الخميس، 26 نوفمبر 2009

لبيك و سعديك و الخير كله بيديك

لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك لبيك و سعديك و الخير كله بيديك

قال تعالى فى كتابه العزيز "فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم و ارزقهم من الثمرات" - سورة الحج

و لقد أجيبت دعوة سيدنا ابراهيم الخليل فما إن يجئ موسم الحج حتى يشتاق المسلمون جميعا سواء من حج من قبل أو لم يحج بيت الله و تهفو القلوب و تتطلع لرؤية الكعبة المشرفة و الانضمام لضيوف الرحمن للفوز بالمغفرة و الرضوان فالحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

نردد هذا النداء الخالد " لبيك اللهم لبيك" في يوم عرفه مع الذين أسعدهم الله بزيارة بيته و الوقوف بين يدي رحمته في جبل عرفات فى نهاية الأيام العشر الأولى لذي الحجة و التي يستحب صومها و الإكثار من التهليل و التكبير و التحميد و سائر الأعمال الصالحة لمشاركة الحجاج ذكر الله تعالى و التهيئة النفسية للنحر و ذبح الأضحية يوم العيد فى هذا الجو الروحاني الرائع حيث نتذكر رحمة الله بخليله ابراهيم و ابنه اسماعيل بعد أن صدق الرؤيا و آثر طاعة الله على غريزة حب الولد و الذي رزقه الله به على كبر سنه و سن زوجه حيث قال الابن البار لوالده (.يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين) و لما استسلما لإرادة الله و أدار الابن وجهه لئلا يتأثر سيدنا ابراهيم أثناء الذبح حينئذ فداه الله تعالى بذبح عظيم ؛ فيا للكرم و الجود و الرحمة ، نتذكر هذا فنطمع فى عفو الله حين يباهى بالحجاج الملائكة : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "يهبط الله إلى السماء الدنيا عشية عرفة ثم يباهى بكم الملائكة فيقول : هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً من كل فج عميق يرجون رحمتى و مغفرتى ، فلو كانت ذنوبهم كعدد الرمل لغفرتها ، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم و لمن شفعتم فيه )

و نرجم الشيطان.. ذلك العدو القديم ؛ نضحك عليه كما ضحك الرسول صلى الله عليه و سلم في المزدلفة و قال: ( إن إبليس حين علم أن الله قد غفر لأمتي و استجاب دعائي ، هوى يحثي التراب على رأسه و يدعو بالويل و الثبور فضحكت من الخبيث من جزعه )

في يوم عرفة لا يتوقف الدعاء و تظل الألسنة تلهج بذكر الله في خير الأيام- يوم الحج الأعظم- ليتذكر الناس يوم الحشر حيث الأعداد لا نهائية من البشر من كل صوب و حدب من كل الأجناس و الأشكال حيث الهدف واحد و القبلة واحدة و المناسك واحدة كل يرجو رحمه الله و يخشى عذابه يسألون أكرم من سئل و أجود من أعطى ؛ هناك حيث الجميع متساوين متجردون من زينة الحياة الدنيا و متاعها فهم ضيوف الرحمن و حق على المضيف أن يكرم ضيفه.

حقاً إن القلوب تهوى مكة؛ و إليها تشتاق و تتطلع؛ و الزرق فيها وفير و كذلك الأمن و السكينة بينما يتخطف الناس من حول هذا الحرم الآمن كما قال الله تعالى "أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمنًا و يتخطف الناس من حولهم".


نقول من أعماق القلب: لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك نحن بك وإليك تباركت وتعاليت نستغفرك ونتوب إليك.


 

الاثنين، 16 نوفمبر 2009

الصداقة

هل صداقة هذه الأيام مثل صداقة زمان؟ فيما اختلف مفهوم الصداقة بين الماضي و الحاضر؟

بالطبع الصداقة في الأيام السابقة كانت أوفر و أعمق؛ مثلها مثل كل الأشياء الجميلة في انتقاص.. و لكن أسباب الصداقة و استمرارها عامل مشترك بين الأجيال كما نرى في تلك المقالة للكاتب "أحمد أمين" فى كتابة فيض الخاطر...


 

"الظاهر أن أساسها (يعنى الصداقة) تناسب المزاج، فقد يكون المزاجان متناسبين و هما مختلفان كأن يكون أحد الصديقين قوى الشخصية و الآخر ضعيفها، فكل يرى أن الآخر يكمل نفسه و لو كانا قويي الشخصية أو ضعيفيها لتنافرا بل اعلم أنه فى كثير من الأحيان تسوء العائلة و يكثر الشقاق لأن كلا من الزوجين قوى الشخصية و لو اختلفا في الشخصية لاتفقا ، و أحيانا يكون أساس الصداقة وحدة الغرض.

و يلعب لعبا كبيرا في هذه الصداقة القدر، فقد يتصادق اثنان لأنهما تقابلا في قطار أو وليمة أو نحو ذلك ، و كانا لا يتصادقان لو لم يحدث هذا الحادث المفاجئ.

و يلاحظ ان الصداقة أنواع: فقد يكفى فى تكوينها وقوع النظر على النظر ، أو المحادثة من أول كلمة فتكون كشعلة النار تلتهب التهابا سريعاً، و قد تكون الصداقة متكونة على طول الزمن و ربما كانت هذه أحسن.

و كثير ما يفسد الصداقة سوء الظن أو تغير الحال، و من أغرب ما يضعف الصداقة أن تكون مبنية على العقل لا العاطفة.

و أسوأ ما يفسد الصداقة أنانية أحد الصديقين فهو يريد أن يتحكم في صديقه و ليس يسمح لصديقه أن يتحكم مرة واحدة في حياته.

و علاقة الصداقة الطيبة ارتياح الصديق لصديقه، و الاطمئنان عليه و عد ساعات الوصال أسعد من الاجتماع بآلاف المعارف، ثم يشعر هذا الصديق بما يشعر به المحب من فرحة الوصال و ألم الفراق، لا أن يتركه لمجرد المصادفة فيهش (يسعد) حين يراه و لا يذكره حين يغيب عنه.

و من أكثر أسباب الألفة وجود النفس المرحة في الصديقين أو أحدهما فذلك يفيض على الصداقة سرورا و بهجة...

ما أكثر أسفى لو فقدت صديقي، و ما أكثر فرحى لو عثرت على صديق بمعنى الكلمة.. و لكن تمر الأيام و يفقد بعض الأصدقاء و يقل تقويم بعضهم..

و ما الحياة بلا صديق؟ إنها عيش فى صحراء أو حمام ناعم بلا ماء."


 

الأربعاء، 11 نوفمبر 2009

مبدع نهضة مصر

يشتد إعجابي كثيرا بالشخصيات اللامعة التي استغلت عمرها القصير في أعمال جليلة كتبت لأسمائهم الخلود و لأوطانهم الرفعة و الفخر




في زيارة سريعة لمتحف محمود خليل..استطعت تسجيل أحاسيس و ذكريات لمحات فنية لهذا المتحف الرائع.




تطالعك - إلى جانب التماثيل الكبيرة- منمنمات مصرية منحوتة تتعجب لشدة دقتها و تعبيرها الرائع عن معاني داخلية عميقة، خاصة وجوه الشعبية من فلاحين و شيخ البلد و زوجته و مهرجين أيضاً.

قاعة الخماسين:تشرف باحتواء تمثال رائع لسيدة تقاوم رياح الخماسين و قد أحاطت رأسها بوشاح لاتقاء الأتربة و قدمت إحدى قدميها و قد جسمتها شدة الريح، تضم يديها إلى صدرها ربما لتحكم ربط غطاء رأسها لكيلا يطير مع الرياح، تشعر بكمية الهواء المتسلل عبر ملابسها فتجعلها منتفخة كالبالون .. كم هى معبرة فعلا عن قسوة الطبيعة و مواجهة امرأة وحيدة للصعاب .




















تمثال العميان الثلاثة: مشهد لثلاثة عميان يستند أحدهم على الثاني الذي يسند بدوره على الثالث الممسك بالعصا .. ترى ماذا كان يقصد الفنان بهذا؟ هل يقصد الحال عندما يلجأ العاجز إلى عاجز مثله؛ و عجائب القدر في ذلك، أم هو الضعف المضاعف، أم أن التعاون يجبر النقص و يزيل الإعاقة؟ كلها صفحات مفتوحة في خيال الناظر للتمثال.











تمثال عروس النيل: به كثير من الدلال و الجمال الناعم؛ فتاة مرتدية حليها كاملة من قرط و عقد و الثعبان المقدس حول رأسها، و تلمح زاوية الحلق فى أذنها حسب جاذبية الأرض معطيا مصداقية فى التعبير.









تمثال الراحة: إنها الراحة بعد التعب؛ لحظات تغفو فيها تلك السيدة القائمة بأعباء المنزل التي لا تنتهي وقت القيلولة، لم تجد مكانا ترتاح فيه و تلتقط أنفاسها -لتواصل كفاح الحياة و كدحها- سوى ركبتها اليسرى متخذة من يسراها وسادة تريح عليها رأسها الواهن.





و أجملهم تمثال "نحو الحبيب" بما فيه من معاني السكينة و الهيام و الحب الممزوج بالخجل مع الإقبال و السعادة.








ترى لوحات كبيرة من الجض المنقوش منها ما هو بارز و منها ما هو منحوت في لوحات مصرية تمزج الريف الحديث بالريف المصري الفرعوني من خلال سوق (جر) أحد الفلاحين لبقرته و إمساكه بالمنجل و عشق الأرض و الزراعة أصل الخير في مصر.




حب محمود مختار لسعد زغلول واضح جدا في تنوع أعمال كثيرة له بين لوحة جداريه لسعد و هو يقدم مطالب الأمة و تماثيل بأحجام و حركات مختلفة له.




و أيضا معروض قصاصات الجرائد التي تشيد بفن محمود مختار سواء عربية أو أجنبية و رسوم كاريكاتيرية له.

و من ملابسه معطف أسود و آخر فاتح اللون معلقان حول مقعد محمود مختار الأثري.




و مجموعة العدة التي كان يستخدمها في النحت من شاكوش و أجنة و أدوات أخرى.

و في الختام يطالعك تمثال كبير الحجم لسيدة تملأ الجرة و تكاد تتألم من ثقل الجرة على يد تلك السيدة التي تلتقطها من الأرض بصعوبة.. لقد كان حقاً مدهشا و متميزا جدا.

بين الماضي و الحاضر
هل تتخيل الآن لو أن حملة إعلانية قامت لتدعو الناس للتبرع لتجميع تكاليف إنشاء تمثال ضخم يمثل مصر .. كيف يكون رد فعل الناس الآن؟
في العصر الحالي: سوف تجد الشيوخ ينقسمون إلى نصفين نصف يفتى أن تلك الأموال لبناء التمثال من قبيل زكاة المال
و الآخر يحرم المساهمة في بناء التمثال لان نحت التماثيل حرام أو لأن الناس أول بهذه الأموال
و تجد جامعي التبرعات يتفننون لاختلاس ما يستطيعون منها
هذا إن وجد أصلا من يتبرع لهذه الحملة اللهم إلا إذا كانت من قبيل الشهرة و التباهي
و بعد جمع التبرعات سيتوقف المشروع حتى تعتمد وزارة الثقافة خطة المشروع ..

أما بالأمس:

فى سنة1919 حدثت انتفاضة الثورة التي بدأت على أثرها حركة تبرعات شعبية لتغطية تكاليف تشييد تمثال نهضة مصر، وقد استجابت فئات الشعب المختلفة وتحمست الجماهير، وتبرعت نساء بحليهن، وظهر بين رجال الأزهر وخطباء المساجد من يدعون لإقامة التمثال وجمع التبرعات، حتــى بلغ مجموع التبرعات 6500 جنيه مصري، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، وفي عام 1928 تزاحم سكان القاهرة والأقاليم في ميدان السكة الحديد الرئيسي لمشاهدة الملك أحمد فؤاد، ملك مصر فى ذلك الوقت، وهو يزيح الستار عن تمثال «نهضة مصر» في فرحة عارمة، بينما وقف مختار فرحاً بتحفته التي لم يتقاض عليها قرشاً واحداً. ثم عام 1955 نقل التمثال إلى مكانه الحالي.




و لأنه دائماً لا تكتمل السعادة، والنقصان يتربص بروعة و اكتمال البنيان؛ فقد أصابت محمود مختار علة في يده اليسرى ثم توفى عن عمر 43 عاما و لم تكتمل أحلامه فلم يكن مقدرا له أن ينحت تمثالا للاسكندر الأكبر

وفاء الأصدقاء

بعد وفاة مختار قرّر الدكتور طه حسين جمع أعماله في معرض خاص به، وذلك بعد استعادة جملة من أعماله التي صنعها في باريس ليفتتح المتحف في ركن مستقل من حديقة الفن الحديث في شارع قصر النيل بوسط القاهرة في مارس (آذار) 1952.

و يمكنك أن تشاهد فى المتحف لوحة معروض بها مقالة صديقه مصطفى عبد الرازق فى حفل تأبينه و كلماته المؤثرة عن فن محمود مختار المتميز و شخصيته الوطنية من صميم القلب.

نشأة المتحف:

في عام 1962 حرص الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة المصري آنذاك، على تأسيس متحف خاص لمختار، هو الذي تولّى تصميمه الفنان رمسيس ويصا وحاول فيه التعبير عن العلاقة التي ربطت مختار بأجداده الفراعنة، فجاء البناء على شكل هرمي، توجد بداخله رفات المثال المبدع وكنوزه الفنية مثل الأهرام التي شيّدها الأجداد ليدفن فيها الملك مع كنوزه وآثاره.