الثلاثاء، 30 مارس 2010

صوت من بعيد

صوت من بعيد.. آت من عمق السماء..بل من بين جنبات الأرض .. بل من قلوب المؤمنين..

صوت يتردد منذ سنين.. حلقة الوصل بين جميع أيام العمر ..سمعناه أطفالا و شبابا و كهولا و لا يزال يدوى صداه إلى ما شاء الله..

الآذان..الله أكبر..أكبر من كل المشاغل الدنيوية أكبر من كل كبير، أكبر و أعلى و أعظم.

أكبر من أي مشكلة دنيوية زائلة، أكبر من هموم الدنيا مجتمعة..

شهادة الوحدانية.. هي شهادة العزة و الكرامة، شهادة نستودعها و نختزنها عند الله؛ لتأخذ بأيدينا عند عبور الصراط، و ننجو بها من خزي يومئذ.. شهادة شهدها الله و الملائكة و أولو العلم.

حي على الصلاة.. هلم إليها لتريحنا من الهبوط الأرضي، و الغبار الذي يغشى الأبصار؛ فلا تكاد تبصر إلا تحت الأقدام، هلم إليها لنجدد طاقتنا و نستعيد فطرتنا التي أفسدتها الأطماع الدنيوية التي لا تنتهي..

هلم إليها لنوقف تيار الانشغال عن ذكر الله، أو لإيقاف خلاف أو إسكات أصوات تتعالى و نفوس تتشاحن، هلم إليها ليستفيق الغافل و يتوقف العاصي؛ أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر؟ و لتكن صلاة خالصة نستشعر فيها جلال الله و متعة الوقوف بين يديه ننعزل فيها عن العالم و الأصوات الخارجية و الزخارف المحيطة بنا من كل جانب.

و من قبلها بالوضوء تغسل الذنوب و يضاء الوجه و يزيد الأجر و يتم التطهر.

و عندما تكون صلاة خاشعة؛ يتحقق الفلاح كما قال تعالى: "قد أفلح المؤمنون، الذين هم فى صلاتهم خاشعون.. ".و هي أولى صفات المؤمنين: المحافظة على الصلاة في أوقاتها؛ فمن أسرع إلى الصلاة أسرع الله في إجابة دعاءه. "و عجلت إليك ربى لترضى"

لا اله إلا الله..خير ما قال الأنبياء و ردد الأصفياء.. لا اله إلا الله حقا حقا، لا اله إلا الله تعبدا و رقا.. لا اله إلا الله مفتاح دخول الجنة، بها تختتم حياة الصالحين و ترتاح نفوس المكلومين.

و لكل وقت ذكراه و معناه:

الفجر..سكون نفسي وسط سكون مادي، نور يسرى في القلب قبل ظهور نور الشمس ..يسبق تسبيح العصافير بعدة دقائق ثابتة يومياً.

الظهر..ينتزع الناس من دوامة العمل ليستعيدوا نشاطهم و حيويتهم فيستكملون أشغالهم بعزيمة، بعد أن خففت الصلاة من مشقة العمل و رتابته.

العصر..صلاة وسطى لا يضيعها المؤمن و لا يشغله نوم القيلولة عن أدائها.

المغرب.. علامة فارقة بين الضوء و الظلام، بين الحركة و السكون، يسبقها الكثير من تسبيح الطيور مجتمعة في وقت واحد؛ تليها بعض أصوات زقزقة العصافير الشاردة المتناثرة.

العشاء..إيذان بانتهاء كفاح يوم و إيقاف عجلة الدوران للاستعداد لليوم التالي.

و صوت المؤذن مميز له سحر خاص، يفتقده الإنسان عند السفر و الترحال, فمن الأصوات ما هو هادئ عذب، و منها ما هو عال جهوري، و منها ما يحمل في طياته نبرة وعيد و تحذير.. و جميعها أصوات محببة بما تحتويه من كلمات مكرمة عند الله؛ فيها الخير و زيادة، ترديدها سنة و عبادة.

الأربعاء، 24 مارس 2010

"لعلكم ترحمون"

ما هي الطريقة المثلى لتأمين مستقبلك و مستقبل أولادك؟ كيف تضمن لهم حياة سعيدة هانئة؟

لا ليس بأموال مكتنزة في البنوك و لا عقارات مسجلة و لا حلى ذهبية أو مجوهرات ثمينة.. ليس كل هذا هو الشيء المضمون.

المضمون أن تختزن فعل الخير عند الله ...

و ليكن شعارك تلك الآية الكريمة "و افعلوا الخير لعلكم ترحمون".

معونة الله لك أكيدة بسعيك في عون أخيك.. أنت تساعده فيساعدك الله: فأيكما أكثر استفادة و أيكما أسعد حظاً؟ من كان الله معه كفاه ما أهمه من شرور الدنيا و الآخرة.

لا تنتظر رد الجميل من الناس، لكن توقع الجحود و ادع الله أن يتقبل ما تقدمه؛ فالله يزيد الإحسان حسنا و الثواب أضعافا مضاعفة.

ألم يقل موسى عليه السلام مناجياً ربه: "رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير" بعد أن سقى لبنات سيدنا شعيب متحملا مشقة فوق مشقة سفره الطويلة، مبتغيا وجه الله فيما قدم لغيره؛ فأكرمه الله و آواه و آمنه من خوفه و نجاه من الهم و الغم.

و كما نعرف في سورة الكهف كيف حفظ الله أموال اليتامى، و أمر الخضر ببناء الجدار المتهدم الذي كان يخفى تحته كنزا تركه الوالد لأولاده قبل وفاته ليستخرجوه عندما يبلغا أشدهما ..فقد استودع الرجل تلك الأمانة عند الله، فلم يضيعها و سخَر لحفظها من يعمل على حمايتها دون أجر .. "و كان أبوهما صالحا"

من يراعى الله في تعامله مع أولاد غيره، و يشفق عليهم كأنهم أولاده؛ سيصل أجر ذلك بالتأكيد لأولاده في حياته أو بعد مماته؛ و بذلك يكون قد ضمن لهم حياة ميسرة مأمونة.

أما المبادئ الهادمة التي تسود المجتمع اليوم من تبادل المصالح و المنافع ، أو استباحة ظلم أحد من أجل منفعة ابن أو قريب فهو يشق بيده طريقا محتوما لفشل ذلك الابن ، و يظلم بحمقه نفسه وولده؛ فما كان الله ليضيع حق المظلوم و لو بعد حين.

كيف يتوقع الظالم الرحمة و قد علم أنه من لا يرحم لا يُرحم؛ أم للإنسان ما تمنى.. ربما خيل له غروره و تقلبه في النعم صباحاَ و مساءاَ أنها نصيب مفروض له لا يزول عنه.. ربما فكر أن الغنى سيظل هكذا للأبد و كذلك الفقير لأن الله خلقه لهذا.. هكذا يوسوس الشيطان لمن ينسى ذكر الله فلا يستفيق إلا بعد أن تناله العقوبة الغليظة، و يأخذه الله بذنبه؛ إن أخذه أليم شديد.


 


 

الثلاثاء، 16 مارس 2010

لا تكن كالقمر

كن كالشمس... مضيئة بذاتها لا تتوقف عن الضياء و توزع أشعتها و دفئها على الجميع بالعدل

و لا تكن كالقمر.. يعكس فقط الأشعة الواقعة عليه ' إن أضاءه شعاع أضاء و إذا ذهب أظلم

كما أن برودته تمنع أن يعيش فيه مخلوق

الشمس كبيرة في ذاتها و إن بدت لنا أصغر

الشمس أداة تنير للناس حياتهم و تدفعهم دفعا لترك النوم و الذهاب إلى أعمالهم.

القمر أداة الشعراء للتغزل و قول كلمات مؤقتة تذوب صباحا.

القمر لا يتمسك بزواره و محبيه؛ فليست لديه جاذبية لهم؛ و لا يزال رواده يطيرون فوق السطح ملتمسين ثباتا أو هروبا.

القمر متغير المظهر و الشكل – تارة هلال و تارة بدر و أخرى محاق - كل يوم في شكل جديد و مظهر مختلف؛ لا يثبت على صورة واحدة و إن تكررت دوراته، فإذا علمته اليوم بدرا قد يتحول هلالا بعد أيام..

إذا أردت ألا تكون كالقمر: فكن ذا شخصية واضحة لها مبدأ ثابت لا يتغير قلباَ و قالباَ مهما تغيرت الدنيا من حولك و مهما اختلفت مواقف الناس، و لا تجعل المجاملة عذرا لقول ما ليس بحقيقة، تمسك بأصدقائك و أحبائك لا تفرط فيمن حولك فربما لا يمكنك تعويضهم لاحقاً؛ فلا يستطيع أحد مهما كانت درجة ذكائه و استقلاليته أن يلفظ الناس كلهم و يبعدهم عنه؛ فالناس يحتاجون لبعضهم البعض و العزلة ليست سهلة...

و لتكن كلماتك مضيئة حانية تسع الناس حلما و دفئا، و لا تتعجل الأحداث فالدنيا تسير بميقات محدد و قدر معلوم.