السبت، 13 نوفمبر 2010

نفحات من سورة الحج

تسعدني قراءة سورة الحج، خاصة في العشر الأوائل من ذي الحجة، أيام التقرب من الله و خير ما يتقرب به العبد إلى الله هو أداء النوافل و قراءة القرآن بتدبر، وهذه السورة مرتبطة بأحد أركان الإسلام الوحيدة التي لا يفرض عليه تكرارها مثل باقي الفرائض.

بداية سورة الحج نداء للتقوى و تخويف و ترهيب و تذكير بزلزلة الساعة، و ربط بين مشهد تجمع الناس في الحج فرادى لا حول لهم و لا قوة، و مشهدهم و ذهولهم يوم قيام الساعة حيث يكون الناس كالسكارى فاقدين للعقول و جميع معايير و قوانين الدنيا.


 

ثم تأتى حقيقة قدرها الله و كتبها منذ قديم الزمان، كتب على إبليس أن من أطاعه و اتخذه وليا فان مصيره الضلال و لا شك و يقوده إلى عذاب السعير، و من بلاغة القرآن أن الله كتب هذه الحقيقة على الشيطان.. و هذا يكفى، و ليس على أتباعه؛ فالشيطان هو مصدر شر أبدي للإنسان و جاهر بعدائه منذ خلق آدم.

و إذا تـأملنا الآيات التي تحدثت عن الشيطان نجدها كثيرة:

لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

"يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى و لبئس العشير"

ألا يستحق الرجم؟ ..يبدو هنا الربط بين الآيات و بين شعائر الحج و التي من أساسها رجم الشيطان أو من ينيب عن الحاج إذا تعذر عليه رمى الجمرات بنفسه.


 

كما أنها تشمل تحذيراً لمن لا يحسن الظن بالله

"من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا و الآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ"

و هل للإنسان ملجأ إلا الله ؟ هل يستطيع أن ينفذ من أقطار السماوات و الأرض؟ إن حياته بأمر الله و بأمره يموت


 

و هذه صورة أخرى مخيفة لمن يشرك بالله:

"و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق"

فقد انحرف المشرك عن فطرته السليمة فسقط من مكانة الإنسان العاقل ليصبح شتاتاً تنقض عليه طيور الشر أو تدفعه الرياح إلى أسفل سافلين.

و تناظرها صورة أخرى مشابهة لها في آية في سورة طه:

"و من يحلل عليه غضبى فقد هوى"


 

كما تتعرض السورة إلى الجدل بالباطل و نظرة مستقبلية إلى الغيب، إذ يكون عاقبة فريق المتخاصمين الذين جادلوا بالباطل أن قطعت لهم قطع من النار و صب فوق رؤوسهم الحميم فهو عذاب من خارج و داخل أجسامهم تنصهر بطونهم و جلودهم.


 

و تحمل بشرى للمهاجرين إلى الله و الشهداء ووعد من الله بأعظم أجر؛ أن يضمن لهم أن يدخلهم مدخلا يرضونه و كفى به رزقا حسنا.

و تلك بشرى أكيدة للمؤمنين أن الله كفل لهم الهداية:

"و إن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم".. لاحظ استخدام صيغة "فاعل" في "هاد" دليل على الاستمرارية و التأكيد

و أهداهم خاصية لهم تطمئنهم أنه تعالى لهم سند و حماية

"إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور"

و أنظر إلى لطف الله و هدايته لمن أحب:

"و هدوا إلى الطيب من القول و هدوا إلى صراط الحميد"


 

و هذه هي السورة الوحيدة التي تحتوى آيتى سجدة


 

و فيها الآية العظيمة التي يؤذن فيها بالحج و تشمل شعائر الحج بتفاصيلها و الحكمة من ذبح الأضحية و كفارة الحالات الخاصة و تقديم أو تأخير بعض الشعائر و الرخص التي شرعها الله للتخفيف على الحجاج.

و يمتدح الله من يعظم شعائره و حرماته فى آيتين

"ذلك و ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"

"ذلك و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب"

فتعظيم الأوامر و النواهي إنما مصدرها الخشية من الله و تعظيمه


 

و تختتم السورة بنداء من الله للمؤمنين بالصلاة، و أمر لهم بإتباع مبدأ هام جدا: من أراد الفلاح فليفعل الخير.. هكذا دون أن ينتظر مقابل أو جزاء سوى رضا الله.

"يأيها الذين آمنوا اركعوا و اسجدوا و افعلوا الخير لعلكم تفلحون"

و الآية الأخيرة:

"و جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم و ما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم"

ألا يتطلب مننا الجهاد في الله حق جهاده أن نصبر على ابتلاءات الدنيا الفانية و أن نتخذ من الكفاح و الإخلاص في العمل شعارا لنا؟ من أجل هذا استحق المسلمون المجاهدون الاصطفاء و الشرف بنعمة الإسلام.


 

"و في هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم و تكونوا شهداء على الناس"

فالدعوة إلى الإسلام و الحفاظ عليه واجب على المسلمين لأنهم شهداء على الآخرين و ناصحين لهم و قائدين إلى الخير و الهداية..فأي شرف وهبه الله للمسلمين؟ لعلهم يقدرون حجم المسئولية التي حمَلها لهم الله.

و لكي يستطيعوا تحقيق هذا عليهم إتباع الآتي:

"و اعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى و نعم النصير"


 

آمنت بالله اعتصمت بالله توكلت على الله لا قوة إلا بالله