الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

الطالب و العقرب


شعر بجوع شديد و رغبة فى تناول الطعام ،و بالرغم من ضوء النهار الكاشف إلا أنه جازف و خرج من مخبئه بحثا عن طعام ساخن فدلته حاسة الشم لديه على التوجه إلى مصدر اللحم الشهى فاندس فى ملابس الطفل.

و ما هى إلا لحظة حتى شعر الطفل بآلام مبرحة و حرقة تسرى فى قدمه و رعشة فى جسده ،لكنه أبى الصراخ و تحامل على نفسه حتى لاحظت المعلمة و أمرته بالذهاب إلى المدير لكى تتخلص من مسئوليته. لكنه شعر بدوخة شديدة و عدم تركيز فظل فى مكانه.

و لأن مسئولى المدرسة قلوبهم جافة ،لم يسارعوا بمعالجة الطفل او نقله لأقرب مستشفى بعد اكتشافهم اصابته بلدغة العقرب ،و ظل ينتقل من وحدة صحية لأخرى لمستشفى بحثا عن مصل يعالجه، و الصغار لصغر وزنهم يكون تركيز السم في أجسامهم أكثر ، و الجو حار و الطفل ضعيف ؛فانهار بنيانه و فاضت روحه...ذهب الطفل الى المدرسة فى اول يوم دراسى و عاد جثة هامدة.

نحن أمام موقف حقيقى لاهمال معالجة الحوادث فى المدارس مع كبر احتمال اصابة الاولاد مع الجرى أو صغار السن عند عدم توفر الرعاية المناسبة، و ما أشد فجيعة الأم عندما تتلقى خبر اصابة ابنها من إدارة المدرسة ،ذلك أنها من المفترض انها تركته فى مكان آمين و بين من يحافظون عليه منذ لحظة دخوله للمدرسة حتى مغادرتها ،و حدوث الأذى للطفل و هو بعيد عن مرأى أمه يجعلها فى حالة فزع و اضطراب شديد حتى يبدأ علاجه و إنقاذه إذا كان الأمر بالغ الخطورة.

حوادث المدرسة كثيرة فقد تكون نتيجة لعصبية المدرس فيضرب الطفل أو يؤذيه و يفقأ عينه ،أو بين الأولاد و بعضهم من خلال خلافاتهم و تقليدهم للعنف التليفزيونى و فن الدفاع عن النفس و استعراض القوة ،أو من شقاوة الطفل نفسه و كثرة حركته و تعرضه للوقوع و الإصابة.

لكن الاحتياطات الأمنية المعروفة لابد من اتباعها كوقاية من تلك الحوادث المدرسية ،فتأمين الطلاب من الاخطار واجب أكثر خطورة من العملية التعليمية ذاتها ،مراقبة الأبنية و سلامة بنائها ، اصلاح وصلات الكهرباء فى الفصول و عدم وجود أسلاك مكشوفة خاصة القريبة من مصادر المياه مثل الكولدير و مبردات المياه إن وجدت ،عدم وجود تكسير فى زجاج الفصول ،و غير ذلك من البديهيات المفترض أن تراعيها إدارة المدرسة.

و بلاد الصعيد و التى ينتشر فيها العقارب لابد من  وجود عناية خاصة بالفصول و نظافتها و سد أى شقوق قد تكون مأوى للحشرات القاتلة ،و تعليق لوحات إرشادية للخطوات التى يجب اتباعها فى حالة حدوث لدغ للعقرب و الإسعافات الأولية المطلوبة حتى تكون أمام التلاميذ كل يوم فلا تغادر عقولهم وقت حدوث المشكلة ،و تعليم الاولاد خطورة ذلك و عدم السكوت اذا حدثت لهم اعراض اللدغة مع شرح الاسعافات الاولية كأول ما يتم تعليمه للطلاب فى اول يوم دراسى.

و إذا كانت المسئولية الكبيرة على مدير المدرسة و الوحدة الصحية فإن الأكبر مسئولية كل أم فلابد عليها توعية ابنائها و تلقينهم التصرف المناسب ازاء قرص العقرب كأسوأ الاحتمالات ،و لا تتهاون فى اعطائه تلك النصائح حتى لو كانت مشغولة بعملها أو رعاية إخوته الصغار أو غير ذلك ،فالهروب من المسئولية لن يعيد لها ابنها إن فقدته، و هناك أشياء مثل هذه لابد من متابعتها بواسطة الأم نفسها لخطورتها.

و قد يكون حدوث لدغ العقرب فى المدرسة نادرا لكنه وارد الحدوث ،فالعقارب بشكل عام لا تميل بطبعها للغدر فهي لا تلدغ لدغتها السامة القاتلة إلا عند الجوع أو الدفاع عن النفس أو عند رد الاعتبار ،وتستطيع العقارب أن تلدغ بشوكتها من تريد أن تهاجمه حيث تستخدم السم فى تخدير وقتل الفريسه لتيسير اقتناصها والتهامها ، لدغة العقرب ذات تأثير موضعي ( ألم _ تخدير _ تورم ) طبقا للنوع ،و العقارب كائنات ليلية في عيشها تختبئ أسفل الصخور أو الرمال وهي ضعيفة الرؤية ولكن حاسة الشم لديها حادة وقوية ومن المحتمل أن تنجذب إلى للحم بواسطة حاسة الشم ، وعمرها قد يمتد من ثلاث إلى سبع سنوات وبعضها قد يعمر 25 عاماً .

و من وسائل مكافحة العقارب فى الأماكن المحتمل تواجده فيها : إزالة الأعشاب المتواجدة قرب البيوت اصلاح التصدعات و الشقوق ،و تبليط حوائط المنزل لتصبح ملساء على ارتفاع متر على الأقل و التخلص من المهملات ،تربية الدواجن التي تأكل العقارب (لكن هذا لا يمكن تطبيقه فى المدارس بالطبع !) و يمكن الاستعاضة عنها بالقطط ،و ارتداء الأحذية المغلقة فحص الملابس و الأحذية و الفرش قبل استخدامها على سبيل الاحتياط.

و عند حدوث اللدغة لابد من سرعة نقل المريض لأقرب وحدة طبية و ملاحظة حجم و لون العقرب إن أمكن و وقت حدوث اللسعة حتى تفيد المسعف و تجعل العلاج أدق ،و المهم هو السرعة قبل انتشار السم فى الجسم و حدوث الوفاة.

يتركب السم من أنزيمات ومركبات تسبب الآلام المبرحة للشخص المصاب ،ومركبات أخري تؤثر على الجهاز العصبي ،حيث تخدر الجسم وتسبب له الاضطراب في التنفس وهبوط في القلب. وتبلغ الآلام والاضطرابات أشدها بعد تقريباً ساعة من اللسعة ،وتستمر لمدة ساعة أو ساعتين يبدأ بعدها التحسن إذا تم العلاج ،ويستغرق ذلك يومين أو ثلاثة. حسب حساسية الناس للسم فتختلف ردود أفعال الجسم حسب العمر والوزن ،فالصغار وكبار السن هم الأشد تأثراً بالسم.

كل مخلوق خلقه الله لحكمة و العقارب و إن كانت ضارة و مؤذية ، فالحكمة واضحة أن يعلم الإنسان أنه ضعيف و إن كبر حجمه و طالت هامته و علا ،تسقطه قرصه عقرب و تقضى عليه جرثومة،

"يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" الحج(73)

و هو عاجز عن انقاذ نفسه أو غيره إلا بقوة من الله و رحمة منه. فوجود تلك المخلوقات ابتلاء من الله هل سينهض الانسان لمقاومتها و اتقاء المرض و يؤدى ما عليه من حماية نفسه و الآخرين المسئول عنهم ،أم يترك كل شيء بدعوى التوكل على الله و ان "ربنا يستر و يسلم" دون مراعاة لقواعد النظافة و الوقاية من الحشرات و الأمراض.

الاثنين، 24 سبتمبر 2012

البحيرات المرة..للوزراء درة


من المعروف أن البحيرات المرة ذات موقع استراتيجى هام فهى تقع فى الجزء الشمالى و الجنوبى من قناة السويس ، و مياه القناة نقية و صافية خالية من أى تلوث بحرى، و هى شديدة الجمال حيث ينفذ الضوء إلى قاع البحيرات نظرا لجودة مياهها و قلة الشوائب العالقة بالمياه ،كما أنها شديدة الملوحة و مصدرا هاما للثروة السمكية.

و منطقة "لسان الوزراء" أو "لسان الطيارين"تحيطها المياه من ثلاث جهات و هى شبه جزيرة صناعية تم ردم أراضيها التي استقطعت من مياه البحيرات المرة ليقام عليها منتجع سياحي خاص يحيطه سور من الخرسانة يفصله عن الشواطئ العامة الممتدة على الجانب الغربي للبحيرات المرة بمنطقة أبو سلطان بمدينة فايد بمحافظة الإسماعيلية و هى منطقة خلابة و هادئة.

و لهذه المميزات الكثيرة اختارها الوزراء السابقون و كبار رجال الدولة فى النظام السابق و جمعية الطيارين للشراء بأبخس الاثمان ،و على مساحات واسعة بنوا ما يشاءون من فيلات و حدائق غناء و مزارع المانجو المثمرة ،و أمروا الصيادين بالابتعاد عن المنطقة كحرم يجب عدم الاقتراب منه و الاكتفاء برؤيته من بعيد ،بدلا من أن يجعلوها محمية طبيعية و مزارات للسياح و يعمروها لجميع المصريين ، استأثروا بالمكان كأن جنة الله فى أرضه حكرا لهم ..

و كيف جرأ هؤلاء المسئولون السابقون على  الاقتطاع من ارضه فى سرقات مقنعة فى ثياب الأمر المباشر بالتخصيص و مسميات قانونية أخرى لبيع جائر و تفريط فى أجمل بقاع مصر؟ألم يقسموا أمام الله و أمام الشعب الكادح على حماية مصالح الوطن و رعايتها و الحفاظ على أراضيه ؟فكيف يبرون القسم مع الاستيلاء على تلك الاراضى بأسعار وهمية غير مقبولة بدلا من منع بيعها و استغلالها سياحيا و بيئيا.

و ضاع حق تلك الاراضى المحيطة بالبحيرات المرة و ما يسمى "لسان الطيارين"  بين وزارة الزراعة و هيئة التعاونيات و هيئة الثروة السمكية و هيئة قناة السويس و محافظة الاسماعيلية فلم تتحمل جهة منهم المسئولية الكاملة عن بيعها و التفريط فيها.

لتلك المنطقة مكانة و رؤية تاريخية مرتبطة بحفر قناة السويس،أحد مصادر الدخل و العملة الصعبة فى مصر،فقد نشأت من ناتج حفر القناة بعد انتهاء حرب اكتوبر 1973،و ما يتم استخراجه كل عام من طمى عند تعميق مجرى القناة لاستقبال السفن عميقة الغاطس ،فهذه البحيرات ترتبط بحرمة قناة السويس و عمومية فائدتها للمصريين.

لماذا تهون خيرات و ثروات مصر الطبيعية النادرة على ابنائها.لماذا لا يدركون خطورة ما يقومون به من إتلاف للموارد الزراعية و الطبيعية و التاريخية ،إنه ليس تخلفا ثقافيا فقط بل هو انطماس هوية و انعدام وطنية و إن غنوا مئات المرات "بحبك يا مصر"!

فالفلاح الذى يبور أرضه و يحولها من أرض ذات خير و نماء إلى مبان صماء فى غفلة من الحكومة و يقضى عليها بالبوار فيحرم نفسه و أولاده و غيره من خيرها قد ارتكب جريمة فظيعة لا يغفرها أن يتم هدم البناء فى إزالة لعقار مخالف لان هذه لن يعيد للأرض خصوبتها و لن يزيد من محاصيل مصر و زراعتها إردبا واحدا، فتبوير الأرض جريمة قتل مؤجلة لأنها تسلب الاجيال القادمة من حقها فى الطعام و العيش الكريم.

و الاضرار بالمحميات الطبيعية مثل الشعب المرجانية النادرة و تهريب الآثار و سرقة المتاحف لمن جرائم الوطن التى لا تغتفر و لا يمكن تعويضها ،و لا يتم إيقافها إلا من خلال تغليظ عقوبة السرقة من المال العام و إفساد البيئة و المتسبب تلويث الهواء و الأنهار سواء بالمخلفات أو الدخان أو الصرف الصحى.

يسرق السارقون.. و الكثير يعلم و يصمت ، و لا يتم فتح الملفات و ينطق الشهود إلا بعد أن تقوم ثورة كأن الحق عليه أن ينتظر معجزة كى ينكشف و يعرفه الرأى العام ثم تتم معالجة و إصلاح ما يمكن إصلاحه – و هو قليل- فلتكن ثورة على الصمت عن حق مصر و ممتلكاتها و تاريخها بحصر كل الأراضى المشبوهة و فسح عقود بيعها مع معاقبة المشتركين فى السرقة بغرامات مناسبة ،و حصر الأماكن الأثرية التى تم إهمالها و تشويهها و التخطيط لاستعادتها و تحويلها لمزارات و أماكن لاستقطاب السياح.

فتلك محاولات للحفاظ على أصول مصر و منشآتها من عبث المسئولين غير الأمناء على مصالح الوطن ،و أملا فى إيجاد وسائل لزيادة الدخل القومى ،فليست أراضى الوطن بالزينة التى يتحلى الوزراء بامتلاكها و التمتع بها؛ لكنها ملك لجميع المصريين ،و اختيار انسب وسائل الاستثمار لها مسئولية الخبراء و أولى الأمر.

و خير للوزراء الذين فرطوا فى حق الوطن و عبثوا بخيراته و قسموها أن يتقشفوا و يعيشوا كما يعيش باقى الشعب كى تصدق خدمتهم للوطن و تصلح قراراتهم و تعلو على المصالح الشخصية أو الأفكار الوهمية التى لا تحظى بالنجاح أو تعود بالفائدة.

و لو كان زخرف الدنيا خيرا للزعماء لأعطاها الله لرسوله الكريم و ما أيسر ذلك عند  الله ..
قال تعالى مخاطبا نبيه:
"تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا" الفرقان (10)

فالقائد و من يتولى الحكم هو الأحق بالإعراض عن زخرف الدنيا ،و الزهد فى متاعها لكى يتفرغ للمسئولية الثقيلة التى نهض لحملها ووهب سنوات حياته و كل وقته و جهده لها و لتحقيق الرسالة التى كتب الله عليه توصيلها ،أو الحفاظ على أمانة رعاية مصالح المحكومين بالنسبة للحكام ،و ليست القصور علامة النجاح فى الحياة و عنوان الرضا و اكتمال السعادة ،بل هى تشهد على سكانها و تبقى بعد أن يفنون أو تبعدهم الأقدار عن السكن فيها و التمتع بها...

"وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ" القصص (58)

و ما أكثر تلك القصور المغلقة الفارغة إلا من حارس نائم و كلب رابض ،قصور مشيدة و أسوار عالية تحيطها و أشجار تكاد أن تذبل و تموت ،تراقبها كاميرات الصحفيين الذين يريدون إثبات القضية و عرضها على الناس ،و توجد المئات من هذه القصور على طول الساحل الشمالى و فى الغردقة و الأماكن الأخرى الساحرة مثل البحيرات المرة.
 

الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

عقوبة المقاطعة


ماذا تفعل لو اكتشفت أن الجميع يقاطعك ،و أنك عندما تتحدث لا يرد عليك أحد ،تأكل وحدك تعيش وحدك كأنك ترتدى "طاقية الإخفاء" كأنك فى المجتمع سراب كأنك لا شيء.. كأنك لم تكن....

ما أقسى أن يكون الانسان منبوذا وسط أهله ،يحدثهم فيعرضون عنه و يشيحون برؤؤسهم فى اتجاه آخر ،و ليس هذا الصنيع من خلاف شخصى أو خصام وقتى بل هذا طاعة لأمر الرسول وواجب دينى يفرضه عليهم المجتمع المسلم الآمر بالمعروف الناهى عن المنكر ،الجسد الواحد الذى ينبذ و يرفض أن ينضم إليه الجبناء أو من يتباطئون و يقعدون عن الدفاع عنه وقت الخطر و يخافون على أنفسهم من المعركة أكثر من خوفهم على الرسول الكريم ،فإبقاء هذا العضو الفاسد فى المجتمع الإسلامى يضعف بنيانه و يفت عضده ،لذلك فقطعه و الانفصال عنه هو الأفضل حتى يعود لرشده و يتوب عن ذنبه.

هم ثلاثة جمعهم تصرفهم و تفكيرهم ليصبحوا نفس الحالة التى قضى الله فيها أمرا و رسوله...

ثلاثة من المسلمين أقعدتهم همتهم الغائبة عن الخروج مع الرسول للجهاد لكن أبى إيمانهم إلا أن يدفعهم للاعتراف بذلك الذنب أمام الرسول ،بالرغم من خطئهم و ذنبهم الكبير و هو التخلف عن الجهاد ،و ذلك ذنب لا يقوى عليه غير المنافقين ،هم فقط من ضمن المتخلفين عن الجهاد الذين اعترفوا بأن لا عذر لهم فى القعود أما الباقى فقد قالوا أعذارا وهمية يخادعون الله و هو خادعهم ،باقى المعذرين كذبوا على رسول الله – و ما أشده من ذنب- و لذلك أمر الله رسوله بعدم قبوله خروجهم معه مرة اخرى للجهاد لأنهم رضوا بالقعود أول مرة.

أما هؤلاء الثلاثة فقد فرض الله عليهم عقوبة ينفذها المجتمع نفسه ،و هى عقوبة المقاطعة ،قبل أن يتوب عليهم و يسمح لهم بالتوبة

و المقاطعة أو الحديث بالنصح و النهى عن الشيء الخطأ من أساليب الزجر المؤثرة ؛نهى بالصمت المطلق و تجنب الشخص أو نهى بالكلام و النصح أفضل من عدم الاهتمام مطلقا بما يفعله العاصون.

لهذا ذم الله اليهود لسكوتهم على المنكر و عدم ردع الفاعل و لعنهم الله بسبب ذلك و بسب بكفرهم و عصيانهم الذى انتشر بينهم لعدم وجود نهى بعد فعل المنكر و التجاهل و الاستهتار بالذنب من أقبح ردود الأفعال تجاه المنكرات.

"كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" المائدة (79)

فالنهى عن المنكر من صفات الأمة الإسلامية التى أهلتها لتكون خير أمة أخرجت للناس و قد سبق ذكره قبل الإيمان فهو من مقتضياته و لوازمه.

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " آل عمران (110)

 و الحياة مليئة بمثل هذه النماذج التى تستدعى النفور و المقاطعة ،و من أشهر الامثلة الفتيات اللاتى يخلعن الحجاب فى حفلة زفافهن أو الخطوبة باستخفاف شديد بأوامر الله ،و بتشجيع من أمهاتهن – المشتركات فى الذنب – و الأقارب بدعوى أنها ليلة العمر و علي العروس الظهور بأجمل صورة ممكنة و لكى تكون الصور رائعة تسعدها طول العمر ،و نست العروس أنها إذ تفعل هذا تبدأ حياتها بمعصية خلع الحجاب فهل تشكر الله أن يسر لها الزواج و رزقها بالزوج الذى ارتضته بأن تعصي الله فى بداية حياتها الجديدة ؟و هل تأمن أن يعاقبها الله فتتوه فى هذا العالم الجديد المجهول أو يقسى عليها قلب زوجها و تذهب السعادة التى ترجوها...فطاعة الله هى التى تضمن لها استمرار النعمة و حفظها.

فلو نفرت صديقاتها من هذا السلوك و نهرنها عن خلع الحجاب و استنكرن ذلك صراحة فى وجهها لخجلت من نفسها و لعلمت أنها ليست على صواب و انتهت عن ذلك إن لم تكن فعلته و فى ذلك خير لها و لنظيراتها.

و لماذا نتجاوز فى حدود الله و لا نقبل أن يتجاوز أحد فى حقوقنا و الله أحق بالخشية و التعظيم ؟لو قاطع الناس المتجاوز لحدود الله مثل المفطر فى رمضان أو الفاحش البذئ الذى يؤذى الناس بلسانه لأحس و لو جزئيا بأنه غير مرغوب فيه و أن سلوكه لابد أن يتغير مع الله و مع الناس.

ماذا لو استخدمنا عقوبة المقاطعة كوسيلة آمنة و بعيدة عن العنف لردع العاصين و المذنبين – إضافة إلى عقوبة المحاكم الشرعية الإسلامية -فتلك طريقة فعالة للنهى عن المنكر ..كى يشعر من يفعل المنكر أنه حقا نكرة فى المجتمع و لا يصح أن يعاملوه باحترام و هو يعصى الله و لا يستحي ،و هذا خير له بدلا من ان يشعر أن ما يفعله من ذنب حرية شخصية و لا شأن لأحد به ،و مثل هذا الكلام الذى يردده الشيطان فى أذن العاصى المصر على ما يفعل و المستمر فيه ،حتى إذا تاب و آب رحب به المجتمع و فتح ذراعيه له مرحبا و مشجعا على فعل الخير و الالتزام بالأخلاق الإسلامية العالية.

الخميس، 13 سبتمبر 2012

التصوير الزيتى و الفوتوغرافيا

الفن ليس له حدود ، و ليس له طريق واحد لكن جذوره كلها تنبع من الجمال و الرؤية و الإحساس لذلك يقول المصورون دائما أن الخطوات الأساسية للتصوير: انظر ..فكر.. اشعر.. صور ؛فالتصوير الفعلى هو المرحلة الرابعة فى عملية التقاط الصورة و التى تبدأ بالنظر ثم اختيار الكادر الذى يلفت الانتباه و يشد العين و تنشرح له النفس ثم تحديد ابعاد الكادر و البدء فى التصوير, فالتصوير رؤية فنية هدفها تثبت لحظات الزمن عند اجمل ما فيه ، و نقل ما تراه عين المصور ليراه الآخرون بعينه و احساسه.

و التصوير الزيتى و الفوتوغرافى كلاهما ناقل للطبيعة و إن كانت الفوتوغرافى أصدق أو أقرب للمحاكاه، فهو يركز البصر على موضوع الصورة قد يكبر أو يعزل الهدف أو الشيء المراد ابرازه ، قد يلعب المصور بالإضاءة أو يحولها إلى صورة بالأبيض و الاسود كى يلقى عليها الزمن بصماته و يستعير من تدرجات الأبيض و الأسود التباين بين أجزاء الصورة الذى يوضحها و يجملها كما لو كانت ملونة، قد يجعل صورة على صورة فى تداخل فنى جميل فتبدو العناصر متحركة أو كأن طبقات من الزمن سُجلت فى وقت واحد . لكنها فى النهاية حقيقية لها وجود مادى فى الواقع و ليست من وحى الخيال كبعض اللوحات الزيتية.

يمكن التقاط صور فوتوغرافية بسهولة  للوحة زيتية  ،و هذا مقبول فى تصوير معارض التصوير الزيتى لكى يتم عمل دعاية للحدث و تسجيل مقتنيات المعرض، لكن رسم لوحة زيتية من صورة فوتوغرافية غير مقبول نسبيا بين الرسامين ، لان الرسام لا يتواجد فعليا فى الكادر الذى يرسمه ؛فيفتقد روح الحدث و المؤثرات الجوية و تغير الضوء و الظلال حوله خلال عملية الرسم التى تستغرق ساعات، فهو فى هذه الحالة يقوم برسم و نقل صورة ثنائية الابعاد و ليس واقعا من أبعاد ثلاثة ،و النقل من إطار إلى إطار يفقد الكثير من معالم الصورة فالرسام مقيد برسم ما يبدو له من الصورة و ليس له حرية الابداع و الالتفاف حول العناصر التى يرسمها.

و المحاكاه غير مطلوبة فى التصوير الزيتى بل تعيبه فأين التعبير و روح و بصمة الفنان التى تصطبغ بها اللوحة و تمتاز بها؟ فى الماضى و قبل اختراع الكاميرات كان الوجهاء و الأغنياء يتعاقدون مع المصورين لعمل صور فوتوغرافية شخصية و عائلية لهم و يدفعون مبالغ طائلة و يعتبرون ذلك تخليدا لهم و لذكراهم، أما الآن فيميل معظم راسمى اللوحات إلى رسم الطبيعة (اللاندسكيب) أكثر من رسم الصور الشخصية (البورتريه) لأن عليها الطلب أكثر حسب متطلبات كل عصر.

و التحكم فى الضوء و متابعة تأثراته أساسى فى التصوير و سر جودة الصورة ،و قد يحتاج الضبط إلى دراسة و خبرات معينة يكتسبها المصور بالمران و متابعة اعمال غيره من المحترفين ،و متابعة المستحدثات فى الكاميرات و إمكانياتها و ملحقاتها.
و التصوير الفوتوغرافى هو الأكثر انتشارا لان الصور الفوتوغرافية ضرورية فى التعاملات و الأوراق فى المصالح ،و يسعى الكثير من الناس لاقتنائها و ممارسة التصوير و ان كان بشكل غير احترافى لتسجيل ذكرياتهم قبل أن يكون فنا و ابداعا.

و يعيب التصوير الفوتوغرافى –بالرغم من أهميته- التكلفة النسبية لمعداته التى تتطور بسرعة فالأنواع كثيرة و العدسات للمحترفين متعددة و متجددة و كلها غالية الثمن ليس من السهل اقتناؤها ، بينما يمكن عمل أجمل اللوحات الزيتية من أبسط المعدات: قماش مشدود على شاسيه و ريشة و ألوان و مادة وسيطة للخلط ،كلها أشياء بسيطة و غير مكلفة ،و لا تحتاج إلى التجديد كل فترة فالريشة كما هى لا يتجدد فيها سوى مادة صنع الشعر و شكلها ،و الريشة هى روح الرسم بل هى امتداد ليده ينطلق بها فى فضاء اللوحة ليدخل عالم الخيال المنظور.

التصوير الزيتى فن عتيق له رائحة مميزة ، فالزيوت المستخدمة فى الرسم تضفى جمالا و هالة من الاحساس بالعمل و الجهد المبذول فيه، و كذلك عدم استواء ملمس اللوحة حسب كثافة اللون و كمية الزيت الممزوجة به، اختلاف لمعة الألوان من جزء لآخر فى اللوحة  و حسب زمن رسمها ؛ كل ذلك يعطى انطباعات جمالية مميزة لهذا الفن يعرفها عشاقه جيدا ،  يعرفون سحر اللوحة الذى يجعل الرائى يتسمر أمام اللوحة و يتأمل كالطفل الذى يدخل عالما جديدا يراه لأول مرة و ينبهر و يتعلق به فلا يتركه بسهولة.

و التصوير الزيتى يحتاج إلى هدوء و سكينة و استغراق فى اللوحة ، فيتأملها و هى تكبر أمامه من مرحلة إلى أخرى فى شعور متنامى ، و اذا اخطأ فالأمر يسير لون يزيل لونا و طبقة تخفى طبقة غير مرغوب فيها، و عقله دائما فى حالة انشغال يعزله عن العالم و من حوله ،انعزال من أراد الطيران فى عالم سعيد مبهج بلا منغضات ،و من هنا تأتى متعة الفنان و هو يرسم ،إنه مخدر لكن بجو الرسم و تجدد ألوانه ؛فالعجيب أن تداخلات الألوان تكون لونا جديدا كل مرة بعدد لا نهائى حتى أن الرسام قد يعجز عن تكرار لون مكون من عدة الوان تم خلطهم ، ثم يخترع لونا جديدا و هكذا ينمو الابداع بداخله بشكل تلقائى جميل.

أما التصوير الفوتوغرافى فيعتمد على اقتناص اللحظة التى قد ينتظرها المصور كثيرا و يخطط لالتقاطها ، و بالرغم من أن الصورة بعد التقاطها يمكن تعديلها ببرامج معينة فى الكمبيوتر تحسن الصورة و تزيل الأخطاء و قد تحذف أشياء من الكادر أو تضيف إلا أنه لا يصح عدم الاعداد الجيد للصورة اعتمادا على المونتاج اللاحق للصورة و ازالة التشوهات أو تغيير الاضاءة بها بواسطة البرامج.

و الآن من أى الفنون ستبدأ و أياً من مداخلها ستختار؟ الفوتوغرافى أم الرسم الزيتى أم غيره؟ كلاهما ممتع و رائع و يمكن الاختيار حسب امكانيات و قدرات الانسان المبدع، فهو فى النهاية شيء ينطق بإبداع الخالق و جمال الكون فسبحان الله "الذى أحسن كل شيء خلقه" ، و ما اللوحة الجميلة أو الصورة المبهرة سوى دليل على روعة ما صنع الله "صنع الله الذى أتقن كل شيء" فسبحان الخالق الذى علم الانسان ما لم يعلم.