السبت، 31 ديسمبر 2011

اللوحة القاضية

من أجل لوحة أراد الفنان الشهير أن يصبغها بروح الحقيقة و الجمال فقد شهرته و صيته و مورد رزقه، أراد أن يبرز خصائص النفوس بدلا من هيئتها و شكلها الخارجي، لكن هذا تسبب في إغضاب من صورهم الفنان و من هنا بدأت مأساته

هل يرضى الفنان فنه أم من يدفع له و يقاضيه ثمن لوحته؟ هل يلتزم بالشكل دون الجوهر، هل يرص الأشخاص بجانب بعضهم بشكل جاف متساو في انعكاسات الضوء و مساحات الظل على وجوههم حتى لا تطغى الغيرة و الحسد على نفوسهم؛ و يتساءلوا لماذا لا يسلط الرسام الضوء على وجهي أنا لماذا لم يجعلني البطل و مركز اللوحة؟ لماذا لم يجعلني في المقدمة؟ و النتيجة انقلاب بعض شخصيات اللوحة الحقيقتين و رغبتهم في الانتقام ظلما من الفنان الموهوب الذي نصر فنه و أطاع موهبته على حساب رضا الزبون عنه و أي زبون؟ لقد كانوا زبائن هامة جدا؛ كانوا من العسكر أو خفراء الليل و هم ذوو سلطة، و من هنا قرروا الانتقام بكل الأوجه من ذلك الفنان الناجح؛ رامبرانت فنان هولندا العبقري


رامبرانت الفنان الهولندي (1606- 1669) الذي ضحكت له الدنيا في بداية حياته و أشرقت في سماء فنه موهبته الفريدة ، فأمطرته اللوحات بوابل من الأموال و الثروة التي يغدقها عليه النبلاء من شهرته الواسعة حتى قرر أن يعيش في رفاهية و يتزوج فتاة رائعة الجمال من طبقة أعلى منه و يشترى أفخر الملابس و المجوهرات لها و بيتا وجيها واسعا ..لكنه لم يتوقع الغدر و فقدان مورد الرزق و انصراف الناس من حوله.

لم يستمع لنصح والدته بأن عليه أن يعمل حسابا للزمن ، و ألا يلقى بأمواله يمينا و يسارا بدون حساب، فقد اعتاد إقراض أصحابه و من يلجأ إليه بدون سند يضمن له حقه، و لم يدخر شيئا لشتاء الحياة و عواصفها.

"دورية الليل"

طُلبت منه لوحة جماعية لستة عشر سيدا هم فرقة حراس الليل، وهم من الكبراء الذين يحبون الظهور، ليعلقوها في غرفة اجتماعاتهم ، ليرضوا غرورهم و يظهرهم في أشجع صورة، و طلبوا مقاس اللوحة كبير جدا طولها ثمانية أمتار و عرضها ستة أمتار و التي أسماها "دورية الليل".


و بالرغم من تهديد الضابط الذي تعاقد مع رامبرانت على اللوحة بأن العواقب ستكون سيئة إذا لم يوفق في لوحته؛ إلا أنه استجاب لصوت الفن و الموهبة و رسمها بما أملى عليه حسه الفني، فجاءت اللوحة رائعة في نظره لكنها لم ترقهم و لم تنل إعجابهم ألبته، فقد أغرق بعضهم في الظلام و ركز الضوء على آخرين مسترشدا بملامح وجوههم و ما هو أصلح لتجانس اللوحة و تناسقها و ليس بناء على رتبتهم العسكرية।


و أثار ذلك غضب الضباط و قرروا الانتقام فأثاروا الشائعات حوله و خططوا بمكر ليصرفوا عنه الناس و يحتقروه و يعتبروه خارجا عن الفنانين الشرفاء.

و في تلك الأثناء توفيت زوجته الجميلة المحبة تاركا له طفله الوحيد رضيعا و وصية ظالمة كتبتها سطور الغيرة عليه، فكان مضمونها حرمانه من ابنه و ثروتها إذا تزوج بعد وفاتها، و تلك الوصية كبلت حياته و عرضته لمشكلة كبيرة فيما بعد.

فقد أحب مربية ابنه لرحمتها و شفقتها به و خصالها الهادئة الطيبة، و لكن وقفت تلك الوصية فى طريق زواجه بها، فطاردته الشائعات السيئة و حرم من مباركة الكنيسة زواجه ليحيا حياة طبيعية سعيدة.


و مع تناقص أمواله و مدخراته و استدانته ليجد قوت يومه؛ قرر الدائنون يوما إشهار إفلاسه، و كان يوما قاسيا على نفس فنان كانت لوحاته يوما الأغلى ثمنا و الأكثر قيمة، و الأشد من ذلك قسوة أن من تسبب في إشهار إفلاسه أحد أصدقائه القدامى الذين استفادوا من عطائه و كرمه يوم أن كان ثريا.

و زحف الشيب و أمراض الشتاء على عجوز يعيش في منزل شديد التواضع بارد تحيطه العواصف و لا يجد من وسائل التدفئة ما يهدئ كيانه المرتجف، و ماتت مربية ولده الحنون تاركة له ميراثا من الوحدة و الألم.


و اكتملت حوله أسباب التعاسة عندما توفى ابنه الوحيد بعد زواجه من محبوبته بعدة أشهر فانطفأت روحه و انزوى في مرسمه يتألم و يبدع من الألم لوحات أكثر تعبيرا و تأثيرا، يرسم و هو يدرك أنه لن يحصد من تلك اللوحات شيئا بعدما انصرف الناس من حوله، لكن أملا في الحياة جاء مع مولد ابنة ابنه المتوفى و تعلقه بها ليعطيها ما تبقى عنده من رحيق الحنان و الحب.

توفى الفنان المبدع رامبرانت فقيرا معدما و دفن في مقابر الفقراء و الشحاذين! ثم بيعت بعد ذلك لوحاته بمبالغ خيالية و أصبحت كنوزا لا تقدر بثمن


الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

ما بعد إجابة الدعاء

عندما يمس الإنسان الضر يهرع إلى الله، و لا يزال يدعو و يدعو لا يسأم و لا يمل، و قد يصحب الدعاء عهود بالطاعة و التوبة و الندم على التقصير و الذنب، و الله كريم مجيب الدعاء فإذا أجيبت الدعوة وجب الالتزام.


فحقيق بالمؤمن و حق عليه أن يشكر لله استجابته، و أن كشف الضر عنه و لم تعد يداه صفرا فارغة بعد أن رفعها بالدعاء، وواجب عليه أن يتذكر حاله قبل الدعاء و بعده و لا ينسى عطاء الله و كرمه، و عليه أن يوفى دينه، عهده لربه الذي عاهده عليه وقت الأزمة و أن يلتزم بالصراط المستقيم و لا يجعلن النعمة تنسيه واهبها و لا يأخذه بريق و زينة الدنيا.

و يعلمنا الله أدب ما بعد الدعاء في القرآن، فقد أمر سبحانه كليمه و نبيه موسى عليه السلام - عقب تبشيره باستجابة الدعاء له و لأخيه – أمره بالاستقامة و عدم إتباع السبل و التفرق و تلك من أسباب الشكر و الثبات على الخشوع و التضرع اللذين يشملهما الدعاء الصادق.


"وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" يونس(88،89)

فما أشد عقوبة خالف عهد الله؛ هي عقوبة قوية متعلقة بنطفة في الجسم إن صلح صلح الجسد كله، و إن فسدت فسد الجسم، القلب ، فعقاب الله لمن خالف عهده أن يورثه النفاق في قلبه بشكل دائم طوال حياته و حتى يلقاه.


"وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" التوبة (75، 76،77)


و ما أصعب تلك العقوبة؛ ففرصة النجاة منها ضئيلة لأن صاحب القلب المنافق لا يخلص أبدا، و لا يفوز برضا الله إذ يشرك معه في الإخلاص و طلب الرضا آخرين، فلا يكاد يصل إلى غايته أبدا، بل يظل تائها بين الناس و المتاع الزائل إلى أن يأتيه اليقين و يلقى ربه بقلب منافق أثيم.

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

أوقات مقدسة

ليست جميع الأوقات سواء..فهناك أوقات لا تنسى لأنها مصيرية ؛ تتكون من لحظات صدق و خشوع ..لحظات مشهودة، أوقات معدودة؛ لكنها ذات شأن عظيم.

من تلك الأوقات أوقات استجابة الدعاء و هي لحظات سقوط المطر – في المعركة – بعد الآذان و حتى الإقامة – عند رؤية الكعبة

و من الأماكن المقدسة : الحرم المكي و الحرم النبوي

و عند المريض..تجد الله بجانب المريض كما في الحديث القدسي "يا ابن آدم مرضت و لم تعدني..."

و في الحرب تتنزل الملائكة على المؤمنين لتثبت أقدامهم و تشدد من أزرهم

و في الأوقات العصيبة في حياة الإنسان؛ مثل وقت الامتحان...

تجد الهدوء يعم المكان لا يوجد سوى سيل يتدفق من الأفكار و صوت العقل الداخلي يوجه اليد لتتزامن حركة اليد مع حركة المعلومة داخل الرأس حسب توجيهات العقل..توفيق الله و تيسير الأمور نعمة من الله

فالامتحان يسبقه إحساس بالرهبة ..إحساس أن الإنسان لا حول له و لا قوة .. و أن الرأس خالية من كل شيء إلا من آيات القرآن أو دعوات التيسير..و يتبعه إحساس بالشكر و الامتنان لله الذي رزق بالمعلومات و فرج الأزمات.و هدوء ما بعد العاصفة و انتهاء المعركة.

"و هو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا و ينشر رحمته و هو الولي الحميد"

ما بعد إجابة الدعاء

استجيب الدعاء .. فماذا بعد؟

مع التدوينة القادمة..

الخميس، 8 ديسمبر 2011

الانتماء و الحب

الحب له معانٍ مختلفة عند الناس، لكن معناه الحقيقى هو الإحساس بالانتماء المتبادل؛ ففي كل زواج أو علاقة حب يكون الانتماء هوالعامل المشترك.
قد يكون هناك مجموعة من الاهتمامات الذهنية المشتركة أو خلفية اجتماعية متشابهة أو قد لا يكون، لكن في كل حالة يكون فيها الحب عميقا و دائما فلابد أن يوجد شيء ثابت: اثنان يهتم أحدهما بالآخر و يعتني به و يكرس حياته بشدة فى سبيل سلامته، و هذا هو المعنى المقصود بالإحساس بالانتماءالمتبادل.
إنه في جوهره العطاء و الآخذ من كل من طرفي الشركة؛ فأنت تنتمي لإنسان و هو بدوره يتنمى إليك، و الواقع أن ما يحدث في الحب أن كلا من الطرفين يضع كل ما يملك في الحياة مع ما يملك الآخر، فهما شخصان منفصلان كل منهما له شخصيته الخاصة و أخلاقه و تكوينه و مزاجه، و لكن أنتما الاثنين مع ذلك كيان واحد و ما لم تتم هذه المشاركة فإن الحب الحقيقى سيصبح مستحيلا.
و الانتماء ليس معناه الامتلاك ، إذ أن هناك فرقا كبيرا بين هاتين الكلمتين: فالحب لا يعنى إطلاقا ربط طوق أو سلسلة حول رقبة من تحب، و من ثم فإنه لا يمكن امتلاك الحب أو الحبيب أو الزوجة كامتلاك منزل أوسيارة أو قطعة أثاث.
ففي اللحظة التي يدخل فيها هذا الإحساس القهري من الباب يطير الحب من الشباك ، إن حب الشخص لا يتضمن امتلاكه ، و لكن تأكيد وجوده و منحه كل حقوق وجوده كإنسان متفرد بكل سرور، فليس من الممكن أن يحب إنسان آخر حقا ثم يحاول استعباده بالقانون أو برباط الاعتماد أو الامتلاك.
و ليس معنى الانتماء المتبادل آن يكون مسألة قوة أو واجب أو طاعة أو ضمير أو أي نوع من أنواع الضغط داخليا أو خارجيا و إذا وجد يجب أن يكون حراً.
و لتذكر دائما أن الحب و الحرية متلازمان ،فلا يمكن الحصول على أحدهما دون الآخر.

الأحد، 4 ديسمبر 2011

سر الحب الضائع

قال أحد كتاب القصص المخضرمين أن أجمل قصص الحب هي التي لم تكتمل بالزواج!
و هذه حقيقة؛ لماذا يتحول الحب؟ سؤال تسأله معظم الزوجات بعد عدد من الأيام أو الشهور أو السنوات من الزواج...
فكرت كثيرا حول حكمة الله و سر القدر..
تأملت قول الله "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم"
إذن هو نوع من العقاب، فالعذاب الفكرى أو الجسدى يأتي في أحيان كثيرة عقوبة من الله
فتحول الحب و هروبه قد يكون عقوبة...
عقوبة لماذا؟ فلننظر إلى تعريف الحب: فكر مستمر و انشغال بالمحبوب، التماس رضاه و إكباره، و نسيان الجميع عند الحديث معه
هنا سر الذنب الذي اكتشفته...
الخطأ الذي يرتكبه المؤمن هو نسيان ذكر الله عند الحديث مع المحبوب، و ذكر الله هو المنجى و لا أمان سوى بذكر الله
لابد أن يضع المحب احتمال العداء كما وضحه الله في القرآن "إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم"
فليأخذ كل إنسان حذره كما أمره ربه حتى لا يندم بعد ذلك.
فالحذر واجب نعم أحب هذا الشخص لكنه متغير قد يكون عدوا فيما بعد؛ فلا يصح أن أعطيه الأمان الكامل و الثقة التامة و ليكن كل شيء باعتدال الفرح باعتدال والحزن بمقدار و الغدر و الخيانة تجرى في الدم؛ فما أسهل التحول نتيجة للملل أو الامتلاك و الزهد أو بتأثير شياطين الإنس من أهله و أصدقائه.
الأسباب كثيرة و النتيجة واحدة الإعراض و الانتقام...
إننى أتعجب يشدة ممن يقول من يحب لا يكره،
فما أكثر ما نسمع عن انتقام و كره بين من كانا متحابين في الماضي.

اللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا إتباعه و أرنا الباطل باطلا و ارزقنا اجتنابه
ربنا أفرغ علينا صبرا و توفنا مسلمين