محدودة ؛ أما الذي يفرح لفرح غيره فيفرح مرات و مرات و يعايش مشاعر جميلة عاشها من قبل أو تمنى أن يعيشها فتضئ له حياته و تغمرها بالرضا و الأمل ، و العكس صحيح فإذا رأى المسلم ضراً أصاب أحداً تأثر له وساعده، وواساه فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ؛ و إن كان أغلب الناس يتأثرون بمصائب الغير و لكن ذلك وقتياً و بمرور الوقت ينسى الناس ما كان فلا يتذكرون المصاب و لا يتعهدونه بالرعاية و العون بل يتركونه في خضم الحياه يناضل و يكافح بلا سند ممن حوله فلا يتذكرونه إلا إذا أصابهم مثلما أصابه و دارت عليهم الدوائر.

و الغبطة أن تتمنى مثل النعمة الحاصلة لغيرك فيكون ذلك حافزاً للوصول إلى الأحسن و يؤدي إلى التنافس محمود، أما الحسد فهو أن تتمنى زوال نعمة غيرك و هو بالطبع خلق مذموم و فعل محرم ؛ قال تعالى "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".

و في القرآن الكريم قال الله تعالى في سورة مريم "هنالك دعا زكريا ربه"؛ لقد كان سيدنا زكريا يجد عند مريم رزقاً كثيراً كلما دخل عليها المحراب و لما سألها من أين لك هذا ؟ أجابته "إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" هنالك انطلقت من أعماق القلب دعاء خالص أن يهبه ذرية طيبة و هي الأمنية التي طالما تمناها زكريا عليه السلام حتى اشتعل الرأس منه شيباً فاستجاب له الله ووهبه يحي عليه السلام حناناً من لدنه و الذي كان براً بوالديه و كان صالحاً تقياً.
و مطلوب من المؤمن أن يشكر الله أيضا على نعمة الغير كما في دعاء الرسول عليه الصلاة و السلام "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد و لك الشكر"و أن يطلبه لنفسه أيضاً كما فى الدعاء "اللهم ما قصر عنه رأيي ولم تبلغه نيتي، ولم تبلغه مسألتي، من خير وعدته أحدا من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك، فإني أرغب اليك فيه"

فياليتنا نترابط و نتكافل معاً و نلتزم بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا تحاسدوا و لا تباغضوا و كونوا عباد الله إخوانا" كى نحيا فى سعادة و نجنى ثمرة الطاعة بفضل الله و برحمته.

الأحد، 23 أغسطس 2009

مطاردة الظلم

بطل القصة فتى ليس وسيما و لا ذكيا، أحول و يرى الدنيا بمنظار أعوج مما أكسبه بلاهة تبدو واضحة لمن يراه، و مع ذلك فقد فاجأ أباه يوماً بسؤال يبدو تافها : سأله عن معنى كلمة سمعها في الطريق في مشهد أمامه، و هذه الكلمة هى محور القصة بل محور الحياة .. إنها "الظلم"

كان تفسير الأب لهذه الكلمة ظالما أيضا فقد أراد ضرب مثل للظلم ليقرب الصورة لابنه فذكر له "أن الخادمة عندما تجلس على مقاعد أسيادها الحريرية فهي ظالمة" أي أنه جعل مساواة الناس الأغنياء منهم و الفقراء نوعا من أنواع الظلم و هذا بالطبع تعريف ظالم و خاطئ!!

و لكن هل استوعب الفتى كلام أبيه؟ عندما يعجز العقل تقوى الفطرة، فقد أحس الفتى بفطرته أن تلك الكلمة لها شأن كبير و دور عظيم في لعبة الحياة و تعاملات البشر، فحفظها عن ظهر قلب و ظل يرددها، و من شدة التأثر راح يكتب تلك الكلمة في كل مكان تقع عينه عليه بدءا من منزله.. فما كان من الوالدين إلا التهديد و الوعيد، و ظنت الأم أن علاج الأزمة في مسح الكلمة من مواضعها في المنزل فمسحتها بقطعة قديمة من القماش.. و لكن هل يمسح الظلم بسهولة؟!

بعد أن استخدم الفتى الطباشير "الأبيض" في الكتابة داخل منزله لجأ إلى الفحم "الأسود" في الكتابة على مدى أوسع في الطرقات و على الجدران، و لم يكتف بهذا فاستخدم الأشد من ذلك "طلاء أسود" صعب إزالته ليدهن به تلك الكلمة على أبواب المحلات التجارية و يا لها من مصيبة لهذا التاجر الذي كتب على باب محله "ظلم" فذلك ينفر و يبعد الزبائن بالتأكيد..

الموضوع يزداد معه و لا يستطيع الفتى مقاومة يده التي تكتب الكلمة في أي مكان بالرغم من وعده لأبيه بعدم فعل ذلك.. و لكن ما باليد حيلة تلك الرغبة الجارفة دفعته- بعد هدوء نسبى- إلى "حفر" كلمة ظلم على باب دار "الحكومة" بقدرة غريبة و دون أن يشعر به أحد، و كاد أن يدخل السجن لولا شفقة رجال الشرطة!

و كانت النصيحة و الحل الأخير لهذه الحالة المتردية التي وصل إليها الفتى أن تهدأ أعصابه بالبعد عن مركز الأحداث التي تذكره بتلك الكلمة الرنانة فليذهب إلى الريف إذن، و اصطحبه والداه في رحلتهم بالقطار .. و لكن الأبوين – و يا للعجب - طاردتهم كلمة "ظلم" ليس بخط ابنهم هذه المرة؛ بل سمعاها في صوت احتكاك عجلات القطار مع القضبان في طريق طويل ممتد ...سمعاها بشكل مخيف و متكرر ..إنها تدوي "ظلم ظلم ظلم ".

و في النهاية.. من الظالم ؟ ذلك الفتى ظلم أصحاب المحلات الذين أفسد عليهم أبواب محلاتهم؟

أم الظلم نفسه الذي انتشر و توغل في كل مكان؟

أم أن الظالم و المظلوم وجهان لعملة واحدة فالمظلوم ظالم لنفسه بقبول الظلم و عدم الدفاع عن حقه ، و الظالم مظلوم باستسلام الناس له و عدم منعه من الاستمرار في الظلم؟

أم أن المظلوم في موقف ما هو نفسه ظالم لشخص آخر فى موقف ثان و هكذا.. يظلم القوى الأضعف منه فيظلم الضعيف بدوره من هو أشد ضعفا منه .. و بهذا تكتمل حلقة بغيضة من الظلم...

هل علمت الآن ما سر مطاردة الظلم للفتى و أسرته أينما ذهبوا؟ لأن وجود الظلم حقيقة لابد أن تظهر يوماً مهما حاول الناس إخفاءها و إنكارها.


 

ظلم – زكى نجيب محمود

كان الفتى فى عامه الثانى عشر أو الثالث عشر ، طويلا نحيلا ، فى عينيه اليمنى حول ظاهر ، ولايفارق عينيه منظار التوت ذراعاه فمال على أنفه ، وكانت تبدو على الفتى علامات البلاهة التى لايخطئها النظر .
سأل أباه ذات يوم اذ هما على مائدة الغداء ، فقال :
- كلمة ظلم ما معناها ؟؟
- وأين سمعتها ؟؟
- سمعتها رجلا يصيح بها فى الطريق ، يصيح بها وهو يدفع عربة صغيرة عليها بطيخ وشمام ، وكان الشرطى من ورائه يصفعه ويركله .
- الظلم هو ان يوضع الانسان فى غير موضعه اللائق به ، فاذا جلست الخادمة على مقاعدنا الحريرية فذلك ظلم ، واذا اسندت الرياسة الى من لايستحقها فذلك ظلم ، واذا اخذ العامل اجرا على غير عمل فذلك ظلم ، واذا ظفر بالراحة من لم يعمل فذلك ظلم ، كذلك من الظلم ان يفلت من العقاب من هو حقيق به ، وهكذا . كل هذه امثلة لناس وضعوا فى غير اماكنهم الصحيحة .
سمع الفتى هذه الاجابة من ابيه فى انصات ظاهر ، وكأنما أعجبه رنين الكلمة فراح يرددها وهو بعد على مائدة الغداء ، وبلغاعجابه بالكلمة ان كان ينطق بها فى نغمات مختلفة ، ثم يضحك ضحكاته البلهاء .
ولما أصبح صباح اليوم التالى ، ارتاعت أم الفتى لما رأته فى كل ركن من أركان الدار......اذ راح الغلام منذ الصباح الباكر يكتب بقطعة من الطباشير كلمة " ظلم " يكتبها على المقاعد والموائد والجدران ، يكتبها أينما وجد فراغا يصلح للطباشير أن يخط عليه ، فهى على أوانى المطبخ ، وهى على البلاط ، وهى على جوانب الاثاث ، وهى على السجاد القاتم ......
ونودى الغلام وسئل عما فعل ، فلم يزد على أن ضحك ضحكة بلهاء ، وماذا يصنع الابوان فى ابن يعلمان فيه البلاهة ؟؟
انهرته أمه ونهره أبوه وتهدداه بالعقاب الصارم إذا عاد الى مثل هذا العبث ، ثم طفقت الام تمسح " الظلم " من أجزاء بيتها بخرقة بالية ! .
ومضى يوم واحد ، جاء بعده الجيران يشكون الغلام لأبويه ، فقد ظفر بقطعة من الفحم ، وراح يتسلل الى حيث استطاع سبيل من دورهم ، وأخذ يخط كلمة " ظلم على الاشياء فيفسدها ، حتى أتلف للجيران أبوابهم ونوافذهم وجدرانهم وأثاثهم .
فضربه أبوه ، وسأله فى غيظ قائلا :
ما الذى يغريك بهذه الكلمة تكتبها فى كل مكان ، تكتبها لنا بالطباشير ، وللجيران بالفحم ؟
فاجاب الغلام بعينين دامعتين : لست ادرى يا أبت ! اعف عنى هذه المرة ولن أعود . لكن لم يكد يمضى يوم آخر ، حتى جاء أصحاب الدكاكين المجاورة يشكون الغلام لوالديه ، فقد ظفر هذه المرة بما ليست تمحى آثاره فى يسر ، كما محيت آثار الفحم والطباشير ، ظفر بوعاء فيه طلاء اسود وفرجون ، جاء به من عمارة قريبة يقام بناؤها ، وراح يغافل أصحاب الدكاكين ويكتب أمام متاجرهم ، على الطوار : " ظلم " ، " ظلم " فشوه بخطه الردئ من ناحية ، واساء الى المتاجر واصحابها من ناحية اخرى ، لأن هؤلاء يريدون اغراء الزبائن بما يكتب أمام متاجرهم ، لاتنفيرهم بالمعنى السيئ والشكل الردئ .
وهاهنا بلغ الغيظ من الوالد ابلغ مداه ، وجاء بغلامه امام الشاكين يضربه ضربا مبرحا هذه المرة ، حتى مست الرحمة قلوبهم وهم الغرباء قبل ان تمس قلبه وهو الوالد .
وساله ابوه من جديد : ما الذى يغريك بهذه الكلمة تكتبها لنا بالطباشير ، وللجيران بالفحم ، ولهؤلاء الناس بالطلاء ؟
فاجابه الغلام بصوت مخنوق بالبكاء : لست ادرى يا أبت ! اتركنى هذه المرة ، ولن اعود الى مثل ذلك ابدا .
لكن الغلام لم يكن عند وعده هذه المرة أيضا فمضت ثلاثة أيام لم يعكر صفوها " ظلم " يصيب احدا من الناس ، وفى اليوم الرابع تأخر الغلام عن موعد عودته من المدرسة ،وشغل الابوان وبحثا عنه فى مظانه كلها فلم يعثرا له على أثر حتى اذا ما كانت الساعة العاشرة أو نحوها فى الليل ، دق الجرس وأسرع الابوان فى لهفة الى الباب ، فاذا ابنهما فى صحبة رجل من رجال الشرطة .
قال الشرطى : هذا ابنكم وجدناه ينقر بابا لدار من دور الحكومة بمبراة : فأخذناه الى قسم الشرطة وكتبنا عن الامر " محضرا" لكننا نريد مواصلة سؤاله وعقابه غدا ، ورأينا ان تسوقه الى داره ليقضى ليله مع والديه حتى لايشغلا عليه بالا ونظر الغلام الى ابيه نظرة يطلب بها العفو والعطف ، فلم يسأله أبوه عن شئ ، وبات محزونا .
حتى اذا ما جاء الصبح ، وذهب الى الدار الحكومية التى أتلف الغلام بابها بمبراته ، وجد ابنه قد حفر على الباب كلمة " ظلم " – حفرها كلمة كبيرة عميقة ، حتى ليدهش الرائى كيف استطاع ان يصنع ذلك كله فى ظلمة الليل ، وأين كان الحارس طول الساعات التى استغرقها الفتى فى حفر هذا كله على باب من الخشب الصلب المتين .
واتفق رجال الشرطة مع الوالد الحيران ان يخلوا له سبيل الغلام ، وكان ذلك بمشورة طبيب استشارة الوالد فى أمر ولده ، فأشار الطبيب بأن يصحب ابوان ابنهما الى مكان من الريف لتهدأ اعصابه لأنه مريض .
وكم عجب الوالدان وهما فى القطار أن سمعا عجلاته تقرقع على القضبان فى صوت واضح لاسبيل الى إنكاره : ظلم . ظلم . ظلم .


 

السبت، 15 أغسطس 2009

هكذا يكون الطبيب

نجيب محفوظ اسم اشتهر في عالم الأدب ..و لعل سر تسميته بهذا الاسم هو أن الدكتور نجيب محفوظ قام بالإشراف على ولادته و من هنا جاءت تسميته فكأن اسم نجيب محفوظ رمزاً للنبوغ و الشهرة و العالمية.

و حديثنا اليوم عن الطبيب و ليس الأديب نجيب محفوظ الذي كانت مروءته و إحساسه العميق بمسئولية ورسالة الطبيب سبباً في أن في مجال النساء و التوليد بدلا من الجراحة و أن يكون ذلك فاتحة خير بالنسبة له ليحقق نجاحا باهرا و يساهم في نهضة علمية كبيرة في مصر و العالم.


 

وليد ذي رأس مقطوع يحول مسار الدكتور نجيب محفوظ:

رافق الدكتور نجيب أحد الأطباء الأجانب ليشرف على وضع البنج لإحدى السيدات المتعسرات في الولادة و شاهد كيف استعمل الطبيب الجفت لشد الطفل و لما لم يفلح أداره قليلا و حاول إخراج قدميه ثم باقي جسمه و سأل الدكتور الأجنبي نجيب أن يساعده في جذب الطفل و لكنه اعتذر حيث لم تكن له خبرة سابقة في التوليد فقد كانت كل معلوماته من خلال قراءته في بعض الكتب التي أهداها له أحد أصدقائه ، و لم يفلح الطبيب في إخراج الرأس فقطعت بداخل رحم الأم و ماتت الأم و بداخلها رأس الجنين في نهاية مأساوية و لم يستطع نجيب أن ينسى منظر الطفل وهو بدون رأس فقد آلمه أنه لم يستطع أن يساهم في إنقاذ هذه السيدة و منذ هذه اللحظة عاهد نفسه على أن يهب حياته لطب النساء و الولادة لإنقاذ المتعسرات في الولادة ، و كم هو هدف نبيل أن يجتاز المصاعب ليخفف من آلام المرضى مهما بذل من جهد و سهر في سبيل ذلك0


 

مروءة الطبيب

و له مواقف نادرة فقد كان جهز نفسه لرحلة علمية في أوروبا و رتب كل شيء و حجز تذاكر السفر ثم حدث أن جاءته إحدى السيدات مصابة أثر الولادة و كانت تسكن في أقصى الصعيد و نصحوها بالذهاب إلى نجيب محفوظ لأنه الوحيد المتخصص في مرضها ، و لأنها كانت فقيرة و لابد لها من العلاج فقد قطعت الطريق كله من بلدتها إلى القصر العيني سيرا على الأقدام مستجدية من الناس ما يسد رمقها و عندما وصلت المستشفى وقعت على الأرض بين الحياة و الموت و عندما علم بذلك الدكتور نجيب أدخلها المستشفى أعدها للعملية و أجل سفره حتى لا تنتظره المريضة و هي في هذه الحالة، فهل سمعتم عن طبيب يؤجل سفره بسبب مريض كأن هذا المريض من أهله أو عشيرته؟!


 

صدف عجيبة

كانت دعوات المريضات اللاتي دعون الله له عرفانا بعلاجه لهن و شفائهن على يديه مجابة فقد حالفه التوفيق في مراحل حياته المختلفة و نجى من مخاطر مميتة كان من الممكن أن تودي بحياته عدة مرات ؛ فقد زار في رحلة سياحية بركان فيزوف و تسلقه و عندما غادر المدينة التي تحتويه انفجر البركان و تسببت الحمم البركانية المنصهرة في موت الآلاف من سكانها و السياح الذين تصادف وجودهم في لحظة الانفجار، و مرة أخرى تأخر عن القطار الذي سيركبه في أوروبا فإذا به يسمع في اليوم التالي أنه اصطدم بآخر لنقل البضائع ، و كذلك سقوط طائرة كان من المفترض أنه بداخلها لولا أنه أجل سفره ؛ و غير ذلك من الصدف العجيبة ، بل لقد لحق الحظ السعيد أحد أصدقائه القدامى في دمياط عندما قام لتوه من مكانه بالقهوة التي كان يجلس بها ليسلم على نجيب محفوظ فإذا بالشرفة التي كان يجلس تحتها صديقه تنهار و يموت من كان يجالسه في القهوة!.


 


 

الاثنين، 3 أغسطس 2009

طب النفس

هذه المقالة للكاتب أحمد أمين كتبت فى عام 1940 تقريبا أى منذ ما يقرب من 70 عاما و لكنها لا تزال تنبض بالحياة و تشع بالفائدة فهى تعكس خاصية للإنسان و هى إهمال الجانب الروحى والتعلق الشديد بالجانب الحسي من حياته و يتعرض لأسباب ذلك و نتائجه ، و إن كان الزمان اختلف و الاهتمام بالطب النفسي في تقدم و تطور اليوم عن الأمس، أما عن نظرته للمثقف فنظرة يشوبها نوع من المبالغة ، فليس على الإنسان أن يقف عند حدود إمكانياته بل يتطلع و يطمح إلى التغيير و اكتساب مهارات جديدة؛ فإن أخفق فيكفيه شرف المحاولة ، و إنما المطلوب منه الصدق مع نفسه و مراجعتها بين الحين و الآخر لمعرفة الطريق السليم و إعادة تكوين - و ليس تطبيع- نفسه بما يلائمها و يتناسب مع قدراتها بلا شطحات و لا خيالات غير قابلة للتحقيق حتى لا يضيع عمره و يصاب بالصدمات النفسية عند تكرار الفشل.

و لا شك أن الكاتب في تطرقه لها الموضوع أثار قضيه هامة تخص المجتمع و خاصة شريحة هامة منه هى شريحة المثقفين ، و أهمية السلامة النفسية للإنسان و تقديمها على السلامة الجسمية.

و نستعرض الآن أجزاءً من المقال:


 

من المشاهد أن الناس يؤمنون أشد الإيمان بمرض أجسامهم و لا يؤمنون بمرض نفوسهم، فإذا شعر أحدهم بمرض جسمي أسرع إلى الطبيب باذلاً الأموال مهما جلت ثم هو يمرض نفسياً فلا يهتم بذلك كأن نفسه أهون عليه من جسمه، و روحه أتفه من بدنه.

آلام الناس من نفوسهم أكثر من آلام جسومهم، و أضرار المجتمعات من مرضى النفوس تفوق أضرارها من مرضى الجسوم، و للنفس أمراض لا حصر لها ؛ فهناك حميات نفسية متعددة كحميات الأجسام و هناك ميكروبات نفسية كالميكروبات المادية ، و هناك عدوى تصيب النفوس كعدوى الأجسام و كذلك انفعالات تحرق النفس و تضني البدن، و لكل من هذه الأمراض علاجات تختلف باختلاف المرض و الشخص.


 

و السبب في أن الناس تنصرف عن علاج نفوسهم أنهم لا يزالون يسبحون في دائرة الحس وحده و لم يرتقوا إلى ملاحظة النفوس و شئونها، أو لأنهم لا يؤمنون بأطباء النفوس إيمانهم بأطباء الأجسام فلا يعتقدون في صلاحيتهم و يتشككون في قدرتهم على العلاج فيستسلمون للمرض النفسي كما يستسلمون لمرض جسمي استحال شفاؤه، و قد يكون السبب ن الناس يؤمنون بسهولة أمراض النفوس و قدرتهم على الشفاء منها بدون طبيب و هذا خطأ فادح؛ فأمراض النفوس كأمراض الجسم فيها ما يداوي و فيها ما يستعصي على الطبيب الماهر.


 

لأمراض النفس سباب عدة من حالة صحية و بيئة اجتماعية و بذور ميكروبات تسربت إليها من كتب قرتها و أحاديث سمعتها و مناظر رأتها، و لعل أهم مرض نفسي يصيب طائفة المثقفين

و سببه أنهم لا يريدون أن يكونوا أنفسهم و يريدون أن يكونوا غيرهم.

لقد خلقت النفوس البشرية متشابهة في بعض جهاتها و مختلفة في جهات أخري ، فكل وجه به عينان و أنف و غم و لكن لكل إنسان وجهه الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره.

كذلك النفوس ؛ لكل إنسان نفسه الخاصة و مما ألاحظه أن نفس كل إنسان إن سارت على فطرتها و عرفت أن تتغذى بما يناسبها و طلبت لها مثلاً أعلى يتفق و طبيعتها عاشت في الأغلب راضية مطمئنة، و إن خالفت فطرتها و حاولت أن تكون غيرها أظلمت و أصابها الحزن و القلق و الاضطراب ، و فقدت سعادتها و اطمئنانها، و محال أن تنال ما يخالف فطرتها.


 

يسعد الإنسان إذا عرف طبيعته و حدوده التي لا يستطيع أن يصل إليها و نوع الرقي الذي يمكن أن يبلغه ، فإن حاول أن يكون غير ذلك كان في الحياة ممثلاً لا يعيش الطبيعة و محال أن يوائم بين نفسه الحقيقية و الدور الذي يمثله إلا بمقدار ما يظهر علي المسرح فإن هو حاول أن يطيل ذلك فجزاؤه السخرية منه و قلق نفسه و اضطراب شأنه.

فأكثر أسباب اضطراب المثقف ناشئ من أنه غبي يريد أن يكون ذكياً، أو ميال بطبعه إلى العزلة و الانكماش يريد أن يكون وجيهاً شهيراً، أو عالم يريد أن يكون أديباً أو العكس أو خجل يريد أن يكون وقحاً... ثم يخفق و يخفق، لأنه يكلف نفسه ضد طباعها و هذا الإخفاق يهز نفسه هزة عنيفة تسبب له القلق الروحي و الاضطراب النفسي، هو بذلك يريد أن يكون إنسانا صناعيا و هو مخلوق إنسانا طبيعياً؛ فالتوفيق محال فخير نصيحة لهذا و لأمثاله أن نقول له:

"كن نفسك و لا تنشد إلا مثلك"


 

الجمعة، 31 يوليو 2009

عظات و عبر من سورة يوسف

سورة يوسف اشتملت على كثير من الفوائد و العبر، و صدق الله العظيم إذ ختمت السورة بقوله تعالى "إن في قصصهم لعبرة لأولى الأبصار" و من تلك الفوائد:

  • جواز استعمال الحيل و المكايد التي يتوصل بها الإنسان إلى الحقوق كما فعل يوسف حيث ألقى الصواع (إناء الملك) في متاع أخيه ثم استخرجها منه ليوهم بأنه سارق و يبقى أخاه عنده ، إنما الممنوع هو التحايل بالمكر لإسقاط واجب.
  • أنه ينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة بعد شدة و سوء حال أن يعترف بنعمة الله عليه و يتذكر حالته الأولى كما قال يوسف "و قد أحسن بى إذ أخرجني من السجن و جاء بكم من البدو".
  • جواز إخبار الإنسان بما يجد من مرض أو فقر بدون تسخط على قدر الله كما قال إخوة يوسف "يا أيها العزيز مسنا و أهلنا الضر" و لم ينكر عليهم أخوهم يوسف قولهم.
  • الحذر من شؤم الذنب و أن الذنب الواحد يستتبع ذنوباً متعددة فأخوة يوسف لما أرادوا التفريق بين يوسف و أبيه احتالوا لذلك بأنواع من الحيل و كذبوا عدة مرات و زوروا القميص و الدم الذي به و اتهموا الذئب بأكله.
  • الحذر من الخلوة بالنساء التي يخشى منهن الفتنة فإن امرأة يوسف قد كان منها ما جرى بسبب توحدها بيوسف و حبها الشديد له.
  • ينبغي للمرء إذا رأى محلاً فيه فتنة و أسباب معصية أن يفر منها و يهرب ليتمكن من التخلص من المعصية كما فر يوسف هاربا يطلب الباب ليتخلص من شر امرأة العزيز
  • أن المؤمن إذا خير بين أمرين إما فعل معصية و إما عقوبة دنيوية أن يختار العقوبة الدنيوية على اقتراف الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا و الآخرة.
  • أن من دخل الإيمان قلبه و كان مخلصاً لله في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه و صدق إخلاصه الكثير من أنواع السوء و الفحشاء "و هم بها لولا أن رءا برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصين".
  • لابد للمؤمن البعد عن أسباب الشر و كتمان ما تخشى ضرره و هذا من الأخذ بالأسباب ، كما فى قول يعقوب "يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً".
  • لا بأس للإنسان أن يخبر عما في نفسه من صفات الكمال من علم أو عمل إذا كان في ذلك مصلحة و لم يقصد به الرياء أو الكذب لقول يوسف "اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم".
  • أن من وقع في مكروه أو شدة لا بأس بأن يستعين بمن له القدرة على تخليصه و هذا لا يناقض التوكل على الله بل هو من الأمور العادية التي جرى العرف باستعانة الناس ببعضهم كما قال يوسف للذي ظن انه ناج من الفتيين الذين طلبا منه تعبير الرؤيا "اذكرني عند ربك" أي اذكرني عند سيدك ، و لكن كل شيء يقدره الله بحكمة فقد أنسى الشيطان ذلك الفتى طلب يوسف و لم يتذكر إلا عندما طلب الملك تأويل و تفسير رؤيته ".
  • أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسراً فلما طال الحزن على يعقوب و اشتد به و فقد يوسف و أخاه و مسه الضر و الاضطرار؛ أذن الله بالفرج و تم بذلك الأجر و حصل السرور و عاد إلى يعقوب بصره فإنما يبتلى الله أوليائه ليمتحن صبرهم و شكرهم ثم يوفيهم أجرهم بغير حساب.

إن القصص القرآني زاخر بالعظات و العبر و ما هذه الفوائد إلا نقطة صغيرة في بحر التدبر في قصة يوسف عليه السلام ؛ نسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علماً.


الجمعة، 24 يوليو 2009

واأسفي على يوسف

الأبناء هم قرة العين و مهما زاد عددهم و تباينت أعمارهم فلكل منهم محبة و ذكريات خاصة، و بالرغم من تحقيق العدل بينهم إلا أن للقلب شأن آخر؛ فقد يميل و يهفو لأحد الأبناء لصغر سنه أو لجماله الشديد و براءة نفسه، فيبدو الحب و ينكشف مكنون الصدر رغم عدم التصريح، ظاهرا لباقي الأبناء مثيرا لدواعي الغيرة فيستجيب الأخوة لنزغ الشيطان و همزاته بمحاولة إيذاء ذلك الأخ المميز المصطفى ذي الحظوة و المكانة عند أبيه، أو التخلص منه نهائيا ليخلو لهم الجو و تصفو لهم مشاعر أبيهم و ينصرف إليهم بعطفه و اهتمامه، و هم يرون أن تصرفهم هذا له مبرر؛ فأبوهم في ضلال مبين بحبه الشديد لهذا الأخ، و لابد لهم أن يعالجوا الأمر بطريقتهم، ثم يتوبون من الذنب - و الله غفور رحيم - فيفوزوا بحب أبيهم وعفو ربهم و يكونوا من الصالحين.

و ما أشد فجيعة الأب عندما يصدم بفقد ولده الحبيب و الحرمان من رؤيته خاصة إذا كان يتوقع ذلك بإلهام من الله؛ و على يد من؟ إخوته...الذين هم أيضاَ أبناؤه و سنده في شيخوخته الطاعنة، الذين ادخرهم لحماية أخيهم العزيز و رعايته صغيرا حتى يبلغ أشده و يصبح في قوتهم و بأسهم...

قصة يوسف عليه السلام من أجمل القصص القرآني و هي آية في التصوير الفني لحياة نبي كريم ، و قد ذكر الله القصة كاملة في سورة يوسف بينما ذكرت قصص أخرى منفصلة في سور مختلفة و لذلك حكمة ، فقصة يوسف وجدانية تتعلق بمشاعر غيرة و إيذاء و حب و خيانة و ظلم و سرقة و حيلة و مفاجآت كثيرة؛ التقاء بعد طول شتات و رؤية بعد عمى و تحقيق رؤيا بعد سنين طويلة .. و كل هذه المشاعر يكتمل الإحساس بها إذا جمعت في سياق سورة واحدة حتى لا تنسى بعض أحداثها من الذهن بل تكون جميعها في خيط واحد متصل.

لقد ثبته الله في أصعب اللحظات و هو لا يزال صغيرا ملقى في ظلمات بئر بعد أن انتزعه إخوته من حنان أبيه فقد أوحى إليه في تلك اللحظة أن ستأتي لحظة أخرى في حياته يخبر إخوته عما فعلوا به في طفولته و هم لا يعرفونه: "و أوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا و هم لا يشعرون" فما أرحمه سبحانه و لطفه بعباده.

سميت السورة باسم النبي يوسف الذي تعرض لكثير من الفتن و الابتلاءات و حفظه الله بحسن خلقه و صرف عنه شرورا كثيرة و رفعه مكانا عاليا بتأويله رؤيا الملك و انقاد مصر و ما حولها من سنين جدباء و أصبح على خزائن مصر يدير أمورها بحكمة و أمانة؛ كما كان تفسير يوسف لتلك الرؤيا سببا في خروجه من السجن و إبرائه من تهمة امرأة العزيز له و أن يصبح مقربا خالصا للملك، و كان لتلك السنين العجاف حكمة في أن يأتي إخوته إلى مصر للحصول على طعام و يتم لقاؤه بهم و تتحقق الرؤيا.

و ما أكثر المفاجآت التي احتوتها قصة يوسف مثل:

  • خروج يوسف من البئر على يد من ألقى بالوعاء في البئر ليخرج الماء "قال يا بشرى هذا غلام"
  • حضور فرعون ليجد امرأته ممسكة بجزء من ثوب يوسف المقطوع "و ألفيا سيدها لدى الباب"
  • انبهار النسوة بجمال يوسف و جرح أيديهن عند رؤيته "فلما رأينه أكبرنه و قطعن أيديهن "
  • اكتشاف وجود إناء الملك في أمتعة الأخ الأصغر ليوسف و اتهامهم بالسرقة لإبقاء ذلك الأخ مع يوسف "ثم استخرجها من وعاء أخيه"
  • مقابلة يوسف لإخوته و هم يجهلونه و دهشتهم الشديدة لذلك "قالوا أئنك لأنت يوسف"
  • ارتداد البصر ليعقوب بعدما القوا قميص يوسف على وجهه "فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا"

و كل هذه المفاجآت تزيد من حيوية القصة الكريمة و كمال تأثيرها و سبحان الله العظيم

و أشد الآيات تأثيرا عندما علم يعقوب بفقد الأخ الأصغر ليوسف

"قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم * و تولى عنهم و قال يا أسفى على يوسف و ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم * قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين * قال إنما أشكو بثي و حزني إلى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون * يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف و أخيه و لا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"

لقد اعتزلهم و اختلى بربه القريب؛ لتفيض نفسه و عينه بالدموع بعيدا عن لومهم له، و كانت النتيجة هي فقدان البصر

و ما كان لوم أبنائه له إلا من خشيتهم عليه أن يهلك و يموت من شدة الحزن على يوسف بعد كل هذه السنوات، و لكنه يشتكي إلى الله، و إلى من يشتكى الإنسان؟ إلى بشر مثله ضعيف أم إلى قريب مجيب؟ فمن التجأ إلى الله فقد احتمى بركن شديد...

حتى في أقسى اللحظات، لم يفقد يعقوب الأمل بل أمر أبنائه بالرجوع إلى مصر و عدم اليأس من روح الله ...و تم اللقاء و اجتمع الشمل و طابت النفوس.

و تتجلى قوة الإيمان عندما يستحضر يوسف عليه السلام فضل الله عليه في لحظة تحقيق رؤيته؛ راجيا منه أن يتولاه و يرعاه ، آملا في حسن الخاتمة.

"رب قد آتيتني من الملك و علمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات و الأرض أنت ولى في الدنيا و الآخرة توفني مسلما و ألحقني بالصالحين"


 

و للحديث بقية....


 

الجمعة، 10 يوليو 2009

احذر الذنوب

تشعر بضيق في صدرك تتلون معه الحياة باللون الأسود؟

تشعر بوحشة بالرغم من وجود الناس حولك؟

تحيط بك الهموم من كل جانب؟

تتعلق نفسك بأمل بعيد المنال كلما اقتربت منه ازداد عنك بعداً؟

تشعر بحاجز بينك و بين الله عندما تصلى أو تدعو؟

تتوالى عليك المحن و لا تدري ما السبب؟

إنها الذنوب و هذه علامات و دلائل هامة لتكاثرها، و علاجها الأكيد في الاستغفار...


 

الاستغفار هو طريق النجاة من هذه المهالك، فمغفرة الله تضاعف الرزق بجميع أنواعه في المال و الزرع و الأولاد ؛فما أكرمه عز و جل، اقرأ معي قول الله تعالى "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرار و يمددكم بأموال و بنين و يجعل لكم أنهارا"

و لابد أن يقترن الاستغفار بالتوبة من الذنوب و العزم القوى على هجرها و اجتنابها.

ينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه و إن تاب منها و أقلع عنها، فمن الناس من يسكن و يطمئن إلى قبول التوبة بلا خوف أو ندم، و قد يسهل عليه العودة إلى الذنوب بلا مقاومة للشيطان و كيده و تحايله بكل السبل ليرجع الإنسان إلى ظلمة المعصية مرة أخرى.

و لنا في الأنبياء أسوة حسنة؛ ورد في الصحاح أن الناس يأتون إلى آدم عليه السلام فيقولون اشفع لنا فيقول: ذنبي؛ و إلى نوح عليه السلام فيقول: ذنبي؛ و إلى إبراهيم و موسى و إلى عيسى صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين فيقولون مثل قولهم ، فهل كان لهؤلاء الأنبياء ذنوباً؟ لم تكن ذنوباً حقيقية ثم إنهم تابوا إلى الله و مع ذلك هم على خوف من الله.


 

و للمعاصى من الآثار القبيحة المضرة بالقلب و البدن ما لا يعلمه إلا الله ، منها تعسير الأمور على العاصي؛ فكما أنه من اتقى اللهً جعل له من أمره يسراً؛ فمن ترك التقوى جعل له من أمره عسراً، فهو يجد ظلمة في قلبه حتى أنه يقع في البدع و الضلالات و الأمور المهلكة و هو لا يشعر– قال تعالى "و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون" .


 

و المعاصي تقصر العمر و تمحق البركة ، كما أنها تتكاثر بمعنى أن تكون سبباً في توالد معاصي أخرى حتى ليصعب على العبد الإقلاع عنها؛ و يكون عقاب الله له أن يرسل على الذي يعتاد ارتكاب المعاصي الشياطين لتغريه بالشر وتدفعه إليها دفعاً– قال تعالى "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً" .

و تجد العاصي هيناً على ربه - وما أشد ذلك - فإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد ، قال تعالى "و من يهن الله فما له من مكرم" و بالتالى تورثه ذلاً لا يفارقه إلا أن يتوب.

كما أن تكرار الذنوب يطبع على قلب صاحبها فيكتب من الغافلين و يكون على قلبه غطاء كثيف لا يتخلله نور الإيمان- قال تعالى "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"

و تكون المعاصي سببا لزوال النعم و مجيء النقم - قال تعالى "و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم و يعفو عن كثير".

فجدير بالمؤمن ألا ينظر إلى كبر الذنب أو صغره فى نفسه بل ينظر إلى قدر من عصاه و انتهك محارمه – قال تعالى "ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"


 

و ما أصدق قول أحد العارفين:


و ترك الذنوب حياة القلوب *** و خير لنفسك عصيانها