الأربعاء، 28 أبريل 2010

"أتعجبين من أمر الله"

التفاؤل صفة حسنة و سلوك صحى يجب أن يتحلى به الإنسان وسط ذلك الكم الهائل من الأحداث السيئة و الأوضاع المحزنة..و التفاؤل ينبع من ثقة دفينة راسخة فى المؤمن بأن الله سيحقق له آماله و يراها تتحقق أمام عينيه.. و لو بعد حين.

الأنبياء و أهلوهم هم قدوة لنا بما يحملون من صفات عليا؛ أهلتهم ليكونوا رسل الله المبلغين لأوامره ونواهيه؛ و الشارحين لأصول الدين من خلال القول و الفعل... نلتمس اليوم نفحات من عدة آيات تمثل مشهدا قرآنيا من سورة هود:

وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)

فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ (70)

أرسل الله ملائكة تبشر ابراهيم ببشرى عزيزة – جاءوا فى صورة بشرية فظنهم ضيوفا و أكرمهم، و من دلائل كرمه عليه السلام في الآية الشريفة التعبير "فما لبث" "حيث أسرع بإحضار واجب الضيافة :عجل سمين ؛ حتى قبل أن يتعرف عليهم .. بمجرد إلقاء السلام و إبداء الأمان ؛ فكان كرم الله و فضله بتحقيق أمنية إبراهيم التي تمناها طوال عمره فمن الله عليه بنعمة الأولاد بعد طول انتظار.

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)

قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)

امرأته قائمة: أغلب الظن أنها كانت تقوم بدور الضيافة و الترحيب للضيوف الذين أتوا (الملائكة) بالرغم من كبرها في السن..

و ضحك المرأة (زوجة سيدنا إبراهيم) كان مقدمة لتبشيرها ببشرى الولد "اسحاق" و زيادة فى العطاء "يعقوب" و تلك "فائدة التفاؤل" و حسن الظن بالله

و فى نفس المشهد لقطة أخرى من سورة "الذاريات"

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)

قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)

من شدة العجب صكت وجهها أي ضربته برفق ..وصف دقيق جدا لمشاعر امرأة أذهلتها المفاجأة بعد أن يئست من طول الأمل و استسلمت لقدرها، و رضيت بنصيبها و تأقلمت مع حرمانها من الأولاد، و ذاب شوقها الذي حملته سنوات طوال إلى الأطفال.

ليس الأمر قاصرا على الأسباب الظاهرة فقط؛ بل هناك قوة مدبرة فوق قوانين الحياة و حدودها التقليدية؛ فسواء كانت عجوزا أم شابة عاشت حياتها عقيمة بلا أولاد، أم كانت ولوده ، كل هذه الأسباب لا تزن شيئا أمام قدرة الله .

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)

لا يتعجب الإنسان أبدا من قدرة الخالق و كرمه و قدرته فالأمر جد يسير .. إنما هي كلمة من الله:"كن فيكون"، فلم العجب؟

أهل بيت الأنبياء هم صفوة الناس بعبادتهم و تقواهم و إيمانهم العميق ، فهم أكثر الناس تعرضا لرحمة الله و بركاته، تتنزل عليهم آناء الليل و أطراف النهار، و منهم نعرف كيف تكون الحياة اليومية الهادفة المثمرة؛ فإن حياتهم ليست لأنفسهم؛ لكنها لهدف خالد هو نشر الدين و الكفاح من أجل العقيدة، و لهذا يبتليهم الله ليطهرهم و يذهب عنهم الرجس، و من بعد الابتلاء يأتي اليسر و الفرج و حسن العاقبة.. و هذه بشرى و دعوة للتفاؤل.

الثلاثاء، 20 أبريل 2010

الأيادي الناطقة

هل تصدق أنه سوف يأتي يوم تتحدث فيه يداك و جوارحك، و بأي حديث تتكلم؟ إنه ليس كلاماً عادياً؛ إنها شهادة في وقت يفتقر فيه الإنسان إلى شهادة خير، و على أي شيء ستشهد ؟ عليك أنت.. أنه في يوم كذا قد فعلت كذا ، لا يهمها أنها سوف تتعذب معك.. فهذا أمر الله الذي أمرها بالنطق؛ و أنطقها فنطقت؛ و كان أمر الله مفعولا...

أما تستحي أيها العاصي؟ ألم تعلم بأن الله يرى؟ سيشهد الجميع: السمع.. البصر..القلب.. حتى الجلود و كل ما استعملته بما يخالف شريعة الله؛ استعملت جوارحك التي وهبك الله إياها في عصيانه بدلا من شكره عليها، و استهنت بمراقبة الله لك و هو معك أينما كنت؛ ألم تعلم أن ربك بالمرصاد؟ ألم تعلم أن كل شيء قد أحصاه الله و لو نسيته أنت؛ و سوف يحيط بك الإثم من كل جانب فلا تجد مخرجا و لا ملاذا..

قد جاءنا التحذير من الله فى الآيات التالية:

"وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ "

و فى الحديث الشريف:

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك، فقال: ((هل تدرون مم أضحك)؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تُجِرْني من الظلم؟ قال: بلى، قال: إني لا أجيزُ اليومَ على نفسي إلا شاهداً مني، قال: يقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُختَمُ على فيه فيقال لأركانه: انطِقي، فتنطق بأعماله، قال: ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام فيقول: بُعداً لكُنَّ وسُحقاً، فعنكن كنتُ أُناضل)).


 

الأربعاء، 7 أبريل 2010

لوحة حائط

من ذكريات الطفولة غير البعيدة ..ربما كان عندي ثمان سنوات ..ربما، لكنني كنت قد أتقنت القراءة و الكتابة بالشكل الكافي لقراءة لوحة حائط.. و هذا هو المؤكد.

بينما كانت عيني تسبح في فضاء حائط الفصل؛ استقرت على لوحة مكتوب بها حديث شريف، لازلت أحفظه حتى الآن، و كانت مكتوبة بخط رقعة واضح جميل..

"عن عبد الله بن عباس قال : كنت خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما قال يا غلام، إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، و إن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام و جفت الصحف"

بنظرة الطفل الصغير و عقليته تفهمت الجزء الأول من الحديث، و حفظت العبارة الأخيرة (لما كانت تحتوى على بلاغة أدبية درستها فيما بعد)، و انصهرت تلك الكلمات و المعاني في بوتقة عقل لا يزال في مرحلة الإنشاء و التكوين؛ و تشكلت معان و مبادئ لا تتبدل على مر الزمان، ثم تجمدت لتثبت مدى الحياة راسمة معالم الطريق...

يبدأ الحديث في بلاغة نبوية: في البداية "إني أعلمك كلمات"؛ مما يهيئ المتلقي إلى التركيز؛ فما سيقال كلمات معدودة و ليست موعظة طويلة يترك بعضها و يلتقط بعضاً.

ثم يعرض منهجاَ كاملاَ لمراقبة الله، و استشعار وجوده في كل وقت، و الأنس به.. فهو سبحانه "تجاهك" أي أمامك يراك و يرعاك؛ و حفظ الله للإنسان أعظم مكافأة لحفظه أوامره سبحانه و كلماته، كما أن السؤال و الطلب و المعونة منه وحده، مع الثقة الكاملة أن الأمر كله لله؛ و إن اجتمع الناس كلهم على نفع أو ضرر الإنسان.. و تلك ثقة في الله تكسب المؤمن قوة مستمدة من عمق الإيمان لا يخشى معها أي قوة دنيوية مهما عظمت.

هذه هي أسس التوكل على الله؛ تحضرني الآن الآية الكريمة في سورة هود؛ على لسان نبي الله هود:

"من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربى و ربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم ".

أما معنى (رفعت الأقلام و جفت الصحف) أي أن هذا القول ثابت لا يتغير و لا تصيبه تحريف مدى الزمان.


 

هكذا كانت المدرسة في الأيام الخوالي، كان الطالب يتعلم فيها حتى في وقت فراغه أو عند غياب المدرس؛ و بكل الأشكال: نصيحة مباشرة أو غير مباشرة، نصيحة منطوقة أو مقروءة، المهم حسن اختيار المواد المقدمة للطلاب و عرضها بشكل بسيط و مؤثر و مناسب لسنهم الصغير، و لا شك أنها من المؤثرات القوية إذ يتعرض الطفل لها كل يوم عدة مرات فتشجع لديه موهبة التأمل و التفكير ثم الاستيعاب الكامل.