الثلاثاء، 22 سبتمبر 2009

أبداً.. لم يكن وهماً


هل الحقيقة هي ما نراها بأعيننا، و الوهم ما خفي عنا فنتحدث إليه أو عليه فقط دون مشاهدته أو سماعه؟


الحقيقة هي ما نصدقها و نطمئن إلى حدوث نتائجها و تحقق أشراطها و علاماتها.


أما الوهم فهو السراب، كلمة مائعة مصيرها التسويف أو الإهمال، و أماني آخرها التحويل و أشباح الخيال


و لله المثل الأعلى وصف نفسه بأنه الملك الحق: "فتعالى الله الملك الحق"


و رؤية الجنة حق و رؤية النار حق


و عين اليقين هي العين التي سيرى بها الإنسان يوم القيامة الجحيم التي ذكرت في القرآن و سوف يسأله الله عندئذ عن النعيم الذي تمتع به في حياته و كيف أنفق ماله و عمره و صحته.


و تخاصم أهل النار حق، حيث يلقى المجرمون على بعضهم الملامة و المسئولية عن المصير البائس الذي وصلوا إليه.


و الحق فوق الباطل دائما يغلبه و ينتصر عليه مهما طال الصراع


"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق * و لكم الويل مما تصفون"


و من ثقة الإنسان في وعود ربه أن يثق فيما عند الله أكثر مما يثق فيما بين يديه و أن رزقه الذي فى السماء - و الذي أقسم الله أنه حق مثلما ننطق - سيأتيه و لابد فى الوقت الذي قدره الله.


و لذا لا يشترط أن نرى الشيء حتى نصدقه، تكفى علامات وجوده، و ثقة وعوده، و اكتمال الصورة الذهنية للصفات و النتائج، فليس كل حقيقة ترى.


و سؤال متعلق بهذه الفكرة : هل الحب ينشأ من القلب أم العين؟ أي هل من الضرورة رؤية المحبوب قبل أن يتعلق القلب؟


و الإجابة ببساطة في مثال و كلمة


المثال: حب الأم لطفلها جنيناً لم يخرج للحياة بعد، تظل تحبه و ترجو رؤيته و تهيئ له ملابسه و فراشه و تتخيل ملامحه و قسمات وجهه الصغير، و تتحمل آلام الحمل وعذاب الوضع المرير، صابرة مستسلمة حتى تتلقفه بين يديها لتراه عيناها لأول مرة بعد طول اشتياق.


الكلمة: الحب مكانه في القلب و يسكن فيه، و بالتالي ينبع من القلب إلى جميع خطرات و جوارح الإنسان و من ضمنها العين فهي تحت سيطرة القلب و تابعة له.


و كم من مجهول أضاف إليه الغموض جمالا و بهاء، و لما ظهر و أصبح معلوماً زالت تلك الهالة من حوله و عاد شيئا معتاداً.



الأحد، 13 سبتمبر 2009

عبس و تولى

إن الله تعالى ينصر الضعيف و يسمع من يناجيه مهما كان شكله أو مكانته بين الناس طالما قلبه عامر بالإيمان؛ فرب أشعث أغبر يرفع يديه إلى السماء فيستجاب له و يتقبل الله منه و لا يتقبل من غنى شريف بين الناس.

و الفقراء يدخلون الجنة قبل غيرهم من الأغنياء فيرحمهم الله من سوء الحساب و طول الانتظار في أيام الآخرة التي هي كألف سنة من سنوات الدنيا ، فهم خفيفون بقلة ما امتلكوا في الدنيا، أما الأغنياء فسوف يحاسبون على أموالهم الكثيرة و كيف أنفقوها؟ حسابا يحصى كل كبيرة و صغيرة..

و الضعفاء الذين لا حول لهم و لا قوة يسمع الله استغاثتهم و شكواهم إليه، كما في سورة المجادلة:

"قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله"

امرأة مستضعفة كادت تتعرض للتشريد هي و أولادها إلا أن ينقذها الله و يحكم الرسول لها بما أراه الله، جاءت الرسول و هي تأمل الخير بعدما اشتكت إلى الله فسمعها سبحانه و أنزل قرآنا في أمرها - و كم من الناس أعلى الله شأنهم فأنزل فيهم قرآنا يتلى على مر الأزمان- و استجاب لها و رحم ضعفها و حيرتها.

لقد علمنا الله الآداب القرآنية، قال تعالي: "عبس و تولى أن جاءه الأعمى" فقد عاتب الله نبيه الحبيب على عبوسه في وجه الأعمى، و كان سبب العبوس انشغال الرسول بدعوة أقوام شرفاء أراد دعوتهم للإسلام... بالرغم من كونه أعمى و لا يرى وجه من يتحدث إليه و لا يشعر بعبوسه إلا أن له حق الاهتمام به مثل المبصر تماما.

أفلا نتعلم من هذه الآية ألا نعبس في وجوه من حولنا خاصة إذا كانوا يقصدوننا في خدمة أو عمل؟ و الكلام موجه خصيصا للقائمين بإدارة مصالح الناس العامة، فكلهم في الهم سواء الموظف و المواطن طالب الخدمة كلاهما محمل بهموم المعيشة، فلماذا لا يرحم بعضنا بعضا؟ فمن مشى و سعى في حاجة أخيه يسر الله له أموره و كفى بذلك جزاء و خيرا كثيراَ.

ليس العبوس مكروهاً في وجه الغريب فقط؛ بل الأشد منه العبوس في وجه القريب الذي يلجأ إليك أو حتى بين أفراد الأسرة الواحدة اعتمادا على أن كل واحد منهم سيتحمل الآخر و أنه يمكن الاستغناء عن التجمل و كلمات الشكر الرقيقة في المنزل تخففا من روتين العمل و المجاملات المفروضة في تعاملات الناس الخارجية، و لكن هذا خطأ بالطبع فالعبوس و العنف لا يأتي بخير بل يزيد من الجفاء و يثير الغضب، كما أن الابتسام و الكلمة الطيبة لن تكلف الإنسان شيئاً بل سيريح نفسه و غيره.


 

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

دقات العمر

من منا لم تؤرقه دقات الساعة في أوقات القلق و الانتظار المرير؟ من لم يخرج الساعة المدوية من مكان نومه حتى لا يصاب بالجنون و قد استعصى عليه النوم في ليل طويل؟

دقات الساعة الرتيبة ليست فقط حركة عقارب و ثوان و تروس متتابعة بل هي حركة عداد العمر...العمر الذي ينتقص كلما مرت الساعات فيمضى العمر الثمين و ترحل ليالي كنا نظنها كثيرة و هي في الحقيقة معدودة قليلة.

"أليس الصبح بقريب؟"

مهما طال الليل فلابد له من نهار.. فلماذا يتعجل الإنسان حدوث الأشياء؟ حقاً لقد خلق الله الإنسان من عجل، لماذا لا يستمتع باللحظة الحالية بكل ما فيها؟ فليس الغد بأفضل من اليوم و ليس اليوم بأفضل من الأمس...

لماذا نفسد الحاضر بانتظار و ترقب المستقبل البعيد إذا كان مشرقا نأمل فيه الخير، أو القلق الشديد بشأنه إذا كان معتما نخشى منه الغدر.

ما أعجب الإنسان..

الطفل غير راض عن كونه صغيرا و الكل يتحكم فيه و مراقب من الوالدين في أفعاله و أقواله متلقيا التوجيه و اللوم و في كل وقت ...فهو يتمنى أن يكبر سريعاً.

الشاب غير راض عن كونه لم يعمل بعد فهو يتمنى أن يستقل بذاته و يكون حياته الخاصة.

الرجل غير راض عن كونه أصبح مقيدا بسلاسل من المسئولية لينفق على أسرته و متطلباتها الكثيرة فهو يدور في دوامة الحياة لا يكاد يلتقط أنفاسه.

الموظف غير راض عن كونه ملزماً بالحضور و الانصراف في مواعيد ثابتة فهو يتمنى لو استقل بعمله ليكون متبوعا لا تابعا و لا تحكمه اللوائح.

المحال على المعاش غير راض عن كونه لديه وقت فراغ طويل و لا أحد يهتم بخبرته فى الحياة.

الفتاة تتمنى أن تتزوج لتكون ملكة في بيتها فتترك أكثر الناس حباً لها و أرأفهم بها: والديها.

السيدة تتمنى أن تنجب أطفالا يملئون حياتها بهجة و صخبا.

الأم تتمنى أن يكبر أبناؤها لتتخفف من مسئولية التربية التي أثقلت كاهلها.

الجدة تتمنى و تستجدى زيارة الأبناء و الأحفاد بعد أن تشعر بوحشة المكان بعد أن غادره الأبناء بالزواج أو السفر واحداً تلو الآخر.

لماذا هذا الإنسان غير راض عن وضعه في كل مرحلة عمرية من حياته و لما يصل إلى ما يتمناه يعرض عنه و يتمنى شيء آخر؟ أليس الأفضل أن يرضى كلٌ بما هو متاح لديه؟

لقد أمرنا الله بالرضا و نهانا عن تمنى ما بيد الآخرين، قال تعالى: "و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض"

كما أمرنا بألا نتعجل الأحداث فهي آتيه في وقتها التي قدرها الله سبحانه: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه"

و علاج الأرق سهل و أكيد بذكر الله و صلاة ركعتين فى غسق الليل تذهب القلق ليحل مكانها الطمأنينة و هدوء النفس.

أما وقت الفراغ الطويل فذلك يستدعى خطة محكمة فقتل الوقت (و هو تعبير دارج مرفوض) هو قتل للعمر فهل يرضى إنسان لنفسه أن تتسرب أيامه من بين يديه؟ إن وقت الفراغ ليس مفتوحا أو مباح إهداره في أشياء تافهة مثل التسكع في الطرقات أو لعب النرد (الزهر) أو مشاهدة مباريات الكرة بشكل مبالغ فيه ، و بالنسبة للفتيات و السيدات لا يصح تضييع الوقت في التسوق الغير هادف و كثرة الحديث في الهاتف ، وعلى الجميع عدم إضاعة الوقت في الجدال العقيم فكثرة الكلام بغير ذكر الله تميت القلب.

و لكي تتحقق البركة في الوقت لمن لديه أعمال كثيرة أو للطلاب وقت الامتحانات يجب تنظيم الوقت بحيث يتم تنفيذ الأهم فالمهم و محاولة العمل المتوازي (أي في نفس الوقت) للأعمال التي تسمح بهذا و التخطيط الأمثل للوقت.

كل الأوقات تمضي بخيرها و شرها.. ما يهم هو العاقبة و النتيجة؛ إن كان العمل فيها خيرا فخير و إن كان شرا فشر.


 

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

كيف تشملك نعمة غيرك؟

إن أصحاب القلوب الصافية و الفطرة السليمة يعتبرون فضل الله على غيرهم بشرى لهم و فضل و كرم من الله، فيسعدون لسعادتهم و يتمنون مثلها من الله، أما ذوي الأحقاد و القلوب المريضة فيستاءون ويقارنون ما لديهم بما لدى غيرهم و ربما يستكثرون النعمة على غيرهم و تنهشهم الغيرة فيدمرهم الحسد و يفسد عليهم حياتهم، و لا يقنعون بفضل الله عليهم فتكون عقوبتهم أن يأكل الحسد أعمالهم يوم القيامة كما يأكل النار الهشيم.

فالذى يفرح لنعمة أصابته فقط يسعد في أوقات معدودة محدودة ؛ أما الذي يفرح لفرح غيره فيفرح مرات و مرات و يعايش مشاعر جميلة عاشها من قبل أو تمنى أن يعيشها فتضئ له حياته و تغمرها بالرضا و الأمل ، و العكس صحيح فإذا رأى المسلم ضراً أصاب أحداً تأثر له وساعده، وواساه فالمسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ؛ و إن كان أغلب الناس يتأثرون بمصائب الغير و لكن ذلك وقتياً و بمرور الوقت ينسى الناس ما كان فلا يتذكرون المصاب و لا يتعهدونه بالرعاية و العون بل يتركونه في خضم الحياه يناضل و يكافح بلا سند ممن حوله فلا يتذكرونه إلا إذا أصابهم مثلما أصابه و دارت عليهم الدوائر.

و الغبطة أن تتمنى مثل النعمة الحاصلة لغيرك فيكون ذلك حافزاً للوصول إلى الأحسن و يؤدي إلى التنافس محمود، أما الحسد فهو أن تتمنى زوال نعمة غيرك و هو بالطبع خلق مذموم و فعل محرم ؛ قال تعالى "أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".

و في القرآن الكريم قال الله تعالى في سورة مريم "هنالك دعا زكريا ربه"؛ لقد كان سيدنا زكريا يجد عند مريم رزقاً كثيراً كلما دخل عليها المحراب و لما سألها من أين لك هذا ؟ أجابته "إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" هنالك انطلقت من أعماق القلب دعاء خالص أن يهبه ذرية طيبة و هي الأمنية التي طالما تمناها زكريا عليه السلام حتى اشتعل الرأس منه شيباً فاستجاب له الله ووهبه يحي عليه السلام حناناً من لدنه و الذي كان براً بوالديه و كان صالحاً تقياً.
و مطلوب من المؤمن أن يشكر الله أيضا على نعمة الغير كما في دعاء الرسول عليه الصلاة و السلام "اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد و لك الشكر"و أن يطلبه لنفسه أيضاً كما فى الدعاء "اللهم ما قصر عنه رأيي ولم تبلغه نيتي، ولم تبلغه مسألتي، من خير وعدته أحدا من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك، فإني أرغب اليك فيه"

فياليتنا نترابط و نتكافل معاً و نلتزم بأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم "لا تحاسدوا و لا تباغضوا و كونوا عباد الله إخوانا" كى نحيا فى سعادة و نجنى ثمرة الطاعة بفضل الله و برحمته.