الخميس، 17 فبراير 2011

تحيا مصر

أقام الزملاء حفلا بهيجا بمناسبة لا تتكرر إلا كل عدة عقود ، مناسبة عامة جدا، و هامة جدا، عيد ميلاد المصريين ، عيد الثورة البيضاء ، ثورة الشباب و المثقفين ضد القهر و الظلم المبين.

في الصالة رأيت البالونات الحمراء و البيضاء و السوداء تتدلى ، و في كل ركن يوجد علم، و فوق السبورة كلام في حب مصر،،،،


 

تحدث زميل من مدينة التحرير العظيمة، حيث انه شاهد عيان على تلك الملحمة العظيمة

قال لنا أنه لم يقدم شيئا لأنه لم يحضر منذ أول يوم لكن كان نصيبه فقط عصا بالشومة (لذا جاء حليق الرأس)، لكن البطولة حقا هي المواجهة ثم المواجهة و الإصرار، قال أن هؤلاء المتظاهرين كانوا على استعداد لأن يظلوا هناك في الميدان عشر سنين حتى يحققوا ما يريدون و إلا فإنها ستكون فاشلة

قارنها بعدة ثورات مثل ثورة 1919 – ثورة الجيش 1952 و غيرها ووصفها بأنها ثورة كاملة شملت كل فئات الشعب.


 

لكن العجيب بالرغم من تباين صفاتهم و ديانتهم و أعمارهم إلا أنهم كانوا في تلاحم كامل، لا مشاكل مطلقة بينهم، الكل يقدم للآخر و يعينه، لقد أراد زميلنا أن يشترى طعاما ليستعين به في أيامه هناك، لكن الطعام المقدم لهم من المتطوعين محبي مصر كان يفيض، تنظيم بدون كلام، تعاون كل بمقدار ما يتقن و يستطيع ، فخرجت ثورة مكتملة الأركان ، و أذن الله لها بالنجاح ،و ألقى في قلوب الذين ظلموا الرعب و الخذلان و سوء الختام.


 

لقد استصغر زميلنا ما قدمه بالنسبة لمن رآهم هناك و من حضروا منذ اليوم الأول و استماتوا بشجاعة غير متوقعة, و الجميل أنهم كانوا على وعى كامل بتفكير القيادات العليا و المخاطر التي كانوا سيتعرضون لها إن استمر النظام الحالي بكل أو بعض رجاله، و الحيل التي قد يلجأ إليها المسئولون للتهدئة الوقتية للأمور توقعها المتظاهرون و عملوا على اتقائه خشية أن يزج بهم في المعتقلات بمجرد أن تنفض المظاهرات و تتفرق الحشود.


 

خلال ذلك تأملت بعين الفنان علم مصر، طائر (العقاب) وسط العلم كيف أنه شامخ و عظيم، فكرت فيمن صمم العلم بهذا الشكل البديع البليغ المعاني؟ (كان رمزا للدولة الأيوبية و ينظر ناحية اليمين للتيمن و المباركة) قدم العقاب و ذيله و جناحه القوى كله مرسوم بخطوط سوداء و خلفية صفراء و فى قلبه تستقر ألوان العلم الثلاثة.


 

تحدث زميل آخر عن التاريخ ، و كيف أننا كنا نمر عليه مر الكرام إذ أفقدنا الظلم المستمر الإحساس بالأمل في التغيير و كيف أننا نحتاج جميعا إلى الشعور بالانتماء ، و أي انتماء أحب إلينا من الانتماء للوطن الذي يحتوينا و نستمد منه أماننا و كرامتنا.

أتذكرون الهجرة إلى المدينة، كيف كان التعاون و الحب بين المهاجرين و الأنصار في دولة الإسلام الحديثة، ألم يمن الله عليهم بالألفة؟ "و وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ"، تلك الألفة و ذلك الإيثار هو المفتاح الحقيقى للنجاح و عبور الأزمات.


 

و الهدايا: أعلام صغيرة ما أغلاها و أجملها، و صندوق لتجميع أفكارنا مكتوبة للنهوض بمصر لمناقشتها فيما بعد، و آخر للهبات على روح شهداء الثورة.


 

فجأة أحسست أن بيتي واسع

اننى امتلك أراضٍ و أفدنة

و أن المكان حولي فسيح

و الهواء نقى و مريح

متوفر جدا بعد أن كان نادرا


 

أحسست أن لي من الأخوات كثيرا

سواء رأيتهم أم لم أرى

شاهدت الكون رائعا و كبيرا

كل من فيه مؤيد و نصير


 

و تلك الشمس البهيجة

أشرقت اليوم بوجه جديد

الأشعة تدفئ برد السنين

و النور يجلى غمام العين


 

الأربعاء، 2 فبراير 2011

يوم الغضب

جاءني تحذير من أحد المخلصين بعدم نزول الشارع يوم الجمعة 28 يناير 2011، و كان يتوجس خيفة من العواقب، و لأني مشغولة بآلاف الأشياء بخلاف السياسة؛ فقد استمعت للنصيحة دون أن أعى ما وراء تلك الأحداث الجسام من ألم و انهيار...

فى ذلك اليوم المخيف تابعت التلفاز لمعرفة آخر الأنباء بشكل سطحي ، و عند المغرب فوجئت بقرار حظر التجول عندها أدركت أن الأمر جد خطير

ثم تأجيل امتحانات الكليات لأجل غير مسمى فأيقنت أن الأمر بعيد المدى

ثم توالت الأحداث المحزنة المفزعة: اعتداء على المتحف المصري

امتداد الحريق ليشمل المجلس الأعلى للصحافة و المجالس القومية المتخصصة و كلها مؤسسات هامة و حيوية و لم تؤذى أحدا من المتظاهرين بشكل مباشر

كيف سمحت لهم نفوسهم بترك المبنى هكذا يشتعل بدون أن تتحرك عربات الإطفاء

نداء زاهي حواس المحب الأول لآثار مصر و هو مرابط بالمتحف لتأتى حماية الجيش بسرعة، دروع بشرية حول المتحف بعد عمليات سطو دنيئة بشعة على المومياوات و تكسير أحدها

ماذا فعلت لهم تلك المؤمياء الهادئة المستقرة من ملايين السنين كى تتكسر بهذا الشكل المهين، و التماثيل الصغيرة السوداء التى تمثل عساكر من الزمن الفرعونى القديم و غيره من علامات التكسير فى المبنى.. هكذا فى لحظات

كله إلا الخراب..إلا الحريق و إفساد ما تم بناؤه من ميزانية الدولة الهزيلة و التى ستزداد هزالا و ضعفا.

أننى أوقن أن هؤلاء المتظاهرين أول الأمر لم يدركوا حجم المأساة و العواقب المدمرة لما قاموا به، بل لعلهم رأوا فى انتفاضتهم هذه عملا قوميا يثابون عليه و يقدمون به خدمة جليلة للوطن و لإخوانهم البؤساء، لكن النتيجة انحرفت فى مسار آخر مخالف تمام

فقد أدت تلك الأحداث إلى التالى

انهيار الاقتصاد فى لحظات سريعة

سحب الثقة فى الاستثمارات المصرية

سحب الرعايا و تقلص السياحة

و نتيجة طبيعية و على المستوى الأكبر تقليل أشد فى فرص العمل المتاحة

و بسبب حظر التجول و حالة الخوف السائدة:

تعطل العمل بالمصانع و بالتالى نقص العبوات الغذائية و غيرها مما يؤثر على حجم السوق و التجارة الداخلية

ثم المخاوف الكبرى و التى ليست ببعيدة حول إمكانية التدخل الاجنبى و انتهاز فرصة الفوضى في هجوم خارجي...

هل هذا ما يرجوه المتظاهرون؟

"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولى الأمر منكم"

لماذا لا ينتظر المتظاهرون قليلا ليتفاوضوا و يستمعوا لاقتراح الرئيس، و يتحدوا حول كلام العقل و الهدوء و السلام على الأقل فى تلك الفترة الحرجة من تاريخ البلاد، أقول لهم أنتم غير مفوضون من قبل كل فئات الشعب؛ فلا تتمادوا فى التظاهر قبل أن تستقر الأمور قليلا و نستطيع على الأقل جمع تلك الكلاب الضالة الهائجة التي انطلقت من جحورها سواء السجون أو المنحرفون القائمون بأعمال السلب و النهب و الترويع

اهدءوا و اسمعوا و أطيعوا حتى تهدأ الأمور، و بعد أن يستقر الأمن الداخلي و تصبحون قادرين على النوم و تشعرون بالأمن يمكنكم التفكير السليم المخطط، و يا حبذا تحت قيادة فئات راقية علمية توجهكم بشكل صحيح للسبل الشرعية للتعبير عن المطالب و الضمانات التي تحقق ذلك..

اهدءوا بارك الله فيكم كي تستعيد الدولة توازنها و لا تقع فيطحنها و ينقض عليها العدو المتربص..حينئذ لن ينفعكم غياب النظام أم حضوره ، بقاء الرئيس أم غيره، وجود البرادعى أو أتباعه..توحدوا.. اصمتوا قليلا حتى يعود الأمن و تدور المصانع مرة أخرى و تنطفئ الحرائق المشتعلة..


"و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها و ادعوه خوفا و طمعا * إن رحمة الله قريب من المحسنين"


31 يناير 2011